أهل القرآن.
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تحفيظ القرآن وتعلم أحكامه ونشر التوحيد.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولكتب فلاشية
مرحبا بكم في منتدى أهل القرآن لـتحفيظ القرآن وتعلم أحكامه ونشر التوحيد.

 

 شرح ديوان المتنبي

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:27 pm

يعني أن العشق مستعذب القرب كقرب المعشوق وإن كان ينال من روح العاشق والمعنى أن العشق قاتل وهو مع ذلك محبوب مطلوب
لو قلت للدنف الحزين فديته مما به لأغرته بـفـدائه
أراد بفدائك إياه أي بأن تفديه فتقول له ليت ما بك من حزن الصبابة وبرح الهوى بي لأغرته أي لحملته على لاغيرة بهذا القول وأضاف المصدر إلى المفعول في قوله بفدائه
وقى الأمير هوى العيون فإنه ما لا يزول ببأسه وسخـائه
يدعو له بالسلامة من الهوى لأنه ليس مما يدفعه البأس والسخاء أي هو الطف من ذلك
يستأسر البطل الكمي بنظرةٍ ويحول بين فؤاده وعزائهِ
يريد أ، الهوى يأسر الرجل الشجاع حتى لا يقدر على الصبر والتجلد وإن كان بطلا شجاعا وهذا قريب من قول جرير، يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به، وهن أضعف خلق الله أركانا.
فأتيت من فوق الزمان وتحتهِ متصلصلاً وأمامهِ وورائهِ
متصلصلا له صلصة وحفيف لسرعته والمعنى أحطت به دوني فمنعتني نوائبه ومنعته من الوصول إليّ كالشيء الذي يحاط به من جميع جوانبه صار ممنوعا والمعنى حميتني من الزمان
من للسيوف بأن تكون سميهُ في أصله وفرنده ووفائه
قوله تكون خبرٌ عن السيوف وليس بمخاطبة يقول من يكفل للسيوف بأن تكون سمي سيف الدولة أي مثله فيما ذكر كقوله أيضا تظن سيوف الهند البيت واستعار له اسم الفرند لما كان يقع عليه أسم السيف ثم ذكر الفصل بينه وبين سيوف الحديد
طبع الحديد فكان من أجناسه وعليٌّ المطبوع من آبـائه
أي الحديد ينزع إلى أجناسه من الحديد إن كان جيدا وأن كان رديا وعليٌّ ينزع إلى آبائه في شرفهم وكرمهم وجاء رسول سيف الدولة مستعجلا ومعه رقعة فيها بيتان في كتمان السر يسأل اجازتهما وهما، أمنى تخاف انتشار الحديث، وحظي في ستره أوفرُ، ولو لم اصنه لبقايا عليك، نظرت لنفسي كما تنظر، وهما للعباس بن الأحنف فقال أبو الطيب.
رضاك رضائي الذي أوثرُ وسرك سري فما أظهرُ
أي إذا رضيت أمرا فهو رضائي الذي أوثره وسرنا واحد فما أظهر من سرك وما استفهام انكار أي لا أظهر سرك لأنه سري
كفتك المروة ما تتقي وأمنك الود ما تحذر
يريد أنه ذو مروةٍ وذو المروة لا يكون بذورا مذياعا وإنه مع ذلك يوده فلا يفشى سره
وسركم في الحشا ميتٌ إذا أنشر السر لا ينشرُ
يريد أنه لشدة اخفائه السر إماتةً لا نشر له بعدها وهذا من قول الآخر، أني لأستر ما ذو العقل ساتره، من حاجةٍ وأمات السر كتمانه، وقول عمر بن الخطاب، وكنتُ أجن السترَّ حتى أميتهُ، وقد كان عندي للأمانة موضعُ،
وإفشاء ما أنا مسـتـودعٌ من الغدر والحر لا يغدرُ
إذا ما قدرت على نطـقةٍ فإني على تركها أقـدرُ
يريد أنه على الكتمان أقدر منه على الإظهار لأن الإظهار فعل والكتمان ترك الإظهار ومن قدر على فعلٍ كان على ترك الفعل أقدر
أصرف نفسي كما أشهي وأملكها والقنا أحمـرُ
يريد أ،ه مالك لنفسه قادر على ضبطها وتصريفها على مراده لا تغلبه نفسه على شيء لا يريده وهو صابر يصبر نفسه على مكاره الحرب إذا احمرت الرماح بالدماء
دواليك يا سيفـهـا دولةً وأمرك يا خير من يأمرُ
الدوال المداولة وتناول شيء بعد شيء والمعنى دالت لك الدولة دولا بعد دول وهذا كقولهم حنانيك وهذاذيك وهو من المصادر التي تستعمل مثناه والغرض بها التوكيد ونصب دولةً على التمييز كأنه قال من دولة وأمرك أي من أمرك
أتاني رسولك مستعجـلا فلباه شعري الذي أذخرُ
ولو كان يوم وغى قاتما للباه سيفي والأشـقـرُ
أسم كان مضمر على تقدير ولو كان ما نحن عليه من الحال دعاءك أياي يوم وغى والقاتم المظلم بالغبار والبيتان من قول البحتري، جعلت لساني دونهم ولو أنهم، أهابوا بسيفي كان أسرع من طرفي،
فلا غفل الدهر عن أهلهِ فإنك عين بها ينظـرُ
يقول أنت عين الدهر والدهر ينظر إلى الناس بك فلا صار الدهر غافلا عن الناس بهلاكك أي بقيت ولا هلكت فإن ما يصيب الناس من إحسان واساءة فهو منك فلو هلكت بطل ذلك كله فيصير الدهر كأنه غافلٌ عن الناس وقال وقد استبطأ سيف الدولة مدحه وتنكر لذلك
أرى ذلك القرب صار أزورارا وصار طويل السلام اختصارا
أراد بالاختصار المختصر يقول صار السلام الطويل مختصرا يعني بالعتاب الذي يضمره
تركتني اليوم في خـجـلةٍ أموت مراراً وأحيا مرارا
يقول أنا في خجلة من الناس لاعراضك عني فصرت كأني أموت خجلا وأحيا مرارا لأن الخجلة كانت عارضةً إذا زالت حييت وإذا عادت صرت كالميت
أسارقك اللحـظ مـسـتـحـييا وأزجر في الخيل مهري سرارا
أي أنظر إليك مسارقة وحياء منك ولا أرفع صوتي
وأعلم أني إذا ما اعتـذرت إليك أراد اعتذاري اعتذارا
أي أن اعتذرت إليك من غير جناية كان ذلك كذبا والكذب مما يعتذر منه وقال ابن جنى أي اعتذاري من غير ذنب شيء منكر ينبغي أن اعتذر منه لأنه في غير موضعه.
كفرت مكارمك الباهرات إن كان ذلك مني اختيارا
أي جحدت ما لك من المكارم الظاهرة إن كان ترك المدح وتأخير الشعر اختيارا مني
ولكن حمى الشعر إلا القلي ل هم حمى النوم إلا غرار
يقول منعني الهم الشعر وإن أنشئه إلا القليل منه أي قطعني عن النوم والشعر جميعا
وما أنا أسقمت جمـسـي بـه ولا أنا أضرمت في القلب نارا
هذا اعتذار مما عرض له من الهم الذي أسقم جسمه وأوقد في قلبه نارا بحرارته وكان سبب انقطاعه عن الشعر يقول لم أفعل ذلك أنا
فلا تلزمني صـروف الـزمـان إلـى أســاء وإياي ضـــارا
وعندي لـك الـشـرد الـسـائرا تُ لا يختصصنَ من الأرض دارا
الشرد جمع شرود يعني القصائد والقوافي التي لا تستقر في موضع واحد بل تسير في البلاد والآفاق.
قوافٍ إذا سرن من مقولـي وثبن الجبال وخضن البحارا
ويروي فهن ويروى فأين والبيت تفسير البيت الذي قبله والوثوب لازمٌ وقوله وثبن الجبال أي جزنها وقطعنها وإنما قال وثبن لارتفاع الجبال والمعنى أن الجبال والبحار لا تمنع سيرها قال عليّ ابن الجهم يصف شعره، فسار مسير الشمس في كل بلدةٍ، وهب هبوب الريح في البحر والبحر،
فلو خلق الناس من دهرهـم لكانوا الظلام وكنت النهارا
ولي فيك ما لم يقـل قـائل وما لم يسر قمرٌ حيث سارا
أشدهم فـي الـنـدى هـزةً وأبعدهم في عدوٍ مـغـارا
قال ابن جنى يقول يهتز موكبه لسرعته إلى الندى قال ابن فورجة يقول أنك أشد الناس هزةً في ساعة الندى وهي الهزة التي تصيب الجواد إذا هم بالعطاء كما قال، وتأخذه عند المكارم هزةٌ، وأين هذا من هزة الراكب ولم يكن الندى من سيف الدولة على بعد فيحتاج أن يركب إليه في مركبٍ اهتز هذا كلامه والمعنى أنه أنشط الناس عند الجود وأبعدهم مدى غارة في العدو
سما بك همي فوق الهمومِ فلست أعد يسارا يسارا
يقول سمت بك أي بسببك همتي حتى صارت فوق الهمم ولست أقنع بما يكون غنًى ويسارا حتى اطلب ما فوقه ثم أكد هذا المعنى
ومن كنت بحرا له يا عل يُّ لم يقبل الدر إلا كبارا
ورحل سيف الدولة من حلب يؤم ديار مضر لاضطراب البادية بها فنزل حران فأخذ رهائن بني عقيل وقشير والعجلان وحدث له بها رأيٌ في الغزو فعبر الفرات إلى دلوك فقال أبو الطيب يذكر طريقه وأفعاله في جمادى الآخرة سنة 342
ليالي بعد الظاعنين شكـول طوال وليل العاشقين طويل
شكول متشابهة في الطول جمع شكل وشكل الشيء مثله وذلك أن ليالي الناس تقصر وتطول بحسب اختلاف الشتاء والصيف ولياليه طوال لبعد الحبيب وامتناع النوم ويجوز أن يكون مشاكلتها من حيث أنه لا يجد روحا فيها ولا نوما يقول لا يتغير حالي في ليالي بعدهم ولا ينقضي غرامي ووجدي بالحبيب وكأنه ضد قول القائل، إذا ما شئت أن تسلى خليلا، فأكثر دونه عدد الليالي، ثم أخبر عن طولها فقال هي طوال وكذا ليالي العشاق
بين لي البـدر الـذي لا أريده ويخفين بدرا ما إليه سبـيل
وما عشت من بعد الأحبة سلوة ولكنني للنائبـات حـمـول
يقول ليس بقاءي بعدهم لسلوى عنهم ولكن لاحتمالي النوائب والشدائد كما قال ابن خراس، فلا تحسبي أني تناسيت عهدكم، ولكن صبري يا أميم جميلُ،
وإن رحيلاً واحـداً حـال بـينـنـا وفي الموت من بعد الرحيل رحيلُ
يقول ارتحالكم عنا وارتحالنا عنكم حال بيننا لأنا افترقنا وفي الموت الذي يحصل بالفراق رحيل آخر يريد أنه لا يعيش بعدهم
إذا كان شم الروح أدنى إليكمُ فلا برحتني روضةٌ وقبولُ
قال ابن جنى إذا كنتم تؤثرون شم الروح في الدنيا وملاقاة نسيمها فلا زلت روضةً وقبولاً أجتذابا إلى هواكم ومصيرا إلى ما تؤثرونه فيكون سبب الدنو منكم وأراد لا برحت روضةً وقبولا فجعل الأسم نكرةً والخبر معرفةً لأجل القافية انتهى كلامه ومن يفسر هذا البيت مثل هذا التفسير فقد فضح نفسه وغر غيره وقال ابن فورجة الروح يؤثره من يأوى إلى هم وينطوي على شوق وأما المحبوب وإن كان إيثار الروح طبعا من الناس فإنهم لا يوصفون بطلب بطلب الروح وتشمم النسيم والتعرض لبرد الريح والتشفي بنسيم الهوى وأيضا فما الحاجة إلى أن يكون الأسم نكرةً والخبر معرفةً في قوله برحتني روضة وقبول وبرح ههنا ليس أخت كان التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وإنما هي من برح فلان من مكانه أي فارقه يقول إذا لم يكن لي من فراقكم راحة إلا التعلل بالنسيم وطلب روح الهوى وتشممي لطيبه بروائحكم وما كان ينالني أيام اللهو من الفرح بقربكم فلا فارقتني روضةٌ وقبولٌ تشوق إلى روائح تلك الروضة وهذا من قول البحتري، تذكرنا ريا الأحبة كلما، تنفس في جنح من الليل باردِ، وأصله من قول الأول، إذا هب علوي الرياح وجدتني، كأني لعلوي الرياح نسيبُ، وقد أحسن وأجاد في هذا التفسير وتلخيصه أنه يقول إذا كان شم الرائحة الطيبة والتنسم بها أدنى إليكم لأنها تذكرني روائحكم وطيب أيام وصالكم فلا فارقتني روضةٌ أستنشق روائحها وريح قبول اتنسم بها لأكون أبدا على ذكركم.
وما شرقي بالماء إلا تذكراً لماء به أهل الحبيب نزولُ
أراد متذكرا فأقام المصدر مقام الحال كقوله تعالى أن أصبح ماؤكم غورا ويجوز أن يكون مفعولا له كقولك جئتك ابتغاء الخير والمعنى أني كلما شربت الماء شرقت به لأني أذكر ذلك الماء الذي هم نزولٌ به ولا يسوغ لي الماء.
يحرمهُ لمع الأسنة فوقـهُ فليس لظمآنٍ إليه وصولُ
يريد أن ذلك الماء منيعٌ بالرماح لا وصول إليه لعطشانٍ وعني بعزة الماء عزة أهله وحبيبه فيما بينهم أي فلا أقدر على اتيانه وزيارته.
أما في النجوم السائرات وغيرها لعيني على ضوء الصباح دليلُ
استطال ليله فقال أما شيء يدلني على ضوء الصبح من نجم وغيره فاستروح إليه من طول الليل وظلمته
ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي فتظهر فيه رقةٌ ونـحـولُ
يعني أن من رآها عشقها فينحل ويرق من عشقها فيقول أما رآك هذا الليل حتى يخف وتقل اجزاؤه فينكشف عنا وينحسر
لقيت بدرب القلةِ الفجر لقيةً شفت كمدي والليلُ فيه قتيلُ
يريد أن الليل أنقضى وبدت تباشر الصبح وقد وافى هذا المكان فشفى لقاء الصبح كمده والليل قتيل في الفجر لأنه ينقض بطلوعه وقد أخذ بعضهم هذا المعنى وكشف عنه فقال، ولما رأيت الصبح قد سل سيفه، وولى انهزاما ليله وكواكبهُ، ولاح احمرارٌ قلت قد ذبح الدجى، وهذا دمٌ قد ضمخ الأرض ساكبه،
ويوماً كأن الحسن فيه عـلامةٌ بعثت بها والشمسُ منك رسولُ
استحسن اليوم لما كان قبله من استبشاعه الليل وأضاف حسنه إلى الحبيبة يقول كأنك بعثت من حسنك علامةً على يد الشمس لأنها لما طلعت الشمس حسن اليوم وكأن الشمس جاءت بحسنه والحبيبة بعثت ذلك الحسن
وما قبل سيف الدولة اتار عاشقٌ ولا طلبت عند الظلام ذحـولُ
أتار افتعل من الثأر وأصله الهمز أثأر يتئر اثئارا إذا أدرك الثأر قال ابن جنى يقول لولا سيف الدولة لما وصلت إلى درب القلة حتى شفيت نفسي من الليل بملاقاة الفجر قال ابن فورجة هذه الابيات من محاسن هذه القصيدة وإذا توبع فيها أبو الفتح ضاعت وبطلت افترى أبا الطيب لولا سيف الدولة لما اصبح ليله ولما لقي الفجر ولو لم يصل إلى درب القلة لما شفى عشقه واي فائدة للعاشق في الوصول إلى درب القلة وقد خلط أبو الطيب في هذه الأبيات تشبيبا بتقريظ وغرضه أن يصف يوم ظفر سيف الدولة بالحسن والطيب ويذكر سوء صنيع الليل عنده فيما مضى وأراد بقوله والليل فيه قتيل حمرة الشفق وأنه كدم على صدر نحير ولما لقيه كذلك شمت به لطول ما قاسى من همه وجعل حسن اليوم وهو ظفر سيف الدولة لسروره أنه قتل الليل واتار لأبي الطيب على ما جرت به العادة من نسبة الغرائب إلى الممدوحين وإن كانت من المحال يدل على هذا قوله
ولكنه يأتـي بـكـل غـريبةٍ تروق على استغرابها وتهولُ
على استغرابها معناه على استغراب الناس أياها وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول
رمى الدرب بالجرد الجياد إلى العدى وما علموا أن الـسـهـام خـيولُ
أي رماهم بخيلٍ أسرع إليهم من السهام ولم يعلموا أن خيلا تسرع إسراع السهام
شوائل تشوال العقارب بالقنا لها مرحٌ من تحته وصهيلُ
أراد شوائل بالقنا تشوال العقارب بأذنابها شبه الرماح مع الخيل بأذناب العقارب إذا شالت بها يقال شال الشيء إذا ارتفع
وما هي إلا خطرة عرضت له بحران لبتها قناً ونـصـولُ
هي كناية عن الرمية التي دل عليها قوله رمى الدرب يقول لم تكن إلا خاطرا عرض له فأجاب خاطره الرماح والسيوفُ
همامٌ إذا ما هم أمضى همومهُ بأرعن وطأ الموتِ فيه ثقيلُ
يعني أن وطأ الموت في جيشه ثقيل على من يحاول موته من أعدائه
وخيلٍ براها الركض في كل بلدةٍ إذا عرست فيها فليس تـقـيلُ
أي إذا نزلت ليلا في بلدة لم تقم بها نهارا بل تقيل ببلدة أخرى وأراد فليس تقيل فيها فحذف المضاف إليه،
فلما تجلى من دلوك وصنـجةٍ علت كل طودس رأيه ورعيلُ
يقول لما فصل من هذين الموضعين وبان منهما تفرقت فرسانه فعمت راياته ورعال حيله الجبال
على طرقٍ فيها على الطرق رفعةٌ وفي ذكرها عند الأنيس خمـولُ
أي على طرق في الجبال فهي مرتفعة على الطرق وهي خاملةُ الذكر لأنها لم تسلك
فما شعروا حتى رأوها مغيرةً قباحا وأما خلقها فجـمـيلُ
يعني فجئتهم الخيل فلم يشعروا إلا بها تغير عليهم قباحا في أعينهم لأنها تأتي للغارة عليهم وهي جميلة الخلق وهذا كقوله أيضا، حسن في عيون أعدائه أقبحُ من ضيفه رأته السوامُ،
سحائب يمطرن الحديد عليهم فكل مكانٍ بالسيوف غسيلُ
جعل خيله كالسحائب لما فيها من بريق الأسلحة وصياح الأبطال وجعل مطرها الحديد لأنها تنصب عليهم بالسيوف والأسنة ولما جعل الحديد مطرا جعل المكان الذي يقع عليه الحديد مغسولا به
وأمسى السبايا بنتحبن بعرقةٍ كأن جيوب الثاكلات ذيولُ
عرفة موضع أي الجواري التي سبيت يبكين بهذا المكان ويشققن جيوبهن على من فقدن من قتلاهن فكأن جيوبهن في سعتها ذيول
وعادت فظنوها بموزار قفلا وليس لها إلا الدخول قفولُ
عادة خيل سيف الدولة فظنها الروم راجعةً إلى بلادها وليس لها رجوع إلا الدخول عليهم من درب موزار يعني قفولها الذي ظنوه كان دخولا عليهم
فخاضت نجيع الجمع خوضاً كأنه بكل نجيعٍ لم تخضـه كـفـيلُ
الهاء في كأنه للخوض يقول خاضت خوضا وافرا تاما كأن ذلك الخوض كفيل بكل دم لم تخضه لأن من رأى ذلك الخوض علم أنه لا يتعذر عليها خوض دم
تسايرها النيران في كل مسلـكٍ به القوم صرعى والديار طلولُ
أي تسير معها النيران إينما سلكت أي أنهم يحرقون كل موضع وطئوه من بلادهم ويقتلون أهله فتخرب ديارهم وتبقى الآثار
وكرت فمرت في دماء ملطيةٍ ملطية أم للبنـين ثـكـولُ
عادت الخيل فخاضت في دماء أهل ملطية أي سفكت دماءهم حتى خاضت فيها الخيل وجعل ملطية أما لأهلها وجعلهم كالبنين لها وقد فقدتهم حين قتلوا
وأضعفن ما كلفنه من قباقبٍ فأضحى كأن الماء فيه عليلُ
قباقب اسم نهر عبرته خيل سيف الدولة فجعل جرى مائه ضعيفا بكثرة قوائمها فيه والمعنى أضعفت الخيل الماء الذي كلفت الخيل قطعهُ
ورعن بنا قلب الفرات كأنما تخر عليه بالرجال سيول
أي لما عبرت الخيل بنا الفرات راعته كثرة الخيل فكأنما يقع فيه سيول من الرجال الذين يخوضونه ولما جعل الفرات مروعا استعار له قلبا لأن الروع يكون في القلب
يطارد فيه موجه كل سابحٍ سواء عليه غمرة ومسيلُ
أي الموج كانت تنجفل عن قوائم الخيل وهي تبعها فجعل ذلك كالمطاردة والغمرة معظم الماء والمعنى أن الخيل كانت تسبح في الغمرة وتسير في المسيل
تراه كأن الماء مر بجسمه وأقبل راس وحده وتليل
أي إذا سبح الفرس في الماء لم يظهر منه إلا الرأس والعنق
وفي بطن هنزيطٍ وسمنين للظبا وصعم القنا ممن أبدن بـديلُ
كانت السيوف والرماح قد اهلكت الرجال في هذين الموضعين فلما عاودنه بعد مدة وجدت قوما آخرين قد أدركوا بدلا عن الأول
طلعن عليهم طلعةً يعرفونهـا لها غرر ما تنقضي وحجولُ
أي طلعت الخيل على أهل هذين الموضعين طلعةً قد عرفوها لها شهرة كغرر الخيل وحجولها لأنه طالما طلعت عليهم الخيل وأغارت
تمل الحصون الشم طول نزالنا فتلقى إلينا أهلهـا وتـزولُ
الشم الطوال المرتفعة في السماء أي أنها تمل ول منازلتنا إياها فتزول هي عن أماكنها بالخراب وتمكننا من أهلها
وبتن بحصن الران رزحى من الوجى وكـل عـزيزٍ لـلأمـير ذلــيلُ
باتت الخيل رازحة معيبةً بهذا المكان مما اصابها في حوافرها ثم اعتذر لها فقال لم يلحقها ذلك لضعفها ولكن الأمير كلفها من همه صعبا فذلت له وإن كانت عزيرةً قويةً.
وفي كل نفس ما خلاه مـلالةٌ وفي كل سيفٍ ما خلاه فلول
ودون سميساط المطامير والملا وأودية مجهولةٌ وهـجـولُ
المطمورة حفرة يخبأ فيها الكعام والشراب والملا المتسع من الأرض والهجل المطمئن من الأرض يقول قبل الوصول إلى سميساط هذه الأشياء.
لبسن الدجى فيها إلى أرض مرعشٍ وللرةم خطب في البلاد جـلـيلُ
أي سارت الخيل في تلك الأودية إلى ارض مرعش ليلا فكأنها لبست الدجى حين سارت في الظلمة وهو من قول ذي الرمة، فلما لبسن الليل، البيت وقوله وللروم خطب وذلك أن سيف الدولة لما نزل بحصن الران ورد عليه الخبر أن الروم في بلاد المسلمين يعبثون ويقتلون ويجوز أن يكون المعنى أن لأرض الروم خطبا جليلا لأن الوصول إليها صعب لتعذر الطريق إليها ولشدة شوكة أهلها وقد داسها سيف الدولة بحوافر خيله وذلل أهلها
فلما رأوه وحده قبل جيشـهِ دروا أنكل العالمين فضول
في هذه إشارة إلى أنه لشجاعته يتقدم الخيل حتى رآءه الروم وحده ولما رأوه علموا أنه يغني غناء بني آدم كلهم وإن من سواه من العالمين لا حاجة إليهم مع وجوده
وأن رماح الخط عنه قصيرةٌ وأن حديد الهند عنه كلـيلُ
وعلموا أن الرماح لا تصل إليه وأن السيوف تكل عنه فلا تقطعه أما لأنها تندفع دونه لعزته ومنعته وأما لأن هيبته تمنع الطاعن والضارب
فأوردهم صدر الحصان وسيفه فتًى بأسه مثل العطاء جزيلُ
يعني أنهم قتلوا بحضرته وهو راكبٌ جعلهم وأردين صدر فرسه حين أحضروا بين يديه وهو راكب وواردين سيفه حين قتلوا به
جوادٌ على العلات بالمال كلهِ ولكنه بالدارعين بـخـيلُ
يجود بماله على اختلاف احواله كيف ما دار به الأمر كان جوادا ولكنه بخيل برجاله والمعنى أنه يبذل المال ويصون الأبطال وأن جعلنا الدارعين من الأعداء كان المعنى أنه يقتلهم ولا يجود بهم عليهم
فودع قتلاهـم وشـيع فـلـهـم بضربٍ حزون البيض فيه سهولُ
ترك الذين قتلهم وابتع الذين انهزموا بضربٍ لا تدفعه البيض عن الرأس وكان الحزن منها سهل لذلك الضرب
على قلب قسطنطين منه تعجبٌ وإن كان في ساقيه منه كبولُ
يعني ابن الدمستق يقول وإن كان مشغولا بالقيد فذلك لا يمنعه من التعجب مما يرى من شجاعته
لعلك يوماً يا دمستق عـائدٌ فكم هاربٍ مما إليه يؤولُ
يقول أن هربت فلعلك تعود يوما فقد يهرب الإنسان مما يعود إليه وهذا تهديد له أي أنك تعود فتؤسر أو تقتل
نجوت بإحدى مهجتيك جريحة وخلفت إحدى مهجتيك تسيلُ
يريد أنه هرب مجروحا ونجا بروحه فجعل مهجته مجروحةً وإن كانت الجراحة على بدنه لأن الجراحة على البدن تسري إلى الروح وعني بالمهجة الثانية ابنه وقوله تسيل قال ابن جنى يعني أن ابنه يذوب في القيد هما وهزالا وليس ما قاله شيئا والمعنى أنه يقتل فيسيل دمه إلا ترى أنه قال
أتسلم للخطية أبنك هـاربـا ويسكن في الدنيا إليك خليلُ
هذا استفهام إنكارٍ وتوبيخٌ يقول أتخذله وتهرب ويثق بك أحد بعد ذلك من خلانك أي لا يثق بك أحد بع هذا ثم ذكر عذره في ذلك فقال
بوجهك ما أنساكه من مرشةٍ نصيرك منها رنةٌ وعويلُ
يعني جراحةً ترش الدم إرشاشا يقول بوجهك جراحة انستك ابنك وليس لك من ينصرك منها إلا الرنين والصياح والمعنى أنك عاجز عن نصرة نفسك فكيف تنصر ابنك
أعركم طول الجيوش وعرضها عليٌّ شروبٌ للجيوش أكـولُ
يقول أغركم كثرة رجالكم لا تغرنكم الكثرة فإن سيف الدولة يغلبكم وإن كثر عددكم وأراد بالشرب والأكل الإفناء والإبادة حتى لا يبقى منهم شيء لأن ما شرب أو أكل لم تر له عين
إذا لم يكن لليث إلا فريسةً غداه ولم ينفعك أنك فيلُ
هذا مثل ضربه يقول أنتم وإن كنتم أكثر عددا فن الظفر دونكم للأسد فلا تنفعكم كثرتكم كالفيل مع الليث فإن الفيل لا ينفعه عظمه إذا صار فريسةً للأسد
إذا الطعن لم تدخلك فيه شجـاعةٌ هي الطعن لم يدخلك فيه عذولُ
إذا لم تدخلك الشجاعة في الطعن لم يدخلك فيه العذل يعني أن التحريض لا يحرك الجبان
فإن تكن الأيام أبصرن صولهُ فقد علم الأيام كيف تصولُ
أن أبصرت الأيام صولته على أهل الروم فقد علمها كيف تصول يعني أن الأيام تتعلم منه البأس
فدتك ملوك لم تسم مـواضـيا فإنك ماضي الشفرتينٍ صقيلُ
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولةٍ ففي الناس بوقاتٌ لها طبولُ
الوق قد جاء في كلام العرب أنشد الأصميع، زمر النصارى زمرت في البوق، ومنه سميت الداهية بائقةً ويقال أباق عليهم الدهر أي هجم عليهم كما يخرج الصوت من البوق ويجمع على بوقات وإن كان مذكرا وهو جائز كما قالوا حمام وحمامات وسرادق وسرادقات وجواب وجوابات وهو كثير والمعنى أنك إذا كنت سيف الدولة فغيرك من الملوك بالإضافة إليك للدولة بمنزلة البوق والطبل أي لا يغنون غناءك ولا يقومون مقامك وعني ببعض الناس سيف الدولة هذا هو الظاهر من معنى البيت وقال أبو الفضل العروضي أراد بالبوق الطبل الشعراء الذين يشيعون ذكره ويذكرون في اشعارهم غزواته فينتشر بهم ذكره في الناس كالبوق والطبل اللذين هما لأعلام الناس بما يحدث
أنا السابق الهادي إلى ما أقوله إذ القول قبل القائلين مقولُ
يقول أنا الذي أسبق واتقدم غيري إلى ما أقوله يعني أنه يخترع المعاني البكر التي لم يسبق غليها إذا قال ما سبق إليه
وما لكلام الناس فيما يريبني أصولٌ ولا للقائليه أصولُ
أي ما يتكلم به حسادي فيما يريبني ليس له أصل ولا لهم أي انهم يكذبون عليّ فلا أصل لما يقولون لأنه كذبٌ ولا أصل لهم أي لا نسب يعرف بذلك
أعادي على ما يوجب الحب للفتى وأهدأ والأفكار فـي تـجـولُ
أي أعادي على علمي وفضلي وتقدمي في الشعر وذلك مما يوجب الحب لا العداوة واسكن أنا وأفكاري تجول فيّ ولا تسكن
سوى وجع الحساد داوِ فإنـهُ إذا حل في قلبٍ فليس يحول
أي لا تشتغل بمداواة حسد الحساد فإن الحسد إذا نزل في القلب لا يتحول عنه
ولا تطمعن من حاسدٍ في مودةٍ وإن كنت تبديها له وتـنـيلُ
وإنا لنلقي الحادثاتِ بأنـفـسٍ كثير الرزايا عندهن قـلـيلُ
يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراضٌ لنا وعقـولُ
فتيها وفخراً تغلب ابـنة وائلٍ فأنت لخير الفاخرين قبـيلُ
يقول لتغلب وهي قبيلة سيف الدولة أفخري وتيهي فأنت قبيلٌ لخير من فخر يعني سيف الدولة
يغم عليا أن يموت عدوه إذا لم تغله بالأسنة غولُ
تغله تهلكه وتذهب به يقال غاله يقول إذا اهلكه والغول المهلك يقول الغم غول النفس والغضب غول الحلم يقول إذا مات عدوه حتف انفه ولم يحصل مقتولا بسنانه غمه ذلك
شريك المنايا والنفوس غنيمةٌ فكل مماتٍ لم يمته غلولُ
جعله شريك المنايا لكثرة من يقتله يقول بينه وبين المنايا شركة في النفوس فكل منية لم تكن عن سيفه وسنانه فهو غلول من المنايا
فإن تكن الدولات قسما فإنهـا لمن ورد الموت الزؤام تدولُ
يقول إذا كانت الدولة قسما لبعض الناس فإنها قسمة من حضر الحرب ومواضع القتال والموتُ الزؤام الوحيُّ
لمن هو الدنيا على النفس ساعةً وللبيض في هام الكماة صليلُ
يقول الدولة تدول لمن وطن نفسه على القتل ولم يمل إلى الدنيا بالنكوص عن الحرب وصبر على المكروه وهو يسمع صليل الحديد في رؤوس الشجعان وتأخر مدحه فتعتب عليه فقال يعتذر إليه
بأدني ابتسامٍ منك تـحـي الـقـرائح وتقوى من الجسم الضعيفِ الجوارحُ
القريحة الطبيعة يقال فلان جيد القريحة إذا كان ذكي الطبع يقول اذا ابتسمت إلى إنس انشرح صدره وحيى طبعه وقويت جوارحه وإن كان ضعيف الجسم لأنه يفرح والفرح يقوي القلب والجسم
ومن ذا الذي يقضي حقوقك كلها ومن ذا الذي سوى من تسامح
يقول حقوقك على الناس أكثر من أن يقدر أحد على القيام بقضائها ومن ذا الذي يرضيك بقضاء حقوقك غير من تسامحه وتساهله
وقد تقبل العذر الخفي تـكـرمـا فما بال عذري واقفا وهو واضحُ
وإن محالا إذ بك العـيش أن أرى وجسمك معتلٌ وجسمي صالـح
يقول إذا كان عيشنا بك فمن المحال أن تعتل فلم أشاركك في علتك
وما كان ترك الشعـر إلا لأنـه تقصر عن مدح الأمير المدائحُ
وقال وقد تشكى سيف الدولة من دملٍ سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
أيدري مـا أرابـك مـن يريب وهل ترقى إلى الفلك الخطوبُ
يقال رابه وأرابه إذا افزعه وأوقع به شيئا يشكك في عاقبته أخيرا يكون أم شرا وقوم يفرقون بينهما فقالوا راب إذا أوقع الريبة بلك شك وأراب إذا لم يصرح بالريبة يقول الذي أرابك هل يدري من يريب أي هل يعلم الدمل بمن حل به ثم جعله كالفلك في العلو فقال أنت كالفلك فليس للخطوب إليك مصعد
وجسمك فوق همة كل داءٍ فقرب أقلها منه عجيبُ
يقول لا تطمع الادواء أن تحل بك فمن العجب أن يقربك أقل الأدواء والكناية في اقلها عائدة إلى الكل
يجمشك الزمان هوى وحبـا وقد يؤذي من المقة الحبيبُ
التجميش شهب المغازلة وهو الملاعبة بين الحبيبين يقول الذي أصابك تجميش من الزمان حبا لك لأنك جماله وأشرف أهله وأن تأذيت به فقد يكون من الأذى مان يكون مقةً من المؤذي
وكيف تعلك الدنيا بشيء وأنت بعلة الدنيا طبيبُ
يقول أنت تشفي العلل عن الدنيا فتقوم المعوج وتنفي الظلم والعبث والفساد فكيف تعلك الدنيا وأنت طبيبها من علتها
وكيف تنوبك الشكوى بداء وأنت المستغاث لما ينوب
أي وكيف يصيبك المرض بداء وبك يستغاث مما ينوب من الزمان
مللت مقـامَ يومٍ لـيس فـيه طعان صادق ودمق صبيبُ
المقام بمعنى الإقامة يقول إذا أقمت يوما ولم تخرج إلى الغزو ولم يكن فيه طعان ولا دم مصبوب فمللت ذلك أي أنك تعودت الطعان وسفك دماء الأعداء فإذا أقمت يوما واحدا مللت وقد صرح بهذا في قوله
وأنت الملك تمرضه الحشايا لهمته وتشفيه الحـروبُ
وما بك غير حبك أن تراها وعثيرها لأرجلها جنـيبُ
الضمير في تراها للخيل أضمرها وإن لم يجر لها ذكر لتقدم ما يدل عليها والجنيب الظل سمى به لأن الشخص إذا سار في الشمس تبعه ظله فكأنه يجنبه أي يقوده يقول ليس بك مرضٌ إلا أن تأتي العدو في خيلٍ تثير غبارا وهي تمشي في ظل ذلك الغبار ويجوز أن يريد أن الغبار يتبعها فكأنها تقود ذلك الغبار فإذا أحب ذلك ثم منع منه بالدمل الذي يشتكيه وصار ممنوعا مما يحبه فيضجر ويقلق
محجلةً لها أرض الأعادي وللسمر المناخر والجنوبُ
محجلة من نعت الخيل وهي حال لها وروى الخوارزمي محللة أي قد أحلت لها أرضُ الأعداء فهي تطأها وروى ابن جنى مجلحة وهي المصممة الماضية وللرماح مناخرهم وجنوبهم تخرقها
فقرطها الأعنة راجعـاتٍ فإن بعيد ما طلمت قريب
يقول قرط الفارس عنان فرسه إذا أرخاه حتى يجعله في قذاله للحضر فيصير لأذنه بمنزلة القرط يقول ارخ الأعنة لترجع وتعود إلى بلد العدو فليس يبعد عليها ما طلبت
إذا داء هفا بقـراط عـنـه فلم يعرف لصاحبه ضريب
جواب إذا قوله فلم يعرف واستعمل لم في موضع ليس لأنهما للنفي والضريب الشبيه ولم يعرف ابن جنى معنى هذا البيت ولا ابن فورجة أيضا فإنه تخبط في تفسير هذا البيت في كتابيه جميعا لأنه لم يعلم أيش الداء الذي غفل عنه بقراط فلم يذكره في طبه وذلك الداء قد ذكره أبو الطيب وهو أنه يمل أن يقيم يوما من غير طعان ولا صب دم وإن الحشايا تمرضه وأن شفا الحروب وقد ذكر أنه ليس به علةٌ غير حب الحرب وهذا ما لم يذكره بقراط لأنه ليس في طبه أن من مرض من ترك الحرب بأيش يداوي فقال أبو الطيب صاحب هذا الداء ليس له ضريب لأنه لا يعرف أحد يمرض لترك الحرب
بسيف الدولة الوضاء تمسـي جفوني تحت شمس ما تغيبُ
الوضا الوضيء البالغ في الوضاءة كما يقال حسانُ وكرام يريد أنه ينظر منه إلى شمسٍ لا تغيب
فأغزو من غزا وبه اقتـداري وأرمي من رمى وبه أصيبُ
وللحساد عـذر أن يشـحـوا على نظري إليه وأن يذوبوا
فإني قد وصلت إلى مـكـانٍ عليه تحسد الحدق القلـوبُ
يريد أن القلوب تحسد العيون على النظر إلى الممدوح فإن حسده غيره كان له العذر في ذلك وقال سيف الدولة يسر رسول الروم بعلتي فقال أبو الطيب
فديت بما ذا يسر الرسـولُ وأنت الصحيح بذا لا العليل
يريد أن الدمل ليس بعلةٍ وأنه صحيح النفس ليس بعليل وإن كان به دمل
عواقب هذا تسوء العدو وتثبت فيهم وهذا يزولُ
عاقبة هذا العارض الذي أصابك تسوء العدو لأنك تغزورهم وتثبت فيهم لأنك لا تنفك من غزوهم ويزول هذا العارض وقال فيه وقد تشكي من دملٍ اصابه
إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض ومن فوقها والناس والكرمُ المحضُ
هذا من قول الطاءي، لا تعتلل إنما بالمكرمات إذا، أنت اعتللت ترى الأوجاع والعلل، ومن قوله أيضا، إنا جهلنا فخلناك اعتللت ولا، والله ما اعتل إلا الملك والأدب، ومن قوله أيضا، وإن يجد علةً نغم بها، حتى ترانا نعاد من مرضعْ، ومثله قول عليّ بن الجهم، وإذا رابكم من الدهر ريبٌ، عم ما خصكم جميع الأنام، ومثله لأبي هفان، قالوا اعتللت فقلتُ كلا إما اعتل العبادُ، والدين والدنيا لعلته وأظلمت البلاد، ومثله قول مسلم بن الوليد، نالتك يا خير الخلائق علةٌ، يفديك من مكروهها الثقلان، فبكل قلب من شكاتك علةٌ، موصوفة الكشوى بكل لسانِ،
وكيف انتفاعي بالرقاد وإنـمـا بعلتهِ يعتل في الأعين الغمضُ
اعتلال الغمض مجازُ ومعناه امتناعه من العين فجعل ذلك اعتلالا له
شفاك الذي يشفي بجودك خلقه فإنك بحرٌ كل بحرٍ له بعضُ
وقال وقد عوفي سيف الدولة
المجد عوفي إذ عوفيت والكرمُ وزال عنك إلى أعدائك الألمُ
هذا من قول أبي تمام، سلمت وإن كانت لك الدعوة اسمها، وكان الذي يخطي بانجاحها المجد،
صحت بصحتك الغارات وابتهجت بها المكارم وانهلت بهـا الـديمُ
كانت قد انقطعت الغارات على بلاد الكفر فلما شفى وصح اتصلت الغارات عليها فكأنها كانت عليلةً بعلته ثم صحت بصحته وسرت المكارم بصحته لأنه صاحبها وكانت الأمطار منقطعةً فلما شفى اتصلت
وراجع الشمس نور كان فارقها كأنما فقده في جسمها سقـمُ
يقول الشمس كانت قد فقدت نورها أيام مرضه وكأن فقد ذلك النور كان سقما لها وقد عاودها ذلك النور حين صح سيف الدولة والمعنى أن الشمس كانت قد مرضت بمرضه حزنا عليه يعظم الأمر في علته كعادة الشعراء
ولاح برقك لي من عارضي ملكٍ ما يسقط الغيث إلا حيث يبتسـمُ
العارض الناب ويريد بالبرق ظهور ثغره عند التبسم يعني تبسمت ولاح لي برق من عارضيك ولا يسقط الغيث إلا حيث تبسمت يعني أنه إذا تبسم أعطى ماله فيصير ذلك المكان كان الغيث قد نزل به لأنه أخصب بجوده
يسمى الحسام وليست من مشابهةٍ وكيف يشتبه المخدوم والخـدمُ
يقال أسميته وسميته أي وليست التسمية بالحسام لمشابهة بينهما لأن سيف الدولة يخدمه فهو مخدوم والسيف خادم
تفرد العرب في الدنيا بمـحـتـده وشارك الغرب في إحسانه العجمُ
يقول هو عربي الأصل فالعرب مختصة بالفخر به لأنه منهم وحصلت الشركة للعجم مع العرب في إحسانه وعطائه وهذا من قول البحتري، غدا قسمه عدلا ففيكم نوالهُ، وفي سر نبهان بن عمرو مآثره،
وأخلص الله للإسلام نصرتهُ وإن تقلب في آلائه الأممُ
أي أن كانت الأمم مشتركةً في أنعامه فإن نصرته خالصة لدين الإسلام لا ينصر غيره من الأديان.
وما أخصك في برء بتـهـنـئةٍ إذا سلمت فكل الناس قد سلموا
وقال يمدحه عند انسلاخ شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
الصوم والفطرُ والأعياد والعصرُ منيرةٌ بك حتى الشمس والقمرُ
العصر والعصر والعصر الدهر ومنه قول امرء القيس، وهل يعمن من كان في العصر الخال، يقول نور هذه الأشياء بك لأنك جمال للدهر وجمال للدين ولكل شيء والمعنى عم كل شيء نورك حتى الشمس والقمر وجعل حتى في البيت حرفا عاطفا على المرفوع كما يقال قدم الحاج حتى المشاةُ
ترى الأهلة وجهاً عـم نـائلـهُ وما يخص به من جونها البشرُ
يقول البشر غير مخصوص بنائلك فقد أنلت الشمس والقمر بوجهك كمال النور فقد عم إذا نائلك البشر والشمس والقمر
ما الدهر عندك إلا روضةٌ أنفٌ يا من شمائله في دهره زهرُ
الأنف التي لم ترع وهو أحسن لها يقول الدهر بحضرتك روضة وشمائلك زهرها
ما ينتهي لك فـي أيامـه كـرمٌ فلا انتهى لك في أعوامهِ عمرُ
ما نفيٌ يقول ليس ينتهي كرمك في أيام الدهر يعني أنه يزداد يعني أنه يزداد كرما على الأيام ثم دعا له فقال فلا انتهى عمرك في أعوامه
فإن حظك من تكرارها شـرفٌ وحظ غيرك منها الشيبُ والكبرُ
يقول يزيد شرفك على تكرر الأيام والأعوام وغيرك يزيد شيبا وروى ابن جنى منه أي من التكرار وقال وقد مد نهر قويق وهو نهر بحلب فأحاط بدار سيف الدولة
حجب ذا البحر بحارٌ دونهُ يذمها الناس ويحمدونـهُ
يريد بالبحر سيف الدولة وبالبحار أمواه ذلك النهر أي أنها تمنع الناس من زيارته والدخول عليه
يا ماء هل حسدتنا معينـهُ أم اشتهيت أن ترى قرينهُ
يقول هل حسدتنا رؤيته فمنعتنا منه أم اردت أن تكون مثله في الندى فزخرت
أم انجعت للغنى يمينـهُ أم زرتهُ مكثرا قطينهُ
أم جئته لتطلب معروفه لتصير غنيا أم أتيته زائرا لتكثر الذين عنده في مجلسه والقطين الجماعة يسكنون مكانا
أم جئته مخندقا حصونهُ أن الجياد والقنا يكفينهُ
أم جئته لتحفر خندقا لحصونه ولا حاجة به إلى الخندق فإن خيله ورماحه تكفيه الخندق والحصن
يا رب لج جعلـت سـفـينـه وعازب الروض توفت عونهُ
رب ماء عظيمٍ جعلت خيله سفين ذلك الماء أي عبر الماء عليها ورب ورضٍ بعيدٍ اهلكت حمره فصادته والعون جمع عانة وهي القطعة من حمر الوحش وتوفيها أخذها وافيا
وذي جنونٍ أذهبت جنونـهُ وشرب كأسٍ أكثرت رنينهُ
يعني عاصيا متمردا أذلته الخيل حتى انقاد واطاع ورب قوم يشربون الخمر فهجمت عليهم خيله وقتلت منهم حتى كثر رنينهم على قتلاهم
وأبدلت غناءه أنـينـه وضيغمٍ أولجها عرينهُ
وملكٍ أوطأها جبـينـهُ يقودها مسهدا جفونهُ
ورب أسد أدخل سيف الدولة خيله عرين ذلك الأسد وملكٍ جعلها تطأ جبينه
مباشراً بنفسه شؤونـه مشرفاً بطعنهِ طعينهُ
أي إذا طعن إنسانا شرفه فحصل له شرف بطعنه إياه
عفيف ما في ثوبهِ مأمونـهُ أبيض ما في تاجهِ ميمونهُ
أي أنه عفيف الفرج فكنى عنه وأبيض الوجه مبارك الوجه
بحر يكون كل بحـر نـونـهُ شمس تمنى الشمس أن تكونهُ
النون الحوت أي يصغر كل ملك بالإضافة إليه والشمس تتمنى أن تكونه لأنه أشرف منها وأكثر مناقب وذكر الكناية في تكونه لأنه عنى بالشمس الأول الممدوح
إن تدع يا سيف لتستعينه يجبك قبل أ، تتم سينهُ
أي أن تدعه أيها المخاطب فقلت يا سيف مستعينا اجابك قبل إتمام سين السيف يريد سرعة إجابته للداعي
أدام من أعدائه تمـكـينـه من صان منهم نفسهُ ودينهُ
من صان فاعلُ أدام وهو الله تعالى أي أدام الله الذي صانه ودينه عن أعدائه تمكينه منهم.
وقال يمدحه ويهنئه بعيد الأضحى سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
لكل امرء مـن دهـره مـا تـعـودا وعادات سيف الدولة الطعن في العدا
هذا كقول حاتم، وكل أمرء جارٍ على ما تعودا، وجعله سيفا ثم وصفه بالطعن كأنه قال هو سيف ورمح
وأن يكذب الإرجاف عنه بضدهِ ويمسي بما تنوي أعاديه أسعدا
أي أن أعداءه يرجفون بقصوره وهو يكذبهم بوفوره ويرجفون بهزيمته وهو يكذبهم بظفره وأعداؤه ينوون معارضته فيتحككون به فيصير بذلك أسعد لأنه يسلبهم عدتهم وسلاحهم ومن روى بما يحوي أراد أنه أملك لما في أيديهم منهم لأنه متى أراد احتواه واستحقه
ورب مريدٍ ضره ضر نـفـسـهُ وهادٍ إليه الجيش أهدى وما هدى
ضره مصدر يقول رب قاصد إن يضره فعاد الضر عليه ورب هادٍ إليه الجيش كان مهديا لا هاديا لأنه استغنم ذلك الجيش وكانوا غنيمةً له
ومستكبرٍ لم يعرف الله ساعةً رأي سيفه في كفهِ فتشهدا
رب كافر متكبر عن الإيمان بالله تعالى رآه مع السيف فآمن وأتى بكلمة الشهادة أما خوفا منه وأما علما بأن دينه الحق حين رأى نور وجهه وكمال وصفه.
هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا على الدر واحذره إذا كان مزيدا
ضرب له المثل بالبحر والبحر إنما يسلم راكبه إذا كان ساكنا وإذا ماج وتحرك كان مخوفا لذلك هو يقول ائته مسالما ولا تأتهِ وهو غضبان كما قال أيضا، سل عن شجاعته وزره مسالما، البيت
فإني رأيت البحر يعثر بالفتى وهذا الذي يأتي الفتى متعمداً
قال ابن جنى أي ليس أغنى البحر من يغنيه عن قصد وهذا يغني من يغنيه عن تعمد قال ويعثر قد يأتي في الخير والشر هذا كلامه وفيه خطأ من وجهين لا تقول العرب عثر الدهر بفلان إلا إذا أصابه بنكبة ومعنى يعثر بالفتى بهلكه عن غير قصد لأن العثرة بالشيء لا تكون عن قصد يقول البحر يغرق عن غير قصد وهذا يهلك أعداءه عن قصد وتعمد وليس يمكن أن يحمل عثرة البحر بالفتى على إغنائه وهذا البيت قريبٌ من قوله أيضا، ويخشى عبابُ البحر والبحر ساكنٌ، فكيف بمن يغشى البلاد إذا عبا،
تظل ملوك الأرض خاشعةً له تفارقهُ هلكي وتلقاه سجـداً
من خالفه وفارقه من الملوك هلك وإذا أتته خضعت له وسجدت
وتحيى له المال الصوارم والقنا ويقتل ما تحيي التبسمُ والحدا
يريد أنه يأتي العداء فيسلبهم أموالهم بسيفه ورماحه ثم يغنيه بالعطاء عند التبسم والنشاط كما قال أبو تمام، إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشرٍ، أغارت عليه فاحتوته الصنائع،
ذكي تظنـيه طـلـيعة عـينـه يرى قلبه في يومه ما ترى غدا
التظني هو التظنن قلبت النون الثانية ياء كقول العجاج، تقضي البازي إذا البازي كسر، يقول هو ذكي ظنه يرى الشيء قبل أن تراه عينه كالطليعة تتقدم أمام القوم والمصراع الثاني تفسير للمصراع الأول يقول قلبه يرى في يومه بظنه ما تراه عينه في غد
وصول إلى المستصعبات بخيلـه فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا
أي يصل بسيفه إلى الشيء البعيد الذي يتعذر الوصول إليه حتى لو كان قرن الشمس ماء لأورده خيله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:28 pm

لذلك سمى ابن الدمستق يومه مماتا وسماه الدمستق مولدا
أي لما ذكرت من حاله يئس ابن دمستق من الحياة يوم أسره وسمى ذلك اليوم مماتا له وجعله الدمستق مولدا كأنه ولد ذلك اليوم والضمير في سماه عائد على اليوم لأن الدمستق هرب في اليوم الذي أسر فيه ابنه فكان ذلك اليوم مماتا للابن حياة للأب
سريت إلى جيحان من أرض آمد ثلاثا لقد أدناك ركض وأبعـدا
جيحان نهر قال ابن جنى أدناك سيرك من النهر وأبعدك من آمد وهذا لا يقيد معنى لأن كل من سار من موضع إلى موضع فهذا وصفه ولكنه يريد وصلت إلى جيحان بسيرك ثلاثا من أرض آمد وهذه مسافة لا يقطعها أحد بسري ثلاث ويفهم من هذا إنك وصلت إلى هذا النهر من آمد في ثلاث ليال على ما بينهما من البعد
فولى وأعطاك ابنه وجيوشـه جميعا ولم يعط الجميع ليحمدا
أي انهزم وترك هؤلاء أسرى في يدك ولم يكن ذلك إعطاء يستحق عليه حمدا ولكنك أخذته قسرا
عرضت له دون الحيوة وطرفه وأبصر سيف الله منك مجردا
أي لما رآك لم يسع عينه غيرك لعظمك في نفسه وحلت بينه وبين حيوته فصار كالميت في بطلان حواسه إلا منك
وما طلبت رزق الأسنة غيره ولكن قسطنطين كان له الفدا
الرماح لم تطلب غيره ولكن ابنه صار فداء له لأن الجيش اشتغل بأسره حتى نجا هو
فاصبح يجتاب المسوح مـخـافة وقد كان يجتاب الدلاص المسردا
يجتاب المسوح يلبسها ويدخل فيها والدلاص الدرع البراقة الصافية يقال درع دلاص وأدرع دلاص والمسرد المنظوم المنسوج بعضه في بعض والمعنى أنه ترك الحرب خوفا منك وترهب ولبس المسوح بعد أن كان يلبس الدرع
ويمشي به العكاز في الدير تـائبـا وما كان يرضى مشي أشقر أجردا
العكاز عصا في طرفها زج والدير متعبد النصارى يقول أخذ عصا يمشي به في الدير تائبا من الحر بعد أن كان لا يرضى مشي الخيل السراع وخص الأشقر لأن العرب تقول شقر الخيل سراعها
وما تاب حتى غادر الكر وجهه جريحا وخلى جفنه النقع أرمدا
يقول لم يترك الحرب إلا بعد ترك الكر في الطعن والضرب وجهه مجروحا ورمدت عينه من غبار الجيش يعني أنه أحوج إلى ذلك وألجىء إليه بكثرة ما أصابه من الجراحات
فلو كان ينجي من علي ترهب ترهبت الأملاك مثنى وموحدا
يعني أن ترهبه لا ينجيه من سيف الدولة ولو كان ذلك ينجيه لترهبت سائر الملوك اثنين اثنين وواحدا واحدا
وكل امرىء في الشرق والغرب بعدها يعد له ثوبا من الـشـعـر اسـودا
ليس هذا على العموم لأن المعنى وكل امرء ممن يخافه وقوله بعدها أي بعد فعلة الدمستق ويروي بعده أي بعد الدمستق
هنيئا لك العيد الذي أنت عـيده وعيد لمن سمى وضحى وعيدا
قوله أنت عيده أي تحل فيه محل العيد في القلوب إذ كان العيد مما يفرح له الناس كذلك هذا العيد يفرح بوصوله إليك كما قال، جاء نوروزنا وأنت مراده، وعيد لمن سمى الله وذبح أضحيته أي أنت عيد لكل مسلم
ولا زالت الأعياد لبسك بعـده تسلم مخروقا وتعطي مجددا
أي لازلت تلبس الأعياد المتكررة عليك في الدهر فإذا مضى عيد أتاك عيد آخر بعده جديد
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا
هو الجد حتى تفضل العين أختهـا وحتى يكون اليوم للـيوم سـيدا
جعل العيني واليومين مثلا لكل متساويين يجد أحدهما ويجد الآخر يقول الجد يؤثر في كل شيء حتى في العينين تجمعهما بنية ثم تصح أحداهما وتسقم الأخرى ويسود اليوم اليوم وكلاهما ضوء الشمس يعني أن يوم العيد كسائر الأيام في الصورة إلا أن الجد اشهره من بين سائر الأيام فجعله يوم فرح وسرور
فوا عجبا من دائل أنت سيفهُ تصيده الضرغام فيما تصيدا
يريد بالدائل صاحب الدولة يعني الخليفة أخرجه مخرج لابنٍ وتامرٍ يقول أما يخافك إذا تقلدك سيفا وفي هذا تفضيلٌ له على الخليفة ثم ضرب لهذا مثلا فقال
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضرغام فيما تصـيدا
أي من اتخذ الأسد صائدا يصيد به أتى عليه الأسد فصاده والمعنى أنت فوق من تضاف إليه
رأيتك محض الحلم في محض قدرةٍ ولو شئت كان الحلم منك المهنـدا
أي رأيتك خالص الحلم في قدرة خالصة عن العجز والمعنى أن حلمك عن الجهال حلم عن قدرة ولو شئت لسلكت عليهم السيف
وما قتل الأحرار كالعفو عنهـم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
يعني أن من عفا عن حر صار كأنه قتله لأنه يسترقه بالعفو عنه فيذل له وينقاد وهذا من قول بعضهم غل يداً مطلقها، واسترق رقبةً معتقها، وقوله، ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا، أي من يتكفل لك بالحر الذي يحفظ النعمة ويراعى حقها ومن روى يعرف فمعناه يعرف قدر العفو عنه حثه في أول البيت على العفو ثم ذكر قلة وجود من يستحق ذلك ثم أكد هذا بقوله
إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
يعني أن الكريم يعرف قدر الكرام فيصير كالمملوك لك إذا أكرمته واللئيم إذا أكرمته يزيد عتوا وجرأةً عليك
ووضع الندى في موضع السيف بالعلي مضر كوضع السيف في موضع الندى
أي كل يجازي ويعامل على ما يستحق فمن استحق العطاء لم يستعمل معه السيف ومن استحق القتل لم يكرم بالعطاء ومن فعل ذلك أضر بعلاه
ولكن تفوق الناس رأيا وحكمةً كما فقتهم حالاً ونفساً ومحتدا
يقول أنت أعرف بمواقع الإساءة والإحسان من كل انسان لأنك فوق كل أحد بالعقل والإصابة في الأمور كما أنك فوقهم بالحال إذ كنت أميراً وبالنفس إذا كنت أعلاهم همةً وبالأصل إذ كنت من إصلٍ شريفٍ ومنصبٍ كريم
يدق على الأفكار ما أنت فاعلٌ فيترك ما يخفى ويوخذ ما بدا
يعني أن ما تبتدعه من المكارم يخفى على أفكار الشعراء فيذكرون ما ظهر منها ويتركون ما خفى وليس يريد أن المقتدين بك في المكارم يأخذون ما ظهر منك ويتركون ما خفى ولو أراد ذلك لما أتى بالأفكار ولقال يدق على الكرام قال ابن جنى هذا البيت مثل قول عمار الكلابي، ما كل قولي مشروحا لكم فخذوا، ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا، وقال ابن فورجة عمار الكلابي محدث وقد أدرك زماننا وهو بجل بدوي أمي لحانة وهذا البيت من أبياتٍ أولها، ما ذا لقيت من المستعربين ومن، قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا،إن قلت قافيةً بكراً يكون لها، معنى خلاف الذي قاسوا وما ذرعوا، قالوا لحنت وهذا الحرف منخفض، وذاك نصب وهذا ليس يرتفع، وضربوا بين عبد الله واجتهدوا، وبين زيدٍ فطال الضرب والوجع، فقلت واحدةً فيها جوابهم، وكثرة القول بالإيجاز ينقطع، ما كل قولي مشروحا لكم فخذوا، ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا، حتى يصير إلى القوم الذين غذوا، بما غذيت به والقول يجتمع، فيعرفوا منه معنى ما أفوه به، حتى كأني وهم في لفظه شرع، كم بين قومس قد احتالوا لمنطقم، وبين قومٍ على إعرابهم طبعوا، وبين قومٍ رأوا شيئا معاينةً، وبين قومٍ حكوا بعض الذي سمعوا، إني غذيت بأرض لا تشب بها، نار المجوس ولا تبني بها البيع، فنقله أبو الطيب إلى المدح وأقام دقة صنيعه في اقتناء المكارم مقام دقة معنى الشعر
أزل حسد الحساد عني بكبتهـم فأنت الذي صيرتهم لي حسدا
أي أنت أنعمت عليّ النعم التي صرت بها محسودا وظهر لي حساد يحسدونني ويقصدونني بسوء فاكفني شرهم بأن تكبتم وتخزيهم بالأعراض عنهم ونهيهم عن اساءة القول فيّ ومعنى المصراع الثاني من قول أبي الجورية العبدي، فما زلت تعطيني وما لي حاسد، من الناس حتى صرت أرجى وأحسد، ثم تبعه الشعراء فقال بشار، صحبته في الملك أو سوقةٍ، فزاد في كثرة حسادي، وقال ابو نواس، دعيني أكثر حاسديك برحلةٍ، إلى بلدٍ فيه الخصيب أمير، وقال البحتري، وألبستني النعمى التي غيرت أخي، عليَّ فأضحى نازحَ الود أجنبا،
إذا شد زندي حسن رأيك في يدي ضربت بنصلٍ يقطع الهام مغمدا
إذا قوي ساعدي حسن رأيك قطع نصلي هام الأعداء وإن ضربت به وهو في غمده والمعنى أنك إذا كنت نحسن الرأي في لم أبال بالحساد وقليل من إنكارك عليهم يكفيني أمرهم
وما أنا إلا سمهري حملـتـهُ فزين معروضا وراع مسددا
يقول أنا لك كالرمح الذي إن حملته بالعرض زينك وكان زينا لك وإن حملته مسددا مهيأ للطعن راع أعداءك يعني أنا لك زين في السلم ورمح في عدوك أنافح عنك بلساني
وما الدهر إلا مـن رواة قـلائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
جعل شعره في حسنه كالقلائد التي يتقلد بها والمعنى أن أهل الدهر كلهم يروون شعري وينشدون وأخرج الكلام على الدهر تعظيما لشعره وهو يريد أهل الدهر
فسار به من لا يسير مشمـراً وغنى به من لا يغني مغرداً
يعين أن شعره ينشط الكسلان إذا سمعه فيسير على سماع شعره مشمرا والذي لا يغني إذا سمع شعره طرب وغنى به مغردا والتغريد رفع الصوت للتطريب.
