كيف تُعرَفُ تزكيَةُ مَن يُؤخذُ مِنه العلم؟
الشَّيخ سُليْمان الرّحيليّ
حفظهُ اللهُ
التَّفريغ
• يقُول الأخ: السَّلام عليكم ورحمة اللهُ وبركاته، شيخنا جزاكم اللهُ خيرًا، ونفع بعلمِكم. عندنا طلبةُ علمٍ، لا نعلمُ عنهُم إلاَّ خيرًا، نفع اللهُ بهم، يُعلِّمُون كُتُبًا في الاعتِقاد والسُّنَّة، فجاءنا بعضُ الأُخوة، ونَشَرَ في الطَّلبة أنَّ العلمَ أوَّلاً لا يُؤخذُ إلاَّ مِن الأكابر، وثانيًا لا بُدَّ مِن تزكيةٍ مِن العُلماء لهذا القائمِ بهذه الدُّرُوس؛ فأدَّى هذا إلى تركِ بعضِ الدُّروس الَّتي لا يُوجد غيرُها في المِنطقةِ عندنا! فما موقِفُنا مِن ذلك؟ نرجو التَّوجيه بارك اللهُ فيكُم.
◄لا شكَّ أنَّ العلمَ إنَّما يُؤخذُ عن الأكابر، وأنَّه لا بُدَّ مِن التَّزكية، لكن مَن هم الأكابر؟
الأكابر مَن كبَّرهم علمُهم، وعُرِفُوا بالعلم ولو صَغُرَ سِنُّهُم، ولو كانُوا شبابًا، فهُناك أكابر مِن الصَّحابةِ صِغارٌ في السِّنِّ أُخِذَ عنهُم العلم، وأنَارَ علمُهم الدُّنيا.
فهذه قضيَّةٌ مِن الأهميَّةِ بمكان، وهي أنَّ الصَّغيرَ قد يُكبِّرُهُ علمُهُ، فيُعرفُ بالعلمِ المَتِين النَّافع، وهذا كثيرٌ في السَّلف بَدءًا مِن الصَّحابة رِضوان اللهِ عليهم إلى ما بعد الأئمَّة، ولا بُدَّ مِن التَّزكيةِ، فإنَّ العلمَ دينٌ، فينبغي أنْ ننظُرَ عمَّن نأخُذَ دينَنا، لكن كيف تكون التَّزكية؟
التَّزكيةُ تكُون بثلاثةِ أُمورٍ:
الأمر الأوَّل: نَصُّ العُلماء المُعتبَرِين على تزكيتِه، أنْ ينُصَّ العُلماء أو بعضُهم، ولا نحْصُر التَّزكيةَ في عالِمٍ ولا عالِميْن ولا ثلاثة، بل أنْ ينُصَّ عالِمٌ مِن العُلماء المُعتبَرِين أو جمْعٌ مِنهم على أنََّ فُلانًا مُزكَّى، ويصلُحَ لأنْ يُؤخذَ عنه العلمَ.
الأمر الثَّاني: أنْ يشتهِرَ بالتَّعليم مِن غيرِ أنْ يُنكَرَ عليه مِن أهلِ العلم، يُعرف بأنَّه مُدرِّسٌ، ويَشْتهِر هذا عنه، ولا يُنكِرُ أهلُ العلمِ المُعتبَرُون تدرِيسَهُ؛ فهذه تزكيةٌ سُكُوتيَّةٌ، إذْ لا يلِيق بمَقامِ العُلماء أنْ يكُون هذا مِمَّن يُنهى عن الدَّرس عليه ولا....
والأمر الثَّالث: وهذا مِن الأهميَّةِ بمكان أنْ يُزكِّيَهُ عِلمُهُ، فلا يُعلِّمُ إلاَّ السُّنَّة، أعني ما يكُون فيه الحقِّ، ولا يأخُذ إلاَّ عن عُلماء السُّنَّة، ويُقرِّر كُتب عُلماء السُّنَّة، ولم يُؤخذْ عليه ردٌّ لكلام العُلماء المُعتبَرِين، ولا مُخالَفات للسُّنَّة؛ فهذا يُزكِّيهِ علمُهُ.