أجزني إذا أنشدت شعراً فإنمـا بشعري أتاك المادحون مرددا
يقول إذا أنشدك شاعر شعرا بمدحك فأعطني فإن ذلك الذي أنشدت يأتيك المادحون فيأتونك بها كما قال بشار، إذا أنشد حماد فقل أحسن بشار، وكما قال أبو هفان، إذا أنشدكم شعراً فقولوا أحسن الناس، وقال أبو تمام في غير هذا المعنى، فمهما تكن من وقعةٍ بعد لا تكن سوى حسنٍ مما فعلت مردد،
ودع كل صوتٍ بعد صوتي فإننـي أنا الصائح المحكيُّ والآخرُ الصدى
الصدى الصوت الذي يجيبك من الجبل كأنه يحكي قولك وصياحك وهذا مثل يقول شعري هو الأصل وغيره كالصدى يكون حكايةً لصياح الصائح وليس بأصلٍ أي فلا تبال شعر غيري
تركت السرى خلفي لمن قل مالهُ وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا
يقول بلغت بك إلى ما طلبت واتخذت لخيلي نعال الذهب من أنعامك عليّ وتركت السري لغيري من المقترين المقلين يسرون إليك كما سريت
وقيدت نفسي في ذراك محبةً ومن وجد الإنسان قيداً تقيدا
أقمت عندك حبا لك ثم بين سبب الإقامة بالمصراع الثاني وأن ذلك إحسانه إليه كما قال الطائي، وتركي سرعة الصدر اغتباطا، يدل على موافقة الورودِ، وكقوله أيضا، هممي معلقة عليك رقابها، مغلولةٌ إن الوفاء إسارُ،
إذا سأل الإنسان أيامه الغـنـى وكنت على بعد جعلتك موعداً
يقول إذا طلب الإنسان الغنى في دهره وعصره وكنت غائبا عنه فدهره يعده الإعطاء بعد رجوعك وحضورك إلى حضورك إلى مستقر عزك فإنه يغنيه بعد ذلك أي الدهر يحيل عليك من اقترح عليه الغني فيشير عليه باتيانك كما قال أبو تمام، شكوت إلى الزمان نول حالي، فارشدني إلى عبد الحميد، وجرى ذكر ما بين العرب والأكراد من الفضل فقال سيف الدولة ما تقول في هذا وتحكم يا أبا الطيب فقال
إن كنت عن خير الأنام سائلا فخيرهم أكثرهم فضـائلا
تقديره خير الأنام أكثرهم من فضائل من أنت منهم يعني وائلَ
من أنت منهم يا همام وائلا الطاعنين في الوغا أوائلا
جعل وائل اسما للقبيلة فلم يصرفه كما قال ذو الإصبع، وممن ولدوا عامر ذو الطول وذو العرض، فلم يصرف عامر لأنه ذهب به إلى القبيلة ثم قال ذو فرجع به إلى الحي وقوله أوائل أي أوائل الأعداء ويجوز أن يكون حالا لهم أي أنهم السابقون إلى الطعان ومن روى الأوائل أراد الطاعنين وجوه الأعداء وصدورهم وسادتهم وكبارهم
والعاذلين في الندى العواذلا قد فضلوا بفضلك القبائلا
أي الذين يعذلون عذالهم على البذل وصاروا أفضل القبائل بفضلك وكونك منهم وقال وقد دخل رسول ملك الروم على سيف الدولة في صفر سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة
ظلم لذا اليوم وصـف قـبـل رؤيتـه لا يصدق الوصف حتى يصدق النظر
أي أن وصفته من غير مشاهدةٍ لما جرى فيه كنت قد ظلمته وصدق الوصف موقوف على صدق النظر فإذا لم أكن صادق النظر بالعيان والمشاهدة لم أكن صادق الوصف
تزاحم الجيش حتى لم يجد سببـاً إلى بساطك لي سمع ولا بصرُ
فكنت أشهد مختـصٍّ وأغـيبـه معاينا وعياني كـلـه خـبـرُ
يقول كنت في هذا اليوم أحضر الناس والمختصين بك لأني كنت شاهدا بشخصي وكنت أغيب المختصين عيانا لأني غبت معاينةً حيث لم أر ما يجري وقوله وعياني كله خبر أي كنت أخبر بما يجري وما كنت أعاين
اليوم يرفع ملك الروم ناظرهُ لأن عفوك عنه عنده ظفرُ
ويروي اليوم يرفع ملك الروم ناظره على أن الرفع لليوم وناظره بدل كما تقول ضربت عبد الله رأسه
فإن أجبت بشيء عن رسـائلـهِ فلا يزال على الأملاك يفتخرُ
قد استراحت إلى وقتٍ رقابهـمُ من السيوف وباقي القوم ينتظرُ
يقول لما هادنتهم استراحت رقابهم عن القطع إلى إنتهاء مدة الصلح وسائر الناس الذين كنت تغزوهم ينتظرون الصلح أيضا ويجوز أن يكون المعنى ينتظرون ورود سيوفك عليهم
وقد تبدلها بالـقـوم غـيرهـمُ لكي تجم رؤس القوم والقصرُ
أي تعطي سيوفك بدلا بهؤلاء غيرهم وأراد بالقوم الروم وغيرهم بالنصب لأنه المفعول الثاني للتبديل ومن روى غيرهم بالكسر فهو على نعت القوم والمعنى تعطي سيوفك بدلا بقومٍ غير الروم وعلى هذا قوله بالقوم غيرهم في محل المفعول الثاني للتبديل والقوم غير الروم وهذا الكلام مبني على أن بدلته كذا أو بكذا أعطيته بدلا من شيء كان له قبل هذا وليس في اللغة بدلته أعطيته البدل إنما معنى بدلته جعلت شيئا آخر مكانه كقوله تعالى وإذا بدلنا آيةً مكان آيةٍ ويبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وتجم تكثر والقصر جمع قصرة وهي اصل العنق ومعنى البيت أنك قد تحارب غير الروم وتدعهم حتى يكثروا وتغبهم ليتناسلوا ثم تعود إليهم فتهلكهم ويجوز أن يكون تجم بمعنى تستريح من ضربك إياها هذا الذي ذكرنا معنى قول ابن جنى ان الضمير في تبدلها للسيوف وهو غير صحيح في اللغة كما ذكرنا والصحيح في معنى هذا البيت أن الضمير في تبدلها للروم يقول تبدل الروم بقوم غيرهم أي تجعل غيرهم مكانهم في القتل والقتال وعلى هذا فقد صح اللفظ ظهر المعنى ولا يجوز نصب غيرهم
تشبيه جودك بالأمطار غاديةً جود لكفك ثانٍ ناله المطرُ
يقول إذا شبهنا جودك بالأمطار التي تأتي بالغدوات وهي اغزرها كان ذلك جودا ثانيا لكفك لأن المطر يسير ويفتخر بأن يشبه به جودك
تكسب الشمس منك النور طالعةً كما تكسب منها نورها القمر
أي تستفيد الشمس منك النور كما استفاد القمر النور من الشمس وقال أيضا يمدحه بعد دخول رسول الروم عليه
دروع لملكِ الروم هذي الرسائل يرد بها عن نفسه ويشـاغـلُ
هذه الرسائل التي أرسلها صاحب الروم هي له بمنزلة الدروع لأنه يردك بها عن نفسه ويشغلك ثم فسر هذا الكلام وبينه فيما بعده فقال
هي الزرد الضافي عليه ولفظها عليك ثناء سابـغ وفـضـائلُ
أي الرسائل علي درع سابغة والمعنى تقوم في الرد عنه مقام الدرع ولفظها ثناء عليك وفضائل لك أي أنها بما تضمنت من خطبة الصلح معدودة في فضائلك
وأنى اهتدى هذا الرسول بأرضـهِ وما سكنت مذ سرت فيها القساطلُ
كيف أهتدي في أرض الروم إلى الطريق وما أثارته خيلك من الغبار مذ سرت فيها بحالةٍ لم تسكن
ومن أي ماء كان يسـقـي جـياده ولم تصف من مزج الدماء المناهلُ
أي لكثرة قتلك بأرض الروم لم يبق منهل ألا صار ممزوجا بالدماء
أتاك يكاد الرأس يجحد عنـقـه وتنقد تحت الذعر منه المفاصلُ
أتاك هذا الرسول وبعضه تبرأ من بعض لأقدامه على المصير إليك هيبةً لك وهو قوله يكاد الرأس يجحد عنقه والمعنى يجحد عنقه وتنقطع مفاصله بالإرتعاد منك
يقوم تقويم السماطين مشـيهُ إليك إذا ما عوجته الأفاكلُ
الأفكل الرعدة يعني إذا عوجت الرعدة مشى الرسول إليك هيبةً لك قومه تقويم السماطين بين يديك.
فقاسمك العينين منه ولحظه سميك والخل الذي لا يزايلُ
يعني بسميه السيف وهو الخل الذي لا يزايله يقول سيفك قاسمك عيني الرسول ولحظه فكان ينظر بإحدى عينيه إليك وبالأخرى إلى السيف ثم ذكر علة هذه المقاسمة
وأبصر منك الرزق والرزق مطمعٌ وابصر منه الموت والموت هائلُ
وقبل ما قبـل الـتـرب قـبـلـهُ وكل كميٍّ واقـفٌ مـتـضـائلُ
أي متصاغر منضم هيبةً لك
وأسعد مشتاقٍ وأظفـر طـالـبٍ همام إلى تقبيل كمـك واصـلُ
مكان تمنـاه الـشـفـاه ودونـهُ صدور المذاكي والرماح الذوابلُ
أي كمك مكانٌ تتمنى الشفاه أن تقبله ولكن يتعذر الوصول إليه لكثرة ما دونه من الخيل والرماح
فما بلغتـه مـا أراد كـرامة عليك ولكن لم يخب لك سائل
أي لم يصل إلى تقبيل كمك لكرامة به عليك ولكنه سأل ذلك وأنت لا تخيب السائل
وأكبر منه همةً بـعـثـت بـه إليك العدى واستنظرته الجحافلُ
يقال أكبرته أي استكبرته قال الله تعالى فلما رأينه أكبرنه يقول اعداؤك الروم استعظمت همة هذا الرسول الذي بعثته إليك يعني أنه كان عظيم الهمة حتى حملته همته على أن يأتيك وعساكرهم طلبوا منه أن ينظرهم ويمهلها ويؤخرها عن الحرب بقصد سيف الدولة وشغله عنهم والفصيح أن يقال بعثته وحكى أبو عليّ الفسويّ أن بعثت به لغةٌ
فاقبل من أصحابه وهو مرسلٌ وعاد إلى أصحابه وهو عاذلُ
يقول أقبل عندهم وكان مرسلا بإرسالهم فلما عاد إليهم عذلهم على محاربتهم إياك وطمعهم في معارضتك حين رأى جنودك وكثرة عددك
تحير في سيفٍ ربيعة أصـلـهُ وطابعه الرحمن والمجد صاقلُ
رأى منك سيفا ربعيَّ الأصل مطبوع الرحمن مصقول فتحير إذا لم ير سيفا قبلك بهذه الصفة
وما لونه مما تحصل مقـلةٌ ولا حدة مما تجس الأناملُ
يقول المقل لا تحصل لونه لأن الأعين لا تستوفيه بالنظر هيبةً له كقوله، كأن شعاع عين الشمس فيه، ففي أبصارنا عنه إنكسار، ولا تجس الأنامل حده كما يدجس حد السيف لأه ليس سيفا في الحقيقة
إذا عاينتك الرسل هانت نفوسها عليها وما جاءت به والمراسلُ
أي إذا رأتك رسل الروم عيانا استحقروا انفسهم وما أتوا به من الهدايا ومن أرسلهم إليك كقول البحتري، لحظوك أول لحظةٍ فاستصغروا، من كان يعظم منهم ويبخلُ،
رجا الروم من ترجى النوافلُ كلها لديه ولا ترجى لديه الـطـوائلُ
الطوائل الأحقاد واحدتها طائلة يقول رجوا عفو من يرجى كل الفواضل من عنده ولا يرجى أن يدرك لديه ثار
فإن كان خوف القتل والأسر ساقهم فقد فعلوا ما القتل والأسر فاعلُ
أي أن ساق الرسل إليك خوفهم من جهتك القتل والأسر فقد فعلوا من الذل والانقياد لك ما كانوا يخافونه في قتلهم وأسرهم ثم فسر هذا فقال
فخافوك حتى ما لـقـتـلٍ زيادةٌ وجاؤوك حتى ما تراد السلاسلُ
أي خافوك خوفا لم قتلتهم لم يزد خوفهم على ذلك وجاؤوك طائعين حتى لا تحتاج في أسرهم إلى السلاسل
أرى كل ي ملكٍ إليك مصيرهُ كأنك بحر والملوك جداولُ
إذا مطرت ومنك سـحـائب فوابلهم طل وطلـك وابـلُ
يعني أن كثيرهم قليل بالإضافة إليك وقليلك كثير بالإضافة إليهم
كريم متى استوهبت ما أنت راكب وقد لقحت حرب فإنـك نـازلُ
يقول أنت كريم إذا سئل منك فرسك وقد اشتدت الحرب وهبتها مع شدة حاجتك إلى الفرس
إذا الجود أعط الناس ما أنت مالكٌ ولا تعطين الناس ما أنـا قـائلُ
قال ابن جنى أي لا تعط الناس اشعاري فيسلخوا معانيها وهذا ليس بشيء لأنه لا يمكنه ستر أشعاره واخفاؤها عن الناس وأجود الشعر ما سار في الناس ولكن المعنى لا تحوجني إلى مدح غيرك
أفي كل يوم تحت ضبني شويعر ضعيف يقاويني قصير يطاولُ
هذا استفهام تعجب واستنكار يقول أفي كل يوم شويعر ضعيف قصير يساويني في القوة وهو تحت ضبني والضبن الحضن وفي هذا إشارة إلى استحقاره ذلك الشاعر حتى لو أراد أن يحمله تحت ضبنه قدر على ذلك ثم هو مع قصوره عنه يباهيه بمدح سيف الدولة
لساني بنطقي صامت عنه عـادل وقلبي بصمتي ضاحك منه هازلُ
يقول يعدل عنه لساني فلا أكلمه ولا أهاجيه لأني لا أراه اهلا لذلك وقلبي يضحك منه يوهزل وإن كنت صامتا لا أبدي الضحك والهزل ثم بين لم يفعل ذلك فقال
وأتعب من ناداك من لا تجـيبـه وأغيظ من عاداك من لا تشاكلُ
وما التيه طبي فيهم غير أنـنـي بغيض إليّ الجاهل المتعاقـلُ
يقول ليس التكبر عادتي غير أني أبغض الجاهل الذي يتكلف ويرى أنه عاقل يعني بغضي إياهم يمنعني من كلامهم لا التكبر
وأكثر تيهي أنني بك واثـق وأكثر مالي أنني لك أمـلُ
لعل لسيف الدولة القرم هبةً يعيش بها حق ويهلك باطلُ
يقول لعله يتنبه بما أقول فلا يستجيز من الشعراء ما يأتونه به من الكلام الركيك فيهلك باطلهم يعني شعرهم ويبقى الحق يعني شعره
رميت عداه بالقوافي وفضـلـهِ وهن الغوازي السالمات القواتلُ
يقول مدحته بنشر فضائله فكأني رميت بتلك القوافي التي ذكرت فيها فضائله أعداءه فقتلتهم غيظا وحسدا ثم جعل القوافي غوازي قواتل حيث قتلت اعداءه بالغيظ والحسد وجعلها سالمةً لأنها تصيب ولا تصاب
وقد زعموا أن النجوم خوالـد ولو حاربته ناح فيها الثواكلُ
يقول لو كانت النجوم جيشا ثم حاربته لقامت عليها النوائح يعني أنها وإن قيل أنها وإن قيل أنها خالدة لو حاربته لقتلها وأفناها
وما كان أدناها له لو أرادها وألطفها لو أنه المتنـاولُ
يقول لو أراد النجوم لدنت منه وفي جميع النسخ وألطفها برد الكناية إلى النجوم ولا معنى له والصحيح وألطفه برد الكناية إلى الممدوح أي ما ألطفه لو تناول النجوم على معنى ما أحذقه وأرفقه بذلك التناول من قولهم فلان لطيف بهذا الأمر أي رفيق يعني أنه يحسنه وليس باخرق
قريب عليه كل ناء على الورى إذا لثمته بالغبار القـنـابـلُ
يقول قريب عليه كل بعيد على غيره إذا شد غبار الجيش على وجهه اللثام والقنابل جماعات الخيل واحدها قنبلة
تدبر شرق الأرض والغرب كفهُ وليس لها وقتاً عن الجود شاغلُ
يقول تدبير ممالك الشرق والغرب بكفه فإنه بسيفه وقوة يده يدبرها ومع كل هذا الشغل العظيم ليس لها شيء يشغلها وقتا عن الجود أي لا يغفل عن الجود وإن عظم شغله كما قال البحتري، تبيت على شغلٍ وليس بضائرٍ، لمجدك يوما أن يبيت على شغل، وتهوس ابن فورجة في هذا البيت فروى وليس لها وقت رفعا وشاغل صفته قال وفيه معنى لطيف ليس يوديه اللفظ إذا نصب الوقت وذلك أنه يريد لهذه الكف الشرق والغرب وما يحويانه وليس لها وقت يشغلها عن المجد وكف تملك الشرق والغرب بأن تملك ما هو أخف منهما أولى وهذا الذي قاله باطل محال لا يقوله غير جاهل والوجه نصب وقتا لأنه ظرف لشاغل
يتبع هراب الـرجـال مـرادهُ فمن فر حرباً عارضته الغوائلُ
الذي يهربون منه يتبعهم همته فيهلكون بسبب من الأسباب وهو قوله فمن فر حربا أي محاربا وهو نصب على الحال يقال فلان حرب لفلان إذا كان معاديا له عارضته الغوائل أي استقبلته غائلة تهلكه
ومن فر من إحسانه حسداً له تلقاه منه حيث ما سار نائلُ
أي لعموم نائله الأرض استقبله حيث ما توجه نائل منه
فتى لا يرى إحسانه وهو كامـلٌ له كاملا حتى يرى وهو شاملُ
إحسنه الكامل عنده غير كامل حتى يكون عاما يشتمل الناس جميعا
إذا العرب العرباء رازت نفوسها فأنت فتاها والمليك الحلاحـلُ
العرب العرباء العاربة القديمة المحض يقول إذا اختبروا نفوسهم عند الجود والشجاعة كنت فتاهم وسيدهم لأنك أجودهم وأشجعهم والمليك الملك والحلاحل السيد
أطاعتك في أرواحها وتصرفت بأمرك التفت عليك القبـائل
أي في بذل أرواحهم يقول هم لك مطيعون ولو أمرتهم ببذل الأرواح ومعنى التفت عليك القبائل أحاطت بك من حيث النسب فأنت وسيط فيما بينهم ويجوز أن يريج أنهم أنضموا إليك وأحاجوا بك طاعةً لك
وكل أنابيب القـنـا مـدد لـه وما تنكت الفرسان إلا العواملُ
هذا مثل يقول الطعن إنما يتأتى بجميع الرمح وما لم يعاون بعض الرمح بعضا لم يحصل الطعن ولكن العوامل هي التي تصيب الفرسان لأن السنان فيها كذلك القبائل كلهم مدد لك والعمل من فأنت منهم كالعامل من الرمح وهذا يقوي المعنى الثاني في البيت الذي قبله وهذا من قول بشار، خلقوا سادةً فكانوا سواء، ككعوب القناة تحت السنان، وقد قال البحتري، كالرمح فيه بضع عشرة فقرةً، منقادةً تحت السنان الأصيد،
رأيتك لو لم يقتضِ الطعن في الوغى إليك انقيادا لاقتضته الـشـمـائلُ
يقول إن لم يطعك الناس خوفا من طعنك أطاعوك حبا لشمائلك أي أن كرمك وحسن أخلاقك أدعى إلى طاعتك من الطعان في القتال
ومن لم تعلمه لك الذل نفـسـه من الناس طرا علمته المناصلُ
أي من لم يتذلل لك طوعا ورغبةً تذلل لك خوفا ورهبة وأنفذ سيف الدولة إلى أبي الطيب قول الشاعر، سأشكر عمرا إن تراخت منيتي، أيادي لم تمنن وإن هي جلبت، فتىً غير محجوب الغني عن صديقه، ولا مظهر الشكوى إذا النعل ذلت، رأى خلتي من حيث يخفى مكانها، فكانت قذى عينيه حتى تجلت، وسأله أجازته فقال ورسوله واقف
لنا ملك لا يطعنم النوم همهُ ممات لحيٍّ أو حيوة لميتِ
أي ما يشتغل بالنوم إنما همته الحرب والجود فهو يميت بقتاله اعداءه ويحيى بنواله أولياءه
ويكبر أ، تقذى بشيء جفونه إذا ما رأته خلة بك قرت
هذا كالرد على الأول في قوله فكانت قذى عينيه يقول هو أكبر من أن يتأذى بشيء يعني أن الأشياء تصغر عن اجتلاب كراهته فما خالف إرادته عدم
جزى الله عني سيف الدولة هاشمٍ فإن نداه الغمر سيفي ودولتـي
وقال يذكر وقعته ببني كلاب في جمادي الاخرة سنة 343
بغيرك راعيا عبـث الـذئاب وغيرك صارما ثلم الضراب
يريد عبث الذئاب بغيرك في حال رعيه وسياسته وثلم الضراب غيرك في حال قطعه أي إذا كنت أنت الراعي لم تعبث الذئاب بسوامك وإذا كنت أنت الصارم لم يثلمك الضرب والمعنى إذا كنت الحافظ لرعيتك لم يحم حولهم أحد بما يضرهم خوفا منك
وتملك أنفس الثقلين طـرا فكيف تحوز أنفسها كلابُ
يقول أنت ملك الجن والأنس فكيف يكون لبنى كلاب ملك أنفسهم ثم ذكر عذرهم فقال
وما تركوك معصيةً ولـكـن يعاف الورد والموت الشرابُ
أي إنما تركوك خوفا منك لا عصيانا لك يريد حين هربوا لما طلبهم
طلبتهم على الأمواه حتـى تخوف أن تفتشه السحابُ
أي تتبعت أمواه البادية لطلبهم حتى خاف السحاب أن تفتشه تطلبهم عنده لما كان الماء في السحاب
فبت لياليا لا نـوم فـيهـا تخب بك المسومة العرابُ
أي تعدو بك الخيل العربية المعلمة يعني ذوات الشيات في طلبهم
يهز الجيش حولك جانـبـيه كما نفضت جناحيها العقابُ
شبه وهو في قلب الجيش والجيش حوله يضطرب للسير بعقابٍ تهز جناحيها
وتسأل عنهم الفوات حـتـى أجابك بعضها وهم الجوابُ
أي لم يكن هناك سؤال ولا جواب ولكنه جعل طلبه إياهم في الفلوات كسؤالها عنهم وجعل ظفره بهم كالجواب منهم
فقاتل عن حريمهم وفـروا ندى كفيك والنسب القرابُ
أراد أن ندى كفيه وقرب النسب قاما لهم مقام من يذب عنهم ويقاتل دونهم وذلك أنه ظفر بالنساء والحرم فأحسن اليهن وحماهن عن السبي لاجل النسب بينه وبينهن
وحفظك فيهم سلفي معـد وأنهم العشائر والصحاب
يريد أنك حفظت فيهم القرابة التي بينك وبينهم من جانب ربيعة ومضر ابني نزار بن معد وأنهم عشائرك وأصحابك
تكفكف عنهم صم العوالـي وقد شرقت بظعنهم الشعابُ
أي تكف عنهم الرماح وقد امتلأت شعاب الجبال بظعنهم ونسائهم
وأسقطت الأجنة في الـولايا وأجهضت الحوائل والسقابُ
أي لشدة ما لحقهم من العتب في الهرب اسقطت نساؤهم أولادهن في برادع الإبل وأسقطت نوقهم الإناث والذكور من أولادها والولايا جمع ولية وهي كساء يطرح على ظهر البعير وأجهطت الناقة ولدها رمت به سقطا والحوائل جمع حائل وهي الأنثى من أولاد الإبل والسقب الذكر منها
وعمرو في ميامنهم عـور وكعب في مياسرهم كعابُ
عمرو قبيلة ذهبت ذات اليمين وتفرقت فصارت عمروا وكعب ذهبت ذات اليسار وتفرقت فصارت كعابا كما قال معاوية بن مالك، فأمسى كعبها كعباً وكانت، من الشنان قد دعيت كعابا،
وقد خذلت أبو بكر بنيهـا وخاذلها قريط والضباب
هؤلاء بطون بني كلاب وجعل أبا بكر بن كلاب قبيلة فلذلك أنث والمعنى أن بعضهم خذل بعضا لتشاغلهم بأنفسهم
إذا ما سرت في آثار قـوم تخاذلت الجماجم والرقاب
قال ابن جنى أصل التخاذل التأخر وإذا تأخرت الجمجمة والرقبة فقد تأخر الإنسان أي لما سرت وراءهم كان رؤسهم تأخرت لادراكك إياهم وإن كانت في الحقيقة قد اسرعت قال أبو الفضل العروضي ما أبعد ما وقع من الصواب وتخاذل الجماجم والرقاب هو أن يضربها بالسيف فيقطعها ويفصل بينهما فتساقط فكان كل واحد منهما خذل صاحبه وقد رجع أبو الفتح إلى نحو هذا القول فذكر قريبا من هذا وعندي في معنى هذا البيت غير ما ذكراه وهو أنه يقول أن الرؤوس تتبرأ من الأعناق والأعناق منها خوفا منك فلا يبقى بينهما التعاون كما قال أيضا، أتاك يكاد الرأس يجحد عنقه، البيت وقد مر وهذا المعنى اراد الخوارزمي فذكره في ثلاثة أبيات وقال، وكنت إذا نهدت لغزو قوم، وأوجبت السياسة أن يبيدوا، تبرأت الحيوة إليك منهم، وجاء إليك يعتذر الحديد، وطلقت الجماجم كل قحف، وأنكر صحبة العنق الوريد،
فعدن كما أخذن مكرمات عليهن القلائد والملاب
الملاب ضرب من الطيب وهو فارسي معرب ومنه قول جرير، تطلي وهي سيئة المعرى، بصن الوبر تحسبه ملابا، يقول عادت النساء إلى أماكنهن لم يصب منهن شيء من حليهن وما عليهن من الطيب
يثبنك بالذي أوليت شـكـرا وأين من الذي تولى الثواب
يشكرنم بإحسانك إليهن وأين موقع الثواب مما توليه أي أن إحسانك لا يقابل بشيء
وليس مصيرهن إليك شينـا ولا في صونهن لديك عاب
ويروي سبيا ويروي كونهن أي صيانتك إياهن لم تعبهن
ولا في فقدهن بني كـلاب إذا أبصرن غرتك إغتراب
يقول لا غربة عليهن إذا رأينك وأن بعدن عن أزواجهن وأقاربهن
وكيف يتم بأسك في أناس تصيبهم فيولمك المصاب
يقول لا يتم فيهم بأسك لأنك متى أصبتهم بمكروه آلمك ذلك وإذا كانت الحالة هذه فإصابتك إياهم إصابة نفسك وهذا كقول الحارث بن وعلة، ولئن سطوت لأوهنن عظمي، وكقول العديل بن الفرج، وإني وأن عاديتهم وجفوتهم، لتألم مما عض أكبادهم كبدي، وكقول قيس بن زهير، وإن أك قد بردت بهم غليلي، فلم أقطع بهم إلى بناني،
ترفق أيها المولى عليهـم فإن الرفق بالجاني عتاب
يقول ارفق بهم وإن جنوا فإن من رفق بمن جنى عليه كان ذلك الرفق عتابا وذلك أن الرفق بالجاني والصفح عنه يجعله عبدا لك كما قال، وما قتل الأحرار كالعفو عنهم،
وإنهم عبيدك حيث كـانـوا إذا تدعو لحادثة أجابـوا
وعين المخطئين هم وليسوا بأول معشر خطئوا فتابوا
وأنت حيوتهم غضبت عليهم وهجر حيوتهم لهم عقاب
أي أنت الذي بك بقاؤهم فإذا غضبت عليهم فقد غضبت عليهم حياتهم ولا عقوبة فوق هجر الحياة
وما جهلت أياديك البـوادي ولكن ربما خفي الصواب
يقول لم يجهلوا بعصيانك سوابق نعمك ولكن قد يخفى الصواب على الإنسان فيأتي غير الصواب
وكم ذنب مـولـده دلال وكم ذنب مولده اقتراب
يقول قد يتولد من الدلال الذنب فيأتي صاحبه بذنب وهو يحسبه دلالا وقد يكون بعد سببه القرب وهذا اعتذار لهم أي أنهم أدلوا عليك لفرط إحسانك إليهم فأتوا في ذلك بما صار ذنبا وجناية منهم
وجرم جره سفهـاء قـوم فحل بغير جارمه العذاب
يقو لكم جرم جناه السفهاء فنزل العذاب بغير من جنى كما قال الآخر، جنى ابن عمك ذنبا فابتليت به، إن الفتى بابن عم السوء مأخوذ، وقال البحتري، تصد حياء أن تراك بأعين، جنى الذنب عاصيها فليم مطيعها،
فإن هابوا بجرمهم علـيا فقد يرجو عليا من يهاب
يقول إن خافوه بسبب جرمهم فإنه يرجى كما يهاب لأنه جواد مهيب
وإن يك سيف دولة غير قيس فمنه جلود قيس والثـياب
يقول إن لم يكن سيف دولتهم فهو ولي نعمتهم لأن جلودهم تنبت بإنعامه عليهم واكتسوا بما خلع عليهم من الثياب
وتحت ربابه نبتوا وأثـوا وفي أيامه كثروا وطابوا
الرباب غيم يتعلق بالسحاب من تحته يضرب إلى السواد ومنه قول الشاعر، كأن الرباب دوين السحاب، نعام تعلق بالأرجل، يعني أنهم تربوا بنعمته ونشؤوا في إحسانه كالنبت إنما يلتف بماء السحاب واثوا من الأثاثة يقال نبت أثيث وشعر أثيث
وتحت لوائه ضربوا الأعـادي وذل لهم من العرب الصعاب
أي إنما تمكنوا من الأعداء بحشمته وانتسابهم إلى خدمته حتى انقاد لهم من العرب الذي لا ينقادون لأحد
ولو غير الأمير غزا كلابا ثناه عن شموسهم ضباب
يذكر قوتهم وشوكتهم وأن غير سيف الدولة لو أتاهم لما ظفر بهم وكنى بالشموس عن النساء وبالضباب عن المحاماة دونهن لأن الضباب يستر الشمس ويحول عن النظر إليها ويجوز أن يكون هذا مثلا معناه لو غزاهم غيره لكان له مشغل بما يلقى منهم قبل الوصول إليهم وإباحة حريمهم ومعناه أنه كان يستقبله من قليلهم ما كان يمنعه من الوصول إلى الذين هم أكثر منهم فجعل الضباب مثلا للرعاع والشموس مثلا للسادة
ولاقى دون ثأيهم طعـانـا يلاقي عنده الذئب الغراب
الثأي جمع ثأية وهي الحجارة حول البيوت يأوي إليها الراعي ليلا وفيها مرابض الغنم ومبارك الإبل أي لم يكن يصل إلى هذا الموضع منهم وكان يلاقي قبل الوصول إليه طعانا يكثر به القتلى حتى يجتمع عليهم الذئب والغراب
وخيلا تغتذى ريح الموامي ويكفيها من الماء السراب
أي لقي خيلا تعودت قطع المفاوز على غير علف وماء حتى كان غذاءها الريح وماؤها السراب لأنها عراب مضمرة معودة قلة العلف والماء
ولكن ربهم أسـرى إلـيهـم فما نفع الوقوف ولا الذهاب
أي ما نفعهم الوقوف في ديارهم للدفاع والمحاماة ولا الذهاب للهرب لأنهم أن وقفوا قتلوا وإن هربوا أدركوا
ولا ليل أجـن ولا نـهـار ولا خيل حملن ولا ركاب
أي لم يسترهم عنه ليل ولا أخفاهم نهار ولا حملتهم خيل ولا ركاب لأن سيف الدولة طلبهم هذا كقوله، تخاذلت الجماجم والرقاب،
رميتهم ببحر مـن حـديد له في البر خلفهم عباب
جعل جيشه كبحر حديد لكثرة ما عليه من الأسلحة ثم جعلهم يموجون خلفهم في سيرهم وراءهم
فمساهم وبسطهم حـرير وصبحهم وبسطهم تراب
أي أتاهم مساؤهم يفترشون الحرير فبيتهم وقتلهم ليلا حتى جدلوا على الأرض مقتولين مع الصباح
ومن في كفه منهـم قـنـاة كمن في كفه منهم خضاب
أي صار الرجال كالنساء تخاذلا وانقيادا وإعطاء باليد
بنو قتلى أبيك بأرض نجـد ومن أبقى وأبقته الحراب
يريد ما كان من أبي الهيجاء والد سيف الدولة مع بني كلاب من الحرب
عفا عنهم وأعتقهم صغـارا وفي أعناق أكثرهم سخاب
يريد أن والدك قتل آباءهم وعفا عن الأبناء فأعتقهم وهم صغار متقلدو قلائد والسخاب قلادة من قرنفل يلبسها الصبيان
فكلكم أتى مأتـى أبـيه وكل فعال كلكم عجاب
أي هم تقيلوا آباءهم في الخطأ وأنت تقيلت أباك في العفو ففعلهم عجب حين عصوك ولم يعتبروا بآبائهم وفعلك أيضا عجب في المن عليهم والإبقاء على باقيهم
كذا فيسر من طلب الأعادي ومثل سراك فليكن الطلاب
وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث ومنازلته أصناف الروم سنة 343
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
العزيمة ما يعزم عليه من الأمر يقول العزائم إنما تكون على قدر أصحاب العزم فمن كان كبير الهمة قوي العزم عظم الأمر الذي يعزم عليه وكذلك المكارم إنما تكون على قدر أهلها فمن كان أكرم كان ما يأتيه من المكرمات أعظم والمعنى أن الرجال قوالب الأحوال فإذا صغروا صغرت وإذا كبروا كبرت وهذا كقول عبد الله بن طاهر، إن الفتوح على قدر الملوك وهمات الولاة وإقدام المقاديم،
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
أي صغار الأمور عظيمة في عين الصغير القدر وعظامها صغيرة في عين العظيم القدر
يكلف سيف الدولة الجـيش هـمـه وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
يكلف جيشه ما في همته من الغزوات والغارات ولا يقوم بتحمل ذلك الجيوش الكثيرة لأن ما في همته ليس في طاقة البشر تحمله والخضرم الكثير العظيم والرواية الصحيحة الجيوش والبحور لا وجه له في المعنى ومن رواه غالط وإنما أتى من لفظ الخضارم ظنا أن الخضرم لا يكون إلا صفة للبحر والخضرم الكثير من كل شيء
ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك ما لا تدعيه الضراغم
يطلب عند الناس ما عنده من الشجاعة والبأس والأسود لا تعدي ذلك الذي عنده من الشجاعة
يفدي أتم عـمـرا سـلاحـه نسور الملا أحداثها والقشاعم
يريد بأتم الطير عمرا النسور وقد فسره بالمصراع الثاني والقشعم المسن من النسور يعني أن النسور تقول لأسلحته فديناك بأنفسنا لأنها كفتها التعب في طلب الأقوات وقد فسر هذا فقال
وما ضرها خلق بغير مخالب وقد خلقت أسيافه والقـوائم
يقول ما ضر الأحداث من النسور يعني الفراخ والقشاعم وهي المسنة التي ضعفت عن طلب الرزق وخص هذين النوعين لعجزها عن طلب القوت يقول فليس يضرها أن لا مخالب لها قوية مفترسة بعد أن خلقت أسيافه فإنها تقوم بكفاية قوتها ويجوز أن يكون المعنى وما ضرها لو خلقت بغير مخالب كما يقول ما ضر النهار ظلمته مع حضورك وليس النهار بمظلم ولكنك تريد ما ضره لو خلق مظلما
هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعلم أي الساقيين الـغـمـائم
الحدث أسم قلعة معروفة بناها سيف الدولة في الروم وقوله الحمراء لأنها احمرت بدماء الروم وذلك إنهم غلبوا عليها وتحصنوا بها فأتاهم سيف الدولة وقتلهم فيها حتى احمرت بدمائهم فقال المتنبي هل تعرف الحث لونها يعني أنه غير ما كان من لونها بالدم وهل تعلم أي الساقيين يسقيها الغمائم أم الجماجم وحذف ذكر الجماجم اكتفاء بذكر الغمائم كما قال الهذلي، عصيت إليها القلب إني لأمرها، مطيع فما أدري أرشد طلابها، أراد أرشد أم غي وقد بين هذا المعنى في البيت الثاني فقال
سقتها الغمام الغر قبل نزوله فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم
بناها ورماح المسلمين تقارع رماح الروم والعسكران يتقاتلان والمنايا تسلب الأرواح واستعار لها موجا متلاطما لكثرتها كالبحر إذا تلاطمت أمواجه
وكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمتئم
جعل اضطراب الفتنة فيها جنونا لها وذلك أن الروم كانوا يقصدونها ويحاربون أهلها فلا تزال الفتنة بها قائمة فلما قتل سيف الدولة الروم وعلق القتلى على حيطانها سكنت الفتنة وسلم أهلها فجعل جثث القتلى كالتمائم عليها حيث اذهبت ما بها من الجنون وهو سكون الفتنة
طريدة دهر ساقهـا فـرددتـهـا على الدين بالخطى والدهر راغم
أي هذه القلعة طريدة الدهر طردها الدهر بأن سلط عليها الروم حتى خربوها فأعدت بناءها ورددتها على أهل الدين فرغم الدهر حين خالفته فيما قصد واراد
تفيت الليالي كل شيء أخذته وهن لما يأخذن منك غوارم
يقول الليالي إذا أخذت شيئا ذهبت به فإن أخذت منك غرمت لأنك تلزمها الغرامة ويجوز أن تكون تفيت مخاطبة وعلى هذا روى أخذته بالتاء يقول إذا سلبت الليالي شيئا أفته عليها فلم تقدر على استرداده منك وهي إذا أخذت منك شيئا غرمته يعني أنت أقوى من الدهر فإنه لا يقدر على مخالفتك وهذا من قول بعضهم، فما أدرك الساعون فينا بوترهم، ولا فاتنا من سائر الناس واتر، وقال الطرماح، إن نأخذ الناس لا تدرك أخيذتنا، أو نطلب نتعد الحق في الطلب،
إذا كان ما تنويه فعلا مضـارعـا مضى قبل أن تلقي عليه الجوازم
إذا نويت أمرا تفعله وكان فعلا مضارعا غير ماض والنحويون يسمون الفعل المستقبل مضارعا مضى ذلك الذي نويته قبل أن يجزم ذلك الفعل وأراد بالجوازم لم ولا ولم الأمر أي إذا نوى أمرا يفعله مضى قبل أن يقال له لا تفعل لأنه يسبق بما يهم به نهي الناهين وعذل العاذلين وقبل أن يؤمر به فيقال ليفعل كذا وليعط فلانا ولينجز ما وعد به أي يسبق ما ينوى فعله هذه الأشياء
وكيف ترجى الروم والروس هدمها وذا الطعن آساس لهـا ودعـائم
يقول كيف يرجون هدم هذه القلعة وهي محروسة بطعانك فالطعن لها كالآساس والدعائم حيث حرس بها كما يحرس البناء بالآساس والدعائم
وقد حاكموها والمنايا حـواكـم فما مات مظلوم ولا عاش ظالم
حاكموها يعني القلعة إلى المنايا فقتلت الظالم وأبقت المظلوم والظالم الذي قصد هدمها والمظلوم القلعة المقصودة بالهدم وجعل الحروب حاكمة وجعل الحدث والروم خصمين فحكمت الحروب للقلعة بالسلامة وللروم بالهلاك
أتوك يجرون الحديد كأنهم سروا بجياد ما لهن قوائم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:29 pm

أي لكثرة الحديد عليهم وعلى خيلهم كان خيلهم لا قوائم لها إذ لا ترى لأنها مستورة بالتجافيف
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم ثيابهم من مثلها والـعـمـائم
يعني الروم جعلهم يبرقون بكثرة الحديد عليهم وقوله لم تعرف البيض منهم أي لا يفرق بين سيوفهم وبينهم لأن عمائمهم البيض وثيابهم الدروع فهم كالسيوف وقد فسر هذا بقوله ثيابهم من مثلها والعمائم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أذن الجوزاء مـنـه زمـازم
يعني أنهم لكثرتهم عموا الشرق والغرب وبلغت أصواتهم الجوزاء وخصها بالذكر من سائر البروج لأن الجوزاء على صورة إنسان والزمازم الأصوات التي لا تفهم لتداخلها
تجمع فيه كل لـسـن وأمة فما تفهم الحداث إلا التراجم
اللسن اللغة ومنه قرآءة أبي السماك العدوي وما أرسلنا من رسول إلا بلسن قومه والمعنى أنه أجتمع في هذا الجيش كل جيل من الناس وأهل كل لغة من اللغات فإذا كلم جيل منهم من ليس من أهل لغته احتاج إلى مترجم يترجم له والحداث جمع حادث وهو بمعنى متحدث ومنه قول المجنون، أتيت مع الحداث ليلى فلم أبن، فأخليت فاستعجمت عند خلائي ذهبت فلم أصبر وعدت فلم أبن، جوابا كلا اليومين يوم بلآئي،
فلله وقت ذوب الغش نـاره فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
يتعجب من ذلك الوقت الذي قامت الذي قامت الحرب فيه وبين الروم يقول ما كان مغشوشا هلك وتلاشى كأنه ذاب بنار الحرب ولم يبق إلا سيف قاطع أو رجل شجاع وعنى بالغش الضعاف من الرجال والأسلحة وقد فسر هذا فيما بعد فقال
تقطع ما لا يقطع الدرع والقنـا وفر من الفرسان من لا يصادم
يقول تكسر من السيوف ما لم يكن ماضيا يقطع الدروع والرماح وهرب الجبناء الذين لا يقاتلون ومن روى فقطع أراد الوقت يعني أن الوقت كان صعبا لم يبق معه إلا الخلص من الرجال والأسلحة كما قال، وتساقط التنواط والذنبات إذ جهد الفضاح،
وقفت وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
سمعت الشيخ أبا معمر المفضل بن اسماعيل يقول سمعت القاضي أبا الحسين عليّ بن عبد العزيز يقول لما أنشد المتنبي سيف الدولة قوله فيه وقفت وما في الموت شك لواقفٍ البيت والذي بعده أنكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزي البيتين على صدريهما وقال له كان ينبغي أن تقول وقفت وما في الموت شك لواقف، ووجهك وضاحُ وثغرك باسمُ، تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً، كأنك في جفن الردى وهو نائمُ، قال وأنت في هذا مثل امرء القيس في قوله، كأني لم أركب جوادا للذةٍ، ولم أتبطن كاعباً ذات خلخالِ، ولم أسبإ الزق الرويَّ ولم أقل، لخيلي كرى كرةً بعد إجفالِ، قال ووجه الكلام في البيتين على ما قاله العلماء بالشعر أن يكون عجز البيت الأول مع الثاني وعجز الثاني مع الأول ليستقيم الكلام فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكر ويكون سباء الخمر مع تبطن الكاعب فقال أبو الطيب أدام الله عز مولانا سيف الدولة أ، صح أن الذي استدرك على امرىء القيس هذا اعلم منه بالشعر فق أخطأ أمرء القيس واخطأت أنا ومولانا يعرف أ، الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جملته وتفصيله لأنه اخرجه من الغزلية إلى الثوبية وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقرن السماحة في شراء الخمر للاضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت اتبعته بذكر الردى لتجانسه ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكيةً قلت ووجهك وضاح وثغرك باسم لأجمع بين الاضداد في المعنى فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصلاة وفيها خمسمائة دينارٍ انتهت الحكاية ولا تطبيق بين الصدر والعجز احسن من بيتي المتنبي لأن قوله كأنك في جفن الردى وهو نائم هو معنى قوله وقفت وما في الموت شك لواقف فلا معدل لهذا العجز عن هذا الصدر لأن النائم إذا أطبق جفنه أحاط بما تحته وكأن الموت قد أظله من كل مكان كما يحدق الجفن بما يتضمنه من جميع جهاته وجعله نائما لسلامته من الهلاك لأنه لم يبصره وغفل عنه بالنوم فسلم ولم يهلك
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاح وثغرك باسمُ
هذا هو النهاية في التشابه لأنه يقول المكان الذي تكلم فيه الأبطال فتكلح فتعبس ثم وجهك وضاح لاحتقارك الأمر العظيم وكلمى جمع كليم بمعنى جريح وهذا كما قال مسلم، يفتر عند افترار الحرب مبتسما، إذا تغير وجه الفارس البطل،
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالمُ
يقول ما فيك من الفطانة يتجاوز حد العقل لأنه لا يدرك بالعقل ما تدركه أنت وما فيك من الشجاعة قد تجاوز الحد إلى ما يقوله الناس فيك من أنك عالم بالغيب لأنك كأنك تعرف ما تصير إليه من الظفر فتشجع على القتال ولا تحذر الموت لعلمك بأن العاقبة لك.
ضممت جناحيهم على القلب ضمةً تموت الخوافي تحتها والقـوادمُ
يريد بالجناحين الميمنة والميسرة وهما جانبا العسكر ولما سماها جناحين جعل رجالهما خوافي وقوادم والجناح يشتمل على القوادم وهي من الريش ما فوق الخوافي والخوافي تحت القوادم يقول قلبت جناحي العسكر على القلب فاهلكت الجميع.
بضرب أتى الهامات والنصر غائبٌ وصار إلى اللبات والنصر قـادمُ
قال ابن جنى إذا ضربت عدوا فحصل سيفك رأسه لم يعتد ذلك عندك نصرا فإذا فلق السيف رأسه فصار إلى لبته فحينئذ يكون ذلك عندك نصرا ولا يرضيك ما دونه وقال ابن فورجة إنما عنى أبو الطيب سرعة وقوع النصر وأنه لم يلبث إلا قدر وصول السيف المضروب به من الهامة إلى اللبة كأنه يقول نازلت العدو والنصر غائبٌ وضربتهم بالسيف وقد قدم النصر.
حقرت الردينيات حتى طرحتها وحتى كأن السيف للرمح شاتمُ
يقول تركت القتال بالرماح وازدريتها لأنها من سلاح الجبناء وسلاح الشجعان السيف لمقاربة ما بين القرنين في القتال به ولما اخترت السيف على الرمح في القتال صار كأن السيف يشتم الرمح
ومن طلب الفتح الجليل فـإنـمـا مفاتيحه البيض الخفاف الصوارمُ
نثرتهـم فـوق الأحـيدب كـلـهِ كما نثرت فوق العروس الدراهم
الأحيدب جبل الحدث يقول نثرتهم على هذا الجبل مقتولين نثر الدراهم على العروس يعين تفرقت مصارعهم على هذا الجبل كما تتفرق مواقع الدراهم إذا نثرت.
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى وقد كثرت حول الوكور المطاعمُ
يريد أنه يتبعهم في رؤس الجبال حيث يكون وكور جوارح الطير فقتلهم هناك حتى كثرت مطاعم الطير حول وكورها
تظن فراخ الفتخ أنك زرتهـا بأماتها وهي العتاق الصلادمُ
الفتخ جمع الفتخاء وهي العقاب اللينة الجناح والفتخ لين المفاصل والعتاق كرام الخيل والصلادم جمع صلدهم وهي الفرس الشديدة الصلبة يقول تظن فراخ العقبان خيلك امهاتها لما صعدت الجبال وبلغت أوكارها لأن خيلك كالعقبان شدة وضمرا وسرعةً كما قال، نظروا إلى زبرِ الحديد كأنما، يصعدن بين مناكب العقبان، يريد به الخيل
إذا زلقت مشيتها ببطـونـهـا كما تتمشى في الصعيد الأراقمُ
إذا زلقت الخيل في صعودها جعلتها تمشي على بطونها في تلك المزالق مشي الحيات على بطونها في الصعيد يصف صعوبة مراقيها في الجبال
أفي كل يومٍ ذا الدمستق مقدمٌ قفاه على الإقدام للوجه لائمُ
أي كل يوم يقدم عليك الدمستق ثم يفر فيلوم قفاه وجهه على إقدامه يقول لم أقدمت حتى عرضتني للضرب بهزيمتك وذلك أن إقدامه سبب هزيمته والضرب في قفاه.