وليس كُلُّ طالب علمٍ نافع يعرِفُهُ العُلماء، ولكن يُنظَرُ في علمِهِ الَّذي يبُثُّهُ، هل يُعلِّم السُّنَّة؟ هل يحترِمُ آراء عُلماء السُّنَّة؟ هل ينقُلُ كلام عُلماء السُّنَّة؟ فإنْ كان ذلك كذلك؛ فقد زكَّاهُ عِلمُهُ، ويُؤخذُ عنه العلم.
والقولُ بأنَّه لا يُؤخذ العلم إلاَّ عمَّن زكَّاهُ العُلماء نصًّا يسُدُّ بابَ الخيرَ.
كثيرٌ مِن البُلدان فيها طُلاَّب علمٍ، يُعلِّمُون السُّنَّةَ، وشُرُوح أهلِ السُّنَّة، ويُعلِّمُون بحسب ما تعلَّمُوا، ولكنَّهم لا يحمِلُون تزكيةً مِن عالِمٍ مُعيَّن، لكن لمْ يُعرفْ عليهم ما يجْرحُهم في علمِهم. فإذا قُلْنا إنَّه لا يُؤخذُ العلم عنهم؛ لنْ يبقى علمٌ في كثيرٍ مِن البُلدان، وسيُسَدُّ بابُ الخير، ويقُوم أهلُ البدع ويُدرِّسُون، وأهلُ السُّنَّة يكُفُّون، ويُصبح أهلُ السُّنَّة يتعلَّمُون مِن أهلِ البدع أو مِن الأنترنِت أو غيرِه؛ وهذا لايصِحُّ ولا يستَقِيمُ.
إذًا نحنُ نقول: لا بُدَّ مِن التَّزكية، ولا يصِحُّ أنْ نتساهل، فنأخُذ العلمَ عن كُلِّ أحدٍ، لكن كيف تكُون التَّزكية؟
- إمَّا بنَصٍّ مِن عالِمٍ أو عدَدٍ مِن العُلماء المُعتبَرِين المعرُوفِين بالسُّنَّة.
- وإمَّا باستِفاضةٍ وشُهرة مِن غيرِ نكِيرٍ مِن العُلماء.
- وإمَّا بعلمٍ صحيح سلِيمٍ خالٍ مِمَّا يجرح، يُعرفُ به طالبُ العلم الَّذي يُعلِّمُ.
ثُمَّ لا شكَّ أنَّ الواجبَ على كُلِّ أحدٍ أنْ ينتهيَ إلى ما علِمَ، وأنْ لا يزيدَ على ما علِمَ، حيثُ انتهى علمُهُ يُعلِّمُ النَّاس.
كثيرٌ مِن بُلدان المُسلِمين بحاجةٍ إلى مَن يُعلِّمُهم الأُصول، فمَن عَرف هذه الأُصول عن أهلِ السُّنَّة وضبطَهَا، فإنَّه يُعلِّمُ النَّاس، لكن ما يُصبح شيخُ الإسلام ابن تيمية!
يعني بعضُ طُلاَّب العلم قد يأخذ كتابًا أو كتابيْن، ثُمَّ بعد ذلك يذهب يُدرِّس؛ فينْتفِخ، ويرُدُّ على بعضِ العُلماء الأكابر، ويُفتي في كُلِّ شيءٍ، ويتكلَّم بكُلِّ! لا شكَّ أنَّ هذا ضلالٌ، ولكن المُحسن هو الَّذي ينتهي إلى ما علِمَ، وينشُرُ الخيرَ والسُّنَّة.
ولا يجُوز لنا أنْ نقِفَ عائقًا في وجه نشرِ الخيرِ والسُّنَّة، وهذا هو الَّذي هو أدرَكْنا عليه صَنِيع العُلماء كالشَّيخِ ابن باز رحمهُ اللهُ، والشَّيخ ابن عُثيْمِين رحمهُ اللهُ في تعامُلِهم مع طُلاَّب العلم.
أمَّا مَن عُرِفَ بجرْحٍ، أو كان في علمِه خَلْطٌ، أو كان مجهُولاً مِن كُلِّ وجهٍ؛ فمِثلُ هذا لا ينبغي أخذُ العلم عنه، واللهُ أعلم.