أينكر ريح الليث حتـى يذوقـه وقد عرفت ريح الليوث البهائمُ
يذوقه معناه يجربه ويختبره والمضير لليث يقال ذق ما عند فلان أي جربه وفي هذا اشارة إلى أنه أجهل من البهائم لأنها إذا شمت ريح الأسد وقفت ولم تتقدم وهذا على طريق التمثيل والمعنى أنه يسمع خبر سيف الدولة فيأتيه مقاتلا ثم ينهزم ولو أنهزم من غير قتالٍ كان اجزم له
وقد فجعته بابنه وابـن صـهـرهِ وبالصهر حملاتث الأميرِ الغواشمُ
يقول حملاتك عليهم التي تغشمهم وتدقهم وتكسرهم وقد فجعته بأقاربه أي فهلا اعتبر بهم حتى لا يقدم
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبا لما شغلتها هامهم والـمـعـاصـم
أي انهزم شاكرا لأصحابه لما شغلت بهم السيوف عنه فكأنهم وقوه السيوف برؤوسهم وأيديهم حتى سبق وفات السيوف
ويفهم صوت المشرفـية فـيهـم على أن اصوات السيوف أعاجم
السيوف لا تفهم بصوتها أحدا لأن اصواتها أعاجم غير مفهوم منها شيء والدمستق يفهم صوتها في أصحابه لأنه يستدل بذلك على قتلهم فهو فهم من طريق الاعتبار لا من طريق السماع
يسر بما أعطاك لا من جهالةٍ ولكن مغنوما نجا منك غانمُ
يسر بما أخذته من أصحابه وامتعته وأسلحته وعدته حيث كانت كالفداء له إذ نجا هو واشتغل العسكر بأخذ هذه الأشياء وليس يسر جهلا بحالته وإن الذي انتهبت امواله ليس سبيله أن يسر ولكنه حين نجا براسه غانمٌ وإن كان مغنوما أي لا يهتم لغيره غذ نجا هو لأن المسلوب إذا سلم منك بسلبه فهو سالب
ولست مليكا هازما لنظـيره ولكنك التوحيد للشرك هازم
يقول لست في هزمك الدمستق ملكا هزم نظيرا ولكنك الاسلام هزم الشرك
تشرف عدنانٌ به لا ربـيعةٌ وتفتخر الدنيا به لا العواصمُ
ربيعة بطن من عدنان يقول جميع العرب يفتخرون به لا بعضهم وهو فخر لجميع الدنيا لا لبلاد مخصوصة
لك الحمد في الدر الذي لي لفظه فإنك معطـيه وإنـي نـاظـمُ
يعني بالدر شعره يقول المعاني لك واللفظ لي فأنت تعطينيه وأنا أنظمه
وأني لتعدوبي عطاياك في الوغا فلا أنا مذمومٌ ولا أنـت نـادمُ
أيأنا امتطي في الغزو خبلك التي ركبتنيها ولست مذموما في أخذها لأني شاكر أياديك ناشر ذكرك ولست نادما على ما اعطيتني لقيامي بحق ما أوليتني
على كل طيارٍ إليها بـرجـلـهِ إذا وقعت في مسمعيه الغماغمُ
أي على كل فرس يطير إلى الحرب برجله يجري في سرعة الطائر إذا سمع صوت الحرب والغماغم الأصوات المختلطة وعلى من صلة الندم أي لست نادما على هبتك لي كل فرسٍ طيارٍ ويجوز أن يكون من صلة محذوفٍ دل عليه ما تقدم كأنهن قال أقصد الوغا على كل طيارٍ
ألا أيها السيف الذي لست مغمداً ولا فيك مرتابٌ ولا منك عاصمُ
يقول أنت سيف لا تغمد ولا يشك أحد في هذا ولا يعصم منك شيء لا حصن ولا حديد ويروي ليس مغمدا
هنيأ لضرب الهام والمجد والعلى وراجيك والإسلام أنك سـالـمُ
يهنىء هذه الأشياء بسلامته لأنه قوامها
ولام لا يقي الرحمن حديك ما وقى وتغليقه هام الـعـدى بـك دائمُ
يقول لم لا يحفظك الرحمن ما دام يحفظ أي ابدا وهو يفلق بك رؤوس الأعداء وهذا استفهام إنكار يعني أنه يحفظك لأنك سيفه وقال وقد ورد فرسان الثغور ومعهم رسول ملك الروم يطلب الهدنة
أراع كذا كل الأنام هـمـامُ وسح له رسل الملوك غمامُ
راع معناه أفزع وكذل أي كما أرى وهو في موضع نصب لأنه نعت مصدر محذوف كأنه قال روعا كذا أي مثل ذا يقول هل راع ملك جميع الأنام كما أرى من روعك أياهم وهل تقاطرت الرسل على ملكٍ كما تقاطرت عليك وجعل توالي الرسل إلى حضرته كسح غمام وهذا استفهام تعجب
ودانت له الدنيا فأصبح جالسا وأيامها فيمـا يريد قـيامُ
دانت معناه أطاعت يقول هل اطاعت الدنيا لأحد كما اطاعت لك فأصبح جالسا لا يسعى في تصحيل مرادٍ والأيام تسعى فيما يريد
إذا زار سيف الدولة الروم غازيا كفاها لمامُ لو كـفـاه لِـمـامُ
اللمام الزيارة القليلة ومنه قول جرير، بنفسي من تجبنه عزيزٌ، عليَّ ومن زيارته لمامُ، يقول إذا غزاهم كفاهم أدنى نزول منه بهم لو اكتفى هو بذلك لكنه لا يكتفي حتى يبلغ أقاصي بلادهم
فتًى تتبع الأزمان في الناس خطوه لكـل زمـانٍ فـي يديه زمـامُ
يقول الزمان يتبعه فمن أحسن اليه من الناس أحسن إليه الزمان ومن أساء إليه أساء إليه الزمان فهو في زمامه يقوده على ما يريد
تنام لديك الرسل أمنا وغبـطةً وأجفان رب الرسل ليس تنامُ
يعني أنك تحسن إليهم وهو يأمنون ما كانوا عندك والذين بعثوهم وأرسلوهم إليك يخافونك لأنهم ليسوا على أمانٍ منك فلا تنام اجفانهم خوفا منك وهو قوله
حذاراً لمعروري الجياد فجاءةً إلى الطعن قبلا ما لهن لجامُ
أي لا ينامون حذرا لمن يركب الخيل عريا إلى الحرب يني لا يتوقف إلى أن تسرج وتلجم إذا فجئه أمر والقبل جمع أقبل وقبلاء وهو الذي أقبلت إحدى عينيه على الأخرى تشاوسا وعزة نفسٍ
تعطف فيه والأعنة شعرها وتضرب فيه والسياط كلامُ
يريد أن خيله مؤدبة إذا قيدت بشعرها انقادت كما تنقاد بالعنان وإذا زجرت قام ذلك مقام السياطز
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرامُ
يريد أن النفع والغناء للرجال والفرسان لا للخيل وإن كرمها ليس بنافع إذا لم يكن فوقها رجال كرام في الحرب
إلى كم ترد الرسل عما أتوا له كأنهم فيما وهـبـت مـلامُ
يعني أنه يردهم عما يطلبون من الهدنة رده لوم اللائمين في العطاء وهذا هو المدح الموجه
فإن كنت لا تعطي الذمام طواعةً فعوذ الأعادي بالكـريم ذمـامُ
الذمام جمع ذمة وهي العهد يقول إن كنت لا تعطي الروم عهدا وصلحا بالطوع فلياذهم بك يوجب لهم الذمام لان من لاذ بالكريم وجبت له الذمة أي فقد حصل لهم ما طلبوا وإن لم تعطهم ثم أكد هذا بالبيت الثاني فقال
وإن نفوسا أممتك منيعةٌ وإن دماء أملتك حرامُ
أي من قصدك بالرجاء حصلت له المنعة وحرم إراقة دمه
إذا خاف ملك من مليكٍ اجرتهُ وسيفك خافوا والجوارَ تسامُ
يقول إذا كنت تجير من خاف غيرك فلأن تجير من نفسك وقد خافوك أولى ومعنى قوله والجوار تسام أي أنك تتكلف أن تجيرهم وقد خافوا سيفك
لهم عنك بالبيض الخفاف تفرقُ وحولك بالكتب اللطاف زحامُ
أي لا يحاربونك بسيوفهم بل ينهزمون عنك ويزدحمون عليك بالكتب اللطيفة الكلام التي تلطفوا فيها لمسئلتك وتضرعوا إليك وجعل ابن فورجة الكتب نفسها لطافا قال لأنها كتب مكتومة وليس بشيء.
تغر حلاوات النفوس قلوبـهـا فتختار بعض العيش وهو حمامُ
يقول حلاوة النفوس وحب الحياة يغر القلب حتى يختار عيشا فيه ذل ويختار الهرب من خوف القتل وذلك العيش حمام في الحقيقة بل هو شر من الحمام كما ذكر في قوله
وشر الحمامين الزؤامين عيشةٌ يذلك الذي يختـاره ويضـامُ
فلو كان صلحا لم يكن بشفاعةٍ ولكنـه ذل لـهـم وغـرامُ
يقول لو كان ما طلبوه مصالحة لما افتقروا إلى التشفع بفرسان الثغور لان الصلح أن تغرب أنت فيه أيضا ولكن طلبوا إليك أن تؤخر عنهم الحرب أياما وكان ذلك ذلا لهم
ومن لفرسان الثغور عليهمِ بتبليغهم ما لا يكـاد يرامُ
يعني حين كانوا شفعاء لهم إليك حتى تؤخر عنهم الحرب أياما وذلك ما لا يكادون يقدرون على طلبه إليك فلهم المنة إذ بلغوهم ما لم يكونوا يبلغونه بأنفسهم
كتائب جاؤوا خاضعين فأقـدمـوا ولو لم يكونو خائفين لخـامـوا
وعزت قديما في ذراك خيولهـم وعزوا وعامت في نداك وعاموا
أي أنه تعودوا إحسانك قديما إذ كانوا في ناحيتك وكفنك وحمايتك تحسن إليهم حتى تفرقوا في برك وإحسانك
على وجهك الميمون في كل غارةٍ صلوةٌ توالي مـنـهـم وسـلامُ
أي أنهم يصلون عليك ويسمون وإن كنت تغير عليهم تعجبا لحسن وجهك.
وكل أناسٍ يتبعون إمامـهـمُ وأنت لأهل المكرمات إمامُ
أي أن الكرام يقتدون بك لأنك إمامهم
ورب جوابٍ عن كتاب بعثنه وعنوانه للناظرين قـتـامُ
يقول رب جيشٍ أقمته مقام جوابِ كتابٍ كتب إليك فصار قتامه وهو غبرته يدل عليه كما يدل العنوان على الكتاب والمكتوب إليه
تضيق به البيداء من قبل نشره وما فض بالبيدءا عنه ختـامُ
يقول تضيق البيداء بهذا الجواب ولم ينشر لم يفض عنه الختم وأراد أنه ديش كثير قبل انتشاره وتضيق به البيداء فكيف إذا انتشروا وتفرقوا للحرب والغارة
حروف هجاء الناس فيه ثلاثةٌ جوادق ورمح ذابل وحسامُ
لما سمي الجيش جوابا جعل حروف هجائه هذه الأشياء أي أنه ألف من هذه الأشياء كما يؤلف الجواب بحروف الهجاء
أذا الحرب قد اتبعتها فاله ساعة ليغمد نصل أو يحـل حـزامُ
أي يا ذا الحرب والمعنى فاله ساعة أي أتركه من قولهم لهيت عنه أي تركته
وإن طال أعمار الرماحُ بهدنةٍ فإن الذي يعمرن عندك عامُ
يقول إن سلمت الرماح من التكسر بترك استعمالها في الحرب بالهدنة بين الفريقين فإنها لا تبقى عندك إلا عاما واحدا لأنك لا تهادن العدو أثر من هذه المدة
وما زلت تفنى السمر وهي كثيرةٌ وتفنى بهن الجيش وهو لـهـامُ
يقول ما زلت تفنى الرماح بكثرة استعمالها وتفنى بها جيش الأعداء واللهام الكثير كأنه يلتهم كل شيء
متى عاود الجالون عاودت أرضهم وفيها رقاب للـسـيوفِ وهـامُ
الجالون الذين فارقوا ديارهم هربا منه يقول إذا عادوا إلى أوطانهم عدت إليهم فظفرت بهم وقتلتهم وهو قوله وفيها رقاب للسيوف وهام الجالون الذين فارقوا ديارهم هربا منه يقول إذا عادوا إلى أوطانهم عدت إليهم فظفرت بهم وقتلتهم وهو قوله وفيها رقاب للسيوف وهام
وربوا لك الأولاد حتى تصيبها وقد كعبت بنت وشب غلامُ
يقول لما هربوا منك فجلوا عن منازلهم ربوا أولادهم لتسبيهم وقد صارت البنت كاعبا والابن شابا أي صارا بحيث يصلحان للسبي ومعنى تصيبها أي حتى تكون العاقبة أصابتك إياها كقوله تعالى فالتقطه آل فروعن ليكون لهم عدوا وحزنا
جرى معك الجارون حتى إذا انتهوا إلى الغاية القصوى جريت وقاموا
أي جاورك حتى إذا انتهى بهم الجري جريت وحدك لأنهم تخلفوا عنك فسبقت غايتهم واصل هذا في الخيل تجارى فإذا ونى بعضها سبقته التي لم يلحقها الكلال
فليس لشمس مذ أنرت إنارةٌ وليس لبدرٍ مذ تممت تمامُ
يريد أنه أنور من الشمس فإنارتها تذهب باطلةً عند إنارته وهو أتم من البدر فتمامه كلا تمام وقال يذكر إيقاع سيف الدولة ببني عقيل وقشير وبلعجلان وكلاب لما عاثوا في نواحي اعماله وقصده إياهم وأهلاك من أهلكه منهم وعفوه عمن عفى عنه بعد تضافرهم وتضامهم عن لقائه سنة 344.
تذكرت ما بين العذيب وبـارقِ مجر عوالينا ومجرى السوابقِ
العذيب وبارق موضعان معروفان ويجوز أن يكون ما بينهما ظرفا للتذكر والظاهر أنه ظرف للمجر والمجرى ويحمل الكلام على أني جعل ما بين العذيب مفعول تذكرت ويجعل مجر عوالينا بدلا منه على أن يكون بدل الاشتمال كأنه قال مجر عوالينا فيه فحذف للعلم به ويجوز أن تكون ما زائدة والمعنى أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين وكانوا يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان ويسابقون على الخيل والمجرى بفتح الميم وضمها يكونان مصدرا ومكانا
وصحبة قوم يذبحون قـنـيصـهـم بفضلاتِ ما قد كسروا في المفارقِ
وتذكرت صحبة قومٍ صعاليك يذبحون ما يصيدون بما بقي من نصول سيوفهم التي قد كسروها في الرؤوس وفي هذا إشارة إلى جودةٍ ضربهم وقوةِ سواعدهم
وليلاً توسدنا الثوية تـحـتـه كأن ثراها عنبر في المرافقِ
الثوية موضع بقرب الكوفة يقول تذكرت ليلا اتخذنا فيه هذا المكان وسائد لنا أي نمنا عليه وكان طيب التراب وكأن ثراها الذي تتربت به مرافقنا حين اتكأنا عليها عنبر فيها قال ابن الصعلوك الفاتك لا وسادة له قال العروضي فيما استدرك عليه ألا ينظر أبو الفتح إلى قوله توسدنا الثوية وإنما يصف تصعلكه وتصعلك اصحابه وصبرهم على شدائد السفر وإن الفضلات المكسرة من السيوف مداهم والأرض وسائدهم لنه وضع رأسه على المرفق من يده وإنما سميت الوسادة مرفقةً لأن المرفق يوضع عليها ولا يفتخر الصعلوك بوضع الرأس على الوسادة وهذا من قول البحتري، في رأس مشرفةٍ حصاها لؤلؤ، وترابها مسك يشاب بغنبرِ،
بلاد إذا زار الحسان بغيرها حصى تربها ثقينه للمخانق
أي إذا حمل حصى هذه البلاد إلى النساء الحسان بأرض غيرها ثقبنه لمخانقهن لحسنه ونفاسته والحصى مرفوع بفعله وهو قول البحتري حصاها لؤلؤ
سقتني بها القطـربـلـي مـلـيحةٌ على كاذبٍ من وعدها ضوء صادق
قطربل موضع معروف تنسب إليه الخمر ومنه قول ابن هانيء، قطربلٌ مربعي ولي بقربي الكرخ مصيف وأمي العنبُ، يقول سقتني الشراب القطربلي امرأة مليحةٌ على وعدها الكاذب ضوء الوعد الصادق أي يستحسن كلامها فيقبل كذبها قبول الصدق ويجوز أن يريد أنها تقرب الأمر وتعد كأنها تريد الوفاء بذلك فهو ضوء الصدق ويجوز أن يريد أن الوعد الكاذب منها محبوب مطلوبٌ
سهاد لأجفانٍ وشمسٌ لناظرٍ وسقمٌ لأبدان ومسك لناشقِ
قال ابن جنى أي قد اجتمعت فيها الأضداد فعاشقها لا ينام شوقا إليها وإذا رآها كأنه يرى بها الشمس وهي سقم لبدنه ومسك عند شمه هذا كلامه وقد جعل البيت من صفة المليحة وقال العروضي البيت من صفة القطربلي والخمر تجمع هذه الأوصاف فإن من اشتغل بشربها لهى عن النوم وهي بشعاعها كالشمس للناظر وهي ترخى الأعضاء فيصير شاربها كالسقيم لعجزه عن النهوض وهي طيبة الرائحة فهي مسك لمن شمها
وأغيد يهوى نفسه كل عـاقـلٍ عفيفٍ ويهوى جسمه كل فاسقِ
رفع الأغيد عطفا على المليحة والمعنى أنه جمع بين خفة الروح وحسن الجسم والفاسق يميل إليه حبا لجسمه والعاقل العفيف الذي لا يفسق يهوى روحه لخفته وظرافته
أديبٌ إذا ما جس أوتارَ مزهـرٍ بلا كل سمعٍ عن سواها بعائقِ
يقول إذا أخذ العود فمس الأوتار أتى بما يشغل كل سمع عما سوى الأوتار لحذقه وجودة ضربه كما قال الآخر، إذا ما حن مزهرها إليها، وحنت نحوه أذن الكرامُ، وأصغوا نحوها الأسماع حتى، كأنهم وما ناموا نيامُ، ووصفه بالأدب أما لن ضرب العدو من آداب اليد وإما لأنه يحفظ الأبيات المليحة والأشعار النادرة ويؤكد هذا قوله
يحدث عما بـين عـادٍ وبـينـهُ وصدغاه في خدي غلامٍ مراهقِ
يريد أنه يأتي بالألحان القديمى والأشعار التي قيلت في الدهور الماضية والدساتين الفهلوية فهو بغنائه يحدث عما بين عادٍ وبينه وهو مع ذلك شاب مراهق ويريد بالتحديث على ما ذكرنا الغناء وقال ابن جنى أي هو أديب حافظ لأيام الناس وسيرهم واقاصيصهم والتحديث على هذا ليس الغناء
وما الحسن في وجه الفتى شرفا له إذا لم يكن في فعلهِ والـخـلائقِ
إذا لم يحسن فعل الفتى وخلقه لم يكن حسن وجهه شرفا له كما قال الفزاري، ولا خير في حسن الجسومِ وطولها، إذا لم يزن حسن الجسوم عقولُ، وكما قال العباس بن مرداس، فما عظم الرجال لهم بفخرٍ، ولكن فخرهم كرم وخيرُ،
وما بلد الإنسان غير المـوافـقِ ولا أهله الأدنون غير الأصدقِ
هذا حث على السفر والتغرب يقول ليس بلد الإنسان إلا ما يوافقه ولا أقاربه إلا أصدقائه والمعنى أن كل مكانٍ وافقه وطاب به عيشه فهو بلده وكل قوم صادقوه واصفوا له المحبة فهم رهطه الأدنون
وجائزة دعوى المحبة والهـوى وإنك ان لا يخفى كلام المنافقِ
يقول دعوى المحبة جائزة غير محظورة وإن كان لا يخفى كلام من ينافق في دعوى المحبة والمعنى أن كل احد إذا أراد أن يدعي المحبة أمكنه ذلك ولكن يتبين الصادق من الكاذب في دعواه يعرض في هذا بمشيخة من بني كلاب إذ طرحرا أنفسهم على سيف الدولة لما قصدهم يبدون له المحبة غير صادقين.
برأي من انقادت عقيلٌ إلى الردى وإشمات مخلوق وإسخاط خالق
يقول بتدبير من فعلوا هذا حين انقادوا إلى الهلاك وشماتة الأعداء وسخط الله تعالى
أرادوا عليا بالذي يعجز الورى ويوسع قتل الجحفل المتضايق
يقول قصدوك بما يعجز الناس ذلك وهو العصيان يعني أنه لا يقدر أحد على أن يعصيك فإن ذلك يعجز الناس ويكثر قتل الجيش الكثير يقال أوسعته الشيء أي أكثرت له منه
فما بسطوا كفا إلى غير قاطـعٍ ولا حملوا رأسا إلى غير فلقها
يعني حين عصوه وقاتلوه بسطوا أكفهم إلى من قطعها وحملوا رؤوسهم إلى من فلقها
لقد أقدموا لو صادفوا غـير آخـذٍ وقد هربوا لو صادفوا غير لاحقِ
يقول لقد اقدموا في الحرب ولكنهم وجدوا منك من أخذهم عند الأقدام ولحقهم عند الهرب يعني لم ينفعهم الإقدام ولا الهرب
ولما كسا كعباً ثياباً طغوا بـهـا رمى كل ثوبٍ من سنانٍ بخارقِ
أي لما أنعم عليهم فألبسهم ثياب إنعامه لم يشكروا نعمته فلسبهم النعمة بالإغارة عليهم وكأنه خرق بأسنته ما ألبسهم من ثياب نعمته
ولما سقى الغيث الذي كفروا بـه سقى غيره في غير تلك البوارقِ
يريد بالغيث إنعامه عليهم وقوله سقى غيره أي سقاهم كأس الموت في غير بوارق الغيث يعني في بوارق السيوف والمعنى لما أمطر عليهم الخير والجود وكفروا به أمطر عليهم العذاب لأنه أتاهم من عسكره في مثل السحائب البارقة فكانت ضد السحائب التي أحسن إليهم بها فكفروها
أي أن اساءتك إليهم اوجع من اساءة غيرك لأنك كنت محسنا إيهم وهم تعودوا احسانك فإذا تغيرت لهم كان أشد عليهم
أتاهم بها حشو العجاجة والقنا سنـــابـــكـــهـــا تـــحـــشـــو بـــطـــون الـــحـــمــــالـــــــقِ
كنى عن الخيل ولم يجر لها ذكر يقول أتاهم بالخيل وقد احاطت بها الرماح والعجاج فهي حشو هذين وحوافرها تحشو العيون بما تثير من الغبار قال ابن جنى أي تحشو الجفون بالعجاجة قال العروضي أحسن من هذا وأبلغ أن الخيل تطأ رؤس القتلى فتحشو حمالقها بسنابكها كما قال، وموطئها من كل باغٍ ملاغمه، فأما أن يرتفع الغبار فيدخل في العيون فلا كثير افتخارٍ في هذا.
عوابس حليَّ يابس الماء حزمها فن على أوساطها كالمناطقِ
عوابس كالحة لما أصابها من الجهد وأراد بيابس الماء ما جف من العرق وعرق الخيل إذا جف أبيض شبه حزمها وقد أبيض العرق عليها بالمناطق المحلاة بالفضة
فليت أبا الهيجا يرى خلف تـدمـرٍ طوال العوالي في طوال السمالقِ
تدمر بلد بالشام يقول ليت أباك حيٌّ فيراك وقد خلفت تدمر تطارد قبائل العرب برماحك الطويلة في المفارز الطوال
وسوق عليّ من معدٍّ وغيرها قبائل لا تعطى القفى لسائقِ
أي ويرى سوقك من العرب وغيرهم قبائل لا تنهزم من أحد ولا تولي أقفيتها إلى من يسوقها والمعنى أنك أذللت من العرب من لم يذلله غيرك وزاد اللازم في لسائق زيادةً للتوكيد
قشير وبلعجلان فيها خـفـية كرائين في ألفاظ ألثغ ناطقِ
يريد بني العجلان فحذف النون لمشابهتها اللام كما قالوا في بني الحارث بلحارث والمعنى إن هاتين القبلتين خفيتا وقلتا في جملة القبائل التي هربت بين يديك خفاء رأبين في لفظ الثغ إذا كررهما
تخليهم النسوان غـير فـواركٍ وهم خلوا النسوان غير طوالقِ
أي لشدة ما لحقهم من الخوف تركت النساء أزواجهن من غير فرك ولا بغض والرجال النساء من غير طلاق
يفرق ما بين الكماةِ وبينـهـا بطعنٍ يسلي حرهُ كل عاشقِ
يفرق عليٌّ وهو سيف الدولة بين الشجعان وبين نسائهم بضرب شديدة ينسى العاشق معشوقه
أتى الظعن حتى ما تطير رشاشةٌ من الخيل إلا في نحور العواتقِ
رواية ابن جنى الظعن جمع ظعينة قال وةالمعنى أن خيل سيف الدولة لحقوا بنساء هؤلاء فكانوا إذا طعنوا تناضح الدم في نحور النساء وإذا لحقوا بالعواتق فهو أعظم من لحاقهم بغيرهن لانهن أحق بالصون والحماية انتهى كلامه ويروى حتى ما يطير رشاشه من الخيل يعني الخيل الطاعنى وهي خيل سيف الدولة وإن شئت من الخيل المطعونة وهي خيل القبائل وروى ابن فورجة اتى الظعن أي طاعن الأعداء وهم في بيوتهم حتى يطير رشاشه فينحور النساء غزوا العدو في عفر داره قال والهاء في رشاشه للطعن وانكر رواية ابن جنى الظعن جمع ظعينة وذلك أنه إذغا روى الظعن لم يكن يعود الضمير إلى مذكور في رشاشه إلا أن يروي رشاشة.
بكل فلاةٍ تنكر الإنس أرضـهـا ظعائن حمر الحلي حمر الأيانق
يريد أن تلك العواتق كانت بكل فلاة بعيدة من الأنس وهو قوله ظعائن حمل الحلي أي حليهن الذهب ونوقهن حمر وهي نوق الملوك وذوي اليسار والمعنى أنه أبعد في طلبهم حتى بلغ فلواتٍ لا عهد لها بالأنس
ومـلـمـومة سـيفـيةٌ ربـيعة تصيح الحصى فيها صياح اللقالقِ
ملمومة معطوفة على ظعائن يريد ا، جيشه بلغ تلك الفلاة البعيدة والملمومة الكتيبة المجموعة سيفية منسوبة إلى سيف الدولة وربعية لأنه من ربيعة والحصى فيها تصيح من وقع حوافر دوابها صياح اللقالق
بعيدة أطراف القنا من أصولـهِ قريبة بين البيض غبر اليلامقِ
يريد أن رماحهم طويلة فقد تباعدت أطرافها من أوصلها وهم متضايقون متكاثفون مجتمعون فقد تقارب ما بين بيضها وقد اغبرت ثيابهم لما تثير خيلهم من الغبار وكان الوجه غبراء اليلامق ولكنه حمل اللغظ على المعنى لأن الكتيبة جماعةٌ وهذا كما تقول مررت بكتيبةٍ صفر الأعلام طوال الرماح
نهاها وأغناها عن النهب جوده فما تبتغي إلا حماة الحقائقِ
روى ابن جنى سيبه يقول جود سيف الدولة يغنيهم عن نهب الأموال فما يطلبون إلا الشجعان الذين يحمون ما يحق عليهم حمايته
توهمها الأعراب سورةَ مترفٍ تذكرهُ البيداء ظل السـرادقِ
توهمت الأعراب حربك سورة متنعمٍ إذا صار في البيداء تذكر ما كان فيه من الظل والنعمي كعادة الملوك فانصرف عنهم وتركهم هربا من العطش والحر والسورة الوثبة
فذكرتهم بالماء ساعة غـبـرت سماوة كلبٍ في أنوف الحزائق
يقال ذكرته الشيء وذكرته بالشيء وذكرتك الله وذكرتك بالله والباء زائدة وعلى هذا قال فذكرتهم بالماء والمعنى أنت ذكرتهم الماء في هذا الوقت الذي غبرت فيه سماوة كلب وهي برية معروفة في انوف حزائقهم لما هربوا بين يديك فذكرتهم الماء حين اشتد عطشهم هناك يقول عرفتهم صبرك عن الماء وأن الأمر لم يكن على ما ظنوا من أنك لا تصبر عن الماء في اتباعهم
وكانوا يرعون الملوك بأن بـدوا وأن نبتت في الماء نبت الغلافق
يقول هؤلاء القبائل كانوا يخوفون الملوك بأنهم نشؤوا في البادية فيصبرون على عدم الماء وإن الملوك لا يصبرون عن الماء لأنهم نشؤوا فيه كما ينبت الغلفق في الماء وهو الطحلب
فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه وأبدى بيوتاً من أداحي النقـانـق
يقول حركوك بحربهم وكنت أهدي في الفلاة من النجم وأظهر بيوتا فيها من مواضع بيض النعام والنعام تجمع لبيضها الحشيش الكثير فيجتمع منه الكثير ويتراكب حتى يصير كالتل والنقانق جمع النقنق وهو الظليم
وأصبر عن أمواهه من ضبابهِ وآلف منها مقلةً لـلـودائقِ
يقول كنت أصبر عن الماء من الضب وهو لا يرد الماء قط وكنت آلف مقلةً للهجير من الضباب التي تسكن الفلوات والوديقة شدة الحر عند دنو الشمس من الرؤوس
وكان هديرا من فحول تركتهـا مهلبة الأذناب خرس الشقاشقِ
المهلبة المقطوعة الهلب وهو شعر الذنب والشقاشق جمع الشقشقة هي لهاة البعير إذا هدر فيها أخرجها من فمه يقول كان طغيانهم وغيهم مثل هدير فحول تهادرت فانتدب لها قرم مصعب فضغمها وسار عليها فتركها مهلبة الاذناب ساكنة الهدير يريد هربت بين يديه وولته أذنابها فهلبها أي أخذ خصل شعرها فسكن هديرها خوفا ورهبا هذا كلام ابن جنى وقال ابن فورجة الفحل إذا أخذ هلبه ذل لأن الفحول إنما تتخاطر بأذنابها وإذا أخذ شعر ذنبها ذلت ألا ترى إلى قول الشاعر، أبى قصرُ الأذناب أن تخطروا بها، وإنما هذا مثل يريد أنه أتاهم فاذلهم وصغر أمرهم
فما حرموا بالركض خيلك راحةً ولكن كفاها البر قطع الشواهق
يقول هم بفرارهم منك واحواجهم إياك إلى الركض خلفهم لم يحرموا خيلك راحةً لأنك لو لم تذهب إليهم لقصدت الروم ولما قصدت هؤلاء كفى خيلك السير في البراري قطع الجبال بأرض الروم
ولا شغلوا صم القنا بـقـلـوبـهـم عن الركز لكن عن قلوب الدماسق
أي أنك لو لم تحاربهم ما كنت تركز رماحك تاركا للحرب بل كنت تغزو الروم فهم إنما شغلوا رماحك بحربهم عن طعن قلوب أهل الروم أي فلا راحة لخيلك ولا لسلاك والدماسق جمع دمستق على حذف التاء لأن هذا الأسم لو كان عربيا كانت التاء زائدةً
ألم يحذروا مسخ الذي يمسخ العدى ويجعل أيدي الأسدِ أيدي الخرانق
يريد بمسخ الأعداء أن يجعل الشجعان منهم جبناء والأقوياء ضعفاء ويجعل الأيدي القوية كأيدي الأسود ضعيفةً كأيدي الخرانق وهي الأناث من أولاد الأرنب
وقد عاينوه فـي سـواهـم وربـمـا أرى مارقا في الحرب مصرع مارق
يقول قد روك في سواهم كيف فعلت وكيف غلبت فكان من حقهم أن يعتبروا بغيرهم هذا معنى قوله وربما أرى مارقا في الحرب أي ربما أرى سيف الدولة العاصي الذي خرج عن الطاعة مصرع آخر حتى يعتبر الثاني بالأول كما قال أشجع، شد الخطام بأنف كل مخالفٍ، حتى استقام له الذي لم يخطم،
تعود أن لا تقضم الحب خـيلـه إذا الهام لم ترفع جنوب العلائقِ
العلائق جمع العليقة وهي المخلاة تعلق من رأس الدابة لتعتلق وجنوبها نواحيها وجيوبها ما جيب من أعلاها أي فتح وجيب المخلاة فمها وعلى هذا يروى لم ترقع ويكون المعنى إذا الرؤس لم تسد جيوب المخالي يقول تعودت خيله أن لا تقضم إلا من المخلاة لأنها أبدا تسافر ويجوز أن يريد بالهام هام الأعداء وأنها لكثرتها قد اجتمعت حتى توضع عليها مخالي دوابه فترفعها إليها وقد تعودت خيله في اعلافها ذلك وهذا قول ابن جنى حكاه عن ابي الطيب فقال الفرس إذا علقت عليها المخلاة طلبت لها موضعا مرتفعا تجعلها عليه ثم تأكل فخيله أبدا إذا أعطيت عليقها رفعته على هام الرجال الذين قتلهم لكثرة ما هناك من ذاك
ولا ترد الغـدران إلا ومـاؤهـا من الدم كالريحان تحت الشقائق
قال ابن جنى أي لكثرة من قتل من أعدائه قد جرت الدماء إلى الغدران فغلبت على خضرة الماء حمرة الدم والماء يلوح من خلال الدم وماء الغدير أخضر من الطحلب فشبه خضرة الماء وحمرة الدم بالريحان تحت الشقائق وقال ابن فورجة إنما يعني أنه لا يروم الهوينا ولا تشرب خيله الماء إلا وقد حاربت عليه وأحرم الماء من دم الأعداء كما قال بشار، فتًى لا يبيت على دمنةٍ، ولا يشرب الماء إلا بدمْ،
لوفد نميرٍ كـان أرشـد مـنـهـمُ وقد طردوا الأظعان طرد الوسائقِ
يقول هؤلاء الذين وفدوا إليك من بني نمير كانوا أرشد من الذين هربوا عاصين وطردوا نساءهم كما تطرد الوسائق وهي جمع وسيقة وهي طريدة من الغنم ثم ذكر كيف فعل بنو نمير
أعدوا رماحاً من خضوعٍ وطاعنوا بها الجيش حتى رد غرب الفيالقِ
يقود ردوا عن أنفسهم معرة الجيش بإظهارهم الخضوع لك فقام خضوعهم مقام رماحٍ طاعنوا بها مدافعين عن أنفسهم وهذا من قول أبي تمام، فحاط له الإقرار بالذنب روحه، وجثمانه إذ لم تحطه قنابله،
فلم أر أرمى منه غير مـخـاتـلٍ وأسرى إلى الأعداء غير مسارقِ
يقول يم أرأحدا يرمي أعداءه جهارا ويسري إلى اعدائه معالنا غير مسر كما يرمي هو ويسري هو يعني أنه لا يحتاج إلى المخاتلة والمسارقة في الظفر بعدوه
تصيب المجانيق العظام بكفه دقائق قد أعيت قسى البنادق
أي أنه يقدر على ما لا يقدر عليه غيره حتى يصيب بالمنجنيق ما لا يصيب غيره بالقسيّ التي ترمي بها البنادق وقال يصف أيقاعه بهذه القبائل
طوال قناً تطاعنهـا قـصـار وقطرك في ندى ووغى بحارُ
أي الرماح الطوال التي تطاعنها قصار في حقك لأنها لا تنالك ولا تبلغك ولانها لا غناء لها معك وكانها قصار كما قال، يحيد الرمح عنك وفيه قصد، ويقصر أن ينال وفيه طول، وقوله وقطرك في ندى أي القليل منك في الجود والحرب كثير حتى يكون القطر بمنزلة البحار
وفيك إذا جنى الجاني أنـاة تظن كرامةً وهي احتقارُ
أي فيك رفق وحلم عن الجاني لا تسرع في عقوبته يظن أن ذلك لكرامة به عليك وهو احتقار له عن المكافاة لا كرامة
وأخذ للحواضر والبوادي بضبطٍ لم تعوده نزار
يقول أنت تأخذ أهل الحضر والبدو بسياسة وضبط لم تتعود العرب تلك السياسة
تشممه شميم الوحش إنساً وتنكره فيعروها نفارُ
يقول العرب تدنو من طاعتك فإذا أحست بما عندك من السياسة انكرت ذلك أنكار الوحش إذا شمت ريح الأنس فتنفر ويصيبها نفار
وما انقادت لغيرك في زمانٍ فتدري ما المقادة والصغارُ
المقادة الأنقياد والصغار الذل يقول العرب لا تعرف هذا لأنهم ما انقادوا لأحد
وأفرحت المقاود ذفرييهـا وصعر خدها هذا العذار
الصحيح رواية من روى بالغاء اثقلت يقال أفرحه الدين أي أثقله يقول لما وضعت على العرب المقاود لتقودهم إلى طاعتك أثقلت مقاودك رؤسهم لأنك ضبطتهم ومنعتهم عن التلصص والغارة فصاروا كالدابة التي تقاد بحكمة شديدة وشكيمة ثقيلة والذفرى من خلف الأذنين ويجمع على ذفارٍ وذفاري كما قالوا عذار وعذارى ومدارٍ ومدارى وصحارٍ وصحارى ومن روى بالقاف فمعناه جعلتهم قرحا أي بلغت في رياضتهم حتى جعلتهم كالقرح في الذل والانقياد والصحيح هو الأول لأن الذفرى لا تختص بالذل والانقياد إلا على البعد وقوله وصعر خدها أي أماله وجذبه إلى جهة الطاعة هذا العذار الذي وضعته على خدهم وأراد الذفارى والخدود وذكر الذفرى بلفظ التثنية والخد بلفظ التوحيد وهو يريد بكليهما الجمع
وأطمع عامر البقيا عليها ونزقها احتمالك والوقار
لم يصرف عامر لأنه أراد القبيلة ولذلك أنثها والبقيا أسم من الإبقاء ويقول أطمعهم في العصيان أبقاؤك عليهم وتركك قصدهم والإيقاع بهم وحملهم على النزق وهو الخفة والطيش احتمالك وحلمك عنهم وتوقفك عن اهلاكهم
وغيرها التراسل والتشاكي وأعجبها التلبب والمغارُ
يقول غيرها عن الطاعة انها كانت ترسل إليك الرسل وتشكوا ما يجري عليها من سراياك واغترت بتحزبها وتأهبها ولبسها الأسلحة وكثرة غاراتها على النواحي والأطراف ثم وصف كثرة خيلهم وعددهم
جياد تعجز الأرسان عنهـا وفرسان تضيق بها الديارُ
أي لهم من الخيل ما لا تسعها الأرسان لكثرتها و لقوتها لا تضبطها الأرسان ومن الفرسان ما تضيق به الأماكن
وكانت بالتوقف عن رداها نفوسا في رداها تستشار
يقول كنت تتوقف عن اهلاكهم جريا على عادتك في الصفح والعفو فكانوا بمنزلة من يستشار في اهلاكه وكانوا هم بعتوهم وإقامتهم على غيهم كأنهم يشيرون عليك بأن تقتلهم
وكنت السيف قائمه إلـيهـم وفي الأعداء حدك والغرارُ
فأمست بالبدية شـفـرتـاه وأمسى خلف قائمهِ الحيارُ
يقول كنت سيفا لهم قائمه في أيديهم وحده في أعدائهم إلى أن عصوك فصارت شفرتاه حيث هم وهو البداية أي قطعتهم بشفرتيه في منازلهم وجاوزت الحيار إليهم فصار خلفك وهذا ظاهر وتخبط ابن جنى وابن فورجة في تفسير البيت الثاني ولم يعرفا معناه والحيار والبدية ماءآن أما الحيار فقريب إلى العمارة والبدية واقعة في البرية وبينهما مسير ليلةٍ
وكان بنو كلابٍ حـيث كـعـب فخافوا أن يصيروا حيث صاروا
يقول كانوا في التمرد والعصيان والمضامة حيث كان كعب فخافوا أن ينزل بهم ما نزل بكعب
تلقوا عـز مـولاهـم بـذلٍ وسار إلى بني كعبٍ وساروا
استقبلوا سيف الدولة بالخضوع والإنقياد وساروا معه وراء كعب
فأقبلها المروج مسـومـاتٍ ضوامرَ لا هزال ولا شيارُ
يريد مروج سليمة لأنهم كانوا بها ثم انهزموا بين يديه منها والكناية في أقبلها للخيل ولم يجر لها ذكر ومعنى اقبلها جعل وجوهها إلى المروج واجاءها إليها مسوماتٍ معلمات وهزال جمع هزيل وشيار حسنة المناظر سمان جمع شير وهي من الشارة والشوار حسن الهيئة والمعنى أن ضمرها ليس عن هزال إنما هو عن تضميرٍ وصنعةٍ وقيام عليها فهي مصنوعة مضمرة ولا هي أيضا حسنة المناظر لأنها قد شعثت وأغبرت بمواصلة السير وقوله لا هزال ولا شيار في الإعراب كقوله، لا أم لي أن كان ذاك ولا أب
تثير على سليمى مسبطرا تناكر تحته لولا الشعارُ
يريد خيلك تثير على هذا المكان عجاجا ممتدا ينكر الجيش تحته بعضهم بعضا يعني أصحاب الخيل لولا العلامة التي بها يتعارفون
عجاجا تعثر العقبان فـيه كأن الجو وعث أو خبارُ
الوعث من الأرض ما تغيب فيه القوائم لسهولته والخبار الأرض اللينة ومنه قول عنترة، والخيل تقتحم الخبار عوابسا، وهذا من صفة الغبار بالكثافة يقول العقبان التي مع الجيش تعثر في ذلك العجاج فكان الهواء أرض لينة لكثرة ما ارتفع من غبار الخيل
وظل الطعن في الخيلين خلساً كأن الموت بينهما اختصارُ
يقول اختلس الطعن وأسرع فيهم الموت حتى كأنه وجد طريقا مختصرا إليهم
فلزهم الطراد إلى قتـالِ أحذ سلاحهم فيه الفرارُ
يقال لزه إلى لاشيء إذا ألجأه إليه وأدناه منه يقول أحوجهم طرادك إياهم إلى قتال شديد لم يكن لهم سلاح يدفعه عنهم غير الفرار
مضوا متسابقي الأعضاء فيه لأرؤسهم بأرجلهم عثـارُ
يقول هربوا والرجل تسابق الرأس والرأس يسابق الرجل اسراعا في الهرب وخوفا من القتل وهو معنى قوله متسابقي الأعضاء وقوله لارؤسهم بارجلهم عثار قال ابن جنى أي إذا برز رأس أحدهم فتدحرج تعثر برجله أو برجل غيره وقال هذا إبداع لأن المعهود أن تعثر الرجل لا الرأس هذا كلامه وابين من هذا وأجود أن يقال بأرجلهم عثار لأجل ارؤسهم أي لاجل حفظها ينهزمون
يشلهم بكـل أقـب نـهـدٍ لفارسهِ على الخيل الخيارُ
أي يطردهم بكل فرس ضامر مشرف مرتفع لفارسه الاختيار أن شاء لحق وإن شاء سبق فله الخيار فيما يريد من سبق ولحاق
وكل أصم يعسلُ جانـبـاه على الكعبين منه دمٌ ممارُ
أي وبكل رمح أصم شديد ليس بأجوف لين يضطرب جانبه الأعلى والأسفل وأراد بالكعبين اللذين في عامله وهما يغيبان في المطعون فلذلك وصفهما بأن عليهما دما ويجوز أن يريد الكعب الذي فيه السنان والذي فيه الزج فإن الطعن يقع بهما وقال ابن جنى ويجوز أن يريد بالتثنية الجمع لأن أول الجمع تثنية وهو كثير في الكلام والممار المسال المجرى
يغادر كل ملتفتٍ إليه ولبته لثعلبهِ وجارُ
يقول هذا الرمح يترك من التفت إليه ونحره مطعون والثعلب ما دخل من الرمح في السنان والوجار بفتح الواو وكسرها وجار الضبع والثعلب ونحوهما من الوحش ولما كان اسم الداخل من الرمح في السنان ثعلبا سمى مدخله وجارا لتجانس الكلام
إذا صرف النهارُ الضوء عنهم دجى ليلان ليلٌ والغـبـارُ
وإن جنح الظلامِ إنجاب عنهم أضاء المشرفيةُ والنـهـارُ
يريد أنهم في ليلين مظلمين من الليل والغبار وفي نهارين من ضوء السيف والنهار
يبكي خلفهم دثرٌ بـكـاهُ رغاءٌ أو ثواج أو يعارُ
الدثر المال الكثير وذلك أنهم ساقوا النعم للهرب فهي تصيح خلفهم كأنها تبكي لما لحقها من التعب في السير وجعل اصواتها بكاءها وهي مختلفة فالإبل ترغو والشاة تيعر والنعجة تثاج والثواج صوت النعجة
غطى بالعثير البيداء حتى تحيرتِ المتالي والعشارُ
غطاه وغطاه إذا ستره ويقال الكرم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:31 pm

غطاه وغطاه إذا ستره ويقال الكرم غاطٍ وشجرة غاطيةٌ تغطي وجه الأرض وتنبسط عليها والغثير الغبار والمتالي جمع متلية وهي الناقة يتلوها ولدها والعشار التي قربت ولادتها جمع عشراء وهذان الصنفان اعز أموال العرب لذلك خصهما بالذكر يقول غطى البيداء بالغبار حتى تحيرت النعم على حدة أبصارها في ذلك الغبار وروى ابن جنى بالغنثر قال وهو ماء هناك أي لما وصل إليه سيف الدولة حاز أموالهم وروى أيضا تخيرت أي لما حاز أموالهم تخيرَّ أصحابه خيرها وأنفسها والأول رواية الخوارزمي ورواية ابن جنى أصحُّ
ومروا بالجباة يضم فـيهـا كلا الجيشين من نقعٍ إزارُ
الجباة اسم ماء يريد أن جيش سيف الدولة لحقوهم بهذا الماء واشتمل على الجيشين حتى صارا منه في إزار
وجاؤوا الصحصحان بلا سروجٍ وقد سقط العمامةُ والخِمـارُ
أي جاؤوا هذا المكان وقد خففوا عن أنفسهم ودوابهم بطرح هذه الأشياء لسرعتهم في السير ويروي وجازوا
وأرهقت العذارى مردفاتٍ وأوطئت الأصيبيةُ الصغارُ
يقال أرهقته أي كلفته مشقةً والمعنى أنهن كلفن مشقةً في حال استردافهن للهرب والصبيان الصغار لا يثبتون على الخيل في الركض فسقطوا ووطئتهم الخيل فترك ذكر الخيل للعلم به
وقد نزح العوير فلا عويرٌ ونهيا والبييضةُ والجفارُ
ويروي الغوير وهذه كلها مياه أي لما بلغوها نزحوها لما لحقهم من العطش والجهد حتى لم يبق منها شيء ولذلك قال فلا عوير
وليس بغير تدمر مستغاثٌ وتدمرُ كاسمها لهم دمارُ
يقول لم يكن لهم مستغاث إلا بهذا المكان ظنوا أنهم إذا بلغوه حصنهم من سيف الدولة فغشيهم الجيش به وصار دمارا عليهم كأسمه
أرادوا أن يديروا الرأي فيها فصبحهم بـرأيٍ لا يدارُ
أرادوا أن يديروا الرأي بينهم بتدمر فأتاهم سيف الدولة صباحا برأيٍ لا يدار على الأمور لأنه بأول بديهة رأيه يرى الصواب
وجيشٍ كلما حاروا بأرضٍ وأقبل أقبلت فيه تحـارُ
أي وصبحهم بجيشٍ كلما أشرف هؤلاء الهراب على أرض واسعة فحاروا فيها لسعتها ثم أقبل هذا الجيش أقبلت تلك الأرض تتحير فيهم من كثرتهم
يحف أغر لا قودٌ علـيه ولاديةٌ تساق ولا اعتذارُ
هذا الجيش يحيط بأغر يعني سيف الدولة إذا قتل عدوه لم يكن عليه قودٌ ولا ديةٌ ولم يعتذر من فعله لأنه ملك قاهرٌ فلا يراجع فيما فعل أو لأنه يقتل الكفار ولا يلزمه شيء مما ذكر في قتلهم
تريق سيوفه مهج الأعادي وكل دمٍ أراقته جـبـارُ
تفسير هذا البيت كتفسير الذي قبله
وكانوا الأسد ليس لها مصالٌ على طيرٍ وليس لها مطارُ
قال ابن جنى أي كانوا قبل ذلك أسدا فلما غضبت عليهم وقصدتهم لم تكن لهم صولة على طير لضعفهم ولم يقدروا أيضا على الطيران فأهلكتهم وعلى هذا القول يكون هذا البيت من صفة المنهزمين وقال العروضي هذا من صفة خيل سيف الدولة يقول كانوا أسودا ولا عيب عليهم أن لم يدركوا هؤلاء لأن الأسد القويّ لا يمكنه صيدُ الطائر لأنه لا مطار للأسد والمعنى أنهم أسرعوا في الهرب إسراع الطير في الطيران وهذا كالعذر لهم في التخلف ممن لم يلحقوهم من سرعان الهراب وما بعد هذا البيت يدل على هذا المعنى
إذا فاتوا الرماحَ تناولتـهـم بأرماحٍ من العطشِ القفارُ
أي إذا فاتوا رماح سيف الدولة قام العطش في قتلهم مكان الرماح
يرون الموت قداما وخلـفـاً فيختارون والموت اضطرارُ
يرون الموت قدامهم من العطش وخلفهم من الرماح فيختارون أحدهما وليس ذلك اختيارا في الحقيقة لأن الموت يضطر إليه ولا يختاره أحد
إذا سلك السماوة غير هادٍ فقتلاهم لعينيه مـنـارُ
إذا ضل أحد بصحراء السماوة قامت له جثث قتلاهم بها مقامَ المنار فاهتدى وعرف الطريق بهم وهذا من قول ثابت قطنة، هدانا الله بالقتلى نراها، مصلبةً بأفواهِ الشعاب،
ولو لم يبق لم تعشِ الـبـقـايا وفي الماضي لمن بقيَ اعتبارُ
أي لو لم يعف عن الباقين لهلكوا أيضا ومن بقي يعتبر بمن قتل ولا يعصي
إذا لم يرع سيدهم علـيهـم فمن يرعى عليهم أو يغارُ
يقال ارعى عليه إذا أبقى عليه ورحمه أي فمن يغار لهم ويرحمهم إذا لم يرحمهم سيف الدولة
تفرقهم وإياهُ السجـايا ويجمعهم وإياهُ النجارُ
يقول أصلهم واصله واحد لاشتراكهم في نزار إلا أن اخلاقهم مختلفة
ومال بها على أركٍ وعرضٍ وأهل الرقتينِ لها مـزارُ
يقول مال سيف الدولة بخيله على هاتين البقعتين وأهلُ الرقتين قريبٌ بحيث لو أراد زيارتهم لما بعد ذلك عليهم هذا قول ابن جنى والصحيح أنه يقول عدل بالخيل على هذين الموضعين على تباعدهما عن قصده وهو موجهٌ إلى الرقتين ويعني بهذا طلبه لبني كعب في كل مكان ويروي أرك وعرض
وأجفل بالفرات بنو نـمـيرٍ وزارهم الذي زأروا خوارُ
أي أنهم أنهزموا بالفرات وكانوا قبل ذلك كالأسد لهم زئير فصاروا في الذلة حين هربوا كالثيران التي لها خوار وروى الخوارزمي بالجيم
فهم حزق على الخابور صرعى بهم من شرب غيرهم خمـارُ
الحزق الجماعات جمع حزقة أي ظنوا أنهم المقصودون فهربوا وتفرقوا في الهرب وصاروا جماعاتٍ وكان الذنب لغيرهم وتعب الهرب لحقهم فذلك قوله بهم من شرب غيرهم خُمار
فلم يسرح لهم في الصبح مالٌ ولم توقد لهم باللـيل نـارُ
أي لخوفهم لم يسرحوا نعمهم ولم يوقدوا نيرانهم
حذرا فتًى إذا لم يرض عنهم فليس بنافع لهمُ الـحـذارُ
تبيت وفودهم تسـري إلـيه وجدواه التي سألوا اغتفارُ
أي يسألونه العفو لا غير
فخلفهم برد البيض عنهم وهامهم له معهم معارُ
أي استبقاهم بأن رد عنهم السيوف وأعارهم رؤسهم لأنها في ملكه متى شاء أخذهم
هم ممـن أذم لـهـم عـلـيه كريم العرق والحسبُ النضارُ
أي عقد لهم الذمة وصيرهم في ذمامه كرم أصله وصحة حسبه ونضارُ كل شيء جيده وخالصه
فأصبح بالعواصمِ مستقرا وليس لبحرِ نائلهِ قرارُ
أي استقر بهذا المكان ولا يستقر نداه ونائله
وأضحى ذكره في كل أرضٍ تدارُ على الغناء به العقارُ
يريد أن الشرب يغنون بما صيغ من الأشعار في مدحه ويشربون على ذكره
تخر له القبائل ساجداتٍ وتحمده الأسنةُ والشفارُ
يقول تخضع له القبائل غاية الخضوع وتثنى عليه الرماح والسيوف لحسن استعماله إياها
كأن شعاع عين الشمس فيه ففي أبصارنا عنه انكسارُ
أي لاجلالنا إياه وإعظامنا له لا نملأ أعيننا من النظر إليه كما قال الفرزدق، يغضي حياء ويغضي من مهابته،
فمن طلب الطعان فذا عليٌّ وخيلُ الله والأسلُ الحرارُ
الحرار جمع حران وحري يقول من أراد المطاعنة بالرماح فهذا عليّ قد تفرغ لذلك ومعه خيل الله والرماح العطاش
يراه الناس حيث رأته كعب بأرضٍ ما لنازلها استتارُ
أي هو أبدا يسري إلى الأعداء ويقطع إليهم المفاوز ألا تراه يقول
يوسطه المـفـاوز كـل يومٍ طلاب الطاعنين لا الإنتظارُ
يقول طلبه الأبطال الطالبين القتال والطاعنين اعداءهم ينزله وسط المفاوز كل يوم لا انتظار من يلحقه وذلك أن الهارب في انتظار أن يلحق والمعنى أنه يتوسط المفاوز طالبا لا هاربا
تصاهل خيله متـجـاوبـاتٍ وما من عادةِ الخيل السرارُ
ذكر أبو الفتح في هذا البيت معنيين أحدهما أن بعض خيله تسر إلى بعض شكيةً لما يجشمها من ملاقاة الحروب وقطع المفاوز والثاني أن خيله مؤدبة فتصاهلها سرارٌ هيبةً له قال ابن فورجة لفظ البيت لا يساعده على واحد من التفسيرين فإنه ليس في البيت ذكر التشاكي ولا المساوة في الصهيل ولكن المعنى أنها تتصاهل من غير سرار وليس السرار من عادة الخيل أي أن سيف الدولة لا يباغت العدو ولا يطلب أن ينكتم قصده العدو لاقتداره وتمكنه والذي يطلب المباغتة والتستر عن عدوه يضرب فرسه على الصهيل كما قال، إذا الخيل صاحت صياح النسور، جزرنا شراسيفها بالجذم،
بنو كعبٍ وما أثرت فيهم يدٌ لم يدمها إلا السوارُ
هذا مثل يقول تأثيرك فيهم بالقتل والغارة كتدمية السوار اليد وقد فسر هذا فقال
بها من قطعه ألم ونقص وفيها من جلالته افتخارُ
أي اليد تفتخر بالعسوار وإن كان يؤلمها وينقصها بالقطع كذلك هم يفتخرون بك وأنت زين لهم وأن أثرت فيهم
لهم حق بشركـك فـي نـزارِ وأدنى الشرك في أصلٍ جوارُ
أي أنهم يشاركونك في الإنتساب إلى نزار وأقل ما يوجبه حق الشركة في أصلٍ جوارٌ أي ذمام وحرمة مجاورةٍ
لعل بنيهم لبـنـيك جـنـدٌ فأولى قرح الخيل المهارُ
يستعطفه عليهم ويحثه على العفو عنهم يقول لعل ابناءهم يكونون جندا لابنائك والمهار من الخيل هي التي تصير قرحا أي الصغار تصير كبارا كما قال بعض العرب، وإنما القرم من الأفيل، وسحق النخلِ من الفسيلِ،
وأنت أبر من لو عق أفنى وأعفى من عقوبته البوارُ
يقول أنت أبر الذين إذا عصوا أهلكوا وإذا كان أبرهم لم يهلك وأنت أعفى من يعاقب بالهلاك وإذا كان أعفاهم لم يهلك
وأقدر من يهيجه انتصارٌ وأحلم من يحلمه اقتدارُ
يقول أنت أقدر من يحركه الإنتصار يعني إذا حركك الإنتقام من عدوك قدرت على ما تطلب فأنت اقدر المنتصرين وأنت أحلم من يحلمه إقتداره على عدوه فصفح وعفا وإذا كان الأحلم كان الأعفى والأصفح عن العدو إذا اقتدر عليه
وما في سطوة الأرباب عيبٌ ولا في ذلةِ العبدان عـارُ
أي لا يلحقهم عار بسطوتك عليهم لأنك ربهم ولا في تذللهم لك عار لأنهم عبيدك كما قال الآخر، وعيرتني بنو ذبيان رهبته، وهل عليَّ بأن أخشاك من عارِ، وكما قال شمعلة بنا قائد، وإن أمير المؤمنين وفعلهُ، لكا الدهر لا عار بما فعل الدهرُ، وقد قال الطامي، خضعت لصولتك التي هي عندهم، كالموت يأتي ليس فيه عارُ.
وقال يودعه وقد خرج إلى الإقطاع الذي اقطعه إياه
أيا راميا يصمى فؤاد مرامه تربى عداه ريشها لسهامه
الاصماء إصابة المقتل في المرمى والمعنى أنه إذا طلب شيئا أصاب خالص ما طلبه كالرامي يصيب فؤاد ما يطلبه برميته وقوله تربى عداه مثل وذلك أن السهام إنما تنفذ بريشها وأعداءه يجمعون الأموال والعدد له لأنه يأخذها فيتقوى بها على قتالهم فكأنهم يربون الريش لسهامه حيث يجمعون المال له فالريش مثل لأموالهم والسهام مثل له
أسير إلى أقطاعه في ثـيابـه على طرفه من داره بحسامه
يريد أن ما يتصرف فيه من ضروب مملوكاته إنما هو من جهته وأنعامه وكان هذا تفصيل ما أجمله النابغة في قوله، وما أغفلت شكرك فانتصحني، وكيف ومن عطائك جل مالي، وقد فصله النابغة أيضا فقال، وإن تلادي إن نظرت وشكتي، ومهري وما ضمت إلى الأنامل، حباؤك والعيش العتاق كأنها، هجان المها تردي عليها الرحائل، وقد قال أبو نواس، وكل خير عندنا من عنده،
وما مطرتنيه من البيض والقنا وروم العبدى هاطلات غمامه
الروم جمع رومي كما يقال زنج وزنجي والعبدى العبيد يعني وما أنعم به علي من أنواع نعمة من الأسلحة والعبيد الرومية
فتى يهب الإقليم بالمال والقرى ومن فيه من فرسانه وكرامه
ويجعل ما خولته من نـوالـه جزاء لما خولته من كلامـه
أي يجازيني بنواله إذا مدحته بما استفدت من الأدب من كلامه
فلازالت الشمس التي في سمائه مطالعة الشمس التي في لثامه
أي لازالت شمس السماء تطالع وجهه الذي هو كالشمس وأضاف السماء إليه مبالغة في المدح كما قال الفرزدق، لنا قمراها والنجوم الطوالع، وقال أبن جنى أضاف السماء إليه لأشرافها عليه كما قال الآخر، إذا كوكب الحرقاء لاح بسحرة، سهيل أذاعت غزلها في القرائب، أضاف الكوكب إليها لجدها في عملها عند طلوعه
فلازال يجتاز البدور بوجهه تعجب من نقصانها وتمامه
جمع البدر لأنه أراد بدر كل شهر أي لازال أكمل منها وأتم حتى تتعجب من نقصانها عند تمامه وقال بحلب يعزيه بأخته الصغرى ويسليه ببقاء الكبرى في شهر رمضان سنة 344
إن يكن صبر ذي الرزية فضلا تكن الأفضل الأعز الأجـلا
أي كان صبر صاحب المصيبة عما أصيب به فضلا له فأنت الأفضل الأجل لزيادة صبرك على صبر غيرك والمعنى أنت أصبر ذوي الرزايا وأنت أفضلهم
أنت يا فوق أن تعزى عن الأح باب فوق الذي يعزيك عقلا
وبألفاظـك اهـتـدى فـإذا ع زاك قال الذي له قلت قبـلا
أي الذي يعزيك منك تعلم ألفاظ التعزية فهو يقول لك في التعزية ما قلته قبل ذلك واستفاده منك فعزاك بما تعلمه منك ونصب قبلا على الظرف وجعله نكرة على حد قولك جئتك أولا وآخرا كما قال، وساغ لي الشراب وكنت قبلا، أكاد أغص بالماء القراح،
قد بلوت الخطوب مرا وحلوا وسلكت الزمان حزنا وسهلا
وقتلت الزمان علما فمـا يغ رب قولا ولا يجدد فـعـلا
أي عرفت الزمان وألوانه وصروفه معرفة تامة فلا يأتي بشيء غريب ولا فعل جديد لم تره ولم تعرفه ومعنى قتلت الزمان علما أي علمت منه كل شيء حتى أذللته بعلمك ولينته لك ومعنى القتل في اللغة إزالة الحركة ومنه يقال شراب مقتول إذا كسرت سورته بالماء
أجد الحزن فيك حفظا وعقـلا وأراه في الخلق ذعرا وجهلا
قال أبن فورجة يقول أنت إذا حزنت على هالك فإنما حزنت حفاظا منك لوده وصحبته ووفاء له والحفاظ والوفاء مما يدعو غليه العقل وغيرك يحزن ذعرا من ألم الفراق وجبنا منه وجهلا من غير معرفة بالسبب الموجب للحزن هذا كلامه وتفسير الحفظ على ما ذكره وأما تفسير العقل والذعر والجهل فلم يصب فيه والوجه أن يقال أراد بالعقل الاعتبار بمن مضى فأن العاقل إنما يحزن على الميت اعتبارا به وعلما أنه عن قريب سيتبعه على أثره وحزن غير العاقل يكون ذعرا من الموت وهو جهل لأنه ميت لا محالة وإن حزن
لك إلـف يجـره وإذا مـــا كرم الأصل كان للإلف أصلا
قال أبن جنى تجره تصحبه وتحمل ثقله وروى ابن فورجة يجره بالياء وهو الصواب والمعنى لك ألف يجر هذا الحزن ويجنيه عليك ثم ذكر أن الألف من كرم الأصل وأن الكريم ألوف وإذا كان الوفا حزن على فراق من ألفه
ووفاء نبت فـيه ولـكـن لم يزل للوفاء أهلك أهلا
يروى فيه قديما يقول لك وفاء نشأت عليه فلا تعرف غير الوفاء للأحباب وقوله ولكن هو استثناء معروف على مذهب العرب يقولون فلان شريف غير أنه سخي قال أحمد بن يحيى هذا استثناء قيس وأنشد، فتى كملت أخلاقه غير أنه، جواد فما يبقى من المال باقيا،
إن خير الدموع عونا لدمع بعثته رعية فاستـهـلا
ويروى عندي لدمع يريد أن الدمع الذي سببه رعاية العهد هو خير الدموع عونا على الحزن والمصيبة وذلك أن الدمع يخفف برح الوجد كما قال ذو الرمة، لعل انحدار الدمع يعقب راحة، من الوجد أو يشفى نجي البلابل، روى أبن جنى عينا قال وهو منصوب على التمييز كقولك أن أحسن الناس وجها لزيد والمعنى أن عينه خير الأعين لأن موجب دمعه حتى استهل وفاض الرعاية والحفاظ
أين ذي الرقة التي في الحـر ب إذا استنكره الحديد وصلا
أي هذه الرقة والرحمة التي نشاهدها منك أين هي في الحرب إذا أكره الحديد على الضرب وصل بقرع بعضه بعضا ويجوز أن يكون المعنى إذا استكره ضرب الحديد وقد نظر في هذا إلى قول لبيد، كل حرباء إذا أكره صل، والمعنى من قول البحتري، لم يكن قلبك الرقيق رقيقا، لا ولا وجهك المصون مصونا،
أين خلفتها غداة لـقـيت ال روم والهام بالصوارم تفلى
وروى ابن جنى أين غادرتها يقول أين تركت رقتك يوم الحرب إذ طلبت الرؤوس بالسيوف من جميع الجهات كالفالي يتبع كل موضع من الرأس ويروى تقلى أين يرمى بها كالقلة
قاسمتك المنون شخصين جورا جعل القسم نفسه فيك عـدلا
المنون المنية والمنون الدهر ويجوز تذكيره وتأنيثه يقول قاسمك الموت أو الزمان شخصين يعني أختيه فاذهب إحداهما وترك الأخرى وكانت هذه المقاسمة جورا لأنه كان من حقك أن يتركهما عندك ولكن هذا الجور عدل فيك حيث تركك حيا وكانت المقاسمة معك في الأختين والمعنى إذا كنت أنت البقية فالجور عدل هذا إذا نصبت القسم وجعلت الفعل للجور وروى قوم جعل القسم نفسه فيه عدلا في الجور لأنه وإن كان أخذ الصغرى فقد ترك الكبرى ويدل على صحة هذا قوله
فإذا قست ما أخذن بـمـا أغ درن سرى على الفؤاد وسلى
أغدرن تركن مثل غادرن
وتيقنت أن حظك أوفى وتبينت أن جدك أعلى
يعني حين بقيت الكبرى
ولعمري لقد شغلت المـنـايا بالأعادي فكيف يطلبن شغلا
وكم انتشت بالسيوف من الده ر أسيرا وبالنوال مـقـلا
يقال انتاشه من صرعته إذا نعشه يقول كم نعشت ونصرت أسيرا للزمان بسيفك فاستنقذته من الأسر وكم من مقل عديم نصرته بنوالك وجبرته على كره الزمان
عدها نصرة عليه فلـمـا صال ختلا رآه أدرك تبلا
أي عد الزمان أفعالك نصرة عليه ومراغمة له فلما صال على أختك رأى نفسه قد أدرك تبلا لأنه حقد عليك ما فعلته وقوله رآه الضمير يعود على الدهر كقوله تعالى أن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
كذبته ظنونه أنت تـبـلـي ه وتبقى في نعمة ليس تبلى
يقول ليس كما ظن الزمان أنه أدرك منك تبلا لأنك تبلى الزمان وتبقى أنت وإذا كان الأمر كذلك لم يقدر الزمان على ادراك الثأر منك
ولقد رامك العداة كـمـا را م فلم يجرحوا لشخصك ظلا
يقول الأعداء طلبوا أن ينالوا منك كما طلب الزمان فلم يقدروا أن يصيبوا ظل شخصك فمتى يقدرون أن يصيبوا شخصك والمعنى لم يقاربوك بسوء وذلك أن ظله يقرب منه
ولقد رمت بالسعادة بـعـضـا من نفوس العدى فأدركت كلا
أنت طلبت البعض منهم فأدركت الكل بما أعطيت من السعادة في الظفر بالأعداء
قارعت رمحك الرماح ولكن ترك الرامحين رمحك عزلا
أي غلبتهم حتى سلبت رماحهم وتركتهم عزلا لا سلاح معهم
لو يكون الذي وردت من الف جعة طعنا أوردته الخيل قبلا
يقول لو كان الذي أصابك من الرزية طعانا لأوردته خيلك قبلا وهي التي تقبل بإحدى عينيها على الأخرى عزة وتشاوسا
ولكشفت ذا الحنين بضـرب طالما كشف الكروب وجلى
أي ولكشفت عن نفسك هذا الحنين الذي تجده إلى المفقود بضرب كشف الكرب من أولياءك وجلاها عنهم كثيرا قديما
خطبة للحمام ليس لهـا ر د وإن كانت المسماة ثكلا
يريد أن الموت يجري مجرى الخطبة من الحمام للميت وإن كانت تلك الخطبة تسمى ثكلا هذا إذا ننصبت المسماة على خبر كان وانتصبت ثكلا بالمسماة على معنى أن الخطبة سميت ثكلا وإن رفعت المسماة فالمعنى وإن كانت هذه التي سميتها يعني ذكرتها ثكلا وانتصب ثكلا بخبر كان
وإذا لم تجد من الناس كـفـوا ذات خدرٍ أرادت الموت بعلا
يقول المرأة الشريفة إذا لم تجد لها كفوا من الناس أرادت ان يكون الموت لها كالبعل لأنها إذا عاشت وحدها لم تنتفع بالدنيا وبشبابها فاختارت الموت على الحياة
ولذيذ الحيوة أنفس في الـنـف س وأشهى من أن يمل وأحلى
يريد أن الحياة لا تمل وأنها أعز وأحلى من أن يملها صاحبها
وإ ا الشيخ قال أف فـمـا م ل حيوةً وإنما الضعف ملا
أف كلمة يقولها المتضجر الكاره للشيء يقول إذا ضجر الشيخ فقال أف فإن ذلك الضجر والملال من ضعف الكبر لا من الحياة
آلةُ العيش صحة وشباب فإذا وليا عن المرء ولى
أي العيش إنما يحلو ويطيب بالشباب وصحة البدن فإذا لم يكن في العيش صحة وشباب فسد العيش وولى بذهابهما
أبداً تسترد ما تهـب الـدن يا فيا ليت جودها كان بخلا
يقول الدنيا تعود على ما تهب فتأخذه فليتها بخلت وما جادت كما قال الحلاج، والمنع خير من عطاء مكدر، وهذا من قول الأول، الدهر آخذ ما أعطى مكدر ما، أصفى ومفسد ما أهوى له بيد، فلا يغرنك من دهر عطيته، فليس يترك ما أعطى على أحد،
فكفت كون فرحةٍ تورث الغ م وخل يغادر الوجد خـلا
هذا جواب التمني في قوله فيا ليت أي لو بخلت ولم تجد لكفتنا فرحة بوجود شيء يعقب غما بفقه وكفت كون خليل يترك الوجد خليلا إذا مات
وهي معشوقة على الغدر لا تح فظ عهدا ولا تتمـم وصـلا
والدنيا على غدرها بالناس وما ذكر من استرجاعها ما تعطى معشوقة محبوبة ثم ذكر أنه لا تحفظ لأحد عهدا لأنها تقطع الوصل ولا تدوم على العهد
كل دمع يسيل منها عليها وبفك اليدين عنها تخلى
أي كل من أبكته الدنيا فإنما يبكي لفوت شيء منه ولا يخلى الإنسان يديه عنها إلا قسرا بفك يديه
شيم الغانـيات فـيهـا فـلا أد رى لذا أنث اسمها الناس أم لا
يقول عادة الدنيا كعادة النساء لا يدمن على الوصل ولا يحفظن العهد ولا أدري هل أنثت الدنيا لهذه المشابهة بالنساء أم لا قال ابن جنى هو يعلم أنها لم تؤنث لأنها تشبه الغواني ولكنه أظهر تجاهلا لعذوبة الفظ وصنعة الشعر
يا مليك الورى المفرق مـحـياً ومماتـا فـيهـم وعـزا وذلا
قلد الـلـه دولةً سـيفـهـا أن ت حساما بالمكرمات محلـى
فبه أغنـت الـمـوالـي بـذلا وبه أفنـت الأعـادي قـتـلا
وإذا اهتز للندى كـان بـحـرا وإذا اهتز للوغا كان نـصـلا
وإذا الأرض أظلمت كان شمسا وإذا الإرض أمحلت كان وبلا
وهو الضارب الكتيبة والـطـع نة تغلو والضرب أغلى وأغلى
يقول هو الذي يضرب الديش إذا اشتد المر وصعبت الحال وغلت الطعنة أي عز وجودها من غلال المبيع وإذا غلت الطعنة كان الضرب أغلى من الطعنة لحاجة الضارب إلى مزية إقدام قال ابن فورجة يريد إذا لم يقدر على الدنو من العدو قيد رمحٍ فالدنو إليه قيد سيف اصعب والمعنى أنه يضرب بسيفه حين يعدم الطاعن والضارب
أيها الباهر العقول فـمـا تـد رك وصفاً أتعبت فكري فملا
يقول يا من غلب العقول بما أظهر من بدائع أفعاله فما تدرك العقول وصفا له أتعبت فكري لأنه لا يبلغنك فمهلا أي أرفق وروى ابن جنى فما يدرك ثم فسر هذا المعنى وأكده بقوله
من تعاطى تشبها بكـل أعـيا ه ومن سار في طريقك ضلا
من أراد أن يتشبه بك في كرم أخلاقك أعجزه ذلك فلم يقدر على التشبه بك ومن سلك طريقك ضل فيه أي لم يقدر على مجاراتك فيما تسلكه من طريقك
فإذا ما اشتهى خـلـودك داعٍ قال لا زلت أو ترى لك مثلا
يقول إذا دعا لك بالخلود داعٍ قال لامت حتى ترى نظيرك ولا ترى أبدا لك نظيرا فلا تزال باقيا وقال يذكر نهوض سيف الدولة إلى ثغر الحدث لما بلغه أن الروم قد احاطت به في جمادي الأولى سنة 344
ذي المعالي فليعلون من تعالى هكذا هـكـذا وإلا فـلا لا
هذه المعالي التي نشاهدها لك هي المعالي حقيقةً ومن تعالى فليعلون كما علوت وإلا فليدع التعاليَ
شرف ينطح النجوم بروقي ه وعز يقلقل الأجـبـالا
فسر معاليه بهذا البيت فقال شرفك يزاحم النجوم في العلو وعزك أثبت من الجبال وأرسى منها حتى صارت الجبال بالإضافة إليه قلقةً والرق القرن وكنى عن المزاحمة بالمناطحة ويجوز أن يريد أن سلطانه ينفذ في كل شيء حتى لو أراد أن يزيل الجبال لأقلقها
حال أعدائنا عظيم وسـيف ال دولة ابن السيوف أعظم حالا
كلما أعجلوا النذير مـسـيرا أعجلتهم جياده الإعـجـالا
قال ابن جنى يقول كلما عاد إليهم نذيرهم سبقوه بالهرب قبل وصوله إليهم ثم تليهم جياد سيف الدولة فسبقت سبقهم النذير أي لحقتهم وجازتهم قال ابن فورجة يقال اعجلته بمعنى استعجلته فأما سبقته فيقال فيه عجلته يقول كلما استعجلوا النذير بالمسير إليهم وإخبارهم بقدوم جيش سيف الدولة اظلت عليهم خيله قبل ورود النذير عليهم ويريد بالنذير الجاسوس
فأتتهم خوارق الأرض ما تح مل إلا الحديد والأبـطـالا
ويروي لا تحمل أي أنها تخرق الأرض بحوافرها لشدة وطئها وقوة جريها
خافيات الألوان قد نسج النق ع عليها براقعـا جـلالا
أي خفيت ألوان خيله من الدهمة والكمتة والشبهة لما عليها من النقع وكأنها مبرقعة مجللة كما قال عدي بن الرقاعِ، يتعاوران من الغبار ملأة، بيضاء محدثةً هما نسجاها،
حالفته صدورها والعوالي لخوضن دونه الأهوالا
يقول عاهدته صدور خيله وعوالي رماحه أن تخوص الأهوال والحروب دون سيف الدولة أي تكفيه أياها كما قال، فقد ضمنت له المهج العوالي، وحمل همة الخيل العتاقا،
ولتمضن حيث لا يجد الـرم ح مدارا ولا الحصان مجالا
كان الوجه ولتمضين ما تقول حلفت هند لتقومن وهي وإن كانت جماعة الصدور والعوالي فإنه يخبر عنهاكما يخبر عن الواحدة وحكى الكوفيون حذف الياء في مثل هذا نحو حلفت هند لتمضن ولترضن لسكونها وسكون النون الأولى بعدها ولم يحرك الياء بالفتح كقوله، كان أيديهن بالقاع القرق، والمعنى أنها حالفته أن تفعل ما عجزت عنه الخيل والرماح
لا ألوم ابن لاونٍ ملك الرو م وإن كان ما تمنى محالا
يقول لا ألومه على تمنيه محالا من تخريب هذه القلعة ثم ذكر سبب ترك اللوم فقال
أقلقته بنـية بـين أذنـي ه وبانٍ بغي السماء فنالا
البنية المبنية يقول أغضبه هذه القلعة التي بنيتها وهي من ثقلها عليه كأنها على رأسه وففاه أو على جبهته وبانٍ يعني سيف الدولة بلغ السماء علوا وعزة أي له العذر أن طلب إخرابها
كلما رام حطها اتسع البن ى فغطى جبينه والقذالا
البنى المصدر كالبناء يقول كلما قصد ن ينزلها عن رأسه توسع بناؤها حتى إزداد ثقلا فغشى الجبين والقذال وهذا مثل يعني أنك تزيد في بنائها فيزداد غيظه وغضبه
يجمع الروم والصقالب والبل غر فيها وتجمع الآجـالا
فيها أي في نواحيها وجوانبها ليهدمها يجمع اصناف الكفرة وتجمع أنت آجالهم لأنك تأتيهم فتقتلهم
وتوافيهم بها في القنـا الـسـم ر كما وافت العطاش الصلالا
الصلة الأرض التي اصابها مطر بين أرضين لم تمطر يقول تأتيهم بمناياهم وآجالهم في الرماح وهي ظامية إلى دمائهم أي تسرع إليهم إسراع العطاش إلى الأرض الممطورة
قصدوا هدم سورها فبنوه وأتوا كي يقصروه فطالا
أي لما قصدوا هدمها كانوا باعثين سيف الدولة على إتمام بنائها فكان قصدهم الهدم والتقصير سببا للبناء وإطالته
وساتجروا مكايد الحرب حتى تركوها لها عليهـم وبـالا
لها أي للقلعة وذلك أن أهل الحدث لما هرب الروم خرجوا فأخذوا ما حملوه معهم من مكايد الحرب وآلاتها فصارت وبالا عليهم لأنهم يحاربونهم بها
رب أمرٍ أتاك لا تحمد الف عال فيه وتحمدُ الأفعـالا
الفعال هم الروم الذين جلبوا مكايد الحرب وفعلهم حملهم إليها المكايد والآلات وهم غير محمودين وأفعالهم محمودة في العاقبة لأنهم لو لم يحملوها لما ظفر بها المسلمون
وقسي رميتَ عنـهـا فـردت في قلوب الرماة عنك النصالا
يقول ورب قسيّ لهم كانوا يرمونك عنها فلما هربوا أخذت تلك القسي فقوتلوا بها ورموا بالسهام عنك والتقدير فردت عنك النصال في قلوب الرماة الذين كانوا يرمونك
أخذوا الطرق يقطعون بها الرس ل فكان انقطاعـهـا إرسـالا
أي يقطعون الرسل بتلك الطرق عن النفاذ إلى سيف الدولة لئلا يبلغه الخبر أنهم يقصدون الحدث فلما أبطأت الأخبار وتأخرت عن عادتها تطلع سيف الدولة لما وراء ذلك فوقف على الأمر وكان الإنقطاع كالإرسال وهذا كقوله قصدوا هدم سورها فبنوه
وهم البحر ذو الغوارب إلا أنه صار عند بحرك آلا
الغارب الموج وهذا كقوله حال أعدائنا عظيم البيت يريد أن شأنهم يتلاشى عندك وأن جل وعظم
ما مضوا لم يقاتلوك ولـك ن القتال الذي كفاك القتالا
ما نفيٌ ولم يقاتلوك حال والمضارع يقوم مقام اسم الفاعل كثيرا كقول الشاعر، يقصر يمشي ويطول باركا، يقول ما انهزموا غير مقاتلين ولكن القتال الذي قاتلتهم قبل هذا كفاك القتال أي أنهم قد بلوك قبل هذا فأشعرت قلوبهم الرعب وخافوك الآن فانهزموا ومروا
والذي قطع الرقاب من الضر ب بكفيك قـطـع الآمـالا
أي السيف الي قطع رقاب أولهم قطع أملا هؤلاء منك فهم لا يرجون ظفرا بك الآن
والثبات الذي أجادوا قديما علم الثابتين ذا الإجفالا
يقول أولهم أجادوا الثبات في الحرب فلم يغن عنهم وأدى ذلك إلى هلاكهم وذلك الثبات علم هؤلاء الإسراع عنك والإنهزام في الحرب ويريد بهذه الأبيات أن يبين أن أهل الروم شجعانُ أه حرب ولكنهم لا يقاومونك ولك الفضل عليهم فيكون هذا أمدح له
نزلوا في مصارعٍ عرفوها يندبون الأعمام والأخوالا
أي لم نظروا إلى الأماكن التي قتلت فيها اسلافهم ذكروهم فبكوا علهيم
تحمل الريح بينهم شعر الها م تدذرى عليهم الأوصالا
يعني لم يبعد عهد ذلك المكان بالقتل فشعور القتلى واعضاؤهم باقية هناك تحمل الريح الشعر بينهم وتلقى الريح عليهم الأعضاء من المقتولين والأوصال جمع وصل وهو العضو
تنذر الجسم أن يقيم لديها وتريه لكل عضوٍ مثالا
أي تلك المصارع تنذرهم الإقامة بها وتريهم لكل عضو منهم عضوا من المقتولين
أبصروا الطعن في القلوب دراكا قبل أن يبصروا الرماح خـيالا
فيه تقديم وتأخير لأن المعنى ابصروا الطعن في القلوب دراكا خيالا قبل أن يبصروا الرماح أي لشدة خوفهم منك وتصورهم ما صنعت بهم قديما رأوا الطعن متداركا متتابعا في قلوبهم تخيلا قبل أن يروا الرماح حقيقةً
فإذا حاولت طعانك خـيلٌ أبصرت أذرع القنا أميالا
يقول الأعداء إذا أرادوا كعانك رأوا طعانك ورأوا اذرع قناك لطولها وسرعة وصولها إليهم أميلا يني أن رماحك تطول فتصل إليهم سريعةً وهذا ضد قوله، طوال قنا تطاعنها قصارُ، وقال ابن جنى أي لشدة الرعب رأوا ذلك كذلك وهذا كقوله تعالى يرونهم مثليهم رأى العين هذا كلامه أما شدة الرعب فله وجهُ واحتجاجه بالآية خطأ ويجوز أن يريد بالقنا قنا الأعداء الذين يحاولون الطعان والمعنى أنهم كلما تعاطوا رماحهم لطعانك استطالوها فرأوا أذرعها أميلا أي أنها تثقل عليهم جبنا وخوفا منك
بسط الرعب في اليمين يميناً فتولوا وفي الشمال شمالا
أي شاع الخوف فيهم شيوعا عاما وكأن الخوف بسط يمينه في ميامن عسكرهم وشماله في مياسرهم حتى انهزموا
ينفض الروع أيدياً ليس تدرى أسيوفاً حملـن أم أغـلالا
يعني أن الخوف عمل فيهم حتى ارتعدت أيديهم وصارت السيوف فيها كالأغلال عليها حين لم تعمل ولم تقدر على الضرب
ووجوها أخافها منك وجه تركت حسنها له والجمالا
قوله وجوها عطف على الأيدي من حيث اللفظ لا من حيث المعنى لأنه ليس يريد ينفض وجوها والمعنى ويغير وجوها أي يغير ألوانها بأن يصغرها فهومن باب، ورأيت زوجك في الوغا، متقلدا سيفاً ورمحا، ومعنى أخافها أخاف أصحابها منك وجه تلك الوجوه اطعته حسنها وجمالها أي الحسن والجمال كان لوجهك لا لوجوههم
والعيان الجليُّ يحدث للظ ن زوالا وللمراد انتقالا
كانوا يظنون أنهم يقدرون على قتالك فلما قصدوا محاربتك أنهزموا وعاينوا قصورهم عنك فأزال العيان ما كان الظن يحدث لهم وانتقل ذلك المراد الذي كانوا يريدونه من محاربتك
وإذا ما خلا الجبان بـأرض طلب الطعن وحده والنزالا
هذا كما تقول العرب في أمثالها كال مجرٍ في الخلاء يسر والمعنى أن الجبان إذا كان وحده منفردا يحس من نفسه بشجاعة ويظن عنده غناء ويطلب الطعان والمنازلة يريد أنهم شجعاء ما لم يروك
أقسموا لا رأوك إلا بلـقـبٍ طالما غرت العيون الرجالا
قوله إلا بقلب أي إلا والقلب معهم يريد حلفوا ليحضرن عقولهم وليعملن أفكارهم في قتالك ثم قال طالما غرت العيون الرجال أي كذبهم عنك كثيرا ما رأوه بعيونهم مما يوهمهم أنهم يقاومونك ولا تناقض بين قوله غرت العيون الرجال وبين قوله والعيان الجليّ لأن ذلك بعد التجربة وقوله غرت العيون يعني قبل التجربة
أي عينٍ تأملتك فـلاقـت ك وطرفٍ رنا إليك فآلا
هذا متناقض الظاهر لأنه ينكر أن تمسكه عين بان تديم النظر إلهي في المصراع الأول وفي الثاني ينكر أن يعود طرف رنا إليه ولم يشخص ويحمل المعنى على عيون الأعداء والأولياء فعين العدو لا تلحيه لأنه لا تديم النظر إليه هيبةً له وعي الوليّ تتحير فيه فتبقى شاخصةً فلا تؤول إلى صاحبها وهذا مما لم يتكلم فيه أحد ويقال لاق الشيء وألاقه أي أمسكه
ما يشك اللعين في أخذك الجي ش فهل يبعث الجيوش نوالا
هذا استفهام تجاهلٍ لأنه علم أنه لا يبعث الجيش للنوال ولكن لما كانت الحالة توجب هذه الشبهة قال ذلك والمعنى أن كل جيش بعثهم إليك غنمتهم فهل يبعثهم لتأخذهم وليكونوا نوالا لك
ما لمن ينصب الحبائل في الأر ض ومرجاه أن يصيد الهلالا
المرجاة مصدر كالرجاء مثل المسعاة والمعلاة والمغزاة فإذا قلت ومرجاه فهو مفعل من الرجاء بمعنى المصدر يقول ما لهذا الذي ينصب في الأرض حبالةً ورجاؤه أن يصيد الهلال وهذا استفهام تعجب يتعجب من جهل من يعمل هذا وهذا مثل يريد امتناع سيف الدولة عليه وبعده من أن تناله يد وبعثه إليه الجيش طمعا في أخذه والظفر به فهو في ذلك كمن يروم صيد الهلال بحبالة ينصبها في الأرض ومن روى ومرجاة جعلها مفعولا معها كقولك ما لزيد وعمروا ولو جرها عطفا على من كان اظهر كما تقول ما لزيد وعمرو ليس من مضمرا يقبح عطف الظاهر عليه من غير حرف جرٍ كقولك ما لك وزيدا ولا يجوز وزيدٍ لأن الكاف مضمر لا يعطف عليه بالخفض
إن دون التي على الدرب والأح دب والنهر مخلطـا مـزيالا
يعني قلعة الحدث يقول دون الوصول إليها رجل مزيال وهو الكثير الخلاط للأمور والزيال لها يخالطها ثم يزايلها يعني سيف الدولة وأراد بالأحدب جبلا هناك
غصب الدهر والملوك عليها فبناها في وجنة الدهر خالا
يعني أنه استنقذها من أيدي الدهر والملوك يقال غصبته على كذا أي قهرته عليه وقوله فبناها في وجنة الدهر خالا يجوز أن يريد به الشهرة كشهرة الخال في الوجه ويجوز أن يريد به ثبوتها ورسوخها فيكون كقول مزرد، فمن أرمهِ منها بسهمٍ يلح به، كشامة وجهٍ ليس للشام غاسلُ،
فهي تمشي مشي العروسٍ اختيالا وتثنى علـى الـزمـان دلالا
القلعة لا تمشي ولا تثنى ولكن المعنى أنها لو مشت لاختالت ف مشيها عزةً وتكبرا ولكانت مدلة على الزمان حين لم يقدر الزمان على اصابتها بسوء
وحماها بكل مـطـرد الأك عب جور الزمان والأوجالا
يقول منعها أن يصيبها الزمان بجورٍ أو خوف وحفظها بالرماح من ذلك والمطرد المستقيم المستوى
وظبي تعرف الحرام من الح ل فقد أفنت الدماء حـلالا
قال ابن جنى هذا مثل ضربه أي سيوفه معودة للضرب فهي تعرف بالدربة الحلال من الحرام وقال ابن فورجة العادة والدربة ليستا مما يعرف به الحلال والحرام في الناس فكيف فيما لا يعقل وإنما يعني أن سيف الدولة غاز للروم وهم كفار فلا يقتل إلا من حل دمه فنسب ذلك إلى سيوفه هذا كلامه وأظهر مما قاله أن يقال إما عني بمعرفة الحلال والحرام أصحابها فكأنه قال وذوي ظبي يعرفون الحرام من الحلال فلما حذف المضاف عاد الكلام إلى المضاف إليه
في خميسٍ من الأسود بئيس يفترسن النفوس والأموالا
البئيس الشديد ذو البأس وأراد يفترسن النفوس وينتهبن الأموال وقد مر مثله قبل وإنما ذكر الأموال بعد ذكر النفوس بيانا أنه أراد بالأسود الرجال لأن الأسود لا تنتهب الأموال ثم أكد هذا وقال
إنما أنفسُ الأنيس سبـاع يتفارسن جهرةً واغتيالا
يريد بالنيس الناس جعلهم كالسباع المفترسة لوجود الأفتراس منهم في الحالتين مجاهرين ومغتالين والبيتان بعد هذا تأكيد لهذا وهما
من أطاق التماس شيء غلابا واغتصابا لم يلتمسه سؤالا
كل غادٍ لحـاجة يتـمـنـى أن يكون الغضنفر الرئبالا
وأنشد سيف الدولة متمثلا بقول النابغة، ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم، بهن فلول من قراع الكتائب، تخيرن من أزمان يوم حليمة، إلى اليوم قد جربن كل التجارب، وقال أبو الطيب مجيبا له
رأيتك توسع الشعراء نيلاً حديثهم المولد والقديمـا
أي أنك تكثر للشعراء العطاء مولديهم وقدمائهم ثم فصل وبين وقال
فتعطى من بقي مالا جـسـيمـا وتعطي من مضى شرفا عظيما
لغة طيىءٍ بقي وفنى في بقي وفنى ومنه قول زيد الخيل الطاءي، لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقي، على الأرض قسيٌّ يسوق الأباعرا، يقول تعطي الباقين عطاء جزيلا والماضين شرفا عظيما بأن تنشد شعرهم فيكون ذلك شرفا لهم
سمعتك منشـدا بـيتـي زيادٍ نشيدا مثل منشده كـريمـا
فما أنكرت موضعه ولـكـن غبطت بذاك أعظمه الرميما
زياد اسم النابغة الذبياني يقول لم أنكر موضع النابغة من الشعر وأنه أهل لأن تنشد شعره ولكني غبطت عظامه البالية في التراب بإنشادك شعره وقال سنة إحدى وعشرين وثلثمائة برأس العين وقد أوقع سيف الدولة بعمرو بن حابس من بني أسد وبني ضبة ولم ينشده إياها فلما لقيه دخلت في جملة مديحه
ذكر الصـبـا ومـرابـع الآرام جلبت حمامي قبل وقتِ حمامي
يريد بمرابع الآرام ديار الحبائب والمعنى أنها أوردت عليّ حالةً هي والموت سواء يعني شدة وجده على فراقهن فكأنه مات قبل موته لشدة الوجد
دمن تكاثرت الهموم عليّ في عرصاتها كتكاثرِ الـلـوامِ
وكأن كل سحابةٍ وقفت بهـا تبكي بعيني عروة بن حزامِ
عروة بن حزام هو صاحب عفراء وهو أحد العشاق المعروفين الذين تذكر قصتهم شبه هطلان السحاب في تلك الدمن ببكاء عروة بن حزام على فراق صاحبته وهذا من قول الطاءي، كأن السحاب الغر غيبن تحتها، حبيبا فما ترقى لهن مدامعُ، ومثله لمحمد بن أبي زرعة، كأن صبين باتا طول ليلهما، يستمطران على غدرانها المقلا،
ولطالما أفنيت ريق كعابهـا فيها وافنت بالعتاب كلامي
طالما رشفت كعاب تلك الدمن هناك وأطالت هي عتابي حتى أفحمتني وقطعتني بعتابها
قد كنت تهزأ بالفراق مجانةً وتجر ذيلي شرةٍ وعـرامِ
المجانة مثل الخلاعة والماجن الذي لا يبالي ما بتكلم به والعرام الخبث والشرة من أخلاق الشباب يقول لنفسه حين كنت شابا ولم تبتل بالفراق وما كنت تدري وجد الفراق وشدته فكنت تهزأ به غافلا عنه في شرتك وعرامك
ليس القباب على الركاب وإنما هن الحياة ترحلت بـسـلام
ليس الذي تراه قبابهن وهوادجهن على الإبل ولكنها الحياة ترحلت عنا يعني أنه يموت بعد فراقهن
ليت الذي خلق النوى جعل الحصى لخفافهن مفاصلي وعظـامـي
متلاحظين نسح مـاء شـؤونـنـا حذراً من الرقباء في الأكـمـامِ
أي هي تنظر إليّ وأنا أنظر إليها وكلانا يبكي ويستر بكاءه وقدم الحال على العامل فيها وهو قوله نسح
أرواحنا انهملت وعشنا بعدهـا من بعد ما قطرت على الأقدام
لو كن يوم جرين كن كصبرنـا عند الرحيل لكن غير سجـامِ
يقول لو كانت الدموع يوم جرت كصبرنا في القلة لكانت قليلة ولم تكن سجاما غزيرة وقوله كن يوم جرين أخبار عن جريها فيما مضى من يوم الفراق وقوله كن كصبرنا اخبار عن كونها غزيرة لا تشبه الصبر في القلة والتقدير لو كن كصبرنا يوم جرين ولم يفد الكون الأول إلا الأخبار عن جريها فيما مضى ويجوز أن يقدر الكون الأول والثاني زيادةً والعرب ربما تجعل الكون صلة في الكلام وكثيرٌ من النحويين حملوا الكون في قوله تعالى كيف نكلم من كان في المهد صبيا على الزيادة وينشدون قول الفرزدق، جياد بني أبي بكرٍ تسامي، على كان المسومة العراب، وكان في هذا البيت زيادة بلا خلاف
لم يتركوا لي صاحبا غير الأسى وذميل ذعلبةٍ كفحـل نـعـامِ
ذعبلة ناقة سريعة يقول فارقوني فصاحبت بعدهم الحزن وسير ناقةٍ كالظليم في سرعتها
وتعذر الأحرار صير ظهرها إلا إليك على فرج حـرامِ
يريد تعذر وجود الأحرار حرم عليّ أن أركبها إلا للقصد إليك لأنك الحر المستحق لأن يقصد ويزار فني اتجنب ركوبها إلا إليك كما ااتجنب فرجا حراما عليّ اتيانه
أنت الغريبة في زمانٍ أهلهُ ولدت مكارمهم لغير تمامِ
قال ابن جنى أنت الغريبة لأنه أراد الحال أو الخصلة أو السلعة وأخطأ في هذا لأنه لا يقال للرجل أنت الحال الغريبة أو الخصلة الغريبة وإنما خاطب بهذا الممدوح والصحيح أن يقال الهاء للمبالغة لا للتأنيث كما يقال راوية وعلامة أو يقال أنت الفائدة الغريبة في زمان أهله كلهم ناقصو الكرم لم تتم مكارمهم ويقال ولد المولود لتمام
أكثرت من بذل النوال ولم تزل علما على الإفضال والإنعامِ
العلم العلامة وهي التي يعرف بها الشيء يقول لم تزل يعرف بك الأفضال والإنعام أي لم تزل منعما مفضلا
صغرت كل كبيرةٍ وكبرت عن لكأنه وعـددت سـن غـلامِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:32 pm

يقول صغرت كل كبيرة بالإضافة إليك وكبرت عن ان تشبه بشيء فيقال كأنه كذا وأنت مع ذلك شاب لم تبلغ الحنكة وهو أشرف لك وأمدح واللام في لكأنه لام التأكيد وتدخل في ابتداء الكلام
ورفلت في حلل الثناء وإنما عدم الثناء نهايةُ الإعـدامِ
يقول عليك من الثناء حلل سابغة تتبختر فيها وهاية الإعدام عدم الثناء لا عدم الثراء
عيب عليك ترى بسيفٍ في الوغا ما يصنع الصمصام بالصمصامِ
أراد أن ترى فحذف أن والباء في بسيف هي بمعنى مع كما يقال ركب الأمير بسلاحه وأراد أنت في حدتك ومضائك فلا حاجة بك إلى السيف
إن كان مثلك كان أو هو كائنٌ فبرئت حينئذٍ من الإسـلامِ
هذا من المدح البارد الذي يدل على رقة دين وسخافة عقل وهو من شعر الضبي
ملك زهت بمكانـه أيامـه حتى افتخرن به على الأيامِ
يقال زهيَ الرجل فهو مزهو إذا تكبر وكان حقه أن يقال زهيت إلا أنه جاء به على لغة طيىءٍ في قولهم بقي في بقي كذلك قال زهي في زهيَ فسكن الياء فلما دخلت تاء التأنيث سقطت الياء الساكنة
وتخاله سلب الورى من حلمهِ أحلامهم فهم بـلا أحـلامِ
أي لرجاحة حلمه على أحلام الناس كأنه أخذ أحلامهم فجمعها إلى حلمه
وإذا امتحنت تكشفت عزماتهُ عن أوحدي النقص والإبرامِ
أي عن رجل أوحدي النقص والإبرام والمعنى أنه لا نظير له في عزماته نقص الأمر أو أبرمه
وإذا سألت بنانه عن نـيلـهِ لم يرض بالدنيا قضاء ذمامِ
أي إذا طلبت عطاءه لم ير جميع الدنيا لو أعطاها قضاء حق لك
مهلا ألا لله ما صنع الـقـنـا في عمرو حاب وضبةَ الأغتامِ
أراد عمرو بن حابس فرخم المضاف إليه وذلك غير جائز لأن الترخيم حذف يلحق أواخر الأسماء في النداء تخفيفا والكوفيون يجيزونه في غير النداء وينشدون، أبا عروَ لا تبعدْ وكل ابن جرةٍ، سيدعوه أغتاما لأنهم كانوا جاهلين حين عصوه حتى فعل ما فعل
لما تحكمـت الأسـنة فـيهـمِ جارت وهن يجرن في الأحكامِ
فتركتهم خلل البيوتِ كـأنـمـا غضبت رؤسهم على الأجسامِ
أي غزوتهم في عقر دارهم حتى تركتهم خلال بيوتهم أجساما بلا رؤوس
أحجار ناسس فوق أرضٍ من دمٍ ونجومُ بيضٍ في سماء قـتـامِ
يصف المعركة وكثرة القتلى يقول صارت الأرض دما وصار مكان الحجارة ناس قتلى فوق تلك الأرض والهوا صار نجوما من البيض في سماء من العجاج
وذراع كل أبي فلان كنيةً حالت فصاحبها أبو الأيتامِ
وذراع عطف على قوله احجارُ ناس والمعنى ثم احجار ناس وثم ذراع كل أبي فلان أي ذراع مقطوعة من رجل كان يكنى أبا فلان فلما قتل حالت كنيته فصار صاحب تلك الكنية يقال له أبو الأيتام لن ولده ييتمُ بهلاكه ونصب كنيةً على الحال من أبي فلان وتقديره كل أب لفلانٍ لأن ما بعد كل إذا كان واحدا في معنى جماعةٍ لا يكون إلا نكرة كما تقول كل رجل وكل فرس وهذا كما يقال رب واحدِ أمهِ لقيت ورب عبد بطنه ضربت على تقدير رب واحد لأمه ورب عبدٍ لبطنه فالإضافة يراد بها الإنفصال
عهدي بمعركةِ الأمير وخيلـهِ في النقع محجمةً عن الإحجامِ
يجوز وخيله بالكسر عطفا على المعركة وتنصب محجمة على الحال ومن رفع وخيله فالواو للاستئناف ومعناه الحال يقول لم أعهد معركته إلا وخيله مقدمةٌ متأخرة عن الأحجام
صلى الإله عليك غـير مـودعٍ وسقى ثري أبويك صوب غمامِ
قول الناس عند التوديع غير مودع معناه أنا معك قلبا وإن فارقت شخصا ويجوز أن يكون من جهة الفأل ويجوز أن يكون المعنى أن روحي صحبتك فأنت مشيع غير مودع
وكساك ثوب مهابةٍ من عنده وأراك وجه شقيقك القمقامِ
عني أخاه ناصر الدولة والقمقام السيد واصله البحر لأنه مجتمع الماء من قولهم قمقم الله عصبه أي جمعه وقبضه
فلقد رمى بلد العدو بنفـسـه في روق أرعن كالغطم لهامِ
روق العسكر أوله ومقدمته والمعنى في روق جيش أرعن والغطم البحر العظيم الماء واللهام الذي يلتهم كل شيء
قوم تفرسـت الـمـنـايا فـيكـمُ فرأت لكم في الحرب صبر كرامِ
يقول أنتم قوم تأملتكم المنايا فرأتكم في الحرب صبرا كراما وإذا صبروا في الحرب كانت المنايا إليهم اسرع
تالله ما عـلـم امـرؤ لـولاكـم كيف السخاء وكيف ضرب الهامِ
أي منكم استفاد الناس السماحة والشجاعة ولولا أنتم لما عرفتا وقال أيضا يمدحه وقت منصرفه من بلاد الروم سنة 345
الرأي قبل شجاعة الشجعانِ هو أول وهي المحل الثاني
أي العقل مقدم على الشجاعة فإن الشجاعة إذا لم تصدر عن عقل أتت على صاحبها فاهلكته وتسمى خرقا والمعنى أن العقل في ترتيب المناقب هو الأول ثم الشجاعة ثانٍ له
فغذا هما اجتمعا لنفسٍ مرةٍ بلغت من العلياء كل مكانِ
إذا اجتمع العقل والشجاعة لنفس مرة أبيةٍ للذلل والضيم ولا تستلينها الأعداء بلغت أعلى المبالغ من العُلى
ولربما طعن الفتى أقرانـه بالرأي قبل تطاعن الأقرانِ
هذا تفضيل للعقل يقول قد طعن أقرانه بالمكيدة ولطف التدبير ودقة الرأي قبل أن يصرح القتال
لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
ولما تفاضلت النفوس ودبرت أيدي الكماة عوالي المرانِ
يقول إنما تتفاضل نفوس الحيوان بالعقل فالأدمي أفضل من البهيمة لعقله ثم بنو آدم يتفاضلون أيضا بالعقل كما قال المامون الأجساد أبضاع ولجوم وإما تتفاضل بالعفل فإنه لا لحم أطيب من لحمٍ وقوله ودبرت يعني ولما دبرت أي إنما توصلوا إلى استعمال الرماح في الحرب بالعقل ولولا العقل ما عرفت الأيدي تدبير الطعان بالرماح يريد أن الشجاعة إنما تستعمل بالعقل
لولا سميُّ سيوفه ومضاؤه لما سللن لكن كالأجفانِ
أي لولا سيف الدولة ما أغنت السيوف شيئا ولكانت في قلة الغناء كالأجفان لأن السيف إنما يعمل بالضارب
خاض الحمام بهن حتى ما درى أمن إحتقارٍ ذاك أم نـسـيانِ
أي خاض الموت بسيوفه حتى ما علم أن ذاك الخوض من احتقار للموت أم نسيانٍ للموت وغفلة عنه ودري لغة طيىء
وسعى فقصر عن مداه في العلى أهل الزمان وأهلُ كلِّ زمـانِ
تخذوا المجالس في البيوت وعنده أن السروج مجالسُ الفـتـيانِ
تخذوا بمعنى اتخذوا يعني أن أهل الزمان مجالسهم في البيوت ومجالسه في السروج كما قال عنترة وحشيتي سرج البيت
وتوهموا اللعب الوغا والطعن في ال هيجاء غير الطعنِ في الـمـيدانِ
أي ظنوا أن الحرب لعب والطعن في اللعب غير الطعن في الحرب لأن ذلك طعن مع ابقاء ولا ابقاء في الحرب
قاد الجياد إلى الطعان ولم يقد إلا إلى العادات والأوطانِ
يقول إذا قاد خيله إلى الطعان فقد قادها إلى ما هو عادة له وإلى وطنه لأنه من المعركة في وطن
كل ابن سابقةٍ يغير بحـسـنـه في قلب صاحبهِ على الأحزانِ
يقول كل فرس ولدته سابقة من الخيل إذا نظر إليه صاحبه سره بحسنه فأذهب حزنه
إن خليت ربطت بآداب الوغا فدعاؤها يغني عن الأرسانِ
يعني أن خيله مؤدبة وإن كانت مخلاةً كانت مربوطة بما فيها من الأدب وإذا دعوتها أتتك فلا تحتاج إلى جذبها بالرسن وهذا كقوله، وأدبها طول القياد البيت، وكقوله، تعطف فيها والأعنة شعرها،
في جحفلٍ ستر العيون غبارهُ فكأنما يبصـرن بـالآذانِ
أي في جيشٍ عظيمٍ غباره كثيف يستر الأعين حتى لا ترى فيه الخيل مع صدق حاسة نظرها وإذا أحست بشيء نصبت آذانها كأنها بها تبصر كما قال البحتري، ومقدم أذنينِ تحسبُ أنه، بهما رأى الشخص الذي لأمامهِ،
يرمي بها البلد البعيد مظفـرٌ كل البعيد لـه قـريبٌ دانِ
فكأن أرجلها بتربة مـنـبـجٍ يطرحن أيديها بحصنِ الرانِ
منبج بالشام وحسن الران بالروم يريد سعة خطوها في العدو يقول كان أرجلها بالشام وأيديها بالروم لبعد مواقع ايديها من أرجلها أي كأنها تقصد أن تبلغ الروم بخطوة واحدة قال ابن جنى وبينهما مسيرة خمس يريد السرعة
حتى عبرن بأرسناس سوابحا ينشرن فيه عمائم الفرسان
ارسناس نهر بالروم بارد الماء جدا يريد لسرعتها في السباحة تنشر عمائم فرسانها
يقمصن في مثل المدى من باردٍ يذر الفحول وهن كالخصيانِ
يقول هذه الخيل تثب لي هذا النهر الذي هو كالمدى لضرب الريح أياه حتى صيرته طرائق كأنها مدى من ماء بارد يذر الفحل كالخصي لتقلص خصيتيه لشدة برده
والماء بين عجاجتين مخلصٌ تتفرقان به وتلـتـقـيان
يريد أن الجيش صار فريقين في عبور هذا النهر فريق عبروا وفريق لم يعبروا بعد ولكل واحد منهما عجاج الماء يميز بينهما والعجاجتان تفترقان بالماء وتلتقيان إذا كثرتا وقال ابن جنى يعني عجاجة الروم وعجاجة المسلمين وليس ما ذكر لأنهم عند عبور النهر ما كانوا يقاتلون الروم
ركض الأمير وكاللجين حبابهُ وثنى الأعنة وهو كالعقيان
يقول ركض خيله إلى الروم والماء أبيض كالفضة فلما قتلهم وجرت فيهم دماؤهم عاد وقد احمر كالذهب
فتل الحبال من الغدائر فوقـه وبنى السفين له من الصلبانِ
يقول اتخذ حبال سفنه من ذوائب من قتله واتخذ خشبها من عود الصلب لكثرة ما غنم منها
وحشاه عاديةً بغـير قـوائمٍ عقم البطون حوالك الألوان
أي حشا الماء سفنا تعدو ولا قوائمَ لها بطونها عقم لا تلد وهي سود الألوان لأنها مقيرة
تأتي بما سبت الخيولُ كأنـهـا تحت الحسانِ مرابض الغزلانِ
تأتي بالجواري اللاتي سبين وكأنهن غزلان والسميريت مرابضهن
بحر تعـود أن يذم لأهـلـه من دهره وطوارق الحدثانِ
هذا الماء الذي عبره سيف الدولة بحر تعود أن يجعل من وراءه في ذمته فلا يصل إليهم أحد وهو في جواره من الدهر وحوادثه
فتركته وإذا أذم من الـورى راعاك واستثنى بني حمدانِ
يقول تركت هذا النهر بعبورك إياه يجير أهله من كل أحد إلا من بني حمدان فإنه لا يجيرهم منك يعني أن غيرك لا يقدر على عبوره
ألمخفرين بكل أبـيض صـارمٍ ذمم الدروع على ذوي التيجانِ
أي الذين ينقضون عهود الدروع على الملوك بسيوفهم وذلك أنهم تحصنوا بالدروع فكأنهم في ذممها ثم سيوف هؤلاء تنقض تلك الذمم بهتك دروعهم والوصول إلى أرواحهم والمخفر الذي ينقض العهد
متصعلكين على كثافة ملكهـم متواضعين على عظيم الشان
التصعلك التشبه بالصعاليك وهم المتلصصون الذين لا ما لهم يقول هم على عظم ملكهم كالصعاليك لكثرة أسفارهم وغاراتهم وهم مع عظم شأنهم يتواضعون تقربا من الناس
يتقيلون ظلال كل مطـهـمٍ أجل الظليمِ وربقةِ السرحانِ
روى ابن جنى والناس كلهم يتقيلون من قولهم فلان يتقيل أباه إذا كان يتبعه ثم قال معناه يتقيلون آباءهم السابقين إلى المجد والشرف كالفرس المطهم وقال غيره على هذه الرواية معنى يتقيلون ينامون وقت الظهيرة في ظل خيلهم أي هم بداةٌ لا ظل لهم فإذا قالوا لجؤوا إلى ظلال خيلهم وهذا قول العروضي وقال ابن فورجة ليست الرواية إلا يتفيؤون والمعنى أنهم يستظلون بأفياء خيلهم في شدة الحر يصفهم بالتغرب والتبدي ومعنى قوله أجل الظليم وربقة السرحان أنها إذا طردت النعام والذياب ادركتها فقتلتها ومنعتها من العدو وهو من قول امرء القيس، بمنجرد قيدٍ الأوابدِ هيكلِ،
خضعت لمنصلك المناصـل عـنـوةً وأذل دينـــك ســـائر الأديانِ
وعلى الدروب وفي الرجوع غضاضةٌ والسير ممتـنـع مـن الإمـكـانِ
قال ابن جنى سألته عن هذا فقال معناه وكان هذا الذي ذكرته على الدروب أيضا إذ في الرجوع غضاضة على الراجع وإذا السير ممتنع من الإمكان قال العروضي نعوذ بالله من الخطل لو كان سأله لأجابه بالصواب وجواب وعلى الدروب ظاهر في قوله نظروا إلى زبر الحديد والقول ما قال العروضي لأنه لو كان كما قال أبو الفتح لما احتاج إلى الواو في قوله وعلى الدروب لأنه يقال كان كذا وكذا على الدروب ولكن الواو في وعلى الدروب واو الحال وكذلك ما بعدها من الواوات يقول حين كنا على الدروب يعني مضايق الروم واشتد الأمر حتى تعذر الإنصراف والتقدم
والطرق ضيقة المسالك بالقنا والكفر مجتمع على الإيمانِ
وضاقت الطرق بكثرة الرماح وأهل الكفر محيطون بأهل الإيمانِ
نظروا إلى زبر الحديد كأنما يصعدن بين مناكب العقبانِ
يقول في هذه الأحوال التي ذكرها وفي المكان الذي ذكره نظروا إلى المسلمين وهم مقنعون في الحديد حتى كأنهم قطع الحديد لاشتماله عليهم وهم يركبون خيلا كالعقبان في خفتها وسرعتها ويجوز أن يريد بزبر الحديد السيف وصعودها إلى الهواء برفع الأبطال أياها للضرب وهذا أولى لأنه ذكر الفوارس في قوله
وفوارسٍ يحيى الحمامُ نفوسها فكأنها ليست من الحـيوان
ونظروا إلى فوارس إذا قتلوا في الحرب حيوا يرون حيوتهم في هلاكهم في الحرب وكأنهم ليسوا من الحيوان لأن الحيوان لا يحيا بهلاكه والمعنى أنهم غزاة ومن استشهد منهم بالقتل صار حيا مرزوقا عند الله تعالى
ما زلت تضربهم دراكا في الذرى ضربا كأن السيف فيه اثـنـانِ
أي ما زلت تضربهم ضربا متتابعا في أعالي ابدانهم ضربا يعمل السيف الواحد فيهم عمل السيفين
خص الجماجم والوجوه كأنما جاءت إليك جسومهم بأمـانِ
فرموا بما يرمون عنه وأدبروا يطؤون كل حنيةٍ مـرنـانِ
الحنية القوس والمرنان الذي يسمع له رنين يقول رموا بالقسي التي كانوا يرمون عنها وادبروا يطؤونها في الهزيمة
يغشاهم مطر السحاب مفصلا بمهندٍ ومثقـفٍ وسـنـانِ
يعني أن وقع السلاح بهم كوقع المطر يأتي دفعةً وأراد بالسحاب الجيش وبالمطر الوقعات التي تقع بهم من هذه الأسلحة التي ذكرها وهي تقع بهم مفصلة لأنهم يطعنون تارةً بالرماح وتارةً بالسيوف يضربون
حرموا الذي أملوا وأدرك منهمُ آمالهُ من عادَ بالحـرمـانِ
حرموا ما أملوا من الظفر بك ومن عاد إلى بيته بحرمان الغنيمة فقد أدرك أمله لأنه نجا برأسه ومن روى بالذال فمعناه أدرك أمله بالحيوة وأغتنم النجاة من هلاكه بحرمان الغنيمة ورضى بهم فلم يحضر الحربَ
وإذا الرماح شغلن مجهة ثائرٍ شغلته مهجته عن الإخوانِ
إذا تناوشت الرماحُ طالبَ ثار شغلته صيانةُ روحه عن إدراك ثار إخوانه والمعنى أنهم شغلوا بأنفسهم عن إدراكهم ثار قتلاهم
هيهات عاق عن العوادِ قواضبٌ كثر القتيل بها وقل العـانـي
أي بعد ما أملوا من العود إلى القتال فقد عاقهم عن ذلك سيوفٌ كثرت بها القتلى منهم وقل الأسير أي انهم لم يؤسروا بل قتلوا
ومهذب أمر المنايا فـيهـمِ فأطعنه في طاعةِ الرحمانِ
يعني بالمهذب سيف الدولة وإن المنايا أطاعته في الروم وذلك طاعة الله تعالى
قد سودت شجر الجبال شعورهم فكأن فيه مسفةَ الـغـربـانِ
أي أسودت الأشجار بشعورهم التي طيرتها الريح فيها فكان الغربان قد دنت منها أي وقعت عليها شبه سواد شعورهم على الأشجار بالغربان السود وقوله فيه أي في الشجر والمسفة الدانية
وجرى على الورقِ النجيعُ القاني فكأنه النارنجُ في الأغـصـانِ
النجيع دم الجوف والقاني الشديد الحمرة والمعنى أنهم قتلوا على الجبال فاسود شجرها بشعورهم وأوراق الشجر احمرت بما سال عليها من دمائهم
إن السيوف مع الذين قلوبهم كقلوبهن إذا التقى الجمعانِ
يقول السيوف إنما تعين الشجعان الذي لا يفزعون في الحرب كما لا تفزع هي واستعار لها قلوبا لما ذكر قلوبهم وهذا من قول البحتري، وما السيف إلا بزغادٍ لزينةٍ، إذا لم يكن أمضى من السيف حاملهْ،
تلقى الحسامَ على جـراءة حـدهِ مثل الجبان بكف كـل جـبـانِ
رعفت بك العرب العمادَ وصيرت قمم الملوك مواقـدَ الـنـيرانِ
أي شرفت العرب بك يقال فلان رفيع العماد إذا كان شريفا وقاتلوا الملوك فاوقدوا على رؤسهم نار الحرب
أنساب فخرهم إليك وإنـمـا أنسابُ أصلهمِ إلى عـدنـانِ
يا من يقتل من أراد بسـيفـهِ أصبحت من قتلاك بالإحسانِ
أي أحسنت إليّ حتى استبعدتني بالمنة والإحسانِ
فإذا رأيتك حار دونك ناظري وإذا مدحتك حار فيك لساني
وقال أيضا يمدحه ويذكر كذب البطريق في يمينه برأس الملك أنه يعارض سيف الدولة في الدرب سنة 345
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندمُ ما ذا يزيدك في إقدامك القسـمُ
يقول عاقبة القسم على عاقبة الحرب ندمٌ يعني من حلف على الظفر في عاقبة الحرب ندم لأنه رما لا يظفر ذكر أن القسم لايزيد في الإقدام لأن الجبان لا يقدم وإن حلف
وفي اليمين على ما أنت واعدهُ ما دل أنك في الميعاد متهـمُ
إذا حلفت على ما تعده من نفسك دلت اليمين على أنك غير صادق فيما تعده لأن الصادق لا يحتاج إلى اليمين
آلي الفتى ابن شمشقيقٍ فأحنـثـه فتى من الضرب ينسى عنده الكلمُ
ابن شمشقيق بطريق الروم يقول حلف فاحنثه من ينسى عند ضربه اليمين والكلام لشدته يعني سيف الدولة
وفاعلٌ ما اشتهى يغنيه عن حلـفٍ على الفعال حضورُ الفعلِ والكرمُ
يفعل ما يريد لأنه ملك لا معارض له ويغنيه عن القسم على ما يفعله حضور فعله وكرمه أي أنه موثوق به لكرمه وفعله ما يريد حاضرٌ عاجلٌ فلا يحتاج أن يقسم على ما يريد فعله
كل السيوف إذا طال الضراب بها يمسها غير سيف الدولة السـأمُ
لو كلت الخيل حتى لاتحـمـلـهُ تحملتهُ إلى أعـدائه الـهـمـمُ
قال ابن جنى الاختيار في تحمله الرفع لأنه فعل الحال من حتى كأنه قال حتى هي غير متحملة والنصب جائز على معنى إلى أن لا تحمله يقول لو عجزت الخيل عن حمله إلى اعدائه لسار إليهم بنفسه لأن همته لا تدعه يترك القتال
أين البطاريق والحلف الذي حلفـوا بمفرقِ الملك والزعمُ الذي زعموا
يقول أين ذهبوا وكيف تركوا يمينهم برأس الملك وأين ما وعدوه من أنفسهم من القتال والزعم كنايةٌ عن الكذب يعني أن كل ذلك كان كذبا وروى ابن جنى البطارق بغير ياء والأصل بالياء
ولي صوارمهُ إكذابَ قولهمِ فهنَّ ألسنةٌ أفواهُها القممُ
ولى سيف الدولة سيوفه أن تكذبهم فيما قالوا من الصبر على القتال فكذبتهم سيوفه بقطع رؤوسهم وجعلها كالألسنة تعبر عن تكذيبهم ولما جعلها السنة جعل رؤوسهم كالأفواه لأنها تتحرك في تلك الرؤوس تحرك اللسان في الفم
نواطق مخبراتٌ في جماجمهم عنه بما جعلوا منه وما علموا
هذا البيت تفسير للمصراع الأخير من البيت الأول يقول سيوفه تخبرهم عن سيف الدولة بما علموا من إقدامه وشجاعته وصبره في الحرب وبما جهلوا منه لأنهم لم يعرفوا ما عنده من الشجاعة تمام المعرفة
الراجع الخيل محفاةً مقـودةً من كل مثل وبارٍ أهلها إرامُ
يقول هو الذي يرد الخيل عن غزواته وقد حفيت بكثرة المشي يقودها من كل بلد مثل وبار في الهلاك وأهلها بادوا وهلكوا هلاك ارم وليس يريد أن وبار كان أهلها أرم بل يريد أن الديار التي رد عنها خيله كانت كوبار خرابا وأهلها هلاكا ووبار مدينة قديمة الخراب يقال أنها من مساكن الجنّ قال ابن جنى وهي مبنية على الكسر مثل حذامِ وقطامِ وإرمُ جيل من الناس هلكوا في قديم الدهر يقال أنهم من عادٍ
كتل بطريق المغرور ساكنها بأن دارك قنسرون والأجمُ
تل بطريق بلد بالروم وهو تفسير لقوله من كل مثل وبار يعني من كل بلد مثل وبار كتل بطريق التي غر ساكنها بأنك بعيد عنهم لا تقدر على قطع ما بينك وبينهم من المسافة وقنسرون بالشام والأجم مكان بقرب الفراديس
وظنهم أنك المصباح في حلـبٍ إذا قصدت سواها عادها الظلمُ
أي غروا بظنهم أنك لا ترتحل عن حلب لأنك إذا ارتحلت عنها وبعدت انتقضت عليك ولايتها
والشمس يعنون إلا أنهم جهلـوا والموت يدعون إلا أنهم وهموا
أي جهلوا أنك كالشمس تعم الأماكن وإن كانت بعيدة وغلطوا فلم يعرفوا أنك كالمو الذي لايتعذر عليه مكان
فلم تتم سروج فتح ناظـرهـا إلا وجيشك في جفنيه مزدحمُ
يقول لم تصبح سروج إلا وخيلك مزدحمة عليها جعل الصباح لها بمنزلة فتح الناظر
والنقع يأخذ حرانا وبقعتهـا والشمس تسفر أحيانا وتلتثمُ
حران على بعد من سروج يعني أن الغبار وصل إليها لعظم الحرب وقال أوب العلاء المعري بقعتها بفتح الباء مكان كالبطحاء يعرف ببقعة حران وأحسن بما قال فإن ذكر البقعة بالضم ها هنا لا يحسن لأن النقع إذا أخذ حرانا أخذ بقعتها وإن لم تذكر
سحب تمر بحصنِ الران ممسكةً وما بها البخل لولا أنها نـقـمُ
يعني جيش سيف الدولة وحسن الران من عمله يقول أمساكها ليس بخلا وإنما هو اشفاق على دياره والنقم تصب على ديار الأعداء
جيش كأنك في ارضٍ تطاولـهُ فالأرض لا أمم والجيش لا أممُ
التاء في تطاوله للارض يقول بعدت الأرض فاطلت كأنها تطاول جيشك الكبير البعيد أطرافه ولاكهما كان طويلا ثم فسر هذا بقوله
إذا مضى علم منها بدا علـمٌ وإن مضى علم منه بدا علمُ
علم الأرض هو الجبل وعلم الجيش معروف أي فلا الجبال كانت تفنى ولا أعلام الجيش
وشرب أحمت الشعري شكائمها ووسمتها على آنافها الحكـمُ
الشرب جمع الشارب وهو الضامر من الخيل والشعري من نجوم القيظ يقول حميت حدائد لجمها بحرارة الهواء حتى جعلت الحكم وهو جمع حكمة اللجام تسم أنوف الخيل
حتى وردن بمسنين بحيرتهـا تنش بالماء في أشداقها اللجمُ
حتى وردت الخيل بحيرة هذا الموضع وكرعت في الماء فسمع للجمها نشيش في أشداقها ويريد أنها كانت محماةً فلما أصابها الماء نشت ويريد أنها لسرعتها تشرب الماء على اللجم
وأصبحت بقورى هنـزيط جـائلةً ترعى الظبا في خصيب نبتهُ اللممِ
يقول أصبحت الخيل بقرى هذا المكان تجول للغارة والقتل والسيوف ترعى في مكان خصيب من رؤوسهم غير أن نبت ذلك المكان الشعور والمعنى أن السيوف تصل من الرؤوس مثل ما يصل إليه المال الراعي في البلد الخصيب
فما تركن بها خلداً له بصـرٌ تحت الترابِ ولا بازا له قدمُ
الخلد ضرب من الفار ليس لها عيون يعني أن أهل الروم كانوا قسمين قسم دخل المطامير والأسراب كالفار إذا ريعت من شيء دخلت جحرها وقسم توقلوا في الجبال واعتصموا بها كالبازي يطير علواً وجعل من دخل الأسراب خلدا ذا أعين والذين تحصنوا بالجبال بزاةً لها أقدامٌ لأنه يريد بالفريقين ناسا والمعنى ما تركت السيوف انسانا دخل المطورة تحت الأرض فصال كالخلد ولا من تعلق برأس الجبال فصار كالبازي إلا اهلكته
فلا هزبرا له من درعهِ لبـدٌ ولا مهاةً لها من شبهها حشمُ
ولا بطلا كالهزبر له مكان اللبد الدرع ولا جاريةً كالمهاة لها خدم من شبهها والمهاة التي هي البقرة الوحشية لا خدم لها من شبهها
ترمي على شفراتِ الباترات بهم مكامنُ الأرض والغيطان والأكمُ
أي لقرب حينهم وحلول آجالهم لم ينفعهم الهرب حتى كأن مهاربهم من الغيطان والجبال ترمي بهم على حد السيف
وجاوزوا أرسناسا معصمين بـه وكيف يعصمهم ما ليس ينعصمُ
يقول قطعوا هذا النهر متمسكين بقطعه ليعصمهم عنك وكيف يعصمهم ما ليس ينعصم منك لأنك تقطعه وتربه بالسفن ورآءهم
وما يصدك عن بحرٍ لهم سعةٌ وما يردك عن طودٍ لهم شممُ
أي سعة بحارهم لا تصدك عنها لأنك تقطعها وإن كانت واسعةً وارتفاعُ جبالهم لا يردك عنها لأنك تفرعها
ضربته بصدور الخيل حامـلةً قوماً إذا تلفوا قدما فقد سلموا
يقول ضربت النهر بصدور الخيل حتى عبرته وهي تحمل قوما التلف عندهم في الأقدام سلامة أي لا يهابون التلف بل يتسرعون إليه
تجفل الموج عن لبات خيلهمِ كما تجفل تحت الغارة النعمُ
يقول الموج ينبسط على الماء صادرةً عن صدور خيلهم السابحة فيه كما تنبسط النعم متفرقةً عند الغارة والتجفل الإسراع في الذهاب
عبرت تقدمهم فيه وفي بلدٍ سكانهُ رممٌ مسكونها حممُ
عبرت النهر بتقدم الفرسان فيه وفي بلد قتلت أهلها فصاروا رمما واحرقت مساكنهم فصارت حمما وحمم جمع حمة وهل كل ما احترق بالنار ومنه قول طرفة، أشجاك الربعُ أم قدمه أم رمادٌ دارسٌ حممهُ،
وفي أكفهم النار الـتـي عـبـدت قبل المجوس إلى ذا اليوم تضطرمُ
يعني السيوف التي كانت مطاعةً في كل وقت قبل أن عبدت المجوسُ النار وهي نارٌ تضطرم إلى هذا اليوم أي تتوقد وتتبرق
هندية إن تصغر معشرا صغروا بحدها أو تعظم معشرا عظموا
قاسمتها تل بطريقٍ فكان لـهـا أبطالها ولك الأطفال والحـرمُ
قاسمت سيوفك هذه البلدة يعني أهلها فأعطيتها المقاتلة أي قتلتهم وسبيت الذرية والنساء
تلقى بهم زبد التيار مـقـربةٌ على جحافلها من نضحه رثمُ
عنى بالمقربة السفن جعلها كالخيل المقربة وقد ذكرناها والنضح أثر الماء والرثم بياض في شفة الفرس العلياء يريد أنه عبر بالسبي الماء وهم في زوارق وسميريات ولما سماها مقربة جعل ما لصق من زبد الماء بها كالرثم في جحافل الخيل
دهم فوارسها ركاب أبطنها مكدودةٌ وبقومٍ لا بها الألمُ
أي سود مقيرةٌ يركب بطنها لا ظهرها والتعب في سيرها على الملاحين لا عليها
من الجياد التي كدت العدو بها وما لها خلق منها ولا شـيمُ
يقول هذه المقربة يعني الزوارق من الخيل التي جعلتها كيدا لاعدائك وليس لها خلق الخيل وصورها ولا أخلاقها
نتاج رأيك في وقتٍ على عجلٍ كلفظ حرف وعاهُ سامعٌ فهمُ
أي هم مما أحدثه رأيك في وقت قريب المدة كالمدة في فهم السامع كلمةً بها ناطق أي كانت المدة في اتخاذها كالمدة في فهم السامع حرفا أي كلمةً ويجوز أن يريد الواحد من حروف المعجم مما له معنى كع من وعيت ود من وديت
وقد تمنوا غداة الدرب في لجـبٍ أن يبصروك فلما أبصروك عموا
اللجب اختلاط الأصوات واللجب بكسر الجيم نعتٌ للجيش العظيم الذي تختلط اصواتهم يقول أرادوا أن يبصروك فلما أبصروك غضت هيبتك عيونهم عنك فكأنهم عموا وذكر ابن جنى في تفسير عموا وجهين احدهما هلكوا وزالت ابصارهم والآخر عموا عن الرأى والرشد أي تحيروا وكلاهما ليس بالوجه
صدمتهم بخميس أنت غرتهُ وسمهريتهُ في وجههِ غممُ
جعل الرماح في هذا الجيش كالغمم في الوجه وهو كثرة الشعر وهو من قول الآخر، فلو أنا شهدناكم نصرنا، بذي لجب أزب من العوالي،
فكان أثبت ما فيهم جسومـهـم يسقطن حولك والأرواح تنهزم
والأعوجية ملء الطرق خلفهـم والمشرفية ملء اليوم فوقهـم
الأعوجية الخيل المنسوبة إلى أعوج فحل معروف عن فحول العرب أي كانت لكثرتها تملأ الطرق وجعل السيوف ملء اليوم لأنها تعلوا في الجو وتنزل عند الضرب في الهواء فأينما كان النهار كانت السيوف وهذا مبالغة في القول وإغراق في الوصف
إذا توافقت الضربات صاعـدةً توافقت قللٌ في الجو تصطدمُ
إذا اتفقت الضربات من الأبطال صاعدةً في الهواء لأن اليد ترفع للضرب اتفقت رؤوس مقطوعة بتلك الضربات متصادمة في الهواء يعني أ،هم لا يضربون ضربةً إلا قطعوا بها رأسا فالرؤوس مقطعوة على قدر الضربات لا تخطىء لهم ضربة عن قطع الرأس
وأسلم ابن شمشقـيقٍ ألـيتـهُ ألا أنثنى فهو ينأى وهي تبتسمُ
ترك يمينه التي حلف بها على الصبر والثبات وإن لا ينهزم فهو يبعد في الهزيمة ويمينه تسخر منه وتضحك
لا يأمل النفس الأقصى لمهجتهِ فيسرق النفس الأدنى ويغتنمُ
أي ليأسه عن نفسه لا يرجو أن يدرك النفس البعيد فيغتنم نفسه في الحال
ترد عنه قنا الفرسان سابـغةٌ صوب الأسنة في أثنائها ديمُ
أي تمنع الرماح من النفوذ يه درع سابغة وقد تلطخت بالدماء التي تسيل من الأسنة عليها واثناؤها مطاويها
تخط فيها العوالي ليس تنفذها كأن كل سنانٍ فوقها قلـمُ
أي تؤثر فيها ولا تنفذها حتى كأنها قلم يؤثر في الكاغد ولا ينفذه
فلا سقى الغيث ما واراه من شجرٍ لو زل عنه لوارت شخصه الرخمُ
يريد أنه دخل في خمر من الشجر فستره عن أعين الخيل ولولا ذلك لقتل وألقى للطير فكانت تجتمع عليه فتوارى شخصه ودعا على تلك الشجرة بأن لا تسقى الماء
ألهى الممالك عن فخرٍ قفلت به شرب المدامة والأوتارُ والنغمُ
الممالك جمع المملكة وهي جمع ملك كالمشائيخ جمع المشيخة وهي جمع شيخ ويجوز أن يريد به أرباب الممالك فحذف المضاف يقول شغلهم اللهو عما كسبت من الفخر في هذه الغزوة
مقلدا فوق شكر الله ذا شطبٍ لا تستدام بأمضى منهما النعمُ
أي جعلت الشكر شعارك وقلدت فوقه سيفا تجاهد به أعداء الله تعالى ولا شيء في استدامة النعم مثلهما
ألقت إليك دماء الروم طاعتهـا فلو دعوت بلا ضربٍ أجاب دمُ
يسابق القتل فيهـم كـل حـادثةٍ فما يصيبهم مـوتٌ ولا هـرمُ
نفت رقاد عليٍّ عن محـاجـرهِ نفسٌ يفرج نفساً غيرها الحلـمُ
القائم الملك الهادي الذي شهـدت قيامه وهداه العربُ والعجـمُ
القائم أي بالأمور يدبرها ويمضيها على وجهها الهادي إلى دين الله حضرت العرب العجم قيامه بالأمور والحروب وهداه في الدين
إبن المعفر في نجدٍ فوارسها بسيفه وله كوفان والحرمُ
هو ابن الذي عفر فوارس نجدٍ أي القاهم على العفر وهو التراب يعني حرب أبي الهيجاه للقرامطة وولايته طريقَ مكة وكوفان اسم الكوفة
لا تطلبن كريمـا بـعـد رؤيتـه إن الكرام بأسخاهم يدا ختمـوا
ولا تبال بشعرٍ بـعـد شـاعـرهِ قد أفسد القول حتى أحمد الصممُ
وقال أيضا وقيل أنه أراده به
فارقتكم فإذا ما كان عـنـدكـم قبل الفراقِ أذى بعد الفراقِ يدُ
يقول ما كان يؤذيني منكم قبل فراقكم صار يدا بعد فراقكم لأن ذلك بعثني على مفارقتكم
إذا تذكرت ما بينـي وبـينـكـمُ أعان قلبي على الشوق الذي أجدُ
أي الجفاء أعان قلبي على الشوق فلا يغلبه شوق إليكم أي لا أشتاق إليكم إذا تذكرت ما كان بيننا قبل الفراق هذا الذي ذكرنا في البيتين قول ابن جنى وعليه أكر الناس وقال العروضي هذا غلط ألا يرونه يقول أعان قلبي على الشوق الذي أجد ومن تخلص من بلية لم يتداركه شوق إليها ومعنى البيت الأول ما كنت أحسبه عندكم أذى كان إحسانا إلى جنب ما ألقاه من غيركم كما قال آخر، عتبت على سلمٍ فلما هجرته، وجربت أقواما بكيتُ على سلمِ، ثم قال إذا تذكرت ما بيني وبينكم من صفاء المودة أعانني ذلك على مقاومة الشوق إذا علمت أنكم على العهد والوفاء بالمودة وقول ابن جنى أظهر من قول العروضي وقال يرثي أخت سيف الدولة الكبرى ويعزيه بها وتوفيت بميافارقين
يا أخت خير أخٍ يا بنتَ خيرِ أبِ كنايةً بهما عن أشرفِ النسبِ
أراد يا أخت سيف الدولة ويا بنت أبي الهيجاء فكنى عن ذلك ونصب كنايةً على المصدر كأنه قال كنيت كناية
أجل قدرك أن تسمى مـؤبـنةً ومن يصفك فقد سماكِ للعربِ
مؤنبة مرثية من التأبين وهو مدح الميت وتسمى بمعنى تسمى أي أنت أجل من أن تعرفي بإسمك بل وصفك يعرفك بما فيك من المحاسن والمحامد التي ليست في غيرك كما قال أبو نواس، فهي إذا سميت لقد وصفتن فيجمع افسم معنيين معاً،
لا يملك الطرب المحزون منطقهُ ودمعهُ وهما في قبضةِ الطربِ
من استخفه الحزن غلب على لسانه ودمعه فلا يبقى له ملكة عليهما وإذا ملكهما غلبه الطرب وصارا في قبضته والمعنى أن المحزون يسبقه لسانه ودمعه فلا يملكهما ويريد بالطرب ها هنا ما يقلقه من الحزن
غدرت يا موت كم أفنيت من عدد بمن أصبت وكم أسكت من لجبِ
قال ابن جنى يقول غدرت بها يا موت لأنك كنت تصل بها إلى أفناء عدد الأعداء وأسكات لجبهم أي كانت فاضلةً تغزي الجيوش وتبير الأعداء قال العروضي قلما توصف المرأة بهذه الصفة وعندي أنه أراد مات بموتها بشر كثير وأسكت لجبهم وترددهم في خدمتها ويجوز أن يريد أنهم سقطوا عن برها وصلتها فكأنهم ماتوا انتهى كلامه وشرح هذا أن يقول وجه غدر الموت أنه اظهر اهلاك شخص وأضمر فيه أهلاك عالم كانت تحسن إليهم فهلكوا بهلاكها هذا معنى قوله كم أفنيت من عدد كما قال الآخر، فما كان قيس هلكه هلك واحدٍ، ولكنه بنيان قومس تهدما، وكقول أبن المقفع، وأنت تموت وحدك ليس يدري، بموتك لا الصغير ولا الكبير، تقتلني فتقتل بي كريما، يموت بموته بشر كثير، ومعنى آخر وهو أنه يقول غدرت بسيف الدولة يا موت حيث أخذت أخته وكنت تفنى به العدد الكثير وتهلك به الجيوش الذين لهم لجب وهو اختلاط الأصوات وإذا كان هو عونك على الافناء والأهلاك كان من حقك أن لا تصيبه بأخته
وكم صحبت أخاها في منازلةٍ وكم سألت فلم يبخل ولم تخبِ
أي كم سألته تمكينك من اهلاك من أردت فأجابك إلى ذلك ومكنك بسيفه ممن أردت وهذا كقوله أيضا شريك المنايا
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت فيه بآمالي إلى الكذبِ
يريد خبر نعيها وأنه رجا أن يكون كذبا وتعلل بهذا الرجاء
حتى إذا لم يدع لي صدقـه أمـلا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
أي حتى إذا صح الخبر ولم يبق أمل في كونه كذبا شرقت بالدمع لغلبة البكاء أياي حتى كاد الدمع يشرق بي أي كثرت الدموع حتى صرت بالإضافة إليها لقلتي كالشيء الذي يشرق به والشرق بالدمع أن يقطع الانتحاب نفسه فجعله في مثل حال الشرق بالشيء والمعنى كاد الدمع لاحاطته بي أن يكون كأنه شرق بي
تعثرت به في الإفـواه ألـسـنـهـا والرد في الطرق والأقلام في الكتبِ
أي لهول ذلك الخبر لم تقدر الألسن في الأفواه أن تنطق به ولا البريد في الطريق أن يحمله ولا الاقلام أن تكتبه ولم يلحق الياء في به بالهاء واكتفى بالكسرة ضرورةً وقد جاء عن العرب ما هو أشد من هذا كقول الشاعر، وأشربُ الماء ما بي نحوه عطشٌ، إلا لن عيونه سيل واديها، وهذا كقراءة من قرأ لا يؤده إليك بسكون الهاء ويروي تعثرت بك يخاطب الخبر ويترك لفظ الغيبة
كأن فعلة لم تملأ مواكبـهـا ديار بكرٍ ولم تخلع ولم تهب
كنى بفعلة عن أسمها خولة يذكر مساعيها أيام حياتها يقول كأنها لم تفعل شيئا مما ذكر لن ذلك انطوى بموتها
ولم ترد حيوةً بـعـد تـولـيةٍ ولم تغث داعياً بالويل والحربِ
يعني أنها كانت في حيوتها ترد حيوة الملهوف والمظلوم بالإغاثة والإجارة والبذل وتغيث الداعي بالويل والحرب
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
يقول طال ليل أهل العراق مذ أتى نعيها حزنا عليها فكيف ليل أخيها سيف الدولة في حلب
يظن أن فؤادي غير ملتـهـبٍ وأن دمع جفوني غير منسكبِ
أراد أيظن بالاستفهام فحذفه وهو يريده والتاء للخطاب والياء اخبار عن سيف الدولة
بلى وحرمة من كانت مراعـيةً لحرمة المجد والقصاد والأدبِ
أي بلى فؤادي ملتهب ودمعي منسكبٌ ثم أقسم على هذا بحرمة من كانت تراعي حرمة ما ذكر
ومن مضت غير موروثٍ خلائقها وإن مضت يدها موروثةَ النشبِ
يعني ومن ماتت ولم تورث خلائقها لأنه ليس يوجد بعدها من يتخلق باخلاقها وإن كان مالها موروثا
وهمها في العلى والمجد ناشئةً وهم أترابها في اللهو واللعبِ
هذا من قول حمزة بن بيضن فهمك فيها جسام الأمور، وهم لداتك أن يلعبوا،
يعلمن حين تحيى حسن مبسمها وليس يعلم إلا الله بالشـنـبِ
يقول أترابها إذا حيينها راين حسن مبسمها ولم يطلع على ما وراء شفتها من الشنب إلا الله لأنه لم يذقه أحد والشنب برد الريق ومنه قول الراجز، وا بأبي أنتِ وفوكِ الأشنبُ، واساء في ذكر حسن مبسم أخت ملك وليس من العادة ذكر جمال النساء في مراثيهن قال ابن جنى فكان المتنبي يتجاسر في الفاظه جدا
مسرةٌ في قلوب الطيب مفرقهـا وحسرةٌ في قلوب البيض واليلبِ
الطيب يسر باستعمالها إياه والبيض يتحسر على تركها لبس البيض واستعار لها قلوبا لما وصفها بالسرور والحسرة واليلب سيور تجعل تحت البيض وربما لبسوها إذا لم يكن لهم درع
إذا رأى ورآهـا رأس لابـســهِ رأى المقانع أعلى منه في الرتبِ
إذا رأى البيت أو اليلب رأس لابسه ورأى هذه المرأة رأى المقانع التي تلبسها هذه المرأة أعلى رتبةً من البيض
وإن تكن خلقت أنثى لقـد خـلـقـتْ كريمةً غير أنثى العقلِ والحـسـبِ
وإن تكن تغلبُ الغلباءُ عنـصـرهـا فإن في الخمر معنى ليس في العنبِ
الغلباء الغليظة الرقبة وهو نعت تغلب وجعلهم غلاظ الرقاب لأنهم لا يذلون لأحد ولا ينقادون له وفي هذا البيت تفضيل هذه المرأة على أبائها التغلبيين كتفضيل الخمر على العنب والعنب أصلها وهي أفضل من العنب وهذا كقوله، فإن تفق الأنام وأنت منهم، فإن المسك بعض دم الغزال، وكقوله، وما أنا منهم بالعيش فيهم، البيت
فليت طالعة الشمسين غـائبةٌ وليت غائبةَ الشمسين لم تغبِ
جعلها وشمس النهار شمسين ثم قال ليت طالعتهما وهي شمس النهار غائبة وليست غائبتهما وهي المرثية لم تغب أي أنها كانت أعم نفعا من شمس النهار فليتها بقيت وفقدنا الشمس
وليت عين التي آب النهارُ بهـا فداء عينِ التي زالت ولم تؤبِ
أي ليت عين الشمس فداء عين هذه المرأة التي فارقت ولم تعد
فما تقلد بالياقوت مشبهها ولا تقلد بالهندية القضبِ
أي لم يكن لها شبيه لا من الرجال ولا من النساء والقضب جمع القضيب وهو اللطيف الدقيق من السيوف
ولا ذكرت جميلا من صنائعها إلا بكيت ولا ود بلا سبـبِ
يقول إذا ذكرت صنائعها بكيت لمحبتي إياها والمحبة لها سبب وسبب محبتي صنائعها لدي وإحسانها إليّ وروى ابن جنى بلا ود ولا سبب أي لم يكن بكائي لود أو سببٍ سوى صنائعها
قد كان كل حجابٍ دون رؤيتهـا فما قنعت لها يا أرض بالحجبِ
أي كانت محجوبة عن الأعين بكل حجاب فأحبت الأرض أن تكون من حجبها فانضمت عليها
ولا رأيت عيون الإنس تدركهـا فهل حسدت عليها أعين الشهبِ
يقول للأرض هل حسدت أعين الكواكب على رؤيتها حتى حجبتها بنفسك فإن عيون الإنس كانت لا تدركها
وهل سمعت سلاما لي ألم بهـا فقد أطلت وما سلمت من كثبِ
يقول للأرض هل سمعت سلاما لي أتاها يريد أنه يجهر إليها السلام والدعاء وسال الأرض عن بلوغ سلامه إليها ثم قال وقد أطلت التأبين والمرثية وتجهير السلام عليها ولم أسلّم عليها من قرب وذلك أنها ماتت على البعد منه ولم يعرب أن جنى معنى هذا البيت فجعل الاستفهام فيه استفهام إنكار قال يقول قد أطلت السلام عليها وإنا بعيد عنها فهل سمعت يا ارض سلامي قريبا منها ويدل على فساد هذا قوله
وكيف يبلغ موتانا التي دفنـت وقد يقصر عن أحيائنا الغيبِ
روى ابن جنى عن احبابنا الغيب قال أي كيف يبلغ سلامي الموتى وقد يقصر دون الإحياء يعرض بسيف الدولة فإنه يقصر سلامه دونه وأنكر ابن فورجة هذا التعريض وقال هذا على العموم أي أن السلام قد يقصر على الحيّ الغائب فكيف عن الميت وليس في الكلام ما يدلع لى التعريض بسيف الدولة
يا أحسن الصبر زر أولى القلوبِ بها وقل لصاحبهِ يا أنفع الـسـحـبِ
أولى القلوب بهذه المرأة قلب سيف الدولة والهاء في لصاحبه تعود على أولى القلوب وصاحبه سيف الدولة أي وقل لسيف الدولة يا أنفع السحب يريد أن عطاءه أهنأ لنه بلا أذى والسحاب قد يؤذي سيله وتهلك صواعقه
وأكرم الناس لا مستثنياً أحـداً من الكرام سوى آبائك النجبِ
قد كان قاسمك الشخصين دهرهما فعاش درهما المفديُّ بالذهـبِ
يعني بالشخصين أختيه ماتت أحدهما وهي الصغرى وبقيت الكبرى فكانت كدرٍّ فدى بذهبٍ جعل الكبرى كالدر والصغرى كالذهب
ما كان أقصر وقتا كان بينهمـا كأنه الوقت بين الورد والقربِ
يريد أن قصر ما كان بين موتيهما من الزمان كان كقصر ما بين الورود والليلة التي يصبح فيها الماءُ
جزاك ربك بالأحـزان مـغـفـرةً فحزن كل أخي حزنٍ أخو الغضبِ
إنما استغفر له من الأحران لأن الحزن كالغضب والغضب ممن هو تحتك إذا أصابتك منه ما تكره والحزن ممن هو فوقك وقد جمعهما الله تعالى في قوله ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا فالغضب إنما كان على قومه الذين عبدوا العجل والأسف إنما كان بسبب خذلان الله إياهم حين عبدوا العجل والإنسان إذا حزن لمصيبةٍ تصيبه فكأنه على القدر المقدور حيث لم يجر بمراده والغضب على المقدور مما يستغفر منه
وأنتم نفر تسخو نفـوسـكـم بما يهبن ولا يسخون بالسبِ
أي كان الدهر سلبك وأنت تجزع لأنك لا تسخو بالسلب وهذا كقوله، لا جزعا بل أنفا شابه، أن يقدر الدهر على غصبهِ، وقوله ولا يسخون إخبار عن النفوس كقوله تعالى إلا أن يعفون يعني النساء
حللتم من ملوكِ النـاس كـلـهـمِ محل سمرِ القنا من سائر القصبِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:33 pm

فلا تنـلـك الـيالـي إن أيديهـا إذا ضربن كسرن النبع بالغـربِ
النبع ما صلب من الخشب وهو ينبت في الجبال والغرب نبت ضعيف يقول لا أصابتك الليال بسوء فإنها تغلب القويَّ بالضعيف ولهذا قال
ولا يعن عدوا أنت قـاهـره فإنهن يصدن الصقر بالخربِ
الخرب ذكر الحباري وجمعه خربان كما قال
وإن سررن بمحبوبٍ فجعن به وقد أتينك في الحالين بالعجبِ
يقول إن سرتك الأيام بوجود ما تحبه فجعتك بفقده إذا استردته وقد ارينا العجب حيث سررنك بها ثم فجعنك بفقدها فكانت سببا للسرور والفجيعة وهذا عجب أن يكون شيء واحد سببا للمسرة والمساءة
وربما أحتسب الإنسان غايتها وفاجأته بأمرٍ غير محتسبِ
أي قد يحسب الإنسان أن المحن قد تناهت فيأتيه شيء لم يكن في حسابه والمعنى أنه لا يؤمن فجاآت الدهر
وما قضى أحدٌ منها لبانـتـه ولا انتهى أربٌ إلا إلى أربِ
لم يقضِ أحد حاجته من الليالي لن حاجات الإنسان لا تنقضي وهو قوله ولا انتهى اربٌ إلا إلى أرب كما قال الآخر، تموت مع المرء حاجاته، وتبقى له حاجةٌ ما بقي، واللبانة الحاجة والأرب الغرض
تخالف الناس حتى لا اتفـاق لـهـم إلا على شجبٍ والخلف في الشجبِ
يقول جرى الخلف في كل شيء حتى لم يتفق الناس إلا على الهلاك وهو أن منتهى الحيوان أن يموت فيهلك ثم قال والخلف الحقيقي في الهلاك وهو ما ذكره في قوله
فقيل تخلص نفس المـرء سـالـمةً وقيل تشرك جسمَ المرء في العطبِ
يريد بالنفس الروح والناس مختلفون في هلاك الأرواح فالدهرية والذين يقولون بقدم العالم يقولون الروح تفنى كما يفنى الجسم والمومنون بالبعث يقولون الأرواح تسلم من الهلاك ولا تفنى بفناء الأجسام
ومن تفكر في الدنيا ومهجـتـه أقامهُ الفكر بين العجز والتعبِ
إنما يقيمه الفكر بين العجز والتعب لأنه يتعب تارة في طلب الدنيا وتارةً يترك طلبها للعجز خوفا على مهجته فلا ينفك الإنسان من تعب أو عجز فالطالب متعوب والقاعد عن الطلب عاجز وإنما عجزه للخوف على مهجته فلو تيقن بسلامة المهجة لم يقعد عن الطلب ولم يركن إلى العجز وقال أيضا يمدحه وقد بعث إليه هديةً إلى العراق ومالا دفعةً بعد دفعة في شوال سنة 351
ما لنا كلنا جو يا رسـولُ أنا أهوى وقلبك المتبولُ
المتبول الذي قد أفسده الحب ومنه قول الشاعر، تبلت فؤادك في المنام خريدةٌ، تسقي الضجيع بباردٍ بسامِ، والجوى الذي قد أصابه الجوى وهو داء في الجوف يتهم رسله الذي يرسله إلى الحبيبة بمشاركته إياه في حبها يقول ما لنا كلانا جوٍ بحبها أنا العاشق وقلبك الفاسد بالحب
كلما عاد من بعثـت إلـيه غار مني وخان فيما يقولُ
يقول كلما عاد إليّ الرسول غار عليّ بحبها لأنه رأى حسنها فحمله ذلك على الغيرة وخان فيما يؤدي من الرسالة إليّ منها وإليها مني
أفسدت بيننا الأماناتِ عينـا ها وخانت قلوبهن العقولُ
يقول عيناها بسحرهما أفسدتا عليّ أمانة الرسول حتى ترك الأمانة في الرسالة حبا لها وخانت العقول قلوبها أي فارقت العقول القلوبَ سببها وفي قوله قلوبهن ضمير قبل الذكر كما تقول ضرب غلامه زيد ومعنى خيانة العقول أنها لا تصور للقلوب وجوب حفظ الأمانة لأن الرسول إذا نظر إليها غلبه هواها على الأمانة وغلب عقله وهذا كقوله، وما هي إلا لحظة بعد لحظة، إذا نزلت في قلبه رحلَ العقلُ،
تشتكي ما اشتكيت من ألم الشو ق إليها والشوق حيث النحولُ
يقول الحبيبة تشكو من الشوق ما أشكو إليها ثم كذبها في تلك الشكوى فقال والشوق حيث النحول يعنيأن للشوق دليلا من النحول فمن لم يكن ناحلا لم يكن مشتاقا
وإذا خامر الهوى قلب صبٍّ فعليه لكـل عـينٍ دلـيلُ
زودينا من حسن وجهك ما دا م فحسن الوجوه حالٌ تحولُ
وصلينا نصلك في هذه الدن يا فإن المقام فيها قـلـيلُ
من رآها بعينها شاقه القـط انُ فيها كما تشوق الحمولُ
يقول من نظر إلى الدنيا بالعين التي ينبغي أن ينظر بها إليها رق للباقين رقته للماضين الفانين وكنى عن الرقة بالشوق لأن الشوق ترقيق القلب والحمول المرتحلون وكأنه أراد ذا الحمول فحذف المضاف والقطان السكان المقيمون
إن تريني أدمت بعد بياضٍ فحميد من القناةِ الذبولُ
يقول أن غيرت الأسفار وجهي حتى صرت آدم بعد بياض الوجه فليس ذلك بعيب فيّ كما أن الذبول وإن كان مذموما في غير القناة فإنه محمود فيها لأنه يؤذن بصلابتها كما قال أبو تمام، لانت مهزتة فعزوا إنما، يشتد رأس الرمح حين يلين،
صحبتني على الفلاةِ فتاةٌ عادةُ اللونِ عندها التبديلُ
يريد بالفتاة الشمس لأن طلوعها يتجدد فهي بكر كل يوم أو لأن الدهر لا يؤثر فيها والشمس تبدل اللون وتحول البياض إلى السواد
سترتك الحجال غنها ولكن بك منها من اللمى تقبيلُ
يقول أنت في كن من الشمس لا يصيبك حرها ولكن بك منها تقبيل لمى في شفتك من السواد كأنها قبلتك فاورثتك اللمى
مثلها أنت لوحتني وأسـقـم ت وزادت أبهاكما العطبولُ
يقول أنت مثل الشمس في أنها غيرت لوني فاسقمتني أنت وزادت تأثيرا في أبهاكما وهي أنت ثم وصفها فقال العطبول وهي التامة الجسم
نحن أدرى وقد سألنا بنجدٍ أطويل طريقنا أم يطولُ
هذه رواية ابن جنى يقول أطويل هو في الحقيقة أم يطوله الشوق إلى المقصود يقول كنا أعلم بمقدار الطريق ولكنا سألنا والصحيح رواية غيره أقصير طريقنا أم يطول يقول علمنا قصر الطريق من طوله ولكنا سالنا تعللا بذكر الطريق إليه فإن الإنسان إذا أحب شيئا أكثر السؤال عنه وإن كان يعرفه كما قال بشر بن أبي حازم، أسائل صاحبي ولقد أراني، بصيرا الظعائن حيث صاروا، وكما قال الآخر، وخبرني عن مجلس كنت زينه، بحضرةِ قومس والملاء شهودُ، فقلت له كر الحديث الذي مضى، وذكرك من كر الحديث أريدُ، أناشده إلا أعاد حديثه، كأني بطيء الفهم حين يعيد، وقد أكد هذا المعنى فقال
وكثير من السؤال اشتياقٌ وكثير من رده تعلـيلُ
يقول كثير من السؤال يكون سببه الاشتياق وكثير من رد السؤال يكون تطييبا للسائل يريد أن الذي ملني على السؤال عن الطريق الاشتياق ولن أتعلل بالجواب عن السؤال
لا أقمنا على مكان وإن طـا ب ولا يمكن المكان الرحيلُ
لا أقمنا معناه لم نقم كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى وقال ابن فورجة معناه والله لا أقمنا قال ويجوز أن يكون على الدعاء كما تقول لا يفضض الله فاك يقول لم نقم في الطريق إليه بمكان وإن طاب ذلك المكان ثم قال ولا يمكن المكان أن يرتحل أي لو أمكنه لأرتحل معنا شوقا إليه
كلما رحبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا وأنت السبيلُ
كلما طاب لنا مكان كأنه يرحب بنا لطيب المقام به قلنا لذلك المكان لا نقيم عندك لن قصدنا حلب وأنت الممر فلا نقيم عندك وإن طاب المكان ثم فسر فيما بعد فقال
فيك مرعى جيادنا والمطايا وإليها وجيفنا والـذمـيلُ
والمسمون بالأمير كـثـير والأمير الذي بها المأمولُ
الذي زلت عنه شرقا وغربا ونداه مقابلـي مـا يزولُ
زلت عنه فارقته عطاءه إياه وأنه لا يتوجه وجها إلا لقي جوده وقوله كل وجه أي كل طريق أتوجه إليه له أي لنداه كفيل بوجهي وهذا محمولٌ على القلب أراد لي كفيل بوجه نداه يرينيه ويأتيني به والقلب شائع في الكلام وهو كثير في الشعر يقول كل وجه توجهته لي كفيل بوجه نداه ويصح المعنى من غير حمل اللفظ على القلب وذلك أن من واجهك فقد واجهته ومن استقبلك فق استقبلته والأفعال المشتركة: يستوي المعنى في اسنادها إلى الفعال وإلى المفعول كما تقول لقيني زيد ولقيت زيدا وأصابني مال واصبت مالا وإذا كان للندى كفيل بوجهه كان لوجهه كفيل بالندى
فإذا العذل في الندى زار سمعا ففداه العذول والـمـعـذولُ
يقول إذا عذل جواد على الجود فسمع ذلك ووعاه ففداء هذا الممدوح السمحاء والعذلون هذا اشارة إلى أنه لا يسمع العذل وغيره يسمع قال ابن فورجة أراد فداءك كل من عذل في جودٍ سمعه أو رده لنك فوقه جودا
وموالٍ تحييهم من يديه نعم غيرهم بها مقتولُ
يقول وفدته موالٍ حيوتهم من أنعامه عليهم وغيرهم مقتول بذلك الإنعام حسدا لهم أو أنه يسلبها من الأعداء فيقتلهم ويعطي أولياءه ثم ذكر تلك النعم
فرس سابـق ورمـح طـويل ودلاص زغف وسيف صغيلٌ
الدلاص الدرع البراقة زغف لينة وفرس بدل من نعم وتفسير لها
كلما صـبـحـت ديار عـدو قال تلك الغيوث هذي السيولُ
كلما أتت مواليه صباحا للغارة دار عدو قال العدو تلك التي رأيناها قبل كانت بالإضافة إلى هؤلاء غيوثا عند الإضافة إلى السيول يريد كثرة مواليه وقال ابن جنى هذا مثل وعني بالغيوث سيف الدولة وبالسيوف موالية وذلك أن السيل يكون من الغيث وكذلك مواليه به قدروا وعزوا
دهمته تطاير الزرد المح كم عنه كما يطير النسيل
دهمته فاجأته يريد فاجأت الموالي العدو وهي تهتك دروع العدو حتى تطيرها عنهم كما يطير الريش إذا سقط من الطير
تنقص الخيل خيله قنص الوح ش ويستأسر الخميس الرعيلُ
يقول خيله تصيد الخيول كما تصيد الوحش والقليل من جيشه يأسر الجيش الكثير والرعيل القطعة من الخيل والخميس الجيش الكثير الذين هم خمس كتائب القلب والجناحان والمقدمة والساقة
وإذا الحرب أعرضت زعم الهو ل لعـينـيه أنـه تـهـويلُ
يقول إذا قامت الحرب وظهرت لم تهله يزعم الهول لعيني الممدوح أنه تهويل لا حقيقة له والمعنى أنه لا يهوله شيء يراه وكأن الهول يقول له لا يهولنك ما ترى وذلك إن التهويل يكون بالكلام
وإذا صح فالزمان صحيحٌ وإذا اعتل فالزمان عليلُ
يقول هو الزمان فصحته صحة الزمان وكذلك علته وهذا كما يروي عن معاوية أ،ه قال نحن الزمان فمن رفعناه ارتفع ومن وضعناه أتضع وروى أنه سمع رجلا يذم الزمان فقال لو يعلم ما يقول لضربت عنقه أن الزمان هو السلطان
وإذا غاب وجهه عن مكانٍ فبه من نثاه وجه جميلُ
الثنا الخبر وهو ما ينثي أي نشر من حديث يقول بكل مكان يسمع له خبر جميل
ليس إلاك يا عليُّ هـمـامٌ سيفهُ دون عرضه مسلولُ
يقول ليس أحد من الملوك يقي عرضه بسيفه غيرك أي أنت الشجاع دونهم
كيف لا يأمن العراق ومصرٌ وسراياك دونها والخـيولُ
يقول أنت وخيلك في وجه الروم تدفعونهم عن ديار المسلمين
لو تحرفت عن طريق الأعادي ربط السدر خيلهم والنخـيلُ
يقول لو ملت عن طريق الروم لساروا فأوغلوا في ديار العرب حتى يربطوا خيولهم بالسدر والنخيل التي بالعراق والمعنى لولا ذبك عن هذه الممالك لملكتها الأعداء يريد بهذا الغض ممن بالعراق ومصر ن الملوك والرفع من شأن سيف الدولة وجعل الفعل للسدر والنخيل توسعا لأنها هي الممسكة إذا ربطت إليها فكأنها ربطتها
ودرى من أعزه الدفع عنه فيهما أنه الحقير الذلـيلُ
يعني وعلم من أعزه دفعك عنهما في مصر والعراق يعني كافورا وآل بويه أنه حقير ذليل بغلبة العدو إياه
أنت طول الحياة للـروم غـازٍ فمتى الوعد أن يكون القفولُ
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانـبـيك تـمـيلُ
يقول سوى الروم لك وراء ظهرك أعداء كالروم في المعاداة يعني آل بوبه
قعد الناس كلهم عن مساعـي ك وقامت بها القنا والنصولُ
يقول لم يبلغ أحد من الملوك مساعيك التي قامت بها رماحك وسيوفك
ما الذي عنده تدار المنـايا كالذي عنده تدارُ الشمولُ
يريد أن غيره من الملوك يشتغلون باللهو وشرب المدام وهو مشغول بالحرب
لست أرضى بأن تكون جوادا وزماني بأن أراك بخـيلُ
أي لا أرضى بأن يصل إليّ عطاؤك وأني على البعد منك لا أراك
نغص البعدُ عند قرب العـطـايا مرتعي مخصب وجسمي هزيلُ
قوله مرتعي مخصب وجسمي هزيل يقول أنا في قرب عطائك مني وبعدي عنك كمن يرتع في مكان مخصب وهو مع ذلك مهزول أي لست أتهنأ بعطائك مع البعد عن لقائك
إن تـبـوأت غـير دنـياي دارا وأتاني نيل فأنـت الـمـنـيلُ
من عبيدي إن عشت لي ألف كافو رٍ ولي من نـداك ريف ونـيلُ
الريف سواد العراق والنيل فيض مصر
ما أبالي إذا اتقتك الـرزايا من دهتهُ خبولها والحبولُ
الخبول جمع خبل وهو الفساد والحبول الدواهي وهي نجمع حبل يقول إذا أخطأتك المنايا فلا أبالي من أصابته وكتب إليه سيف الدولة يستدعيه فأجابه بهذه القصيدة في شوال سنة 353
فهمت الكتاب أبر الكـتـب فسمعا لأمر أميرِ العـرب
وطوعا له وابتهـاجـا بـه وإن قصر الفعل عما وجب
يقال طاع له وأطاع إذا انقاد أي أطيعك وابتهج بكتابك وإن كان فعلي في طاعتك لا يبلغ ما يجب عليّ
وما عاقني غير خوف الوشاة وإن الوشايات طرقُ الكدب
يقول لم يمنعني عن اللحوق بك إلا خوف الوشاة والوشاية طريقها الكذب أي إذا وشى الإنسان كذب فخفت كذبهم
وتكثير قومس وتقليلهم وتقريبهم بيننا والخبب
مفعول التكثير والتقليل محذوف على تقدير وتكثير قوم يعني الوشاة معايبنا وتقليلهم مناقبنا كذبا منهم وعدوهم بيننا بالنمائم والفساد والتقريب ضرب من العدو
وقد كان ينصرهم سمعه وينصرني قلبهُ والحسبْ
أي كان يصغي إليهم بأذنه ولا يصدقهم بقلبه لكرم حسبه قال ابن جنى أي كان يسمع منهم إلا أن قلبه كان على كل حال معي
وما قلت للبدر أنت اللـجـين ولا قلت للشمس أنت الذهب
ضرب هذا مثلا أي لم أنقصك عما تستحق من المدح كما ينقص البدر بأن يشبه باللجين والشمس بأن تشبه بالذهب أي لم أهجك فتتنكر لي وهو قوله
فيقلق منـه الـبـعـيد الأنـاةِ ويغضب منه البطيء الغضب
البعيد الأناة الذي لا يستخف عن قربٍ والأناة الرفق والتثبت
وما لاقـنـي بـلـد بـعـدكـم ولا اعتضت من رب نعماي رب
لاقني وألاقني أمسكني وحبسني أي لم أقم ببلد بعدكم ولا أخذت عوضا ممن أنعم عليّ
ومن ركب الثور بعد الجوا د أنكر أظلافه والغبـب
رب هذا مثلا له ولمن لقي بعده من الملوك كقول خداش بن زهيرٍ، ولا أكون كمن ألقى رحالته، على الحمارِ وخلى صهوةَ الفرس،
وما قست كل ملـوك الـبـلادِ فدع ذكر بعضٍ بمن في حلب
ولو كنت سميتهـم بـاسـمـه لكان الحديد وكانوا الخشـب
أي لو سميتهم سيوفا لكانوا سيوفا من الخشب وكان هو سيفا من الحديد والمعنى أن مدحتهم كان ذلك مجازا وحقيقة المدح كانت له
أفي الرأي يشبه أم في السـخـا ء أم في الشجاعة أم في الأدب
هذا استفهام إنكار أي لا يشبهه أحد من الملوك في شيء مما ذكر
مبارك الإسم أغر الـلـقـب كريم الجرشي شريف النسب
أي اسمه عليٌّ وهو اسم مبارك يتبرك به لمكان عليّ بن أبي طالب رضه ولأنه مشتق من العلو والعلو مبارك وهو مشهور اللقب لأنه سيف الدولة والجرشي النفس
أخو الحرب يخدم مما سبى قناه ويخلع ما سـلـب
أي إذا أعطى أحدا خادما أعطاه مما سباه بنفسه لا مما اشتراه لأنه صحب الحرب فمماليكه من سباياه وإذا خلع على إنسان ثوبا كان مما سلبه من أعدائه
إذا حاز مالا فقد حـازهُ فتى لا يسر بما لا يهب
إذا جمع مالا فقد جمعه من لا يسر من ماله بما يدخره أي غنما يسر بما يهبه كما قال البحتري، لا يتمطى كما احتج البخيل ولا، يحب من ماله إلا الذي يهبُ،
وإنـي لأتـبـع تـذكـاره صلوة الإله وسقى السحب
أي كلما ذكرته دعوت له بهذين فقلت صلى الله عليه وسقاه الله
وأثـنـى عـلـيه بـآلآئهِ وأقرب منه نأي أو قرب
أي أقرب منه بالموالاة والمحبة
وإن فارقتني أمـطـارهُ فأكثر غدرانها ما نضب
أي أن انقطع عني بره فإن الذي عندي من النعم من عطاياه كالغدران إذا امتلأت بماء المطر بقي ماؤها بعد انقطاع الأمطار
أي سيف ربك لا خـلـقـهِ ويا ذا المكارمِ لا ذا الشطب
يقول أنت سيف الدولة لا سيف الناس وأنت صاحب المكارم لا سيف فيه طرائق من سيوف الحديد يعني لست سيفا كسائر السيوف
وأبعـد ذي هـمةٍ هـمةً وأعرف ذي رتبةٍ بالرتب
أراد أبعد ذوي الهمم فأوقع الواحد موقع الجماعة كما تقول هذا أول فارس مقبل والمعنى أنه أبعد الناس همةً واعرفهم بمراتب الرجال لأنه أعلم بهم فهو يعطي كل واحد ما يستحق من الرتبة
وأطعن من مـس خـطـيةً وأضرب من بحسامٍ ضرب
بذا اللفظ ناداك أهل الثغـورِ فلبيت والهام تحت القضبْ
بهذا الفظ دعوك فقالوا يا أطعن من طعن بقناة خطية ويا أضرب الضاربين بالسيوف فأجبتهم ورؤسهم تحت سيوف الروم أي قد غلبوهم
وقد يئسوا من لذيذ الحيوةِ فعين تغور وقلبٌ يجب
غارت العين إذا انخسفت للحزن والهزال والوجيب خفقان القلب
وغر الدمستق قول العدا ة إن عليا ثقيلٌ وصب
أي إنما أتاهم الدمستق لن الأعداء أرجفوا بأنك عليل ويقال وصب وصبا فهو وصبٌ إذا نحل جسمه
وقد علـمـت خـيلـه أنـه إذا هم وهو علـيلٌ ركـب
أتاهم بأوسع مـن أرضـهـم طوال السبيب قصار العسبْ
اتاهم الدمستق بخيلٍ موضعها من الأرض أوسع من أرضهم والسبيب شعر الناصية وشعر الذنب والعسيب عظم الذنب والمستحب في الخيل إن يطول شعر الذنب ويقصر عظمه
تغيب الشواهق في جيشه وتبدو صغارا إذا لم تغب
أي لكثرته يعم الجبال وتغيب في جيشه وإن ظهر منها شيء ظهر اليسير منها
ولا تعبر الريح في جوجهِ إذا لم تخط القنا أو تثبِ
يعني كثرة رماح جيشه وتضايق ما بينهما وإن الهواء غص بها فلا تجد الريح منفذا إلا أن تتخطى وتثب
فغرق مدنهم بالـجـيوش وأخفت أصواتهم باللجب
أي أتاهم من الجيوش بما عم بلادهم فكأنها غرقت فيه وأخفت أصواتهم بصوت جيوشه
فأخبث به طالباً قتـلـهـم وأخبث به تاركا ما طلب
يريد أنه خبيث طالبا وهاربا ويروي فأحبب به طالبا وأخيب به تاركا وهذا أحسن
نأيت فقاتلهم باللـقـاء وجئت فقاتلهم بالهرب
يريد أنه لما كنت بعيدا عن أهل الثغور أتاهم للقتال فلما جئت جعل الهرب موضع القتال فكان قتاله الهرب
وكانوا له الفخر لما أتـى وكنت له العذر لما ذهب
أي كان يفخر بأن قصدهم ثم عذر بأن ذهب هاربا منك لأنه لا يقوم لك
سبقت إلـيهـم مـنـاياهـم ومنفعة الغوث قبل العطب
أي أدركتهم قبل أن يقتلهم فأغثتهم قبل أن يعطبوا وإنما ينفع الغوث إذا كان قبل الهلاك وبعده لا منفعة للغوث كما قال الطائي، وما نفع من قد مات بالأمس طاويا، إذا ما سماء الناس طال انهمارها، وقال البحتري، وأعلم بأن الغيث ليس بنافعٍ، للناس ما لم يأت في إبانه،
فخروا لخالقـهـم سـجـدا ولو لم تغث سجدوا للصلب
أي سجدوا لله شكرا حين أتيتهم ولو لم تأتهم لسجدوا للصلب خوفا منه
وكم ذدت عنهم ردىً بالردى وكشفت من كربٍ بالكرب
كم قد منعت عنهم الهلاك بإهلاكك من بغي هلاكهم وكم كشفت الكرب عنهم بالكرب التي انزلتها بأعدائهم
وقد زعموا أنـه إن يعـد يعد معه الملكُ المعتصبْ
زعم الروم أن الدمستق يعود ومعه الملك الأعظم والمعتصب المتتوج الذي يعتصب التاج برأسه ومعنى يعد معه الملك يجيء معه لأنه لم يكن قبل ذلك قصدهم والعود قد يراد به الابتداء
ويستنصران الذي يعبدان وعندهما أنه قد صلب
يعني أن الدمستق والملك يستنصران المسيح ويسألانه النصرة على المسلمين ثم قال وعندهما أنه قد صلب لان النصارى يقولون أن اليهود صلبت المسيح وقتلته
ويدفع ما ناله عنهـمـا فيا للرجال لهذا العجب
ويدفع المسيح عن الدمستق والملك ما نال المسيح من الهلاك ثم تعجب من هذا أي كيف يدفع عنهما ولم يقدر على الدفع عن نفسه بزعمهم أنه قتل وصلب واللام في الرجال لام الاستغاثة وهي منصوبةٌ واللام في لهذا لام التعجب وهي مكسورة انشد سيبويه لقيس بن ذريح، تكنفني الوشاة فأزعجوني، فيا للناس للواشي المطاعِ،
أرى المسلمين مع المشركي ن إما لعجزٍ وإما رهـب
أي قد هادنوهم وتركوا قتالهم إما عجزا وأما رهبةً
وأنت مع الله في جانبٍ قليلُ الرقادِ كثيرُ التعب
مع الله أي مع أمر الله بالجهاد القتال أي أنت الذي تطيعه في جهاد الروم وجانبت غيرك من المهادنين والموادعين
كأنك وحدك وحـدتـه ودان البرية بابنٍ وأب
أي كأنك الموحد لله تعالى وحدك وغيرك يدينون دين النصارى من قولهم في الله والمسيح أبٌ وابن كما اخبر الله عنهم في قوله وقالت النصارى المسيح ابن الله
فليت سيوفك في حـاسـدٍ إذا ما ظهرت عليهم كئب
كئب كآبة إذا حزن وظهر فيه الإنكسار يقول ليت الحاسد الذي يحزن بظفرك بالروم قتل بسيفك
وليت شكاتك في جسـمـهِ وليتك تجزى ببغضٍ وحب
يريد بالشكاة المرض الذي يشكوه وعاتبه في آخر البيت يقول ليتك تجزي من ابغضك ببغضه ومن أحبك بحبه لأنال منك نصيبي من الجزاء بالحب
فلو كنت تجزي به نلت مـن ك أضعف حظٍ بأقوى سبب
قال ابن جنى أي لو تناهيت في جزائك أياي على حبي إياك لكان ضعيفا بالإضافة إلى قوة سببي في حبي لك قال أبو الفضل العروضي وهذا لا يقوله مجنونٌ لبعض نظرائه أو لمن هو دونه فكيف ينسب المتنبي مثل سيف الدولة إلى أنه لو احتشد وتكلف في جزائه لم يبلغ كنهه وهذا عتبا يقول لو جزيتني بحبي لك وهو أقوى سببٍ لأن حبي لك أكثر من حب غيري لنلت منك القليل يشكو أعراضه عنه وأنه لا يصيب منه حظا مع قوة سببه هذا آخر ما قاله في الامير سيف الدولة ثم خرج من عنده مغاضبا إلى مصر ومدح الأسود كافورا الأخشيدي.
وقال أبو الطيب يمدح كافورا الأخشيدي في جمادي الأخرة سنة 346
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمـانـيا
كفى بك معناه كفاك والباء زيدت في المفعول هاهنا كما تراد في الفاعل نحو كفي الله وذكرنا هذا في قوله كفى بجسمي نحولا يقول كفاك داء رؤيتك الموت شافيا أي أن داء شفاؤه الموت أقصى الأدواء والمنية إذا صارت أمنية فهو غاية البلية وفاقرة الخطوب
تمنيتها لما تمنـيت أن تـرى صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا
يقول تمنيت المنية لما طلبت صديقا مصافيا فأعجزك أو عدوا مساترا للعداوة وعند عدم الصديق المصادق والعدو المنافق يتمنى المرء المنية وهذا تفسير الداء المذكور في البيت الأول
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلةٍ فلا تستعدن الحسام اليمانـيا
إذا رضيت بذلة العيش فما تصنع بالسيف اليماني تعده أي إنما تحتاج إلى السيف لنفي الذل
ولا تستطيلن الرماح لغـارةٍ ولا تستجيدن العتاق المذاكيا
لا تتخذن الرماح الطويلة للغارة ولا تتخذن الخيل الجياد الكرام التي قد تمت أسنانها
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى ولا تتقي حتى تكون ضـواريا
هذا حث على الوقاحة والتجليح وضرب المثل بالأسد لأنه لو لزم الحياء ولم يصد بقي جائعا غير مهيب وإنما يهاب ويتقي لكونه ضاريا مفترسا حريصا على الصيد
حببتك قلبي قبل حبك من نـاي وقد كان غدارا فكن أنت وافيا
حببت لغة في احببت شاذ ولا يستعمل منه إلا المحبوب يقول لقلبه احببتك قبل ان أحببت أنت هذا الذي بعد عنا يعرض بسيف الدولة وقد كان غدارا فلا تغدر بي أنت أي لا تكن مشتاقا إليه ولا محبا له أي فإنك إن أحببت الغدار لم تفِ لي
وأعلم أن البين يشكيك بعـده فلست فؤادي إن أيتك شاكيا
يقول لقلبه أعلم أنك تشكو فراقه لالفك إياه ثم هدده فقال إن شكوت فراقه تبرأت منك
فإن دموع العين غدرٌ بربهـا إذا كن إثر الغادرين جواريا
غدر جمع غدور يقول الدموع إذا جرت على فراق الغادرين كانت غادرة بصاحبها لأنه ليس ن حق الغادر أن يبكي على فراقه فإذا جرت الدموع في إثره وفاء له كان ذلك الوفاء غدرا بصاحب الدموع
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقـيا
يقول إذا لم يتخلص الجود من المن به لم يبق المال ولم يحصل الحمد لان المال يذهبه الجود والأذى يبطل الحمد فالمانّ بما يعطى غير محمود ولا مأجور وشبه لا بليس فنصب الخبر
وللنفس أخلاق تدل على الفتى أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
يقول أخلاق الإنسان تدل عليه فيعرف إن جوده طبعٌ أم تكلفٌ
أقل اشتياقا أيها القـلـب ربـمـا رايتك تصفي الود من ليس جازيا
يقول للقلب لا تشتق إليه فإنك تحب من ليس يجازيك بالحب كما قال البحتري، لقد حبوت صفاء الود صائنه، عن وأقرضته من لا يجازيني،
خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصبي لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
هذا البيت رأس في صحة الألف وذلك أن كل أحد يتمنى مفارقة الشيب وهو يقول لو فارقت شيبي إلى الصبي لبكيت عليه لألفي إياه إذ خلقت ألوفا
ولكن بالفسطاط بـحـرا أزرتـه حيوتي ونصحي والهوى والقوافيا
ذكر في البيت الأول أنه ألوف لما يصحبه من حالٍ وإن كانت مكروهةً ثم استثنى فقال لكني على هذه الحالة من الألفة قصدت مصر وحملت هواي والنصح والشعر على زيارة جوادٍ هناك كالبحر
وجردا مددنا بين آذانها القنا فبتن حفافا يتبعن العواليا
أي وخيلا جرادا مددنا الرماح بين آذانها فباتت تتبع عوالي الرماح في سيرها ما قالت الخنساء، ولما أن رأيت الخيل قبلا، تباري بالخدود شبا العوالي،
تماشى بأيدٍ كلما وافتِ الصفا نقشن به صدر البزاة حوافيا
يقول هذه الجراد تمشي بأيدٍ إذا وطئت الحجارة أثرت فيها تأثير نقش صدور البزاة وجعلها حوافي مبالغةً في وصف حوافرها بالشدة والصلابة يعني أنها بلا نعال تؤثر في الصخور بحوافرها
وينظرن من سودٍ صوادق في الدجى يرين بعيدات الشخوص كما هـيا
يعني بالسود أعينها وصوادق تريها الشيء حقيقةً فهي ترى الأشخاص البعيدة عنها كما هي لصدق نظرها في ظلمة الليل والخيل توصف بحدة البصر ولذلك قالوا أبصر من فرسٍ دهماء في غلس
وتنصب للجرس الخفي سوامعا يخلن مناجاة الضمير تنـاديا
ويصدق حس سمعها حتى تسمع الصوت الخفي فتنصب آذانها كعادتها إذا حست بشيء وحتى إن ما يناجي الإنسان به ضميره يكون عندها كالمناداة لحدة حس آذانها
تجاذب فرسان الصباح أعـنةً كأن على الأعناقِ منها أفاعيا
فرسان الصباح الغارة وذلك أن الغارة تقع وقت الصبح أغفل ما يكون الناس فصار الصباح اسما للغارة يقول هذه الخيل تجاذب فرسانها أعنتها لما فيها من القوة والنشاط ثم شبه أعنتها في طولها وامتدادها بالحيات وهو منقول من قول ذي الرمة، رجيعةُ أسفارٍ كأن رماحها، شجاعٌ لدي يسري الذراعين مطرقُ،
بعزمٍ يسير الجسم في السرج راكبا به ويسير القلب في الجسم ماشيا
يقول سرنا بعزم قويّ كان الجسم وهو مقيم في السرج يسبق السرج كان القلب وهو مقيمٌ في الجسم يسبق الجسم لقوة العزم على السير
قواصد كافـورٍ تـوارك غـيره ومن قصد البحر استقل السواقيا
قواصد حال من الجرد أي هن يقصدنه ويتركن غيره لأنه البحر وغيره كالساقية وهي النهر الصغير وهذا من قول البحتري، ولم أر في رنق الصرى لي موردا، فحاولت ورد النيل عند احتفاله،
فجاءت بنا إنسان عين زمانهِ وخلت بياضا خلفها ومآقيا
جعله إنسان عين الزمان كنايةً عن سواد لونه وأنه هو المعنى والمقصود من الدهر وابنائه وإن من سواه فضول لا حاجة بهم فإن البصر في سواد العين وما حوله جفون ومآق لا معنى فيها
نجوز عليها المحسنين إلى الذي نرى عندهم إحسانه والأياديا
نتخطى على هذه الخيل المحسنين يعني سيف الدولة وعشيرته إلى الذي يحسن إليهم وينعم عليهم يعني الأسود وأنه فوقهم
فتى ما سرينا في ظهور جدودنا إلى عصره إلا نرجى التلاقيا
قوله إلا نرجى حال صرفت إلى الاستقبال والمعنى إلا مرجين التلاقي يريد أنه كان يرجو لقاءه مذ قديمٍ حين كان ينتقل في اصلاب أبائه
ترفع عن عون المكارمِ قدرهُ فما يفعل الفعلات إلا عذاريا
العون جمع العوان وهي التي بين السنين يقول هو أجل قدرا من أن يفعل في المكرمات فعلا قد سبق إليه وإنما يأتي بالمكارم ابتداء اختراعا كما قال أيضا، يمشي الكرام على آثار غيرهم، وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع،
يبيد عداوات البغاة بلطـفـهِ فإن لم تبد منهم أباد الأعاديا
أي يسل سخائم الأعداء برفقه وتلطفه لهم فإن لم تذهب اضغانهم وعداوتهم أبادهم وأهلكهم
أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقا إليه وذا الوقت الذي كنت راجيا
يقول وجهك الذي أراه الوجه الذي كنت اشتاق إليه وهذا الوقت الذي أنا فيه الوقت الذي كنت أرجو أدراكه يعني وقت لقائه والتوقان النزاع يقال تاق إليه يتوق توقانا
لقيت المروري والشناخيب دونـه وجبت هجيرا يترك الماء صاديا
المروري جمع المروراة وهي الفلاة الواسعة والشناخيب جمع شنخوب وشناخب وهي ناحية الجبل المشرفة وفيها حجارة نابتة والصادي العطشان يذكر ما لقي من التعب في الطريق إليه وما قاسى من حر الهواء والهواجر التي تيبس الماء والماء لا يكون صاديا لكنه مبالغةٌ
أبا كل طيبٍ لا أبا المسك وحده وكل سحابٍ لا أخص الغواديا
يدل بمعنى واحد كـل فـاخـرٍ وقد جمع الرحمان فيك المعانيا
يقول كل فاخر إنما يفخر بمنقبة واحدة وقد جمع الله لك جميع المناقب والمفاخر كما قال أبو نواس، كأنما أنت شيء، حوى جميع المعاني،
إذا كسب الناس المعالي بالندى فإنك تعطي في نداك المعاليا
يقول إذا جاد الجواد ليحصل له العلو بالجود فإنك تعلى من تعطيه وتشرفه بعطائك لأن الأخذ منك يكسب الآخذ شرفا ويعلي محله كما قال الطائي، ما زلت منتظرا أعجوبةً زمنا، حتى رأيت سؤالا يجتني شرفا، ويجوز أن يريد بقوله تعطى المعالي أنه يهب الولايات والأمور التي يشرف بها الناس فالمعالي من عطاياه كما قال البحتري، وإذا اجتداه المجتدون فإنه، يهب العلي في نيله الموهوب،
وغير كثير أن يزورك راجلٌ فيرجع ملكا للعراقين واليا
هذا البيت يدل على صحة الوجه الثاني في البيت الذي قبله
فقـد تـهـب الـجـيش الـــذي جـــاء غـــازيا لسـائلـك الـفـرد الــذي جـــاء عـــافـــيا
يقول إذا غزاك جيش أخذته فوهبته لسائلٍ واحدٍ أتاك يسألك
وتحتقر الدنيا احتقار مجربٍ يرى كـل مـا فـيهـا وحـاشـــاك فـــانـــيا
يقول أنت تحتقر الدنيا احتقار من جربها فعرفها وعلم أن جميع ما فيها يفنى ولا يبقى فلذلك تهبها ولا تدخرها وقوله حاشاك استثناء مما يفنى ذكر هذا الاستثناء تحسينا للكلام واستعمالا للادب في مخاطبة الملوك وهو حسن الموقع
وما كنت ممن أدرك الملك بالمنى ولكن بأيامٍ أشبن الـنـواصـيا
يقول لم تدرك الملك بالتمني والاتفاق ولكن بالسعي والجهد والوقائع الشديدة التي تشيب نواصي الأعداء والمراد بالأيام الوقائع ومنه قوله تعالى وذكرهم بأيام الله قيل في التفسير يعني وقائع الله في المم الخالية وهذا من قول الطائي، فتى هز القنا فحوى سناء، بها لا بالأحاظي والجدود، ومثله قول يزيد بن المهلبي، سعيتم فأدركتم بصالح سعيكمْ، وأدرك قوم غيركم بالمقادرِ، وله أيضا، إذا قدم السلطان قوماً على الهوى، فإنكم قدمتم بالمناقب،
عداك تراها في البلاد مساعـيا وأنت تراها في السماء مراقيا
قال ابن جنى أي تعتقد في المعالي اضعاف اعتقاد الناس فتحسب ذلك مما يكون طلبك لها وشحك عليها هذا كلامه والمعنى على ما قال بأن اعداءك يرون الأيام والوقائع مساعي في الأرض وأنت تراها مراقي في السماء لأنك بها تنال العلو
لبست لها كدر العـجـاج كـأنـمـا ترى غير صافٍ أن ترى الجو صافيا
يقول لبست للحروب وللمساعي عجاجا مظلما كأنما ترى صفاء الجو أن لا يصفو من الغبار أي أنت أبدا تثير غبار الحرب وكأنك إذا رأيت الجو صافيا رأيته غير صاف لكراهتك لصفائه من الغبار
وقدت إليها كل أجرد سابـحٍ يؤديك غضبانا ويثنيك راضيا
يقول قدت إلى الحرب كل فرس يوردك الحرب وأنت غضبانٌ ويرجعك عنها راضيا لإدراك ما طلبت
ومخترطٍ مـاضٍ يطـيعـك آمـراً ويعصي إذا استثنيت أو صرت ناهيا
يريد بالمخترط سيفا منتضى إذا أمره بالقطع أطاعه فمضى في الضريبة وإن نهاه واستثنى شيئا من القطع عصاه ولم يقف لسرعة نفاذه في الضريبة
وأسمر ذي عشرين ترضاه واردا ويرضاك في إيراده الخيل ساقيا
يعني رمحا أسرم ذا عشرين كعبا أو ذراعا ترضاه إذا أورد دماء الأعداء ويرضاك ساقيا له في إيراده خيل الأعداء والبيت منقول من قول عبد الله بن طاهر في صفة السيف، أخو ثقةٍ أرضاه في الروع صاحبا، وفوق رضاه أنني أنا صاحبه، أي هو يرضى بي أيضا صاحبا فوق الرضا
كتائب ما انفكت تجوس عـمـائراً من الأرض قد جاست إليها فيافيا
أي قدت كتائب وإن رفعت فالمعنى كتائبك أو لك كتائب لا تزال تطأ وتدوس قبائل للغارة وقد قطعت إليها مفاوز والعمائر جمع العمارة وهي القبيلة والمعنى أن كتائبه لا تزال تأتي الأعداء للغارة عليهم
غزوت بها دور الملوك فباشرت سنابكها هاماتهم والمـغـانـيا
وأنت الذي تغشى الأسـنة أولاً وتأنف أن تغشى الأسنة ثانـيا
يريد أنه أول من يبارز فيأتي الطعان ويأنف أن يأتيه ثانيا لأول سبقه إليها
إذا الهند سوت بين سيفي كريهةٍ فسيفك في كف تزيلُ التساويا
إذا طبعت الهند سيفين فجعلتهما سواء في الحدة والمضاء فالسيف الذي في كفك يكون أمضى لأن كفك تزيل تساويهما بشدة الضرب
ومن قول سامٍ لو رآك لنـسـلـهِ فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا
سام بن نوح أبو البيضان وحام أبو السودان يقول لو رآك سام كان من قوله لنسله فدى ابن أخي ولدي ونفسي ومالي أي لكان يفديك بنفسه وولده ويقول لولده أنا وأنتم فداء ابن أخي
مدى بلغ الأستاذ أقصاهُ ربـه ونفسٌ له لم ترض إلا التناهيا
أي الذي ذكرته من مناقبك مدى بلغك الله غايته ونفسك التي لا ترضى إلا أن تبلغ النهاية
دعته فلباها إلى المجد والعـلـى وقد خالف الناس النفوس الدواعيا
دعته نفسه إلى المجد فلباها وأجابها وغيره لم يجب لما دعته نفسه إلى المجد لأنه لم يأت ما يكسبه المجد والشرف من الجود والشجاعة والأخلاق الحميدة كما أتيتها أنت
فأصبح فوق العالمين يرونه وإن كان يدنيه التكرم نائيا
أي يرونه نائيا عنهم وإن كان التكرم يدنيه إليهم ودخل عليه بعد انشاده هذه القصيدة وابتسم إليه الأسود ونهض فلبس نعلا فرأى أبو الطيب شقوقا برجليه فقال يهجوه
أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
يقول لو أخفت النفس ما فيها من كراهتك لأريتك الرضا أي لو قدرت على اخفاء ما في نفسي من البغض لك والكراهة لقصدك لكنت أريك الرضا ولكني لست براضٍ عن نفسي في قصدي إليك ولا عنك أيضا لتقصيرك في حقي والخافي ضد الظاهر
أميناً وإخـلافـاً وغـدراً وخـسةً وجبنا أشخصاً لُحت لي أم مخازيا
نصب هذا كله على المصدر بفعل مضمر كأنه قال أتمين مينا وتخلف أخلافا والمعنى اتجمع بين هذه المخازي كما تقول العرب أحشفا وسوء كيلةٍ أي تجمع بين سوء الكيلة وإعطاء الحشف ثم قال أنت شخص ظهرت لي أم مخازٍ أي كأنك مخاز ومقابح لاجتماعها فيك ووجودها منك
تظن ابتساماتي رجاء وغبـطةً وما أنا إلا ضاحكٌ من رجائيا
وتعجبني رجلاك في النعل أنني رأيتك ذا نعلٍ إذا كنت حافـيا
يقول أتعجب منك إذا كنت ناعلا لأني أراك إذا كنت حافيا ذا نعل لغلظ جلد رجلك وتعجبني معناه من التعجب لا من الإستحسان وأنني بفتح الهمزة معناه لأنني ويجوز بكسر الهمزة على الابتداء
وإنـك لا تـدري ألـونـك أسـود من الجهل أم قد صار أبيض صافيا
ويذكرني تخييط كـعـبـك شـقـهُ ومشيك في ثوبٍ من الزيتِ عارياً
يروي تخييط رفعا ونصبا فمن رفع أضمر المفعول الثاني ليذكرني وهو الكاف على تقدير ويذكرنيك خياطتك شق كعبك وقال ابن فورجة يروي تخييط كعبك ومشيك منصوبين قال وفاعل يذكرني رجلاك في النعل وقد تقدم وتخييط مفعول ثانٍ ومشيك كذلك هذا كلامه وأراد تخييط شق كعبك فقدم الكعب ثم كنى عنه وقوله في ثوب من الزيت ذكر أن مولاه كان زياتا يبيع الزيت وأن الأسود كان يحمل الزيت عاريا ويمشي متلطخا به فكأنه في ثوبٍ من الزيت هذا معنى قول ابن جنى وقال ابن فورجة يعني أنه أسود إلى الصفرة كلون الزيت وأهل العراق يسمون من كان غير مشبع السواد زيتيا أي أنت في حال كونك عاريا في ثوبٍ من الزيت لأنك حبشي
ولولا فضول الناس جئتك مادحـا بما كنت في سري به لك هاجيا
أي أنا أهجوك في سري وإن مدحتك ظاهرا فلولا فضول الناس لأظهرت هجاءك وقلت أنا أمدحك به فكنت لا تعلم ذلك ولكن الناس فيهم فضول فهم كانوا يقولون الذي اتاك به هجاء لا مديحٌ
فأصبحت مسرورا بما أنا منشدٌ وإن كان بالإنشاد هجوك غاليا
أي كنت تسر بإنشادي هجاءك تظنه مديحا وإن كان يغلو هجوك بالإنشاد لأنك أقل قدرا من أن تهجي وينشد هجاؤك
فإن كنت لا خيرا أفدت فإنـنـي أفدت بلحظي مشفريك الملاهيا
أي إن لم تفدني خيرا ولم تحسن إليّ فإني استفدت الملاهي برؤيتي شفتيك هذا إذا جعلت أفدت بمعنى استفدت ويجوز أن يكون المعنى أفدت نفسي الملاهي بلحظي مشفريك فيكون المفعول الأول مقدرا
ومثلك يؤتى من بلاد بـعـيدةٍ ليضحك رباتِ الحداد البواكيا
هذا تفسير الملاهي التي ذكرها وبني كافور دارا بإزاء الجامع الأعلى على البركة وتحول إليها وطالب أبا الطيب بذكرها
إما التهنئات للأكـفـاء ولمن يدني من البعداء
يدني يفتعل من الدنو يقول رسم التهانىء إنما يجري بين الأكفاء وبينك وبين من تقرب إليك من بعد
وأنا منك لا يهنىء عضـو بالمسراتِ سائرَ الأعضاء
يقول أنا منك أي أشاركك في أحوالك أسر بسرورك ولا يجري التهانىء بين أعضاء الإنسان وأجزائه لاشتراكهما في بدنٍ واحدٍ وهذا طريق المتنبي يدعي لنفسه المساهمة والكفاءة مع الممدوحين في كثيرٍ من المواضع وليس ذلك للشاعر فلا أدري لم أحتمل ذلك منه
مستقل لك الديار ولو كـا ن نجوما آجر لهذا البناء
يقول أنا استقل لك الديار وإن بنيت بالنجوم بدل الأجر يروي مستقل لك الديار
ولو أن الذي يخر من الأم واهِ فيها من فضةٍ بيضاء
يخر من خرير الماء
أنت أعلى مـحـلةً أن تـهـنـي بمكانٍ في الأرض أو في السماء
ولكن الناس والـبـلاد ومـا يس رح بين الخضراء والغـبـراء
وبساتـينـك الـجـياد ومـا تـح مل من سمـهـرية سـمـراء
أي إنما بساتينك الخيل والرماح فهما نزهتك
إنما يفخر الكريم أبو المس ك بما يبتني من العلـياء
أي فخره ببناء المعالي لا ببناء من المدر والطين كما قال، بنى البناة لنا مجدا ومكرمةً، لا كالبناء من الأجر والطين،
وبأيامه التي انسلخت عـن ه وما داره سوى الهيجاء
أي يفخر بأيامه التي مضت ولم يكن له فيها دار سوى الحرب والمعركة
وبما أثرت صوارمه البـي ض له في جماجمِ الأعداء
أي ويفخر بتأثير سويفه في رؤوس اعدئه
وبمسكٍ يكنى به ليس بالمس ك ولكنه أريج الـثـنـاء
أي ويفخر بمسكٍ يكنى به وذلك أن كنيته أبو المسك وهو كناية عن طيب الثناء عليه وليس بالمسك المعروف إنما كني بأبي المسك لما يثني عليه من الثناء الذي يطيب روائحه في الناس فهو يفخر بذلك
لابما تبتني الحواضر في الري ف وما يطبي قلوب النسـاء
أي لا يفخر بما يبنيه أهل الحضر في البلاد ولا بالمسك الذي يستميل قلوب النساء وإنما يفخر ببناء العلياء وبالمسك الذي هو طيب الثناء ويقال طباه وأطباه إذا دعاه واستماله ومنه قول كثير، له نعل لا يطبي الكلب ريحها، وإن خليت في مجلس القوم شمت، يعني أنها من جلد مدبوغ طيب الريح
نزلت إذ نزلتها الدار في أح سن منها من السنا والسناء
يقول الدار نازلة منك لما نزلتها فيمن هو أحسن منها رفعةً وضوءا أي تجملت بك الدار وتزينت بقربك
حل في منبت الرياحين منهـا منبتُ المكـرمـات والآلاء
تفضح الشمس كلما ذرت الشم س بشمسٍ منـيرةٍ سـوداءِ
يريد أنه في سواده مشرق فهو بإشراقه في سواده يفضح الشمس ويجوز أن يريد شهرته وأنه اشهر من الشمس ذكرا أو يريد نقاءه من العيوب والإنارة تعود إلى احد هذين المعنيين ويجوز أن يراد بالإنارة الشهرة لأن المنير مشهور فقيل للمشهور منيرٌ وإن لم يكن ثم إنارة وكذلك المنير نقي من الدرن فقيل للنقي من العيوب منير ويدل على صحة ما ذكرنا قوله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:34 pm

إن في ثوبك الذي المجدُ فيه لضياء يزرى بكل ضياء
أخبر أنه أراد بانارته ضياء المجد وضياءه شهرته ونقاؤه مما يعاب به وإن ذلك الضياء أتم كل ضياء
إنما الجلد ملبس وابيضاض ال نفس خير من أبيضاض القباء
يقول الجلد ملبسٌ يلبسه الإنسان كالقباء والثوب ولأن تكون النفس بيضاء نقيةً من العيوب خير من أن يكون الملبس أبيضَ
كرمٌ في شجاعةٍ وذكـاءٌ في بهاء وقدرةٌ في وفاء
أي لك كرم في شجاعة يريد أنه كريم شجاع ذكي الطبع بهيُّ المنظر ذو قدرة على ما يريد وافٍ بالعهد والوعد فيما يقول
من لبيض الملوك أن تبدل اللو ن بلونِ الأستاذ والسحـنـاء
يقول الملوك البيض الألوان يتمنون أن يبدلوا ألوانهم بلونك وإن تكون هيئتهم في اللون كهيئتك والسحناء الأثر والهيئة يقال رأيته وعليه سحناء السفر يقول من يكفل لهم بهذه الأمنية ثم ذكر لم تمنوا هذا فقال
فتراها بنو الحروب بأعيا نٍ تراه بها غداة اللقاء
أي ليراهم أهل الحرب بالعيون التي يرونك بها وذلك إن الأسود مهيبٌ في الحرب ولا يظهر عليه اثر الخوف أيضا
يا رجاء العيون في كل أرضٍ لم يكن غير أن أراك رجائي
ولقد أفنت المفـاوز خـيلـي قبل أن نلتقي وزادي ومائي
يذكر طول الطريق إليه وإن ذلك أهلك مركوبه وزاده والمعنى أني زرتك على بُعد ما بيننا من المسافة
فارم بي ما أردت مني فإني أسدُ القلب آدمي الـرواءِ
يقول استكفني ما شئت من أمرٍ ترميني إليه فإني كالأسد شجاعةً وإن كانت أدمي الصورة
وفؤادي من الملوك وإن كـا ن لساني يرى من الشعراء
وقال يمدح كافورا الأخشيدي في شوال سنة 346 بهذه القصيدة الفريدة وهي من محاسن شعره
من الجآذر فـي زيِّ الأعـاريبِ حمرُ الحلي والمطايا والجلابيب
يقول من هؤلاء النسوة اللاتي كأ،هن أولاد بقر في حسن عيونهن وزيها زي الأعراب كأنه قال أرى جآذر في زي الأعراب فمن هن ثم ذكر أنهن متحليات بالذهب الأحمر رواكب غبل حمر الألوان لابسات جلابيب حمرا يعني أنهن بنات ملوكٍ وإنهن شواب وهذا كقوله أيضا، ظعائن حمر الحلي حمر الأيانق، والحلي جمع حلية ويقال حلى بالضم أيضا
إن كنت تسأل شكا في معارفها فمن بلاك بتسهيدٍ وتـعـذيبِ
يخاطب نفسه يقول إن كنت تستفهم عنهن شكا في معرفتهن فمن سهدك وعذبك يعني انهن تيمنك بحبك حتى صرت مسهدا معذبا وإنما استفهم عنهن لصحة شبههن بالجآذر حتى كأنهن جآذر لا نساء كما قال ذو الرمة، أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ، وبين النقا آأنت أم أم سالمِ،
لا تجزني بضني بي بعدها بقـرٌ تجزي دموعي مسكوبا بمسكوبِ
عني بالبقر هؤلاء النسوة يقول لا جزينني بإن يضنين بعدي ويورثهن الفراق الضني بحبي كما يجزين دموعي بالبكاء ويبكين على فراقي وهذا على سبيل الدعاء والمعنى لا ضنيت كما ضنيت بعدها وإن قد جرت دموعهن كما جرت دموعي وقوله بضني بي بعدها أي بالضني الذي حصل بي بعدهن
سوائر ربما سارت هوادجهـا منيعةً بين مطعونٍ ومضروبِ
يذكر أنهن في منعة وعز فمن يعرض لهن طعن أو ضرب
وربما وخدت أيدي المطي بـهـا على نجيعٍ من الفرسان مصبوبِ
يقول ربما سارت بهن مطاياهن على دمٍ مصبوبٍ من الفرسان يريد أنهن ممنوعات دونهن ضراب وطعان وقتلٌ
كم زورةٍ لك في الأعراب خافـيةٍ أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب
يصف شجاعته في زيارة الحبائب وقلة مبالاته بمن يحفظن من ذوي الغيرة عليهن يقول كم قد زرتهن زيارةً لم يعلم بهم أحد كزيارة الذئب الغنم على غفلةٍ من الراعي يقع فيما بينها ويذهر ببعضها وإنما يخاطب نفسه بهذا
أزورهم وسواد الليل يشفع لـي وأنثنى وبياض الصبح يغري بي
جمع في هذا البيت بين خمس مطابقات الزيارة والانثناء وهو الإنصراف والسواد والبياض والليل والصبح والشفاعة والأغراء ولي وبي ومعنى المطابقة في الشعر الجمع بين المتضادين يقول أزورهم والليل لي شفيع لأنه يسترني عنهم وعند الأنصراف يشهرني الصبح وكأنه يغريهم بي حيث يريهم مكاني
قد وافقوا الوحش في سكني مراتعها وخالفوها بتقويضٍ وتـطـنـيبِ
يقول هؤلاء الأعراب كالوحوش في أنهم سكنوا مراتعها من البدو غير أن لهؤلاء خياما يقوضونها ويطنبونها ولا خيام للوحوش والتقويض حط البيت
جيرانها وهم شر الجوارِ لهـا وصحبها وهم شر الأصاحيبِ
يقول هم جيران الوحوش غير أنهم شر المجاورين لها وأراد بالجوار المجاورين سماهم بإسم المصدر وأراد أنهم يسيئون الجوار مع الوحش لأنهم يصيدونها ويذبحونها وقال ابن جنى أراد هم شر أهل الجوار لها فحذف المضاف والأول الوجه
فؤادُ كل محبٍّ في بـيوتـهـمِ ومال كل أخيذ المال محروبِ
يعني أن فيهم الجمال والشجاعة ونساؤهم بينهن القلوب ورجالهم ينهبون الأموال والمحروب الذي أخذت حريبته أي ماله
ما أوجه الحضر المستحسنات به كأوجه البدويات الرعـابـيب
الرعبوبة المرأة التارة السمينة يفضل نساء البدو على نساء الحضر يقول الأوجه المستحسنات بالحضر ليست كاوجه نساء البدو ثم ذكر العلة في البيت الثاني فقال
حسن الحضارة مجلوب بتظريةٍ وفي البداوةِ حسنٌ غير مجلوبِ
الحضارة الكون في الحضر والبداوة الكون في البدو وأراد حسن أهل الحضارة فحذف المضاف يقول حسنهم متكلف مجلوب بالاحتيال وحسن البدويات طبع طبعن عليه ثم ذكر لهن مثلا من الظباء والمعز
أين المعيز مـن الآرام نـاظـرةً وغير ناظرةٍ في الحسن والطيبِ
المعيز اسم لجماعة المعز كالكليب والعبيد جعل نساء الحضر كالمعز ونساء البدو كالظباء يقول أين يقع المعيز من الظباء في الحسن والطيب ناظراتٍ وغير ناظراتٍ أي الظباء أحسن منها عيوناً وغيرها من سائر الأعضاء
أفدى ظياء فلاةٍ ما عرفـن بـهـا مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
أراد بظباء الفلاة النساء العربيات وإنهن فصيحات لا يمضغن الكلام ولا يصبغن حواجبهن كعادة الحضريات
ولا برزن من الحمـام مـائلةً أوراكهن صقيلات العراقيبِ
أراد حسنهن من غير تصنع ولا تطريةٍ بدخول الحمام وصقل العرقوب
ومن هوى كل من ليست ممـوهةً تركت لون مشيبي غير مخضوبِ
التمويه شبه التلبيس يقول من حبي كل امرأةٍ لا تموه حسنها بتكلف وتعمل لم أخضب شيبي يعني أنهن ما موهن حسنهن فلم أموه أيضا شيبي
ومن هوى الصدق في قولي وعادتهِ رغبت عن شعرٍ في الوجه مكذوبِ
يقول من حبي الصدق في كل شيء تركت الشعر المكذوب في وجهي وهي الذي سود الخضاب فهو شعر مكذوب فيه والضمير في وعادته يعود إلى الصدق
ليت الحوادث باعتني الذي أخـذت مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي
يقول الحوادث أخذت مني الشباب وأعطتني الحلم والتجربة فليتها باعت ما أخذت مني بما أعطت وهذا من قول عليّ بن جبلة، وأرى الليالي ما طوت من قوتي، زادته في عقلي وفي إفهامي، وقول ابن المعتز، وما ينتقص من شباب الرجالِ، يزد في نهاها وألبابها،
فما الحداثة من حلـمٍ بـمـانـعةٍ قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
يريد أنه كان قبل تحليم الحوادث أياه حليما وإن الحداثة لا تمنع من الحلم فقد يكون الشاب حليما كما قال أبو تمام، حلمتني زعمتم وأراني، قبل هذا التحليم كنتُ حليما،
ترعرع الملك الأستاذ مكتهلاً قبل اكتهالٍ أديبا قل تأديبِ
هذا تأكيد للذي قبله يريد أنه شب وارتفع مكتهلا أي في حلب الكهول قبل أن يكتهل وأديبا قبل أن يؤدب يعني أنه نشأ على طبع الحلم والأدب ولم يستفدهما من مر الليالي
مجربا فهماً من غير تجربةٍ مهذبا كرما من قبل تهذيبِ
أي ترعرع مجربا قبل ان يجرب لما طبع عليه من الفهم ومهذبا قبل أن يهذب بما طبع عليه من الكرم ونصب فهما وكرما على المصدر كأنه قال فهم فهما وكرم كرما ويجوز أن ينتصب على المفعول لهما
حتى أصاب من الدنيا نهايتها وهمه في ابتدآت وتشبيب
يقول أصاب نهاية الدنيا وهي الملك لأن لا شيء في الدنيا فوق الملك ولم يبلغ بعد نهاية همته فهمته مع إصابته الملك في ابتدائها وأول أمرها ومعنى التشبيب ذكر أيام الشباب واللهو والغزل وذلك يكون في ابتداء قصائد الشعر يبدأ به أولا هذا هو الأصل ثم يسمي ابتداء كل أمر تشبيبا وإن لم يكن في ذكر الشباب
يدبر الملك من مصر إلـى عـدن إلى العراق فأرض الروم فالنوب
يريد فسحة رقعة ملكه وسعة ولايته وأن تدبير المملكة في هذه البلاد على تباعد اطرافها إليه
إذا أتتها الرياح النكب من بلد فما تهب بها إلا بترتـيب
النكب جمع نكباء وهي العادلة عن المهب إلى غير استواء يقول إذا أتت بلاده رياح غير مستوية الهبوب لم تهب بها إلا بترتيب من جهة الرياح نفسها إعظاما له أو بترتيب من جهة الممدوح إياها لأنها مطيعة له والأول قول أبن جنى والثاني قول أبن فورجة
ولا تجاوزها شمس إذا شرقت إلا ومنـه إذن بـتـغـريب
يصرف الأمر فيها طين خاتمه ولو تطلس منه كل مكتـوب
يقول أمره مطاع ومثاله في هذه البلاد يؤتمر أمره بمكتوب يكتبه ويختمه بطين وإن انمحى المكتوب يراعى حكمه إعظاما له
يحط كل طويل الرمح حـامـلـه من سرج كل طويل الباع يعبوب
يحط ينزل ويضع واليعبوب الفرس الكثير الجري يقول حامل خاتمه ينزل الفارس الطويل الرمح من سرج الفرس وذلك أن الفارس إذا رأى خاتمه سجد له فينزل من فرسه ولم يعرف أبن جنى معنى هذا فقال مرة يقول يقتل حامل خاتمه كل فارس فيذريه عن سرج فرسه وقال مرة يحط حامل خاتمه أعداءه عن سروجهم وليس البيت من القتل ولا من إنزال الأعداء في شيء
كأن كل سؤال في مسـامـعـه قميص يوسف في أجفان يعقوب
يعني أنه يفرح إذا سمع سؤال السائل فرح يعقوب لما رأى قميص يوسف
إذا غزته أعـاديه بـمـسـألة فقد غزته بجيش غير مغلوب
إذا قصدته الأعداء بالسؤال فقد قصدته بجيش لا يغلب لأنه لا يرد السائل
أو حاربته فما تنجو بتقدمة مما أراد ولا تنجو بتجبيب
وإن أتوه محاربين لم ينجوا من إرادته فيهم بالإقدام ولا بالهرب ولا بالشجاعة ولا بالجبن والتقدمة مثل التقديم يريد أن قدموا خيلهم واستعملوا الشجاعة والتجبيب أن تولى الرجل هاربا من الشيء
أضرت شجاعته أقصى كتائبـه على الحمام فما موت بمرهوب
يقول عود أصحابه المحاربة ومرنهم على الموت وليس الموت عندهم بمرهوب لأنهم تعودوا الحرب والقتال ويريد بأقصى كتائبه الجبناء الذين لا يشهدون القتال ويقال ضرى بالشيء إذا اعتاده ومنه قيل كلب ضار وأضريته على كذا
قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم إلى غيوث يديه والـشـآبـيب
الشؤبوب الدفعة من المطر الشديدة وجمعه شآبيب قال أبن جنى يقول تركت القليل من ندى غيره إلى الكثير من نداه قال أبن فورجة هذا محتمل لكنه أراد أن مصر لا تمطر فيقول لا منى الناس في هجري بلاد الغيث فقلت تعوضت عنها غيوث يديه
إلى الذي تهب الدولات راحته ولا تمن على آثار موهوب
في هذا تعريض بسيف الدولة
ولا يروع بمغدور به أحـدا ولا يفزع موفورا بمنكوب
يقول لا يغدر بأحد من أصحابه ليروع به غيره ولا ينكب أحدا بظلم وأخذ مال ليفزع به موفورا وهو الذي لم يؤخذ ماله أي أنه حسن السيرة في رعيته لا يفزع بالإساءة إلى أحد منهم آخر غيره
بلى يروع بذي جيش يجـدلـه ذا مثله في أحم النقع غربيب
الأحم والغربيب الأسود يقول بلى يخوف بصاحب جيش يصرعه على الجدالة بأن يقتله في غبار أسود آخر مثله ذا قوة وكثرة ليعتبر به فيخافه ويطيعه والمعنى أنه إذا رآه ملك وقد صنع بملك آخر ما صنع هابه وحذر خلافه
وجدت أنفع مال كـنـت أذخـره ما في السوابق من جري وتقريب
جعل جري الخيل أنفع مال كان يدخره لأنها حملته إلى الممدوح وأخرجته من بين الغادرين به وقد ذكر ذلك فيما بعد فقال
لما رأين صروف الدهر تغدرني وفين لي ووفت صم الأنابـيب
يقول لما غدر بي الزمان يعني أهل الزمان وفت لي الخيل والرماح أي أوصلتني إلى ما أريد وأراد بصم الأنابيب الرماح
فتن المهالك حتى قال قائلـهـا ما ذا لقينا من الجرد السراحيب
قال أبن جنى أي ضجت المفاوز من سرعة خيلي ونجاتها وقوتها هذا كلامه وعلى ما قال المهالك المفاوز والمعنى أن خيلنا قطعت المفاوز حتى لو كان لها قائل لقال ما ذا لقينا من هذه الخيل في تذليلها إيانا بالوطىء وقطعها البعد في سرعة نجاتها من غوائل الطريق وقال أبن فورجة المهالك إذا أطلقت لم يفهم منها المفاوز وإنما يفهم الأمور المهلكة يعني أن هذه الخيل لم يعلق بها شيء من الهلاك حتى تعجبت المهالك من نجاتها بسلامة منها هذا كلامه وآخر البيت يدل على ما قال أبن جنى ويجوز أن يعود الضمير في القائل إلى السوابق أي قال قائل السوابق يعني الذي يمدحها ويذكر حسن بلائها ما ذا لقينا من انجائها إيانا من الأعداء وهذا استفهام تعجب
تهوى بمنجرد ليست مذاهـبـه للبس ثوب ومأكول ومشروب
يقول هذه الخيل تسرع برجل ماض في الأمور ليس مذهبه في صحبة الدهر أن يقنع بملبوس ومطعوم كما قال حاتم، لحى الله صعلوكا مناه وهمه، من الدهر أن يلقى لبوسا ومطعما، وكما قال آخر، وليس فتى الفتيان من راح واغتدى، لضر عدو أو لنفع صديق، وقد شرح هذا المعنى خفاف البرجمي في قوله، ولو أن ما أسعى لنفسي وحدها، لزاد يسير أو ثياب على جلدي، لهان على نفسي وبلغ حاجتي، من المال مال دون بعض الذي عندي، ولكنما أسعى لمجد مؤثل، وكان أبي نال المكارم من جدي، وكلهم احتذى مثال امرىء القيس في قوله، فلو أن يدرك المجد المؤثل أمثالي، ومثل هذا لأبي الطيب أيضا، وفي الناس من يرضى بميسور عيشه، ومركوبه رجلاه والثوب جلده، ومعنى قوله ليست مذاهبه للبس ثوب أي ليست أسفاره لهذا
يرمي النجوم بعيني من يحاولها كأنها سلب في عين مسلوب
يقول إذا نظر إلى النجوم نظر إليها بعين من يطلبها لبعد همته يطمع في درك النجوم حتى كأنها سلبت منه والمسلوب ينظر إلى ما سلب منه نظر من يطمع في رجوعه إليه
حتى وصلت إلى نفس مـحـجـبة تلقى النفوس بفضل غير محجوب
الملوك يوصفون بأنهم محجبون عن الناس يقول هو وإن كان محجبا فإن عطاءه قريب عمن طلبه غير محجوب ويجوز أن يريد بالنفس همته وأنها محجبة عن الناس لا يبلغها كل أحد لأنه قال
في جسم أروع صافي العقل تضحكه خلائق الناس إضحاك الأعاجـيب
يريد بالأروع الذكي القلب كأنه مرتاع لذكائه والأروع في غير هذا الذي يروعك حسنه يقول إذا نظر إلى أخلاق الناس ضحك منها هزوأ واستصغارا
فالحمد قبل له والحمد بعد لها وللقنا ولإدلاجي وتأويبـي
له أي لكافور ولها أي للخيل والإدلاج سير الليل والتأويب سير النهار يقول أحمدك وأحمد خيلي ورماحي وسيري إذ بلغني إليك وهو قوله
وكيف أكفر يا كافـور نـعـمـتـهـا وقد بلغنك بي يا كـل مـطـلـوبـي
يا أيها الملك الـغـانـي بـتـسـمـية في الشرق والغرب عن وصف وتلقيب
الغاني المستغني يقال غنى بكذا واستغنى به يقول أنت مشهور الأسم يستغنى بذكر اسمك عن وصفك وذكر لقبك من سماك وهذا كما يروى أن رؤبة بن العجاج أتى النسابة البكري فقال من أنت قال أنا رؤبة بن العجاج فقال قصرت وعرفت فقال رؤبة يفتخر بذلك، قد رفع العجاج إسمي فادعني، بإسمي إذا الأنساب طالت يكفني،
أنت الحبيب ولكنـي أعـوذ بـه من أن أكون محبا غير محبوب
يقول أنت المحبوب أحبك وأعوذ بك من أن لا تحبني لأن أشقى الشقاوة أن تحب من لا يحبك كما قال الأخر، ومن الشقاوة أن تحب ولا يحبك من تحبه، وقال يمدح كافورا في ذي الحجة من سنة ست وأربعين وثلثمائة
أود مـن الأيام مـالا تـوده وأشكو إليها بيننا وهي جنده
يقول أحب من الأيام الإنصاف والجمع بيني وبين أحبتي وذلك مالا توده الأيام وأشكو إليها الفراق والأيام جند للفراق لأنها سبب البعد والتفريق وقوله بيننا إنتصابه بالشكو لا بالظرف ويرد بالبين الفراق والهاء في جنده للبين أي الزمان هو الذي حتم البين فإذا شكوت إليه لم يشكني
يباعدن حبا يجتمعن ووصله فكيف بحب يجتمعن وصده
يباعدن معناه يبعدن ووصله وصده معطوفان على الضمير في يجتمعن من غير أن أتى بتوكيد وهو جائز في الضرورة وجعل الأيام تجتمع مع الوصل والصد لأنهما يكونان فيها والظرف يتضمن الفعل وإذا تضمنه فقد لابسه فكأنه اجتمع معه يقول إذا كانت الأيام يبعدن منا الحبيب المواصل لنا فكيف يقربن الحبيب المقاطع المهاجر لنا والمعنى أن الأيام يبعدن عنا حبيبا ووصله موجود فكيف الطمع في حبيب صده موجود
أبى خلق الدنيا حبيبا تديمه فما طلبي منها حبيبا ترده
قوله تديمه من فعل الدنيا وكذلك ترده أي تدفعه ويجوز أن يريد ترده إلى الوصل يقول حبيب تديمه الدنيا لنا قد أبت ذلك أي تأبى أن تديم لنا حبيبا على الوصال فكيف إذ أطلب منها حبيبا تمنعه عن وصالنا أو كيف أطلب منها أن ترده إلى الوصل بعد أن أعرض وهجر
واسرع مفعول فعلت تـغـيرا تكلف شيء في طباعك ضده
يقول أن الدنيا لو ساعدتنا بقرب أحبتنا لما دام لنا ذلك لأن الدنيا بنيت على التغير والتنقل فإذا فعلت غير ذلك كانت كمن تكلف شيئا وهو ضد طباعه فيدعه عن قريب ويعود إلى طبعه كما قال حاتم، ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه، يدعه وتغلبه عليه إليه الرواجع، ومثله قول الأعور الشني، ومن يقترف خلقا سوى خلق نفسه، يدعه وتغلبه عليه الطبائع، وأدوم أخلاق الفتى ما نشأ به، وأقصر أفعال الرجال البدائع، ومثله قول إبراهيم المهدي، من تحلى شيمة ليست له، فارقته وأقامت شيمه، ومثله، يا أيها المتحلي غير شيمته، إن التخلق يأتي دونه الخلق،
رعى الله عيسا فارقتنا وفوقها مها كلها يولى بجفنيه خـده
يدعو الإبل التي حملت النسوة فذهبت بهن وهو قوله وفوقها مها ثم ذكر أنهن يبكين لأجل الفراق فقال كلها يولى أي يمطر خده بجفنيه من الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي جعل بكاءهن كالمطر من جفونهن
بواد به ما بالقلوب كـأنـه وقد رحلوا جيد تناثر عقده
أي فارقتنا بواد به من الوجد والوحشة لفراقهم ما بالقلوب أي استوحش وتغير لارتحالهم فصار كأنه جيد تناثر عقده يعني أن الوادي كان متزينا بهم فلما ارتحلوا تعطل من الزينة
إذا سارت الأحداج فوق نباته تفاوح مسك الغانيات ورنده
الرند شجر طيب الريح يقال أنه الآس يقول مراكب هذه النسوة إذا سارت فوق نبات الوادي وهو رند وهن قد استعملن المسك وتطيبن به اختلطت رائحة المسك برائحة الرند وذلك هو التفاوح
وحال كإحداهن رمت بلوغـهـا ومن دونها غول الطريق وبعده
يقول رب حال هي في الصعوبة والإمتناع كإحدى هؤلاء النسوة في تعذر الوصول إليها طلبت أن أبلغها وقبل الوصول غليها بعد الطريق وما فيه من مهالك يعني أنه يطلب أحوالا عظيمة وغول الطريق ما يغول سالكه من تعبه ومشقته
وأتعب خلق الله من زاد هـمـه وقصر عما تشتهي النفس وجده
هذا مثل ضربه لنفسه كأنه يقول أنا أتعب خلق الله لزيادة همتي وقصور طاقتي من الغنى عن مبلغ ما أهم به وهذا مأخوذ مما في الحديث أن بعض العقلاء سئل عن أسوء الناس حالا فقال من قويت شهوته وبعدت همته واتسعت معرفته وضاقت مقدرته وقد قال الخليل أبن أحمد، رزقت لبا ولم أرزق مروته، وما المروة إلا كثرة المال، إذا أردت مساماة تقاعدي، عما ينوه باسمى رقة الحال،
فلا ينحلل في المجد مالك كله فينحل مجد كان بالمال عقده
هذا نهي عن تبذير المال والاسراف في إنفاقه يقول لا يذهبن مالك كله في طلب المجد لأن من المجد مالا يعقد إلا بالمال فإذا ذهب مالك كله انحل ذلك المجد الذي كان يعقد بالمال ألا ترى إلى قول عبد الله بن معاوية، أرى نفسي تتوق إلى أمور، يقصر دون مبلغهن مالي، فلا نفسي تطاوعني ببخل، ولا مالي يبلغني فعالي، يتأسف على قصور ماله عن مبلغ مراده وأبو الطيب يقول ينبغي أن تقتصد في العطاء وتدخر المال لتطيعك الرجال فتنال العلى وتصل إلى الشرف ثم ضرب لهذا مثلا فقال
ودبره تدبير الذي المجد كـفـه إذا حارب الأعداء والمال زنده
يقول دبر مالك تدبير المحارب الذي لا يقدر على الضرب إلا باجتماع الزند والكف جعل الكف مثلا للمجد والزند مثلا للمال فكما لا يحصل الضرب إلا باجتماع الزند والكف كذلك لا يحصل الكرم والعلو إلا باجتماع المال يريد أنهما قرينان
فلا مجد في الدنيا لمن قل مالـه ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
أي الفقير الذي لا مال له لا يبلغ الشرف والذي لا مجد له كأنه ليس له مال وأن كان مثريا لأنه إذا لم يطلب بماله المجد فكأنه لا مال له لمساواته الفقير
وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ومركوبه رجلاه والثوب جـلـده
يقول في الناس من هو دني الهمة يرضى بما تيسر له من العيش ولا يطلب ما وراءه يمشي راجلا عاريا
ولكن قلبا بين جنبـي مـا لـه مدى ينتهي بي في مراد أحده
يقول لكن لي قلبا ليس له غاية ينتهي بي إلى تلك الغاية في مطلوب أجعل له حدا يعني إذا جعلت حدا لمطلوبي لم يرض قلبي بذلك فطلب ما وراءه
يرى جسمه يكسى شفوفا تربه فيختار أن يكسى دروعا تهده
هذا القلب الذي لي يرى جسمه يكسى ثيابا رقيقة بلينها ونعمتها فيأبى ذلك ويريد أن يكسى دروعا تكسره بثقلها يعني لا يرضى قلبي بأن أتنعم بالثياب الرقيقة ويريدني على طلب المعالي بلبس الدروع
يكلفني التهجير في كل مهمة عليقي مراعيه وزادي ربده
يقول قلبي يكلفني السير في الهواجر في كل فلاة بعيدة لا عليق لفرسي منها إلا أن يرتعي في مراعيها ولا زاد لي فيها إلا النعام الربد وهي السود أصيدها فآكلها
وأمضى سلاح قلد المرء نفسـه رجاء أبى المسك الكريم وقصده
يقول رجائي أب المسك وقصدي إياه أمضى سلاح أتقلده على الحوادث والنوائب يعني إنهما يدفعان عني ما أخافه
هما ناصرا من خانه كل ناصر وأسرة من لم يكثر النسل جده
يقول هما ينصران على الزمان من لا ناصر له ومن ليست له عشيرة يعز بهم فيكونان له بمنزلة الأسرة والعشيرة
أنا اليوم من غلمانه في عشيرة لنا والد منـه يفـديه ولـده
الولد يكون واحدا وجمعا يذكر أنه وهب له غلمانا وأنه منهم في عشيرة لأنه إذا ركب ركبوا معه وأطافوا به فكأنهم عشائره وأقاربه ثم قال لنا والد منه أي هو لنا كالوالد ونحن له كالأولاد البررة نقول له نفديك بأنفسنا
فمن ماله مال الكبير ونفسـه ومن ماله در الصغير ومهده
يعني أنه عم الكبير والصغير ببره فالذي يملكه مما وهبه له ونفسه أيضا من ماله لأنه غذى بإنعامه واللبن الذي يرتضعه الصغير وموضعه الذي هيىء لنومه من ماله أيضا لأنه ملك له الأمر والتصرف في كل شيء
تجر القنا الخطى حول قبابـه وتردى بنا قب الرباط وجرده
أي نخدمه أينما نزل ونصبت قبابه وتعدو بنا في صحبته ضوامر الخيل وجردها والرباط اسم لجملة الخيل
ونمتحن النشاب في كل وابل دوي القسي الفارسية رعده
أراد بالوابل السهام التي يرمونها لكثرتها شبهها بالوابل من المطر وأراد بدوي القسي صوتها ولما استعار للسهام اسم الوابل جعل صوت القسي رعدا لذلك الوابل يقول نتناضل ونترامى بالسهام والقسي كعادة الفرسان والشبان من أهل الحروب
فإن لا يكن مصر الشرى أو عرينه فإن الذي فيها من النـاس أسـده
روى أبن جنى فإن التي قال لأنه أراد الفئة والجماعة والشرى موضع كثير الأسد والعرين الأجمة يقول أن لم يكن مصر هذا الموضع الذي هو مأسدة، ولا عرين هذا الموضع فإن أهلها من الناس أسود الشرى
سبائك كافور وعقيانه الذي بصم القنا لا بالأصابع نقده
هذا تفسير لقوله فإن الذي فيها من الناس أسده سبائك كافور أي هم سبائك كافور وعقيانه والسبائك جمع سبيكة وهي المذاب من الذهب والفضة على معنى أنهم له بمنزلة الذخائر والأموال لغيره من الملوك لأنه بهم يصل إلى مطالبه كما يصل غيره بالمال وكلن نقد هذه السبائك لا يكون بالأنامل إنما يكون بالرماح أي يستعملون الرماح فيتبين المطعان ومن يصلح للحرب ممن لا يصلح لها
بلاها حواليه العدو وغـيره وجربها هزل الطراد وجده
أي اختبرها الأعداء في المحاربة حوالي كافور أي حاربوا أعداءه وشهدوا معه المعارك فصاروا مجربين بكثرة القتال وهزل الطراد وهو أن يطارد بعضهم بعضا وجده وهو أن يطاردوا الأعداء في القتال
أبو المسك لا يفنى بذنبك عفوه ولكنه يفنى بعذرك حـقـده
يريد أنه كثير العفو وأن عفوه أكثر من ذنب المذنبين وأنه ليس بحقود وإذا اعتذر إليه الجاني ذهب حقده
فيا أيها المنصور بالجد سعـيه ويا ايها المنصور بالسعي جده
يريد أن النصرة والسعادة قد اجتمعتا له وإذا سعى في أمر نصر سعيه بالجد فيصير مجدودا في ذلك السعي وجده أيضا منصور بسعيه لأنه لا يعتمد على الجد في الأمور بل يسعى فيها وأن كان مجدودا والجد والسعي إذا اجتمعا لإنسان بلغ أقصى المبالغ
تولى الصبي عني فأخلفت طيبه وما ضرني لما رأيتك فقـده
أي اعطيتني الخلف من طيب الصبي والمعنى أني سررت بك سروري بالشباب حتى لم يضرني فقد الشباب مع رؤيتك
لقد شب في هذا الزمان كهوله لديك وشابت عند غيرك مرده
هذا تأكيد لما ذكره يريد أن الكهول في حسن سيرتك وعدلك صاروا شبابا والأحداث عند غيرك صاروا شيبا بظلمه وسوء سيرته
ألا ليت يوم السير يخبر حره فتسأله والليل يخبر بـرده
يذكر أنه قاسى في الطريق إليه حر النهار وبرد الليل يقول ليتهما يخبران فتسألهما عما قاسيت
وليتك ترعاني وحيران معرض فتعلم أني من حسامك حـده
ترعاني ليس من رعاية الحفظ إنما هو بمعنى تراني وترقبني وحيران اسم ماء ومعرض ظاهر يقال اعرض الشيء إذا بدا للناظر ومنه، وأعرضت اليمامة واشمخرت، كأسياف بأيدي مصلتينا، يقول ليتك كنت تراني وأنا بهذا الماء فترى جلدي وانكماشي فتعلم أني ماض في الأمور مضاء حد حسامك
وأني إذا حاولـت أمـرا أريده تدانت أقاصيه وهـان أشـده
ومازال أهل الدهر يشتبهون لي إليك فلما لحت لي لاح فرده
أي مازال أهل الدهر متساوين متشاكلين في مسيري إليك فلما ظهرت لي ظهر الفرد الذي لا مشاكل له وهذا كقوله، الناس ما لم يروك أشباه، ومعنى قوله إليك أي قاصدا إليك وسائرا إليك فهو من صلة الحال المحذوفة
يقال إذا أبصرت جيشـا وربـه أمامك ملك رب ذا الجيش عبده
هذا تفسير للذي قبله أي إذا رأيت جيشا وملكه فاستعظمته قيل لي أمامك ملك هذا الذي تراه عبده فالذين رآهم هم الذين اشتبهوا له والذي قيل له رب ذا الجيش عبده هو الفرد الذي لاح
وألقى الفم الضحاك أعلـم أنـه قريب بذي الكف المفداة عهده
أي إذا لقيت إنسانا ضاحكا علمت قرب عهده بكفك وأخذه عطاءك
فزارك مني من إليك اشتـياقـه وفي الناس إلا فيك وحدك زهده
يخلف من لـم يأت دراك غـاية ويأتي ويدري أن ذلك جـهـده
أي غاية كل طالب مرتبة دارك ونهاية ما يأتيه متكسب المجد أن يقصدك فمن لم يأت دارك فقد خلف غاية فإذا أتاها علم أن ذلك جهده في ابتناء المجد واكتساب المعالي كما قال هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى
فإن نلت ما أملت منك فربـمـا شربت بماء يعجز الطير ورده
يقول أن بلغت أملي فيك فلا عجب فكم قد بلغت الممتنع من الأمور الذي لا يدرك وجعل الماء الذي لا يرده الطير مثلا للممتنع من الأمر وإنما ضرب هذا المثل لأمله فيه لبعد الطريق إليه وأبن جنى يقول يمكن أن يقلب هذا هجاء ومعناه إن أخذت منك شيئا على بخلك وامتناعك من العطاء فكم قد وصلت إلى المستصعبات واستخرجت الأشياء المعتاصة
ووعدك فعل قبـل وعـد لأنـه نظير فعال الصادق القول وعده
يقول وعدك فعل بلا وعد وهو عين النقد لأن الفعل قبل الوعد نقد ومن كان وافيا بمواعيده فوعده نظير فعله لأنه إذا وعد شيئا فعله فلركون النفس إلى وعده كأنه نقده
فكن في اصطناعي محسنا كمجرب يبن لك تقريب الـجـواد وشـده
يقول جربني في اصطناعك إياي ليتبين لك أني موضع للصنيعة فإن بالتجربة يعرف الفرس وأنواع جريه من التقريب والشد
إذا كنت في شك من السيف فابله فإما تـنـفـيه وإمـا تـعـده
يقال نفاه ونفاه مخففا ومشددا يقول إذا جربت السيف بان لك صلاحه وفساده فإما أن تلقيه لأنه كهام وإما أن تعده للحرب لأنه حسام وهذا مثل ضربه لنفسه يقول جربني فإما أن تصطنعني وإما أن ترفضني ثم أكد هذا بقوله
وما الصارم الهندي إلا كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده
يقول السيف القاطع الهندي كغيره من السيوف إذا لم يسل في الحرب ولم يجرب أي إنما يعرف ما عنده من المضاء وحسن الأثر إذا جرب كذلك أنا ما لم أجرب لم يعرف ما عندي ولم يكن بيني وبين غيري فرق وكان يطلب منه أن يوليه يقول له جربني لتعرف ما عندي من الكفاية وأني اصلح لأن أكون واليا وهذا من قول الطائي، لما انتضيتك للخطوب كفيتها، والسيف لا يكفيك حتى ينتضي،
وإنك للمشكور في كل حـالة ول لم يكن إلا البشاشة رفده
الكناية تعود إلى المشكور يقول أنت مشكور من جهتي في كل حال وإن لم تعطني إلا طلاقة وجهك أي أكتفي منك بأن أراك بشاشا طلق الوجه واشكرك على ذلك
فكل نوال كان أو هـو كـائن فلحظه طرف منك عندي نده
يقول نظرك إلى نظير كل نوال منك أخذته أو سآخذه
وإني لفي بحر من الخير أصله عطاياك أرجو مدها وهي مده
يريد كثرة ما يصل إليه من الخير والبر والصلات والمد زيادة الماء يقول أرجو زيادة عطاياك فإنها زيادة ذلك البحر الذي أنا فيه وهي مادته
وما رغبتي في عسجد أستفيده ولكنها في مفخر أستجـده
يقول لست أرغب في ذهب ومال من جهتك ولكن في فخر جديد كأنه أراد أن يوليه ولاية كما قال المهلبي، يا ذا اليمينين لم أزرك ولم، أصحبك من خلة ولا عدم، زارك بي همة منازعة، إلى جسيم من غاية الهمم، ومثله، لم تزرني أبا علي سنو الجدب وعندي من الكفاف فضول، غير أني باغ جليلا من الأمر وعند الجليل يبغي الجليل، ومثله للطائي، ومن خدم الأقوام يرجو نوالهم، فإني لم أخدمك إلا لأخدما، ومثله لأبي الطيب، فسرت إليك في طلب المعالي، وسار سواي في طلب المعاش،
يجود به من يفضح الجود جوده ويجمده من يفضح الحمد حمده
أي تجود به أنت وجودك فافضح لجود غيرك بزيادته عليه واحمدك أنا وحمدي يفضح حمد غيري لأنه فوقه
فإنك ما مر النحوس بكوكب وقابلته إلا ووجهك سعده
يقول النحوس لا يمر بكوكب وله من وجهك سعد إذا قابلته كما قال الطائي، تلقى السعود بوجهه وبحبه، وعليك مسحة بغضة فتحبب، والمعنى إنك تسعد المنحوس وتغني الفقير ودس الأسود إلى أبي الطيب من قال له قد طال قيامك في مجلسه يريد أن يعلم ما في نفسه فقال
يقل له القيام على الـرؤوس وبذل المكرمات من النفوس
يقول يقل له أن نقوم في خدمته ولو على الرؤوس وأن نبذل في خدمته النفوس المكرمة ومن روى المكرمات أراد الأفعال الكريمة أي يقل له أن نكرمه بخدمة أنفسنا إياه
إذا خانته في يوم ضـحـوك فكيف تكون في يوم عبوس
إذا خانته النفوس فلم تقم له ولم تخدمه في السلم فكيف تخدمه ي الحرب ومات للأسود خمسون غلاما في الدار الجديدة التي انتقل إليها في أيام يسيرة ففزع وخرج منها إلى دار أخرى فقال أبو الطيب
أحق دار بأن تدعى مبـاركة دار مباركة الملك الذي فيها
يقول أحق الديار بأن تدعى وتسمى مباركة دار ملكها أو ملكها الذي فيها مبارك يعني إذا كان صاحب الدار مباركا فداره مباركا أحق الدور بأن تدعى مباركة
وأجدر الدور أن تسقى بساكنها دار غدا الناس ستسقون أهليها
يقول أولى الدور بأن تكون مسقية ببركة من يسكنها دار سكانها سقاة الناس يعني إذا كان السكان يسقون الناس وينفعونهم فدارهم مسقية بهم تشمل بركاتهم الدار
هذي منازلك الأخرى نهنئهـا فمن يمر على الأولى يسليها
يقول هذه التي انتقلت وعدت غليها نهنئها بعودتك إليها فمن الذي يأتي الدار التي فارقتها فيعزيها
إذا حللت مكانا بعد صاحبـه جعلت فيه على ما قبله تيها
أي إذا نزلت مكانا بعد ارتحالك عن مكان أخر اعطيته فخرا على المرتحل عنه بنزولك إياه
لا ينكر العقل من دار تكون بها فإن ريحك روح في مغانيها
يقول لا تتعجب من أن تكون الدار التي تحلها عاقلة حتى تفرح بسكناك وتحزن لمفارقتك فإن ريحك روح لها
أتم سعدك من لـقـاك أولـه ولا أسترد حياة منك معطيها
وقال أيضا يمدحه وقد قاد إليه مهرا أدهم في شهر ربيع الآخر سنة 347
فراق ومن فارقت غير مذممِ وأم ومن يممتُ صير ميممِ
يقول عند ارتحاله فراق أي هذه الحال التي أنا فيها فراق والذي أفارقه غير مذموم يعني سيف الدولة وهذا الفراق قصد لإنسان آخر وهو خير مقصود يعني الأسود
وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ إذا لم أبجل عنـده وأكـرمِ
يقول لا أقيم بمكان للذة العيش وطيب الحيوة إذا لم أكن مكرما معظما
سجيةُ نفسٍ لا تـزالُ مـلـيحةً من الضيمِ مرميا بها كل مخرمِ
المليحة المشفقة الخائفة يقال ألاح من الأمر إذا اشفق منه والمخرم الطريق في الجبل يقول هذا الفراق سجيةٌ نفسي التي هي أبدا خائفة من أن تظلم ويبخس حقها من الأكرام وأنا أرمي بها كل طريق هاربا بها من الضيم والذل
رحلت فكم باكٍ بأجفانِ شادنٍ عليَّ وكم باكٍ بأجفانِ ضيغم
أي فكم من رجال ونساء بكوا على فراقي وجزعوا لارتحالي عنهم فالباكي بجفن الشادن المرأة المليحة الحسناء والباكي بأجفان الأسد الرجل الشجاع الكريم
وما رب القرطِ المليحِ مكانـهُ عذرت ولكن من حبيبٍ معممِ
أي لو كان الذي أشكوه من الغدر بي كان من امرأة عذرتها لأن شيمة النساء الغدر ولكنه من رجلٍ والمعمم كناية عن الرجل لأن المرأة لا تتعمم
رمى واتقى رميي ومن دونِ ما اتقى هوى كاسرٌ كفى وقوسي وأسمهي
هذا مثل يقول لم يحسن إليّ ولم أهجه لحبي إياه فضرب المثل لاساءته إليه بالمر ولأمنه عن المكافاة بالهجاء بالاتقاء بحب يكسر كفه وقوسه وسهامه إن أراد أن يرميه والمعنى أن حبي إياه منعني عن مكافاته بالإساءة فكان كرامٍ يرميني وهو وراء جنةٍ من حبي تمنعي عن أن أرميه
إذا ساء فعلٌ المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من تـوهـمِ
يقول المسيء الظن لا يأمن من اساء إليه وما يخطر بقلبه من التوهم على اصاغره يصدق ذلك وهذا كما قال بعضهم، وما فسدت لي يشهد الله نيةٌ، عليك بل استفسدتني فاتهمتني،
وعادى محبيه بـقـولِ عـداتـهِ وأصبح في ليلٍ من الشك مظلمِ
أصادق نفس المرء من قبل جسمهِ وأعرفها في فعلهِ والتـكـلـمِ
يريد بالنفس الهمة والمعاني التي في نفس الإنسان من أخلاقه يذكر لطف حسه ودقة علمه وأنه قبل أن تقع بينه وبين من يحبه المعرفة يصادق نفسه أولا ويستدل عليها فعله وكلامه
وأحلمُ عن حلـي وأعـلـم أنـه متى أجزهِ حلما على الجهلِ يندمِ
يقول أصفح عن خليلي علما بأني متى جازيته على سفهه وجهله بالحلم ندم على قبيح فعله فاعتذر إليّ وأعتب إلى مرادي وهذا المعنى من قول سالم بن وابصه، ونيربٍ من موالي السوء ذي حسدٍ، يقتات لحمي وما يشفيه من قرمٍ، داويتُ صدرا طويلا غمرهُ حقداً، منه وقلمت أظفاراً بلا جلم، بالحزم والخير أسديه وألحمه، تقوى الإله وما لم يرع من رحمي، فأصبحت قوسه دوني موترةً، يرمي عدوي جهارا غير مكتتمِ، إن من الحلم ذلا أنت عارفهُ، والحلمُ عن قدرةٍ فضل من الكرم، ومن روى أنني متى أجزه يوما على الجهل أندم أي متى جهلت عليه كما جهل عليّ ندمت على ذلك لأن السفه والجهل ليس من أخلاقي
وإن بذل الإنسان لي جود عابسٍ جزيت بجود التاركِ المتبسـمِ
يقول أن جاد عليّ إنسان في كراهةٍ وعبوس جزيت جوده بترك عطائه في تبسم ورضاً بتركه
وأهوى من الفتيان كل سمـيدعٍ نجيبٍ كصدرِ السمهري المقومِ
يقول أحب من الفتيان كل كريم يأتي الناس بيته للضيافة نجيب طويل القد كالرمح المقوم
خطت تحته العيش الفلاة وخالطت به الخيل كبات الخميس العرمرمِ
أي قد سافر كثيرا وقطعت به الإبل الفلاة وشهد الحرب فخالطت به الخيل الجيش والكبة الصدمة والحملة من قولهم كبه لوجهه إذا ألقاه قال بعض العرب طعنته في الكبة طعنةً في السبة فأخرجتها من اللبة فقيل كيف طعنته في السبة وهي حلقة الدبر فقال إن رمحه كان قد سقط من يده فأكب ليأخذه فطعنته
ولا عفةٌ في سيفه وسـنـانـهِ ولكنها في الكف والفرج والفمِ
أي هو عفيف النفس وليس بعفيف السيف والسنان إذا شهد الحرب قتل الأقران ولم يثعفف عن دمائهم
وما كل هاوٍ للجميلِ بفاعلٍ ولا كل فاعلٍ له بتممـمِ
يقول ليس كل من يحب الأمر الجميل يصنعه وليس كل من يصنعه يكلمه
فدًى الكرام كخيل سوابق وجعله كأدهم يتقدم تلك السوابق وهن يجرين على إثره يعني أنه أمام الكرام وسابقهم
أغر بمجدٍ قد شخصن وراءه إلـــى خـــلـــقٍ رحـــبٍ وخـــلــــقٍ مـــــــطـــــــهـــــــمِ
أراد بأدهم أغر بمجد جعل غرته المجد لا البياض وهذه السوابق قد مددن أعينها وراء هذا الأغر ينظرن إلى خلق واسع وخلقٍ تام الجمال
إذا منعت منك السياسة نفسها فقف وقفةً قدامهُ تتعـلـمِ
يقول إذا لم تحسن السياسة فأخدمه بالقيام أمامه مرةً تتعلم منه حسن السياسة
يضيق على من راءه العذر أن يرى ضعيف المساعي أو قليل التكـرمِ
يقول من رآه لم يكن له عذر أن يكون ضعف المسعاة قليل الكرم يعني منه تتعلم هذه الأشياء فمن رآه ولم يتعلمها منه فهو غير معذور وابن جنى جعل هذا داخلا في الهجاء على معنى أن مثله في خسته ولوم أصله إذا كانت له مسعاةٌ وتكرمٌ فلا عذر لأحد بعده في تركها كما قال الآخر، ولا تيأسن من الإمارة بعد ما، خفقت اللواء على عمامةِ جرولِ،
ومن مثل كافورٍ إذا الخيل أحجمت وكان قليلا من يقول لها أقدمي
يقول إذا أحجمت الكتيبة وقل من يحثها على ورود المعركة فمن مثله أي أنه يحث الخيل عند الإحجام ويشجعها على لقاء العدو والرواية اقدمي بضم الدال أي تقدمي من قدم يقدم إذا تقدم ومن روى بفتح الدال فمعناه ردي الحرب من قدامه يقدم قدوما
شديد ثبات الطرف والنقع واصلٌ إلى لهواتِ الفارسِ المتلـثـمِ
يقول إذا سطع الغبار حتى وصل إلى لهوات من شد على فمه اللثام فهو حينئذٍ ثابت في المعركة لا يحجم ولا يتأخر ومن روى بفتح الطاء فمعناه أن عينه لا تبرق ولا يتداخله الفزع
أبا المسك أرجو منك نصرا على العدا وآمل عزا يخضب البيض بـالـدمِ
أي أرجو منك عزا أتمكن به من أعدائي
ويوما يغيظ الحاسدين وحالةً أقيم الشقا فيها مقام التنعمِ
يقول أرجو أن أدرك بعزك حالةً شقائي فيها وتعبي مثل التنعم عندي أي أشقى في حرب الأعداء فاتنعم بذلك ويجوز أن يكون المعنى أني أبدل تنعم الأعداء بالشقاء لما أورد عليهم من الحسد لنعمتي والغيظ لمكاني ويشقون بي ويجوز أن يريد أني أستبدل بالشقاء تنعما
ولم أرج إلا أهل ذاك ومن يرد مواطرَ من غيرِ السحائب يظلمِ
يقول أنت أهل لأن يرجى عندك ما رجوته ولم أ ضع الرجاء منك في غير موضع كمن يرجو مطرا من غير سحاب فيقال له ظلمت حين رجوت المطر من غير موضعه
فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها بقلب المشوق المستهام الـمـتـيم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:35 pm

ولا نبحت خـيلـي كـلاب قـبـائلٍ كأن بها في الليلِ حـمـلات ديلـمِ
يريد أنه كان يمر بالليل في طريقه إلى مصر على لاقبائل فتصول كلابها على خيله كأنها أعداء تحمل عليها وأراد بالديلم الأعداء والعرب تعبر عن اسم الديلم بالأعداء وهم جيل من الناس كانت بينهم وبين العرب عداوة فصار أسمهم عبارة عن الأعداء ومنه قول عنترة، زوراء تنفر عن حياض الديلم، وقال ابن جنى سأل أبا الطيب بعض من حضر فقال أتريد بالديلم الأعداء أم هذا الجيل ن العجم فقال بل من العجم
ولا أتبعت آثارنا عين قـائفٍ فلم تر إلا حافراً فوق منسمِ
يقول إن الذي اتبعنا ليردنا عن المسير إليك لم ير إلا آثار الإبل والخيل أي لم يدركنا لسرعة سيرنا وعادتهم إذا طالت عليهم الرحلة إن يركبوا الإبل ويجنبوا الخيل فلذلك قال إلا حافرا فوق منسم يعني إلا أثر حافر فوق أثر خف ومن هذا قول الآخر، أولى فأولى يا أمرء القيس بعدما، خصفنا بآثار المطي الحوافرا،
وسمنا بها البيداء حتى تغـمـرت من النيل واستذرت بظل المقطمِ
يقول وسمنا البيداء بآثار خيلنا وركابنا حتى وردت النيل فشربت منه دون الريّ والتغمر الشربُ القليل من الغمر وهو القدح الصغير وإنما قل شربها لأنها وردت الماء مكدودة فقل شربها حينئذٍ ومنه قول طفيل، أنخنا فسمناها النطافَ فشاربٌ، قليلً وابٍ صد عن كل مشربِ، واستذرت نزلت في ذراه أي في ناحيته وكنفه والمقطم جبل مروف بمصر
وأبلخ يعصي باختصاصي مشيره عصيت بقصديه مشيري ولومي
الأبلخ العظيم في نفسه وهو من صفات الملوك وبالجيم الجميل الوجه وهو عطف على المقطم أي وبظل أبلخ يعصي من يشير عليه بتركي بأن يختصني دون غيري كما أني عصيت من أشار عليّ بترك المسير إليه ولا معنى في ذلك لبعد الطريق يقال أنه أراد بهذا ابن حنزابة وزير الأسود ولم يكن المتنبي مدحه
فساق إلي العرف غير مكـدرٍ وسقت إليه الشكر غير مجمجمِ
أي لم يكدر إحسانه إليّ بالمنذ ولم ينغصه بالأذى والمجمجم من قولهم جمجم كلامه إذا عماه وستره ولم يأت به على الوجه الذي يهتدي إليه فقال ابن جنى أي ليس فيه عيب ولا إشارة إلى ذم
قد اخترتك الأملاك فاختر لهم بنا حديث وقد حكمت رأيك فأحكمِ
أراد من الأملاك فحذف من واوصل الفعل كقوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا يقول اخترتك من جملة ملوك الدنيا بالقصد إليك فاختر لهم بنا حديثا من مدحٍ أو هجاء بمنعٍ أو عطاء أي أنهم يتحدثون بنا وبما كان منا فاختر ما تريد من ثناء وإطراء بالبر والإحسان أو ذم أو هجاء بالبخل والحرمان ولم يعرف ابن جنى هذا فقال أي افعل بي فعلا إذا سمعوه كان مختارا مستحسنا عندهم وليس هذا الذي يقوله بالبيت ألا ترى أنه قال وقد حكمت رأيك فأحكم أي أنت المحكم فيما تختار ولو أراد ما قاله لم يكن محكما
فأحسن وجهٍ في الورى وجه محسنِ وأيمن كف فيهم كـف مـنـعـمِ
هذا البيت يروى عن هطاء له بقبح الصورة وأنه لا منقبة له يمدح بها غير أنه أحسن بالأعطاء فوجهه أحسن الوجوه بالإحسان ويده أيمن الأيدي بالإنعام وكذلك البيت الذي بعده
وأشرفهم من كان أشرف همةً وأكثر إقداما على كل معظمِ
يريد أنه خالٍ مما يمدح به الملوك من حسب أو نسبٍ أو شرف تليد فإن لم يستحدث لنفسه شرفا مطرفا بعلو همة أو إقدام لم يكن له خصلة يمدح بها
لمن تطلبُ الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أو مسآءة مجرمِ
أي إنما تراد الدنيا لنفع الأولياء وضر الأعداء وليست تصلح لغير هذين
وقد وصل المهر الذي فوق فخـذهِ من اسمك ما في كل عنقٍ ومعصمِ
يريد أن المهر كان موسوما بأسمه الذي هو سمةٌ لكل حيوان يعني أنه ملكٌ مالكٌ كل حيّ ألا ترى إلى قوله
لك الحيوان الراكب الخيل كلـه وإن كان بالنيران غير موسـم
ولو كنت أدرى كم حياتي قسمتها وصيت ثلثيها انتظارك فاعلـمِ
هذا استبطاء لما يرجو منه يقول لو كنت أعرف كم قدر في الدنيا لجعلت ثلث ذلك القدر مدة انتظار عطائك وهذا من قول مسلم بن الوليد، لو كان عندك ميثاق يخلدنا، إلى المشيب انتظرنا سلوة الكبر،
ولكن ما يمضي من الدهر فائتٌ فجد لي بحظ الباردِ المتغنـمِ
يقول ما فات من العمر لا يعود يعني لا يطول مدة البقاء فإن الماضي غير مسترك فجد لي بحظ من يستعجل ويغتنم وقت القدرة والإمكان
رضيت بما ترضى به لي محبةً وقدت إليك النفس قود المسلمِ
هذا كالعود من عتاب الإستبطاء يقول إن كنت ترضى بتأخير ما أرجوه فأنا أرضى به أيضا محبة لك وانجذابا إلى هواك لأني قدت نفسي إليك قود من يسلم لك ما تفعله والمسلم لا يعارض بشيء
ومثلك من كان الوسيط فؤاده فكلمهُ عني ولم أتـكـلـمِ
يقول مثلك في كرمك وسماحتك يكون فؤاده وسيطا بينه وبيني فيكلمه عني ولا يحوجني إلى الكلام وخرج من عنده فقال يهجوه
أنوك من عبدٍ ومن عرسه من حكم العبد على نفسهِ
النوك الحمق والأنوك الأحمق يقول الذي يجعل العبد حاكما على نفسه فهو أنوك من عبد ومن عرس نفسه يعني المرأة أي أحمق من المرأة ومن العبد من يكون في طاعة العبد ومن ابتداء وخبره ما قبله كما تقول أحسن من عمرو ومن أخيه زيدٌ ويجوز أن يعود الضمير في عرسه على العبد ويريد به الأمة لأن العبد يتزوج بالأمة في غالب الأحوال وهذا عتاب يعاتب به نفسه حين أتى الأسود فأحتاج إلى أن يطيعه
ما من يرى أنك في وعدهِ كمن يرى أنك ي حبسهِ
يقول الذي يرى أنك في وعده يحسن إليك ويبرك والذي يرى أنك في حبسه يذلك ويسيء إليك يعني أنه في حبس كافور ليس في وعده
وإنما يظهرُ تحكـيمـهُ ليحكم الإفسادَ في حسهِ
يريد من أظهر تحكيم العبد على نفسه دل ذلك على سوء اختياره وسوء الأختيار يدل على فساد الحس
العبد لا تفـضـل أخـلاقـهُ عن فرجه المنتن أو ضرسهِ
يريد أن همة العبد مقصورة على فرجه وبطنه فلا فضل فيها من هذين لمكرمةٍ وبر وإحسان
لا ينجز الميعاد في يومـهِ ولا يعي ما قال في أمسهِ
لا ينجز ما وعده في يوم انقضاء الوعد كما تقول وعدتك كذا في يوم كذا فإذا جاء ذلك اليوم فهو يوم الميعاد ولا يعي أي لا يحفظ ما قاله بالأمس يعني أنه لغفلته وسوس فطنته ينسى ما يقوله
وإنما تحتال في جذبـه كأنك الملاحُ في قلسهِ
القلس حبل السفينة يقول لا يأتي مكرمةٌ بطبعه بل تحتال فتجذبه كما يجذب الملاح السفينة لتجري
فلا ترج الخير عند امرىءٍ مرت يد النخاس في رأسهِ
وإن عراك الشك في نفسـهِ بحالهِ فانظر إلى جنسـهِ
يقول إن شككت في حاله ولم تعرفه فقسه بغيره من العبيد فأنك لا ترى أحدا منهم له مروةٌ وكرم
فقلما يلؤم فـي ثـوبـهِ إلا الذي يلؤم في غرسهِ
يريد أن اللؤم طبيعةٌ طبع عليها اللئيم في غرسه ومن كان لئيما كان مولودا على اللؤم
من وجد المذهب عن قدره ولم يجد المذهب عن قنسهِ
القنس الأصل يقول من ذهب عن قدر استحقاقه في الدنيا فنال وولاية أو غنى وهو لا يستحق ذلك لم يذهب عن أصله في اللؤم لأن الأشياء تعود إلى أصولها ومن كان لئيم الأصلِ فهو ينزع إلى ذلك اللؤم وأتصل قوم من الغلمان بأبن الأخشيدي مولى كافور طلبا للفساد بينهما وجرت وحشة أياما ثم ردهم إليه واصطلحا فقال أبو الطيب
حسم الصلح ما اشتهته الأعادي وأذاعته ألسـن الـحـسـادِ
يقول أشتهت الأعداء أن يهيج بينكما شر والحساد أذاعوا ذلك ثم أنحسم بالصلح ما اشتهوه وأذاعوه
وأرادته أنفس حال تدبـي رك ما بينها وبين المرادِ
أي وحسم ما أرادته أنفس منع تدبيرك بينهم وبين ما أراده من أثاره الشر
صار ما أوضع المخبون فيه من عتابٍ زيادةً في الودادِ
يقال أوضع الراكب بعيره إذا حمله على السير السريع والمخبون الذين خيلهم على الخبب يقول صار سعي من سعى بينكم في الفساد زيادةً في الوداد لأن الود بعد العتاب اصفى
وكلام الوشاة ليس على الأح بابِ سلطانهُ على الأضدادِ
يقول كلام الوشاة إنما يؤثر إذا كان بين الأضداد فإذا كان بين الأحباب سقط ولم يؤثر لأنه إنما يتسلط على الأضداد
إنما تنجح المقالة في الـمـر ء إذا وافقت هوى في الفؤادِ
إي إنما يبلغ القول النجاح إذا سمعه من يوافق هواه ذلك القول وهذا تبرئة لابن مولاه من موافقة قلبه كلام الوشاة
ولعمري لقد هززت بما قي ل فألفيت أوثق الأطـوادِ
يقول حركت بما قيل لك ونقل إليك فكنت كالجبل الذي لا يتحرك أي لم يؤثر فيك قول الواشين والساعين بالنميمة
وأشارت بمـا أبـيت رجـالٌ كنت أهدي منها إلى الإرشادِ
أي أشار عليك قوم بالشقاق والخلاف فأبيت ذلك وكنت أرشد منهم في ذلك ومعنى الإرشاد أي إلى إرشاد الناس فيه حين أرشدتهم إلى الصلاح لا إلى الخلاف
قد يصيب الفتى المشير ولـم يج هد ويشوى الصواب بعد اجتهادِ
يقول المشير الذي لم يجتهد قد يصيب بإشارته والمجتهد قد يخطىء بعد الاجتهاد يعني أن الذين اعلموا الراي اخطؤوا حين أمروك بإظهار الخلاف وأنت أصبت الراي عفواً حين ملت إلى الصلح
نلت ما لا ينال بالبيض والـسـم رِ وصنت الأرواح في الأجسادِ
يقول أدركت بالصلح ما لا يدرك بالسيوف والرماح من غير أراقة دمٍ ولا قتل نفسٍ وذلك أنه صالحه على أن يدفع إليه المضرين والساعين ففعل ذلك وقتلهم الأسود
ما دروا إذ رأوا فؤادك فيهم ساكنا أن رأيه في الطرادِ
يقول لم يعلم الناس حين رأوك ساكن القلب إنك تطارد رأيك وتجتهد في طلب الصواب
ففدى رأيك الذي لم تفده كل رأيٍ معلمٍ مستفادِ
يقول يفدي رأيك الذي هو تلاد غير مستفاد بتجربة وتعليم كل رأيٍ معلمٍ مستفاد
وإذا الحلم لم يكن في طباعٍ لم يحلم تقـدمُ الـمـيلادِ
يقول إذا لم يطبع المرء على الحلم الغريزي لم يفده علو سنه وتقدم ولادته حلما وليس الشيخ أولى بصحة الرأي من الشاب
فبهذا ومثـلـه سـدت يا كـا فور واقتدت كل صعبِ القيادِ
يقول بهذا الرأي الذي رأيت في هذه الحادثة ومثله في سائر الحوادث سدت الناس وانقاد لك ما لا ينقاد لغيرك
وأطاع الذي أطاعك والطا عة ليست خلائق الآسادِ
أي وبمثل هذا الراي أطاعك الناس والرجال الذين كانوا أسود مع أن الأسود ليس من خلقها الدخولِ تحت الطاعة
إنما أنت والدق والأب الـقـا طع أحنى من واصلٍ الأولادِ
يقول أنت في تربيتك إياه كالوالد والوالد القاطع أبر بالولد من الولد بالوالد وإن كان يصله
لا عدا الشر من بغي لكما الش ر وخص الفساد أهل الفسادِ
هذا على طريق الدعاء يقول لا تجاوز الشر من يطلب لكما الشر أي لا زال في الشر من أراد أن يوقع بينكما الشر ولا تعدى الفساد أهل الفساد حتى يكون مخصوصا بهم أي الذي طلب فساد أمركما لا برحه الفساد
أنتما ما اتفقتما الجسم والرو ح فلا احتجتما إلى العوادِ
يقول مثلكما في اتفاقكما كالروح والجسد إذا اتفقا صلح البدن واستغنى عن الطبيب والعائد وإذا تنافرا فسد البدن ومعنى قوله فلا احتجتما إلى العواد أي لا وقع بينكما خلاف وشر
وإذا كان في الأنابـيب خـلـف وقع الطيش في صدور الصعادِ
جعل الأنابيب مثلا للاتباع والصدور مثلا للرؤساء يقول اختلاف الخدم يؤدي السادة إلى التجاذب والتنازع كالرماح إذا اختلفت أنابيبها لم تستقم صدورها
أشمت الخلف بالشراة عداها وشفى رب فارسٍ من إيادِ
الشراة الخوارج وهم سموا أنفسهم بهذا الإسم يعنون أنهم شروا أنفسهم من الله بالقتال في دينه يذكر أن الخلاف الواقع بين الأقوام فيما سبق من الدهر أداهم إلى شماتة اعدائهم بهم حين اختلفوا فتمكن منهم عدوهم بسبب اختلافهم فيما بينهما كالخوارخ ظفر بهم المهلب بن أبي صفرة لما اختلفوا وذلك أنهم كانوا مجتمعين متضافرين ولم يكن يقوى بهم المهلب واحتال على نصالٍ لهم كان يتخذ لهم نصالا مسمومةً فكتب إليه وصل ما بعثت من الناصل المختومة للآجال فحمدنا فعلك وشكرنا فضلك وسنرفع ذكرك ونعلي قدرك إن شاء الله تعالى على يد من اعثرهم عليه فقط قطري بن الفجاة علاوته واختلفوا فصوبته فرقة وخطأته أخرى وتقاتلوا حتى قل عددهم وأما إياد فاختلوا وتفرقوا في البلاد فتمكن منهم سابور ذو الأكتاف وهو رب فارس
وتولى بني البريدي في البصرة حتى تمزقوا في البلادِ
بنو البريدي أبو عبد الله وأبو يوسف وأبو الحسين قصدوا البصرة وأخرجوا ابن رائق وكان عامل الخليفة واستولوا عليها ثم اختلفوا فخوى نجمهم وذهب ملكهم ومعنى تولى بني البريدي أي تولاهم الخلف بأن اختلفوا
وملوكا كأمس في القرب منا وكطسمٍ وأختها في البعـادِ
يقول تولى الخلف ملوكا قرب عهدهم منا وأخرين بعده كطسم وجديس
فيكما بت عائذا فيكما من ه ومن كيد كل باغٍ وعادِ
أي أعذكما بالله من الخلاف ومن كيد البغاة والعداة العادين ومعنى لفظه أعوذ فيكما لأجلكما من الخلاف
وبلبيكما الاصيلـين أن تـف رق صم الرماحِ بين الجيادِ
أعوذ بما لكما من اللب الأصيل أن تختلفا فتصيرا طائفتين تقتتلان
أي وأعوذ أن يقتل بعضكم بعضا بما تدخرون من السلاح ويصير من شقى به عدوا لأنه إنما يعد السلاح للعدو لا للولي فإذا قتل به بعضكم بعضا فقد صرتم أعداء
هل يسرن باقيا بعد ماضٍ ما يقـــــــول الـــــــعـــــــــداةُ فـــــــــــــــي كـــــــــــــــل نـــــــــــــــادِ
يقول الذي يبقى منكما بعد الماضي هل يسره ما يقوله الأعداء في المجالس ويحدثون عنه بغدره وتركه حرمة صاحبه وهذا استفهام إنكار
منع الود والرعايةُ والسو ددأن تبلغا إلى الأحقاِد
أي منعكما أن يحقد أحدكما على صاحبه ما بينكما من الود ورعاية الحقوق وما فيكما من السيادة
وحقوق ترقق القلب للـقـل ب ولو ضمنت قلوبَ الجمادِ
يعني حقوق التربية والقيام بأمره وهو طفل صغير وتلك الحقوق لو كانت بين الجماد لرق بعضه لبعض
فغدا الملك باهرا مـن رآه شاكرا ما أتيتما من سدادِ
فيه أيديكما على الظفر الح لو وأيدي قومٍ على الأكباد
أي تألمت أكباد الحساد بما فعلتما من الصلح فوضعوا الأيدي على الإكباد
هذه دولة المكـارمِ والـرأ فةِ والمجد والندى والأيادي
يريد أنه كان ينظر إلى أذني فرسه يحفظ نفسه بهما وذلك إن الفرس أبصر شيء فإذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه فيعلم الفارس أنه ابصر شيئا ثم وصف فرسه فقال كأنه في لونه وسواده قطعةٌ من الليل وكأن الغرة في وجهه كوكبٌ من كواكب الليل قد بقي بين عينيه وهذا من قول أبي داود، ولها قرحة تلألأ كالشعري أضاءت وغم عنها النجومُ،
له فضلةٌ عن جسمهِ في إهـابـهِ تجيء على صدرٍ رحيبٍ وتذهب
يصف فرسه بسعة الأهاب ومهما كان الإهاب أوسع كان العدو أشد لأن سعةَ خطوة على قدر سعة إهابه ولهذا ليس للحمار عدو لضيق أهابه عن مد يديه يقول ففي أهابه فضلة عن حسمه تلك الفضلة على صدره الرحيب تجيء وتذهب
شققت به الظلماء أدنى عنانـهُ فيطغى وأرخيه مرارا فيلعبُ
يقول شققت ظلام الليل بهذا الفرس إذا أدنيت عنانه إلى نفسي بجذبه وثب وطغى مرحا ونشاطا وإذا أرخيت عنانه لعب برأسه
وأصرع أي الوحش قفيته به وأنزل عه مثله حين أركبُ
يقول إذا طردت وحشا به لحقه وصرعه وقفيته تلوته وتبعته وإذا نزلت عنه بعد الطرد والصيد كان مثله حين أركبه يعني لم يدركه العناء ولم ينقص من سيره شيء كما قال ابن المعتز، تخال آخره في الشد أوله، وفيه عدو ورآء السبق مذخور،
وما الخيل إلا كالصـديق قـلـيلةٌ وإن كثرت في عين من لا يجربُ
يقول منزلة الخيل من الإنسان كمنزلة الصديق قليلةٌ وإن كثرت في العدد عند من لم يجربها يعني أنها بالتجربة تعرف فتبين الكوادن من السوابق التي لها جوهر في السبق والعدو كما أن الصديق يعرف بالتجربة ما عنده من صدق الوداد أو مذقه ولهذا يقال لا يعرف الأخ إلا عند الحاجة
إذا لم تشاهد غير حسنِ شياتهـا وأعضائها فالحسنُ عنك مغيبُ
إذا لم تر من حسن الخيل غير حسن الألوان والأعضاء فأنك لم تر حسنها يعني أن حسنها جريها وعدوها
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكبٍ فكل بعيد الهم فيها معـذبُ
قولهم لحا الله فلانا دعاء عليه وذم له وأصله من لحوت العود إذا قشرته ونصب مناخا على التمييز أي من مناخ او على الحال يذم الدنيا ويقول بئس المنزل هي فإن من كان أعلى همةً كان أشد عناءً فيها
ألا ليست شعري هل أقول قصدةً فلا أشتكي فيها ولا أتعـتـبُ
يقول ليتني أعلم هل تخلو لي قصيدةٌ من شكاية الدهر وعتابه بأن يبلغني المراد وأنال منه ما أطلب فأدع الشكاية
وبي ما يذود الشعر عني أقلهُ ولكن قلبي يابنة القومِ قلبُ
يقول بي من هموم الدهر وما جمعه عليّ من نوائب صروفه ما يمنع الشعر لشغل الخاطر عنه ولكن قلبي كثير التقلب لا يموت خاطره وإن أزدحمت عليه الهموم والأشغال وقوله يا بنةَ القوم وهو من عادة العرب فإن عادتهم قد جرت بمشابة النساء ومخاطبتها وإنما قال يا ابنة القوم إشارةً إلى كثرة أهلها وقال ابن جنى هو كنايةٌ عن قولهم يا بنة الكرام والقول الظاهر هو الأول لا ما قاله
وأخلاقُ كافورٍ إذا شئتُ مدحهُ وإن لم أشأ تملي عليّ وأكتبُ
يريد أن مدحه يسهل عليه بما فيه من محاسن الأخلاف كأنها تملى عليه المدائح فلا يحتاج إلى جلب معنى وجذب منقبة إليه
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه ويمم كافورا فما يتغـربُ
يقول إذا اغترب الإنسان عن أهله وقصده آنسه بعطاياه وتفقده إياه حتى كأنه في أهله ولم يتغرب عنهم وهذا من قول الطائي، هم رهط من أمسى بعيدا رهطه، وبنو أبي رجلٍ بغيرِ بني أبي، وأصل هذا المعنى من قول الأول، نزلت على آلٍ المهلبِ شاتيا، غريبا عن الأوطان في زمن المحل، فما زال بي إكرامهم واقتفاؤهم، وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي،
فتًى يملأ الأفعال رأياً وحكـمةً ونادرةً أحيان يرضى ويغضبُ
يقول أفعاله مملوؤة عقلا وحكمةً فمن نظر إلى أفعاله استدل بها على ما عنده من العقل والاصابة في كلتى حاليه من الغضب والرضا وقوله ونادرة أي فعلة غريبة لا توجد إلا منه وروى ابن جنى بارة بالباء أي بديهةً والنون أجود
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفهُ تبينت أن السيف بالكف يضـرب
يقول إذا نظرت إلى أثر سيفه عند ضربه علمت أن سيفه بكفه يعمل لا كفه بسيفه يعني أن الضربة الشديدة إنما تحصل بقوة الكف لا بجودة السيف وإن السيف الماضي في يد الضعيف لا يعمل شيئا كما قال البحتري، فلا تغلين بالسيف كل غلايةٍ، ليمضي فإن الكف لا السيف يقطع،
تريد عطاياه على التبث كثـرةً وتلبث أمواه السحاب فتنضب
يقول إذا تأخرت عطاياه فإنها تزاد كثرةً يعني أنه يعطي الجزيل وإن أبطأ والماء إذا طال مكثه نضب على خلاف عطاياه
أبا المسك هل في الكاس فضل أنالهُ فإني أغنى منذ حـين ونـشـربُ
هذا تعريض بالاستبطاء وجعل مدحه إياه غناء يقول أنا كالمغنى في اطرابي إياك بالمدائح وأنت كالشارب تلتذ سماع مدحي وتحرمني الشراب فهل في الكاس فضل اشربه يعني هل تعطيني شيئا
وهبت على مقدار كفى زماننـا ونفسي على مقدار كفيك تطلبُ
يقول وهبت على ما يليق بالزمان وأنا أطلب ما توجبه همتك ويقتضيه كرمك
إذا لم تنط بـي ضـيعةً أو ولايةً فجودك يكسوني وشغلك يسلبُ
يضاحك في ذا العيد كل حبيبـهُ حذائي وأبكي من أحب وأندبُ
أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهـم وأين من المشتاق عنقاء مغربُ
يقال عنقاء مغربٌ وعنقاء مغربٍ على الوصف والاضافة ومعناه من قولهم اغرب في البلاد وغرب إذا بعد وذهب وهذا الطائر يوصف بالمغرب لبعده من الناس وذهابه حتى لا يرى قط قال الكميت، محاسن من دينٍ ودنيا كأنما، بها حلقت بالأمس عنقاء مغربُ، وقيل مغرب ولم يقولوا بالهاء لأن العنقاء اسم للذكر والأنثى كالدابة والحية ومن أضاف إلى مغرب كان من باب الإضافة إلى النعت كقولهم مسجد الجامع وكتاب الكاملِ يقول أشتاق إلى أهلي ولكنهم على البعد منى واشتياقي إليهم كمن اشتاق إلى العنقاء
فإن لم يكن إلا أبو المسكن أو هم فإنك أحلى في فؤادي وأعذبُ
يقول أن لم يجتمع لي لقاؤك ولقاؤهم فإنك أحلى عندي يعني أوثر لقاءك على لقائهم
وكل أمرىءٍ يولي الجميلَ محببٌ وكان مكانٍ ينبتُ العز طـيبُ
يريد أ،ه يوليه الجميل فهو يحبه وأنه يعزه وطاب مكانه عنده كما قال البحتري، وأحب آفاق البلاد إلى الفتى، أرض ينال بها كريم المطلب،
يريد بك الحساد ما الـلـه دافـعٌ وسمر العوالي والحديد المذربُ
يقول حسادك لا ينالون منك ما يطلبونه فإن الله يدفع ما يريدونه والرماحُ والسيوفُ
ودون الذي يبغون ما لو تخـلـصـوا إلى الشيب منه عشت والطفلُ أشيبُ
يقول دون الذي يطلب الحساد من زوال ملكك وفساد أمرك الموت وهو قوله ما لو تخلصوا منه أي الموت أي أنهم يموتون قبل أن يروا فيك ما يطلبون ولو لم يموتوا عشت أنت وشاب طفلهم لشدة ما يرون وصعوبة ما يلحقهم من الحسد لك أو لما يقاسون منك ما توقعهم به
إذا طلبوا جدواك أعطوا وحكمـوا وإن طلبوا الفضل الذي فيك خيبوا
أي أن طلبوا عطاءك اعطيتهم ما حكموا به وإن طلبوا ما فيك من الفضل لم يدركوه قال ابن جنى وإن راموا فضلك منعتهم منه قال ابن فورجة كيف يقدر الإنسان أن يمنع آخر من أن يكون في مثل فضله وإنما الله يقدر على ذلك وقد أتى به المتنبي على لفظ ما لم يسم فاعله فأحسن
ولو جاز أن يجوو علاك وهبتهـا ولكن من الأشياء ما ليس يوهبُ
يقول لست تؤتى من بخل فلو كانت العلى موهوبةً لوهبتها وهذا من قول الطائي، فانفح لنا من طيب خيمك نفحةً، إن كانت الأخلاق مما توهب، وأصله من قول جابر ببن حباب، وإن تقتسم ما لي بني ونسوتي، فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فضلي،
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقـلـبُ
يقول أشد الظلم وأفحشه حسد المنعم عليك فمن بات متقلبا في نعمة إنسانٍ ثم بات حاسدا له فهو أظلم الظالمين والمعنى أن هؤلاء الذين يحسدونك أنت ولي نعمتهم
وأنت الذي ربيت ذا الملك مرضعاً ولـيس لـه أم سـواك ولا أبُ
إنما قال هذا لأن صاحب بمصرَ مولى كافور مات وخلف ولده صغيرا فرباه كاوفر وقام دونه يحفظ الملك عليه
وكنت له ليث العرين لشبلـهِ وما لك إلا الهندواتي مخلبُ
أي كنت للملك كالليث للشبل ولما جعله ليثا جعل سيفه مخلبا له
لقيت القنا عـنـه بـنـفـسٍ كـريمةٍ إلى الموت في الهيجا من العار تهربُ
يعني حاميت على الملك ودافعت عنه بنفسك هاربا من العار إلى الموت أي تختار الموت على العار
وقد يترك النفس التي لا تهابهُ ويخترم النفس التي تتهـيبُ
قد يترك الموت من لا يهابه فيوقع نفسه في المهالك وقد يصيب الموت من يحذره ويخافه
وما عدم اللاقوك بأسا وشدةً ولكن من لاقوا أشد وأنجبُ
يقول لم يعدم هؤلاء الذين لقوك محاربين شجاعةً وشدةَ إقدامٍ أي كانوا شجعاء أشداء ولكن أصحابك كانوا أشد منهم وأنجب وهذا كقول زفر بن الحارث، سقيناهم كأسا سقونا بمثلها، ولكنهم كانوا على الموت أصبرا،
ثناهم وبرق البيضِ في البيضِ صادق عليهم وبرق البيض في البيضِ خلبُ
يقول هزمهم فصرفهم عن وجههم وبرق السيوف صادق لأنه يتبعه سيلان الدم وبرق البيض خلب لأنه تبرق ولا تسيل الدم
سللت سيوفا علمت كل خـاطـبِ على كل عودٍ كيف يدعو ويخطبُ
يقول سيوفك تعلم الخطباء الخطبة بإسمك في الدعاء لك لأنك أخذت البلاد بنفسك فصار خطيب كل بلد يخطب على إسمك
ويغنيك عما ينسبُ الناس أنـه إليك تناهي المكرمات وتنسبُ
يقول يغنيك عن نسبة الناس إلى قبائلهم وعشائرهم إن المكرمات انتهت إليك ونسبت إليك أي لم يكن لك نسب في العرب فإنك أصل في المكارم وهذا من قول ابن أبي طاهر، خلائقهُ للمكرمات مناسبٌ، تناهى إليها كل مجدٍ مؤثلِ،
وأي قبيلٍ يستحـقـك قـدرهُ معد بن عدنانٍ فداك ويعربُ
يقول أي أسرة تستحق أن تنسب إليها فأنك فوق كل أحد
وما طربي لمـا رأيتـك بـدعةً لقد كنت أرجو أن أراك فأطربُ
هذا البيت يشبه الاستهزاء به لأنه يقول طربت على رؤيتك كما يطرب الإنسان على رؤية القرد وما يستملحه ويضحك منه قال ابن جنى لما قرأت على أبي الطيب هذا البيت قلت له اجعلت الرجل أبا زنة فضحك لذلك
وتعذلني فيك القوافي وهمتي كأني بمدحٍ قبل مدحك مذنبُ
المصراع الأول هجاء صريح لولا الثاني يقول كأني قد أتيت ذنبا بمدح غيرك والقوافي تعذلني تقول لمَ لم تقصر شعرك عليه وكذلك همتي تلومني في مدح غيرك وهذا من قول الطائي، وهل كنت إلا مذنبا يوم أنتحي، سواك بآمالي فجئتك تائبا،
ولكن طال الطريق ولم أزل أفتشُ عن هذا الكلام وينهبُ
يعتذر إليه من مدح غيره يقول بعد الطريق بيننا ولم أزل يطلب مني الشعر وأكلف المديح وينهب كلامي
فشرق حتى ليس للشرقِ مشـرقٌ وغرب حتى ليس للغرب مغربُ
فبلغ كلامي الشرق حتى انتهى إلى حيث لا مشرق أمامه يعني بلغ أقصاه وكذلك من جانب المغرب وهذا من قول الطائي، فغربت حتى لم أجد ذكر مشرقٍ، وشرقت حتى قد نسيت المغاربا،
إذا قلتهُ لم يمتنع من وصولهِ جدارٌ معلى أو خباءٌ مطنبُ
يقول إذا قلت شعرا لم يمتنع من وصوله إليه مدر ولا وبر فالجدار المعلى لأهل الحضر والخباء المطنب لأهل الوبر يذكر أن شعره قد عم الأرض كما قال، قوافٍ إذا سرن من مقولي، وثبن الجبال وخضن البحارا وبلغ أبا الطيب أن قوما نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب فقال سنة 348
بم التعلل لا أهل ولا وطـنُ ولا نديمٌ ولا كأس ولا سكنُ
يشكو الزمان يقول بأي شيء أعلل نفسي وأنا بعيد عن أهلي ووطني وليس لي مما أعلل النفس به مما ذكره
أريد من زمني ذا أن يبلغنـي ما ليس يبلغه من نفسه الزمنُ
يقول اطلب من الزمان استقامة الأحوال والزمان لا يبلغ هذا من نفسه لأنه ربيع وصيف وشتاء وخريف ويجوز أن المعنى أن همته أعلى من أن يكون في وسع الزمان البلوغ إليها وهو يتمنى على الزمان أن يبلغه ما في همته ويجوز أن يريد أنه يطالب الزمان بأن يخليه من الاضداد والزمان ليس يبلغ هذا من نفسه فإن الليل والنهار كالمتضادين ويجوز أن يريد أني أقترح على الزمان الاستبقاء وهو لم ينل في نفسه البقاء فيكون قد ألم بقول البحتري، تناب النائبات إذا تناهت، ويدمر في تصرفه الدمارُ،
لا تلق دهرك إلا غير مكتـرثٍ ما دام يصحب فيه روحك البدنُ
أي ما دمت حيا فلا تبال بالزمان وصروفه ونوائبه فإنها تزول ولا تبقى والذي لا عوض منه إذا فات هو الروح فقط
فما يدوم سرور ما سررت به ولا يريد عليك الفائت الحزنُ
هذا تأكيد للذي قبله يقول لا تبال بما يحدثه لك الدهر فإن المفروح به لا يدوم فرح لأنه لا يجوم والحزن على الغائب لا يرده عليك
مما أضر بأهل العـشـق أنـهـمُ هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
يعني بأهل العشق الذين يعشقون الدنيا يقول أنهم لم يعرفوا أن الدنيا لا توافقهم ولا تساعدهم ولا تبقى عليهم فجهلهم بها أضر بهم حتى تعبوا في جمع ما لا يبقى
تفنى عيونهم دمعا وأنفسـهـم في إثر كل قبيحٍ وجههُ حسنُ
يعني يبكون حتى تفنى عيونهم بالبكاء وأنفسهم بالحزن على كل مستحسنٍ في الظاهر قبيحٍ عند التفحص وهو الدنيا ومتاعها
تحملوا حملتكم كل نـاجـيةٍ فكل بين عليَّ اليومَ مؤتمنٌ
الناجية الناقة المسرعة قال ابن جنى هذا تشبيب من يضمر في نفسه عتبا وموجدةً يريد أنه قد أظهر على قوله ما أضمره في نفسه يقول ارتحلوا عني حملتكم كل مسرعة على طريق الدعاء فالفراق مؤتمن عليّ أي أرضى بحكمه ولا تضرني غائلته والمعنى لا أحزن لفراقكم
ما في هوادجكم من مهجتي عوضٌ ن مت شوقا ولا فيها لها ثـمـنُ
يقول لستم أهلا لأن تبذل فيكم الأرواح شوقا إليكم ومحبةً لكم فلست بدلا لي عن الروح إن فاتتني
يا من نعيت على بعد بمجلسه كل بما زعم الناعون مرتهنُ
أي كل أحد مرتهن بالموت لا بد منه
كم قد قتلت وكم قد متُّ عندكـمُ ثم انتفضت فزال القبرُ والكفنُ
أي قد أخبرتم بموتي وتحقق ذلك عندكم ثم بان الأمر بخلاف ذلك فكأني كنت ميتا ثم خرجت من القبر
قد كان شاهد دفني قـولـهـم جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا
قبل قولهم يريد قول الناعين يعني قوما نعوه قبل هؤلاء واخبروا أنهم شاهدوا دفنه ثم ماتوا قبل المتنبي
ما كل ما يتمنى الـمـرء يدركـه تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
يجوز نصب كل على لغة تميم لأن ما عندهم غير عاملة فتنصب كل بفعل مضمر يفسره قوله يدركه كأنه قال ما يدركه كلَّ ما يتمنى المرء وعلى لغة الحجاز ترفع كل بما لأنها عاملةٌ عندهم والمعنى أن أعدائي لا يدركون ما يتمنون فإن الرياح لا تجري كلها على ما تريده السفن يعني أهلها
رأيتكم لا يصون العرض جاركمُ ولا يدر على مرعاكم اللبـنُ
يقول أنتم تذلون الجار وتشتمون عرضه فمن جاوركم لم يقدر على صون عرضه منكم والنعم إذا رعى أرضكم لم يدر اللبن على ذلك المرعي لوخامته وهذا من أوجع الهجاء
وتغضبون على من نال رفدكم حتى يعاقبه التنغيص والمننُ
أي لا يخلوا عطاؤكم من المنن والأذى حتى يصير آخذه معاقبا بتنغيص ما أخذه بالمنة وهذا كله تعريض لسيف الدولة
فغادر الهجر ما بيني وبينـكـم يهماء تكذب فيها العينُ والأذنُ
اليهماء الأرض التي لا يهتدي فيها يقال بر أيهم وفلاةٌ يهماء يدعو بالبعد بينهم وبينه بأرضٍ ترى فيها العين ما لا حقيقة له وتسمع فيها الأذن ما لا حقيقة له وسالك المفاوز والقفار يتخايل لعينه الأشياء ولسمعه الأصوات ومن هذا قول ذي الرمة، إذا قال حادينا ليسمع نبأةً، صهٍ لم يكن إلا دويَّ المسامعِ،
تحبو الرواسم من بعدِ الرسيم بهـا وتسأل الأرض عن أخفافها الثفنُ
الرواسم الإبل التي سيرها الرسيم وهو ضرب من السير يقول تسقط أخفاف الإبل بها لطول سيرها فيها فتحبو بعد أن كانت تسير الرسيم على ثفناتها وهي الواضع التي تبرك عليها وتقول الثفنات للأرض أين ذهبت الخفاف وكيف سقطت حتى انتقل السير إلى الحبو عليها وهذا مثلٌ لطول السير أي لو قدرت على السؤال لسألت
أني أصاحبُ حلمي وهو بي كرمٌ ولا أصاحبُ حلمي وهو بي جبنُ
يقول أحلم عمن يؤذيني ما دام حلمي كرما فإذا كان حلمي جبنا لم أحلم كما قال الفند، وبعض الحلم عند الجهل للذلةٍ إذعانُ،
ولا أقيم على مـالٍ أذل بـه ولا ألذ بما عرضي به درنُ
أي لا آخذ المال بالذل وكل مال يحصل لي بذل تركته ولا استطيب شيئا يلطخ عرضي بأخذه والدرن الوسخ
سهرت بعد رحيلي وحـشةً لـكـم ثم استمر مريري وارعوي الوسنُ
يقول لما فارقتكم استوحشت لفراقكم حتى امتنع رقادي أي لإلفي إياكم على جفائكم ثم قويت فتصبرت وعاد إليّ النوم والمرير ما فتل من قويِّ الحبل يقال استمر مريره إذا قوي عزمه
وإن بليت بودٍ مثل ودكمُ فإنني بفراقٍ مثلهِ قمنُ
يقول إن كنت في قوم آخرين فعاملوني معاملتكم فارقتهم كما فارقتكم وهذا تعريض بالأسود يعني أنه إن جرى على رسمكم الحقته بكم في الفراق ومثل هذه الأبيات ما أنشده المبرد، لا تطلب الرزق بإمتهان، ولا ترد عرف ذي امتنان، واسترزق الله فاستعنه، فإنه خير مستعان، أشد من فاقةٍ وجوعٍ، إغضاء حر على هوان، وإن نبا منزل بقومٍ، فمن مكانٍ إلى مكانِ،
أبلى الأجلة مهري عند غيركـم وبدل العذر بالفسطاط والرسنُ
يقال جل وجلالٌ وأجلة والعذر جمع عذار الفرس والفسطاط اسم لمصر وفيه ست لغات معروفة يقول طال بمصر مقامي لإكرام مثواي هناك حتى بليت جلالُ الفرس وعذره ورسنه فأبدلت بغيرها وعبر عن طول المقام ببلي هذه الأشياء
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت في جوده مضر الحمراء واليمنُ
مضر الحمراء هو مضر بن نزار ولما مات نزار تحاكم أولاده ربيعة ومضر وإياد وأنمار إلى جرهم في قسم ميراثه فأعطى ربيعةُ الخيل فسمي ربيعةَ الفرس وأعطى إياد الإبل فسمي إيادَ النعم وأعطى مضر الذهب فسمي مضر الحمراء وما فضل من سلاحٍ وأثاث أعطى إنمارا فسمي إنمار الفضل واليمن ليسوا من أولاد مضر فلذلك افردهم بالذكر
وإن تأخر عني بعض موعدهِ فما تأخر آمالي ولا تهـنُ
يعني أن عداتهِ زائدةٌ على آماله يقول هو ينفذ آمالي وليس يتأخر عني ما آمله ولا يضعف رجائي عنده وإن تأخر بعض موعده ثم ذكر عذر تأخره بقوله
هو الوفيُّ ولكني ذكرتُ له مودةً فهو يبلوها ويمتحنُ
يقول هو يفي بما وعد غير أنه يمتحن ما ذكرت له من المودة والمحبة في الإنقطاع إليه ومما قال بمصر ولم ينشدها الأسود ولم يذكره فيها
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا وعناهم من شأنه ما عنانا
وتولوا بغصةٍ كلهـم مـن ه وإن سر بعضهم أحيانا
يعني لم ينل أحد مراده من الدنيا ولم يبلغ أمله ومات بغصته وإن سر في بعض الأحايين
ربما تحسن الصنيع ليالي ه ولكن تكدر الإحسانا
عادة الدهر هكذا يعطي ثم يرجع فيما يعطى ويحسن ولا يتمم الإحسان كما قال، الدهرُ أخذُ ما أعطى مكدر ما، أصفا ومفسدُ ما أهوى له بيدِ،
وكأنا لم يرض فينا بريب ال دهر حتى أعانه من أعانا
يقول هذا الذي أعان عليَّ الدهر كأنه لم يرض بما يصيبني من محنه حتى أعانه عليّ كما قال الآخر، أعانَ عليَّ الدهرَ إذ حك بركهُ، كفى الدهرُ لو وكلتهُ بي كافيا،
كلما أنبت الزمـان قـنـاةً ركب المرء في القناة سنانا
يقول إذا ابتدر الزمان للاساءة بما جبل عليه صارت عداوة المعادي مددا لقصده فجعل القناة مثلا لما في طبع الزمان وجعل السنان مثلا للعداوة
ومراد النفوس أضغر من أن نتعادى فيه وأنا نتـفـانـا
هذا نهي عن المعاداة والتحاسد لأجل مراد النفس فإنه أقل من أن تتكلف لأجله معاداة الرجل
غير أن الفتى يلاقي المنايا كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا
يعني أن الحر أحب إليه الموت من أن يلقى ذلا وهوانا
ولو أن الحيوة تبقى لحيٍّ لعددنا أضلنا الشجعانا
يقول لو كانت الحياة باقيةً لكان الشجاع الذي يتعرض للقتل بحضور القتال أضل الناس يعني أن الحيوة لا تبقى وإن جبن الإنسان ولزم بيته وحرص على البقاء ثم أكد هذا بقوله
وإذا لم يكـن مـن الـمـوت بـد فمن العجز أن تكون جـبـانـا
كل ما لم يكن من الصعب في الأن فس سهلٌ فيها إذا هـو كـانـا
يقول إنما يصعب الأمر على النفس قبل وقوعه فإذا وقع سهل كما قال البحتري، لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه، وأبرح مما حل ما يتوقع وقال يذكر خروج شبيب العقيلي سنة 348
عدوك مذموم بكـل لـسـانِ ولو كان من أعدائك القمرانِ
يقول من عاداك دل على جهالته وسقطت منزلته عند الناس حتى ذمه كل احد ولو كان القمران من أعدائك لصارا مذمومين مع عموم نفعهما وإرتفاع منزلتهما
ولله سر فـي عـلاك وإنـمـا كلام العدي ضرب من الهذيانِ
يقول لله تعالى سر فيما أعطاك من العلو والبسطة لا يطلع الناس على ذلك السر ولا يعلمون ما هو وما يخوض الأعداء فيه من الكلام فيك نوع من الهذيان بعد أن أراد الله فيك ما أراد وهذا إلى الهجاء أقرب لأنه نسب علوه على الناس إلى قدرٍ جرى به من غير استحقاق والقدر قد يوافق بعض الناس فيعلو ويرتفع على الأقران وإن كان ساقطا باتفاقٍ من القضاء
أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت قيام دليلس أو وضوح بيانِ
يقول هل يطلبون دليلا على سيادتك وعلى أن الله يريد أن يرفع محلك على من يعاديك بعد ما رأوا ثم ذكر ما رأوا فقال
رأت كل من ينوي لك الغدر يبتلي بغدر حيوةٍ أو بـغـدر زمـانِ
أي رأت الأعداء كل من ينطوي لك على غدرٍ أو يضمر لك خلافا غدرت به حياته فهلك بآفةٍ تصيبه
برغم شبيبٍ فارق السيف كفُه وكانا على العلاتِ يصطحبانِ
يعني هلك ففارق كفه سيفه بهلاكه وكانا مصطحبين على كل حال
كأن رقاب الناس قالت لسيفه رفيقك قيسي وأنت يماني
قيس من عدنان واليمن من قحطان وبينهما تنازع واختلاف يقول الرقاب نادت سيفه لكثرة قطعه إياها وكأنها قالت إغراء بينه وبين سيفه ليفترقا شبيب الذي يصاحبك قسي وأنت يمني والنصل الجيد يكون يمنيا ففارقه سيفه لما علم أنه مخالف له في الأصل
فإن يك إنسانا مضى لسبيلهِ فإن المنايا غاية الحيوانِ
أي أن يك شبيب قد هلك ومات فإن غاية الحيوان الموت فلا عار عليه من ذلك
وما كان إلا النار في كل موضعٍ تثير غبارا في مكـان دخـانِ
أي كان سبب الشر والفتنة وكان نارا على اعدائه غير أن دخانه الغبار
فنال حيوة يشتهـيهـا عـدوهُ وموتا يشهي الموت كل جبانِ
يقول نال اطيب حياةٍ عدوه يشتهي مثل تلك الحياة يعني عاش في عز ومنعة ثم مات موتا يشهي ذلك الموت إلى الجبناء الموت لأنه كان موتا في عافيةٍ من غير تقدم ألمٍ ولا مرض ويذكره كيف كان والتشهية لا يتعدى إلى مفعولين إلا بحرف جر وقد حذفه وهو يريده كأنه قال يشهى الموت إلى كل جبان
نفى وقع أطرافه الرماح برمحهِ ولم يخش وقع النجم والدبرانِ
يقول نفى عن نفسه الرماح برمحه يعني أنه كان شجاعا يقي نفسه برمحه ولكنه لم يكن مناحس النجوم في حسابه والدبران من النحوس في حكم المنجين وزعمهم والمعنى أنه دفع نحوس الأرض عن نفسه ولم يقدر على دفع نحوس السماء
ولم يدر أن الموت فوق شواتهِ معار جناحٍ محسنِ الطيرانِ
ويروي معار جناح محسن الطير أي لم يدر أن الموت قد أعير جناحا فهو يرفرف فوق رأسه ليقع عليه من علو وذلك فيما يقال أن امرأة أدلت على رأسه رحى من سور دمشق
وقد قتل الأقران حتى قتلتـهُ بأضعف قرنٍ في أذل مكانِ
ذكر في قصته أنه كان يحارب أهل دمشق ويريد الغلبة عليها فسقط على الأرض وثار من سقطته فمشى خطواتٍ فلما سار سقط ميتا ولم يصبه شيء وكثر تعجب الناس من أمره حتى قال قوم أنه كان مصروعا فأصابه الصرع في تلك الساعة فانهزم أصحابه وقتل وزعم قوم أنه شرب وقت ركوبه سويقا مسموما فلما حمى عليه الحديد عمل فيه السم فهو قوله حتى قتلته بأضعف قرن يعني السم في أذل مكانٍ يعني في غير الحرب ومعركة القتال
أتـــــــتـــــــه الـــــــمـــــــنـــــــايا فـــــــي طـــــــريق خـــــــفــــــــيةٍ علـــــــى كـــــــل ســـــــمـــــــعٍ حـــــــولـــــــــــــهُ وعـــــــــــــــيانِ
يعني أنه مات فجاءة من غير أن استدل احد على موته بمرئي أو مسموع كما قال يزيد المهلبي، جاءت منيته والعين هاجعةٌ، هلا أتته المنايا والقنا قصد،
ولو سلكت طرق السلاح لردها بطـــــــول يمـــــــينٍ واتـــــــســـــــــــــاع جـــــــــــــــنـــــــــــــــانِ
أي لو أتته منيته من طريق السلاح لدفعها عن نفسه بطول يده وسعة صدره أي ما كان يقدر على قتله لو أراد ذلك اعداؤه
تقصده المقدار بين صحابهِ على ثقةٍ من دهره وأمانِ
يقال تقصده وأقصده إذا قتله والمقدار وهو القضاء يقول أهلكه القضاء وهو بين اصحابه واثق بالحيوة آمن من الموت
وهل ينفع الجيش الكثير التفافه على غير منصورٍ وغير معانِ
يريد أن الجيش الكثير لا ينفع من لم يكن منصورا من قبل الله تعالى معانا كما لم ينفع شبيبا كثرة أصحابه والالتفاف الاجتماع يقال التف عليه الناس إذا ازدحموا حوله
ودي ما جنى قبل المبيت بنفسهِ ولم يده بالجمال العكـنـانِ
الجامل اسم للجمال الكثيرة كالباقر اسم لجماعة البقر والعكنان الإبل الكثيرة أي أدى دية من قتل من الناس بنفسه قبل إن دخل عليه الليل ولم يؤد الدية بالإبل يريد أنه هلك فصار كأنه أقتص منه
أتمسك ما أوليته يد عاقـلٍ وتمسكُ في كفرانهِ بعنانِ
هذا استفهام معناه الإنكار أي العاقل لا يجمع بين إمساك ما اعطيته من النعم وإمساك العنان في الكفران لأن من كان عاقلا لم يكفر نعمة المنعم عليه وهذا إشارة إلى أن شبيبا كفر نعمتك فصرعه شؤم الكفران حتى هلك قال ابن جنى يقول إذا كفر نعمتك من تحسن إليه لم تنقبض يده على عنانه تخاذلا
ويركب ما أركبته من كـرامةٍ ويركب للعصيان ظهر حصانِ
هذا عطف على ما قبله من الإنكار أي لا يجتمع لأحد أكرامك ومعصيتك
ثنى يده الإحسان حتى كأنهـا وقد قبضت كانت بغير بنانِ
يقول إحسانك إليه رد يده عما امتدت فيه حتى كأنها وهي مقبوضة لم تنبسط فيما أراد كانت بغير بنان لأن القبض يحصل بالبنان فإذا كانت اليد بغير بنانٍ لم يحصل القبض وكأنها مقبوضة حين لا تقدر على القبض والإنبساط ومن روى قبضت على إسناد الفعل إلى اليد كان المعنى أن يده وإن كانت قابضةً لما صرفت عما قصدت له صارت كأنها بغير بنان وغير قابضة
وعند من اليوم الوفاء لصاحبٍ شبيب وأوفى من ترى أخوانِ
يقول من الذي يفي لصاحبه يومنا هذا وأوفى الناس غادر كشبيبٍ وهما أخوان في الغدر
قضى الله يا كافـور أنـك أولٌ وليس بقاضِ أن يرى لك ثاني
هذا من اجود ما مدح به ملك يقول قضى الله أنك أول في المكارم والمعالي ولم يسبقك أحد إلى ما سبقت إليه ولم يقض أن يلحقك أحد أو يكون لك مثل فيصير ثانيك
فما لك تختار القسـيَّ وإنـمـا عن السعد يرمي دونك الثقلانِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:37 pm

أنكر عليه اختيار القسي لرمي الأعداء وهم يرمون من كانوا من الجن والإنس عن قوس سعادته يعني أن قضاء سعادتك يرميهم عنك فلا تحتاج إلى ما تستجيده من القسي
وما لك تعني بالأسنة والقنا وجدك طعان بغير سنانِ
يقول ولم تعتني بإدخار الأسنة والرماح وبختك يطعن أعداءك فيقتلهم بغير سنان
ولم تحمل السيف الطويل نجاده وأنت غنيٌّ عنه بالحـدثـانِ
يقول أنت مستغنٍ بحوادث الدهر عن استعمال السيف في قتل اعدائك فكل هذا إشارة إلى مصرع شبيب في الخروج عليه من غير أن حصل هلاكه بنوع سلاح
أرد لي جميلا جدت أو لم تجد به فإنك ما أحببت فـي أتـانـي
يريد أن القضاء موافق لارادته فإذا أراد به خيرا أتاه ذلك وإن لم يجد به عليه
لو الفلك الدوار أبغضت سعيهُ لعوقه شيء عن الـدورانِ
يقول لو أبغضت دوران الفلك لحدث شيء يمنعه عن الدوران وهذه أبياتٌ ليس في معناها مثل لها وقال بمصر يذكر حمى كانت تناله في ذي الحجة سنة 348
ملومكما يجل عن الملامِ ووقع فعالهِ فوق الكلامِ
يقول لصاحبيه اللذين يلومانه على الأخطار بنفسه وتجشم الأسفار في طلب المعالي ملومكما يعني نفسه أجل من أن يلام لأن فعله جاز طوق القول فلا يدرك فعله بالوصف والقول لأنه لا مطمع للائمٍ فيه بان يطيعه أو يخدعه هو بلومه
ذراني والفلاة بـل دلـيلٍ ووجهي والهجير بلا لثامِ
الفلاة والهجير ينتصبان لأنهما مفعولٌ معهما يقول ذراني مع الفلاة فإني أسلكها بغير دليل لأهتدائي فيها وذراني مع الهجير أسير فيه بغير لثام على وجهي لاعتيادي ذلك
فإني أستريح بذي وهذا وأتعب بالإناخة والمقامِ
يعني بالفلاة والهجير يقول راحتي فيهما وتعبي في النزول والإقامة
عيون رواحلي إن حرت عيني وكل بغام رازحةٍ بغـامـي
قال ابن جنى معناه إن حارت عيني فأنا بهيمةٌ مثلهن وعيني عينها وصوتي صوتها كما تقول إن فعلت كذا فأنت حمار وأنت بلا حاسة وزاد ابن فورجة لهذا بيانا فقال يريد أنه بدوي عارف بدلالات النجوم بالليل فيقول إن تحيرت في المفازة فعيني البصيرة عين راحلتي ومنطقي الفصيح بغامها وقال غيرهما عيون رواحلي تنوب عن عيني إذا ضللت فأهتدي بها وصوتها إذا احتجت إلى أن أصوت ليسمع الحي ليقوم مقام صوتي وإنما قال بغامي على الإستعارة
فقد أرد المياه بغـير هـادٍ سوى عدي لها برق الغمامِ
يقول لا احتاج في ورود الماء إلى دليل يدلني سوى أن أعد برق الغمام فأتبعه قال يعقوب العرب إذا عدت للسحابة مائة برقةٍ لم تشكك في أنها ماطرة فتتبعها على الثقة بالمطر
يذم لمهجتي ربي وسيفي إذا احتاج إلى الذمـامِ
يقول من احتاج في سفره إلى جوارْ وعهدٍ ليأمن بذلك فأنا في جوار الله وجوار سيفي لا استصحب أحداً في سفري لآمن بصحبته
ولا أمسي لأهل البخل ضيفـا وليس قرى سورى مخ النعامِ
يقول لا أكون ضيفا للبخيل وإن لم يكن لي طعام البتة لأنه لا مخ للنعام ويجوز أن يريد بهذا إن البخيل لا قرى عنده ويروي مح بالحاء والمعنى لو لم يكن لي قرى سوى بيض النعام شربته ولم آت بخيلا
ولما صار ود الناس خبـا جزيت على ابتسامٍ بابتسامِ
يقول لما فسد ود الناس عاملتهم بمثل ما يعاملونني به أي يكاشرونني واكاشرهم
وصرت أشك فيمن أصطفيه لعلمي أنه بعض الأنامِ
يقول لعموم الفساد في الخلق كلهم إذا اخترت أحدا للمودة لم أكن على ثقةٍ من مودته لعلمي أنه من جملة الخلق
يحب العاقلون على التصافي وحب الجاهلين على الوسامِ
يقول العاقل إنما يحب من يحبه على صفاء الود فمن اصفى له الود أحبه والجاهل يحب على كمال الصورة وجمالها وذلك حب الجهال لأنه ليس كل جميل المنظر يستحق المحبة كخضراء الدمن رائق اللون وبي المذاق
وأنف من أخي لبي وأمي إذا ما لم أجده من الكرامِ
أرى الأجداد تغلبها كثـيرا على الأولاد أخلاق اللئامِ
يقول خلق اللئيم قد يغلب الأصل الطيب حتى يكون صاحبه لئيما وإن كان من أصل كريم كما قال آخر، أبوك أب حر وأمك حرة، وقد يلد الحران غير نجيبِ، وقال آخر، لئن فخرت بآباء لهم شرف، لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا،
ولست بقانعٍ من كل فضلٍ بأن أعزي إلى جد همامِ
يقول لا أقنع من الفضل بأن أنسب إلى جد فاضل يعني إذا لم أكن فاضلا بنفسي لم يغن عني فضل جدي
عجبت لمن له قد وحد وينبو القضم الكهامِ
القضم السيف الذي فيه فلول والكهام الذي لا يقطع يقول عجبت لمن له قد الرجال وحد النصال ثم لا ينفذ في الأمور ولا يكون ماضيا
ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سـنـامِ
وعجبت لمن وجد الطريق إلى معالي الأمور فلا يقطع إليها الطريق ولايتعب مطاياه في ذلك الطريق حتى تذهب أسنمتها
ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام
ولا عيب أبلغ من عيب من قدر أن يكون كاملا في الفضل فلم يكمل أي لا عذر له في ترك الكمال إذا قدر على ذلك ثم تركه والعيب الزم له من الناقص الذي لا يقدر على الكمال
أقمت بأرض مصر فلا ورائي تخب بي الركاب ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنـبـي يمل لقاءة فـي كـل عـامِ
يقول إن مرضه قد طال حتى مله الفراش وكان هو يمل الفراش وإن لاقاه جنبه في العام مرة واحدة لأنه أبدا كان يكون في السفر
قليل عائدي سـقـم فـؤادي كثير حاسدي صعبٌ مرامي
أي أني بها غريب فليس يعودني بها إلا القليل من الناس وفؤادي سقيم لتراكم الأحزان عليه وحسادي كثير لوفور فضلي ومرامي صعب لأني أطلب الملك
عليل الجسم ممتنع الـقـيامِ شديد السكر من غير المدامِ
وزائرتي كأن بـهـا حـياء فليس تزور إلا في الظلامِ
يريد حمى كانت تأتيه ليلا يقول كأنها حيية إذ كانت لا تزورني إلا في ظلام الليل
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
يقول هذه الزائرة يعني الحمى لا تبيت في الفراش وإنما تبيت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها فتوسعه بأنواع الـسـقـامِ
يقول جلدي لا يسعها ولا يسع أنفاسي الصعداء والحمى تذهب لحمى وتوسع جلدي بما تورده عليّ من أنواع السقام
إذا ما فارقتني غسلتنـي كانا عاكفان على حرامِ
يريد أنه يعرق عند فراقها فكأنها تغسله لعكوفهما على ما يوجب الغسل وإنما خص الحرام لحاجته إلى القافية وإلا فالإجتماع على الحلال كالاجتماع على الحرام في وجوب الغسل
كأن الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعةٍ سـجـامِ
يعني أنها تفارقه عند الصبح فكأن الصبح يطردها وكأنها تكره فراقه فتبكي بأربعة آماق يريد كثرة الرحضاء والدمع يجري من المؤقين فإذا غلب وكثر جرى من اللحاظ أيضا فأراد بالأربعة لحاظين ومؤقين للعينين ولم يعرف ابن جنى هذا فقال أراد الغروب وهي مجاري الدمع والغروب لا تنحصر بأربعة سجام فحذف المضاف
أراقب وقتها من غير شوقٍ مراقبة المشوق المستهامِ
وذلك أن المريض يجزع لورود الحمى فهو يراقب وقتها خوفا لا شوقا
ويصدق وعدها والصدق شر إذا ألقاك في الكرب العظامِ
يريد أنها صادقة الوعد في الورود وذلك الصدق شر من الكذب لأنه صدق يضر ولا ينفع كمن أوعد ثم صدق في وعيده
أبنت الدهر عندي كل بـنـتٍ فكيف وصلت أنت من الزحامِ
يريد ببنت الدهر الحمى وبنات الدهر شدائده يقول يا حماي عندي كل شديدة فكيف وصلت إليّ وقد تزاحمت عليّ الشدائد ألم يمنعك زحامها من الوصول إليّ وهذا من قول الآخر، أتيت فؤادها أشكو إليه، فلم أخلص إليه من الزحام،
جرحت مجرحاً لم يبق فيه مكان للسيوف وللسـهـامِ
ألا يا ليت شعر يدي أتمسى تصرف في عنانٍ أو زمامِ
يقول ليت يدي علمت هل تتصرف بعد هذا في عنان الفرس أو زمام الناقة والمعنى ليتني علمت هل أصح فأسافر على الخيل والإبل
وهي أرمي هوايَ براقصاتٍ محلاة المقاود بالـلـغـامِ
يريد بالراقصات أبلا تسير للرقص وهو ضرب من الخبب يقول وهل أقصد ما أهواه من مطالبي ومقاصدي بإبلٍ تسير الرقص وقد حليت مقاودها وأزمنتها كما قال منصور النمري، من كل سمح الخطا وكل يعملةٍ، خرطومها باللغام الجعدِ ملتفعِ،
فربتما شفيت غليل صدري بسيرٍ أو قناةٍ أو حسـامِ
يريد حين كان صحيحا يسافر ويقاتل فيشفي غليله بالسير إلى ما يهواه وبالسيف والرمح
وضاقت خطة فخلصت منهـا خلاص الخمر من نسج الفدامِ
يقول ربما ضاق أمر عليَّ فكان خلاصي منه خلاص الخمر من النسج الذي تفدم به أفواه الأباريق لتصفية الخمر
وفارقت الحبيب بلا وداعٍ وودعت بالبلاد بلا سلامِ
أي وربما فارقت الحبيب بلا وداع يريد أنه قد هرب من أشياء كرهها دفعاتٍ فلم يقدر على توديع الحبيب ولا على أن يسلم على أهل ذلك البلد الذي هرب منه
يقول لي الطبيب أكلت شيئا ودائك في شرابك والطعامِ
أي الطبيب يظن أن سبب دائي الأكل والشرب فيقول كلت كذا وكذا مما يضر
وما في طبهِ أنـي جـوادٌ أضر بجسمهِ طول الجمامِ
ليس في طب الطبيب أن الذي أضر بجسمي طول لبث وقعودي عن السفر كالفرس الجواد يضر بجسمه طول قيامه على الآري فيصير به جاماً والجمام ضد التعب
تعود أن يغبر في السرايا ويدخل من قتامٍ في قتامِ
هذامن صفة الجواد يقول عادته أن يثير الغبار في العساكر ويدخل من هذه الحرب في أخرى والقتام الغبار وأراد بدخول القتام حضور الحرب
فأمسك لا يطال له فـيرعـى ولا هو في العليق ولا اللجامِ
أي أمسك هذا الجواد لا يرخى له الطول فيرعى فيه ولا هو في السفر فيعتلف من المخلاة التي تعلق على رأسه وليس و في اللجام وهذا مثل ضربه لنفسه وأنه حليف للفراش ممنوع عن الحركة
فإن أمرض فما مرض اصطباري وإن أحمم فما حم اعـتـزامـي
أي أن مرضت في بدني فإن صبري وعزمي على ما كانا عليه من الصحة
وإن اسلم فما أبقـى ولـكـن سلمت من الحمام إلى الحمامِ
وأن أسلم من مرضي لم أبق خالدا ولكن سلمت من الموت بهذا المرض إلى الموت بمرضٍ وسببٍ آخر وهذا يقرب من قول طرفة، لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى، لكالطول المرخى وثنياه باليد، ومن قول الاخر، إذا بل من داء به خال أنه، نجا وبه الداء الذي هو قاتله،
تمتع من سـهـادٍ أو رقـادٍ ولا تأمل كرى تحت الرجامِ
الرجام القبور المبنية من حجارة واحدها رجم يقول ما دمت حيا فتمتع من حالتي السهاد والنوم فلا ترج النوم في القبر
فإن لثالث الحالين معـنـى سوى معنى انتباهك والمنامِ
يريد بثالث الحالين الموت يقول الموت غير اليقظة والرقاد فلا تظنن الموت نوما وقال يمدح كافورا الإخشيدي وأنشده إياها في شوال سنة 347 ولم يلقه بعدها
منى كنَّ لي أن البياضَ خضابُ فيخفى بتبييضِ القرون شبابُ
أي مشيبي هذا وإن يكون البياض خضابا لي يخفى به سواد شعري مني كانت لي قديما وسمى البياض بالشيب خضابا لخفاء السواد به كما أن السواد الذي يخفى به البياضُ يسمى خضابا والقرون الذوائب
ليالي عند البيض فوادي فـتـنةٌ وفخرٌ وذاك الفخر عندي عابُ
أي تمنيت ذاك ليالي كان رأسي فتنةً عند النساء لحسن شعري وسواده وكن يفتخرن بوصلي وذاك الفخر عندي عيب لأني أعف عنهن وأزهد في وصالهن وإنما تمنى الشيب لأن للشباب باردةً وللمشيب أناةً كما قال، والشيبُ اوقر والشبيبة أنزق،
فكيف أذم اليوم ما كنت أشتهي وأدعو بما أشكوه حين أجابُ
يقول كيف أذم الشيب وكنت أتمناه وأهواه وكيف أدعو بما إذا أجبت إليه شكوته يعني لا أشكو الشيب انتهاء وقد دعوته ابتداء ويجوز أن يكون المعنى كيف أدعو الشبيبة بشكاية الشيب وأنا لو أجبت إليها لشكوتها فإني كنت أتمنى زوالها وقد أحتذي في هذه الأبيات على قول ابن الرومي، هي الأعين النجلُ التي كنت تشتكي، مواقعها في القلب والرأس أسود، فما لك تأسى الآن لما رأيتها، وقد جعلت مرمى سواك تعمدُ، فنقل نظر الأعين إلى ذكر المشيب والشباب
جلا اللون عن لونٍ هدى كل مسلـكٍ كما انجاب عن ضوء النهار ضبابُ
يقول كان الشيب كامنا في الشباب فلما انتقل عنده بدا وجلا معناه زال وانكشف من قولهم جلا القوم عن منازلهم إذا خرجوا يقول زال لون السواد عن لونٍ هدي كل مسلك يعني لون الشيب فإنه يهدي صاحبه إلى كل طريق من الرشد والخير وشبه زوال سواد الشباب عن بياض المشيب بإنقطاع الضباب عن ضوء النهار
جلا اللون عن لون هدي كل مسلـكٍ كما انجاب عن ضوء النهار ضبابُ
يقول كان الشيب كامنا في الشباب فلما انتقل عنه بدا وجلا معناه زال وانكشف من قولهم جلا القوم عن منازلهم إذا خرجوا يقول زال لون السواد عن لونٍ هدي كل مسلك يعني لون الشيب فإنه يهدي صاحبه إلى كل طريق من الرشد والخير وشبه زوال سوادِ الشباب عن بياض المشيب بإنقطاع الضباب عن ضوء النهار
وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبهِ ولو أو أن ما الوجه منه حرابُ
لما ذكر أ،ه كان يتمنى الشيب وهو سبب العجز والضعف ذكر أن همته وعزيمته وما فيه من معاني الكرم لا تشيب ولا يدركها العجز والضعف بشيب جسمه ولو أن الشعرات البيض في وجهه كانت حرابا
لها ظفر إن كل ظفر أعـدهُ وناب إذا لم يبق في الفم نابُ
يقول إن كل ظفري ولم يبق في فمي نابٌ من الكبر لم يكن ظفر همتي كليلا
يغير مني الدهر ما شاء غيرهـا وأبلغ أقصى العمر وهي كعابُ
أي نفسي شابةٌ أبدا لا يغيرها الدهر وإن تغير جسمي
وإني لنجمٌ يهتدي صحبتـي بـه إذا حال من دون النجومِ سحابُ
إذا خفيت النجوم بالسحاب فلم يهتد للطريق أهتدى بي أصحابي وكنت لهم كالنجم الذي يهتدي به يريد أنه دليل في الفلوات
غنيٌّ عن الأوطانِ لا يستفزني إلى بلدٍ سافرتُ عنـه إيابُ
يريد أنه لا يعشق الإوطان وإن جميع البلاد عنده سواء فإذا سافر عن وطن لم يشوقه الإياب إلى ذلك الوطن لأنه مستغنٍ بالسفر عن الوطن
وعن ذملانِ العيس إن سامحت به وإلا ففي أكوارهـن عـقـابُ
يقول وإنا غنى عن سير الإبل إن سنحت بالسير سرت عليها وإلا فإنا كالعقاب الذي لا حاجة به إلى أن يحمل وجواب أن محذوف للعلم به
وأصدى فلا أبدى إلى الماء حاجةً وللشمس فوق اليعملات لعابُ
يقول أعطش فلا أبدى حاجتي إلى الماء تصبرا وحزما حين يشتد حميُ الشمس حتى كان الشمس سال لها لعاب فوق الإبل والمسافرون في الفلوات إذا اشتد الهجير يرون كأن الشمس قد دنت من رؤوسهم وتدلت منها خيوط فوقهم ومنه قول الراجز، وذاب للشمس لعاب فنزل، وقال الكميت الفقعسي، يصافحن حر الشمس كل ظهيرةٍ، إذا الشمس فوق البيد ذاب لعابها، ومعنى البيت من قول أبي تمام، جدير أن يكر الطرف شررا، إلى بعض الموارد وهو صادي
وللسر مني موضع لا ينالهُ نديم لا يفضي إليه شرابُ
يريد أنه كتوم للأسرار يضع السر حيث يطلع عليه النديم ولا يصل إليه الشراب مع تغلغله في البدن كما قال الآخر، يظلون شتى في البلاد وسرهم، إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها، وقد نظر أبو الطيب في هذا البيت إلى قول الآخر، تغلغل حيث لم يبلغ شراب، ولا حزن ولم يبلغ سرور،
وللخود مني ساعة ثم بيننـا فلاة إلى غير اللقاء تجابُ
يقول إنما أصحب المرأة قدرا يسير ثم أسافر عنها فيكون بيننا فلاة تقطع عنها لا إليها فهي تقطع إلى غير لقاء الخود
وما العشق إلا غرة وطماعةٌ يعرض قلبٌ نفسه فتصابُ
يقول عشق النساء اغترار وانخداع وطمع في وصلهن وذلك من تعريض القلب نفس صاحبه لعشقهن فإذا عرض القلب النفس أصيبت النفس بالعشق يعني أن القلب يشتهي أولا ويدعو النفس فتتبعه هذا إذا جعلت النفس غير القلب وإن أردت بالنفس نفس القلب وعينه وذاته قلت فيصاب بالياء ومعناه أن القلب يوقع نفسه في العشق بتعرضه لذلك
وغير فؤادي للغواني رميةٌ وغير بناني للزجاج ركابُ
الرمية الطريدة التي ترمي يقول قلبي لا تصيبه النسوان بسهام الحاظهن لأني لا أميل إليهن فأني لست غزلا زيراً بل أنا عزهاة عزوف النفس عنهن ولا أحب الخمر ومعاقرتها فبناني لا تصير مركبا للزجاج أي لا أحمل كأس الخمر بيدي وروى ابن جنى للرخاخ بالخاء المعجمة وقال أني لست ممن يصبو إلى الغواني واللهو بالشطرنج وقال ابن فورجة البنان ركاب للقدح وأما الرخ فالبنان راكبة له في حال حمله وأيضا فأنه كلمة أعجمية لم يستعملها العرب القدماء ولا الفصحاء وأيضا فإن التنزه عن شرب الخمر اليق بالتنزه عن الغزل من التنزه عن لعب الشطرنج
تركنا لأطراف القنا كل شهوةٍ فليس لنا إلا بهن لـعـابُ
لعاب ملاعبة يقول تركنا ما تشتهيه النفوس من الملاهي فلهونا الطعان بالرماح يريد أنه فطم نفسه عن الملاهي وقصرها على الجد في طعان الأعداء
نصرفهُ للطعن فوق حـوادرِ قد انقصفت فيهن منه كعابُ
أي نصرف القنا فوق خيل غلاظ سمان قد انكسرت فيها كعاب من القنا وروى عليّ بن حمزة خوادر أي كأنها اصابها الخدر لما لحقها من التعب والجراحات وروى ابن جنى حواذر معجمة وقال يعني خيلا تحذر الطعن لأنها معودة وهذه الرواية ضعيفة لأنه قال في باقي البيت قد انقصفت فيهن منه كعاب فكيف يصفها بالحذر وقد أخبر بانكسار الرماح فيها والبيت من قول عبد يغوث بن وقاص الحارثي، وكنت إذا ما الخيلُ شمسها القنا، لبيقا بتصريف القناة بنانيا،
أعز مكانٍ في الدنى سرج سابحٍ وخير جليسٍ في الزمان كتابُ
جعل السرج أعز مكان لنه يسافر عليه فيطلب المعالي أو يهرب من الضيم واحتمال الذل أو يحارب عدوا يدفع عن نفسه شره وجعل الكتاب خير جليس لأنه يأمن شره ولا يحتاج في مجالسته إلى مؤونة والكتاب يقص عليه انباء الماضين فهو خير جليس كما قال القاضي حسن ابن عبد العزيز، ما تطعمت لذة العيش حتى، صرت في وحدتي لكتبي جليسا،
وبحرٌ أبو المسك الخضم الذي له على كل بحرٍ زخرةٌ وعبـابُ
بحر خبر مقدم على المبتدأ لأن التقدير وأبو المسك الخضم بحر وروى ابن جنى بحرٍ بالجر عطفا على جليس كأنه قال وخير بحر أبو المسك والخضم الكثير الماء ومنه قول بشار، دعاني إلى عمرٍ جوده، وقول العشيرة بحر خضم، والزخرة الأمتلاء بالماء وكثرته
تجاوز قدر المدح حتى كأنه بأحسن ما يثني عليه يعابُ
يقول هو أجل من كل مدح يثني عليه به فإذا بالغت في حسن الثناء عليه استحق قدره فوق ذلك فيصير ذلك الثناء الحسن كأنه عيب لقصوره عن استحقاقه كما قال البحتري، جل عن مذهب المديح فقد كاد يكون المديح فيه هجاءا، وكرره أبو الطيب فقال، وعظم قدرك في الآفاق أوهمني، أني بقلةِ ما أثنيت أهجوكا،
وغالبه الأعداء ثـم عـنـوا لـه كما غالبت بيض السيوف رقابُ
أي لم يجدوا طريقا إلى غلبته فخضعوا له وانقادوا كالرقاب إذا غالبت السيوف صارت مغلوبة
وأكثر ما تلقى أبا المسك بذلةً إذا لم يصن إلا الحديد ثيابُ
قال ابن جنى يقول إذا تكفرت الأبطال ولبست الثياب فوق الحديد خشيةً واستظهارا فذاك الوقت أشد ما يكون تبذلا للضرب والطعن شجاعة وإقداما هذا كلامه وقد جعل الثياب تصون الحديد قال أبو الفضل العروضي أحسب أبا الفتح أن يقول قبل أن يتفكر ويرسل قلمه قبل أن يتدبر والمتنبي جعل الصون للحديد لا للثياب بقوله إذا لم يصن ثياب إلا الحديد يعنى الدرع وليس يريد صيانة الحديد وإنما يريد صيانة الرجل نفسه واستظهاره بلبس الحديد ونصب الحديد مع النفي لأنه تقدم على المستثنى منه فصار كما قال الكميت، فما ل إلا آل أحمد شيعةٌ، وما لي إلا مشعب الحق مشعبُ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بسط القول فيه وقال ابن فورجة ليس المصون الحديد على ما توهمه بل مفعول يصن محذوف على تقدير إلا مشعب الحق مشعبُ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بسط القول فيه وقال ابن فورجة ليس المصون الحديد على ما توهمه بل مفعول يصن محذوف على تقدير إذا لم يصن الأبدان ثياب إلا الحديد فلما قدم المستثنى نصبه انتهى كلامه ومعنى البيت أكثر ما تلقاه في الحرب تلقاه باذلا نفسه لم يحصنها بالدروع إذا لم ين الأبطال إلا الحديد يريد أنه لشجاعته لايتوقى الحرب بالدرع والحديد كما قال الأعشى، وإذا تكون كتيبةٌ ملمومةٌ، شهباء يخشى الذائدون نهالها، كنت المقدم غير لابس جنةٍ، بالسيف تضرب معلما أبطالها،
وأوسع ما تلقاه صدرا وخلفه رماء وطعن والأمام ضرابُ
قال ابن جنى يقول أوسع ما يكون صدرا إذا تقدم في أول الكتيبة يضرب بالسيف وأصحابه من ورائه ما بين طاعن إلى رامٍ قال ابن فورجة جعل ابن جنى الرماء والطعن من أصحاب الممدوح ولا يكون في هذا كثير مدح لأن كل واحد إذا كان خلفه من يرمي ويطعن من أصحابه فصدره واسع وقلبه مطمئن وإنما أراد وخلفه رماء وأمامه طعن من أعدائه فالمعنى فإذا كان في مضيق من الحرب قد أحاط به العدو من كل جانب لم يضجر ولم يعد ذلك لضيق صدره
وأنفذ ما تلقاه حكمـا إذا قـضـى قضاءً ملوك الأرض منه غضابُ
يقول إذا حكم حكما على خلاف جميع الملوك نفذ حكمه لطاعتهم له والمعنى أنه سيدهم فلا يمنع حكمه من النفاذ غضبهم وهم لا يقدرون على إظهار خلافه فأنفذ حكمهِ ما خالف به الملوك وغاضبهم
يقول إليه طاعة الناس فضلهُ ولو لم يقدها نائلٌ وعقـابُ
يقول لو لم يطعه الناس رغبةً ولا رهبةً لأطاعوه محبةً لما فيه من الفضل والمعنى أن الناس يطيعونه لاستحقاقه طاعتهم بفضله لا لرجاء جوده ولا لخوف عقوبته
أيا أسدا في جسمه روح ضيغمٍ وكم أسد أرواحهـن كـلابُ
يقول أنت أسد وهمتك أيضا همة الأسود والأسد يوصف بعلو الهمة لأنه لا يأكل من فريسة غيره كما قال الشاعر، وكانوا كأنف الليث لا شم مرغماً، ولا نال قط الصيد حتى يعفرا، يعني أنه يطعم مما صاده بنفسه وقد قال الطائي، إن الأسود أسود الغاب همتها، يوم الكريهة في المسلوب لا السلب، يقول كما من أسد خبيث النفس دنى الهمة وأنت أسد من كل الوجوه لأنك شجاع رفيع الهمة طيب النفس وهذا مثل ضربه لسائر الملوك وأراد أرواحهن أرواح كلاب فحذف المضاف
ويا آخذاً من دهره حق نفسهِ ومثلك يعطى حقهُ ويهابُ
يعني أن الأيام لا تق ر على أ، تنقصه حقه لأنه يغلبها ويحكم عليها ومثله يهاب ويعطى حقه
لنا عند هذا الدهر حق يلطهُ وقد قل إعتاب وطال عتابُ
يلطه يدفعه ويمطل به وكل شيء سترت دونه فقد لططته يقول لنا عند الزمان حق يدافعه ولا يقضيه وطال العتاب معه فلم يعتب ولم يرضنا بقضاء الحق
وقد تحدث الأيام عندك شيمةً وتنغمر الأوقات وهي يبابُ
يقول الأيام تغير عادتها عندك فترضى المعاتب وتصالح ذوي الفضل فلا تقصد مساءتهم لحصولهم في ذمتك وجوارك والأوقات تصير عامرةً لهم بأن يدركوا مطلوبهم والمعنى أن أظفرتني الأيام بمطلوبي عندك فلا عجب لها فإنها تحدث شيمةً غير شيمتها خوفا منك وهيبةً لك واليباب الخراب الذي لا أحد به أنشد أبو زيد، قد أصبحت وحوضها يبابُ، كأنها ليست لها أربابُ،
ولا ملك إلا أنت والملك فضلةٌ كأنك سيف فيه وهو قرابُ
يقول أنت الملك فحيث ما كنت كنت ملكا لأن نفسك بما فيه من الهمم تقتضي تملكك والملك زيادة وفضلة بعد ذكرنا أياك ثم شبهه بالنصل وجعل الملك كالقراب والمعنى في النصل والقراب غشاء كذلك معنى الملك نفسك وما يقال من لفظ الملك بمنزلة القراب
أرى لي بقربي منك عينا قريرةً وإن كان قربا بالبعاد يشـابُ
يقول عيني قريرةٌ بالقرب منك لحصول مرادي وإن كان هذا القرب مشوبا بالبعاد عن الوطن والأحبة
وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ودون الذي أملت منك حجـابُ
يقول لا ينفعني إليك وأن يكون ما اؤمله منك محجوبا عني
أقل سلامي حب ما خف عنكم وأسكت كيما لا يكون جوابُ
حب مفعول له كأنه قال لحب ما خف عنكم يقول لإيثاري التخفيف أقل التسليم عليكم وأسكت كيما لا تحتاجوا إلى الجواب
وفي النفس حاجات وفيك فطانةٌ سكوتي بيان عندها وخطـابُ
يقول تتردد في نفسي حاجات لا أذكرها لأنك فطن تقف عليها بفطانتك وسكوتي عن إظهارها يقوم مقام البيان عنها كما قال أمية بن أبي الصلت، أأذكر حاجتي أم قد كفاني، حياؤك أن شيمتك الحياء، إذا أثنى عليك المرؤ يوما، كفاه من تعرضه الثناء، وكما قال أبو بكر الخوارزمي، وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةً، فلقاؤه يكفيك والتسليم، فإذا رآك مسلما عرف الذي، حملته وكأنه ملزومُ،
وما أنا بالباغي على الحب رشوةً ضعيف هوًى يبغي عليه ثوابُ
استدرك على نفسه هذا العتاب فقال لا أطلب ما اطلبه منك رشوةً على الحب لأن الحب الذي يطلب عليه ثوابه ضعيف ثم ذكر سبب طلبه في البيت الذي بعده
وما شـئت إلا أن أدل عـواذلـي على أن رأيي في هواك صوابُ
يقول لم أرد ما أطلبه إلا لكي أدل اللاتي عذلنني في قصدك أني كنت مصيبا في هواك وأنك تحسن إليّ وتقضي حق زيارتي
وأعلم قوماً خالفوني فشـرقـوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا
هذا من قول البحتري، وأشهد أني في اختيارك دونهم، مؤدي إلى حظي ومتبعٌ رشدي،
جرى الخلف إلا فيك أنك واحد وأنك ليث والمـلـوك ذئابُ
يقول الخلاف جارٍ في كل شيء إلا في وحدتك وأنفرادك عن الأشكال وأنك أسدٌ والملوك بالقياس إليك ذئاب وهذا من قول الطائي، ولو أن إجماعنا في وصف سودده، في الدين لم يختلف في الأمة إثنان، وقال البحتري، وأرى الخلق مجمعين على فضلك من بين سيدٍ ومسودِ،
وأنك إن قويست صحف قارىء ذئابا ولم يخطىء فقال ذبـابُ
يقول جرى الخلف إلا في وحدتك وفي أنك أن قويست بغيرك من الملوك فصحف القارىء ما وصفت به الملوك وهو أنهم عندك كالذئاب عند الأسد فقال ذبابٌ لم يخطىء في هذا التحصيف لأن الأمر كذلك والقارىء ذبابٌ صحف ولم يخطىء لأنه أتى بالمعنى
وأن مديح الناس حق وباطلٌ ومدحك حق ليس فيه كذابُ
يقول الناس يمدحون بما هو حق وباطل لأن بعضه يكون كذبا وأنت تمدح بما هو حق كما قال أبو تمام، لما كرمت نطقت فيك بمنطقٍ، حقٍّ فلم آثم ولم أتحوب، ولو أمتدحت سواك كنت متى يضق، عني له صدق المقالةِ أكذبِ،
إذا نلت منك الود فالمال هـينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ
وما كنت لولا أنت إلا مهاجرا له كل يوم بلدةٌ وصـحـابُ
يقول لولا أنت لكان كل بلدٍ بلدي وكل أهلٍ أهلي والمهاجر الذي هجر أهله وخرج من بين عشيرته والمعنى لولا أنت لم أقم بمصر فإن جميع البلاد والناس في حقي سواء
ولكنك الدنيا إلـيّ حـبـيبةٌ فما عنك لي إلا إليك ذهابُ
ولكنك جميع الدنيا فإن ذهبت عنك عدت إليك فإن الحيّ لا بد له من الدنيا والدنيا أنت يعني أنه السلطان والسلطان هو الدنيا وقال يهجو كافورا
من أيةِ الطرقِ يأتي نحوك الكرمُ أين المحاجمُ يا كافور والجلـمُ
يقول لا طريق إليك للكرم فإنك لست منه في شيء إنما أنت أهلٌ لأن تكون حجاما مزينا فأين آلة الحجامة حتى تشتغل بها
جاز الألي ملكت كفاك قدرهم فعرفوا بك أن الكلب فوقهمُ
يقول هؤلاء الذين تملكهم تجاوزوا قدرهم بالبطر والطغيان فملكت عليهم تحقيرا لهم ووضعا من قدرهم حين ملكهم كلب
لا شيء أقبح من فحلٍ له ذكرٌ تقوده أمةٌ ليست لها رحـمُ
عني بالفحل ذي الذكر رجال عسكره وبالأمة التي لا رحم لها الأسود يوبخهم بانقيادهم له يقول لا شيء أقبح في الدنيا من رجلٍ ينقاد لأمة حتى تقوده إلى ما تريد قال ابن فورجة يريد ان ابن طغج فحلٌ له ذكر وكافور خصيّ فهو كالأمة من حيث أنه خصيٌّ لكنه قد خالفها بكونه لا رحمَ له فكأنه من أمةٍ فهذا أغرابه يقول لم تملكهُ أمرك وأنت فحل وهو أمةٌ في العجز ودناءة القدر
سادات كل أناس من نفوسهـم وسادة المسلمين الأعبد القزمُ
هذا اغراء لأهل مملكته به يقول كل جيل وأمة يملكهم من هو من جنسهم فكيف ساد بالمسلمين عبيد رذال لئام والقزم رذال الناس لا واحد له من لفظه وروى ابن جنى القزم
أغاية الدين أن تحفوا شواربكـم يا أمة ضحكت من جهلها الأممُ
يقول لأهل مصر لا شيء عندكم من الدين إلا احفاء الشوارب حتى ضحكت منكم الأمم وهذا إنكارٌ عليهم طاعة الأسود وتقريره في المملكة ثم حرض على قتله
ألا فتًى يورد الهندي هـامـتـه كيما تزول شكوك الناس والتهمُ
يقول ألا رجل منكم يقتله حتى يزول عن العاقل الشك والتهمة وذلك أن تمليك مثله يشكك الناس في حكمة الباري حتى يؤديه إلى أن يظن أن الناس معطلون عن صانعٍ يدبرهم
فإنه حجةٌ يوذي القلـوب بـهـا من دينه الدهرُ والتعطيلُ والقدمُ
يعني أن الدهري يقول لو كان للأشياء مدبر أو كانت الأمور جاريةً على تدبير حكيمٍ لما ملك هذا
ما أقدر الله أن يخزي خلـيفـتـه ولا يصدق قوما في الذي زعموا
يقول الله تعالى قادر على اخزاء الخليفة بإن يملك عليهم لئيما ساقطا من غير أن يصدق الملاحدة الذين يقولون بقدم الدهر يشير إلى أن تأمير مثله إخزاء للناس والله تعالى فعل ذلك عقوبةً لهم وليس كما يقول الملحدة وقال أيضا يهجوه
أما في هذه الـدنـيا كـريم تزول به عن القلب الهمومُ
يشكو خلو الدنيا عن الكرام يقول أما كريم يأنس به فاضل فيزول همه به
أما في هذه الدنيا مكـانٌ يسر بأهلهِ الجار المقيمُ
يعني أن جميع الأمكنة قد عمها اللؤم والجور فليس في الدنيا مكان أهله يحفظون الجار فيسر بجوارهم
تشابهت البهائم والعبـدي علينا والموالي والصميمُ
العبدي العبيد يقول عم الجهل الناس كلهم الذين هم عبيد الله حتى اشبهوا البهائم في الجهل وملك المملوكين فالتبس الصميم وهو الصريح النسب الخالص يعني إشتبه الأحرار بالموالي وهم الذين كانوا عبيدا أرقآء وذلك أن نفاذ الأمر يترجم عن علو القدر والإمارة إذا صارت إلى اللئام التبسوا على هذا الأصل بالكرام يعني أن التملك إنما يستحقه الكرام فإذا صار إلى اللئام ظنوا كراما
وما أدري إذا داء حـديث أصاب الناس أم داء قديمٌ
يقول هذا الذي أصاب الناس من تملك العبيد واللئام عليهم حدث الان أن هو قديم كان قبلنا فيما تقدم
حصلت بأرض مصر على عبيدٍ كأن الحـر بـينـهـم يتـيمُ
كأن الأسود الـلابـي فـيهـم غراب حولـهُ رخـمٌ وبـومُ
شبهه بالغراب وهو طير خسيس كثير العيوب وشبه أصحابه بخساس الطير حول الغراب واللابيّ منسوب إلى اللابة وهي أرض ذات حجارة سود والسوادن ينسبون إليها لأن أرضهم فيها حجارة ولهذا يقولون أسود لأبيّ
أخذت بمدحه فرأيت لهوا مقالي للأحيمقِ يا حليمُ
أي أكرهت على مدحه فرأيتني لاهيا أن أصف الأحمق بالحلم وإن أمدحه بما ليس فيه
ولما أن هجوت رأيت عيا مقالي لابن آوى يا لئيمُ
ولما هجوته وهو ظاهر اللوم كان نسبتي إياه إلى اللؤم عيا لأن التكلم بما لا يحتاج فيه إلى بيان عيٌّ ومن قال لابن آوى وهو من أخس السباع يا لئيم كان متكلفا
فهل من عاذرٍ في ذا وفي ذا فمدفوعٌ إلى السقمِ السقـيمُ
يقول فهل من عاذر لي يقوم بعذري في مدحه وهجائه فإني كنت مضطرا لم يكن لي فيهما أختيار كالسقم يطرأ على السقيم من غير اختياره ثم ذكر عذره في الهجاء
إذا أنت الإساءة من وضيعٍ ولم ألم المسيء فيمن ألومُ
أي إذا كان اللئيم يسيء إليّ لم يتوجه اللوم على غيره وهذا من قول الطائي، إذا أنا لم ألم عثرات دهرٍ، أصبت به الغداة فمن ألومُ ونظر إلى الأسود يوما فقال
لو كان ذا الآكل أزوادنا ضيفاً لأوسعناه إحسانا
يقول هذا الذي يأكل زادي لو كان ضيفا لي لأكثرت إليه الإحسان أي لو أتاني وقصدني ضيفا لأحسنت إليه وهذا كما قال أيضا، جوعان يأكل من زادي ويمسكني، ولأكله زاده وجهان أحدهما أن المتنبي أتاه بهدايا وألطافٍ ولم يكافه عنها والآخر أن المتنبي يأكل من خاص ماله عنده وينفق على نفسه مما حمله وهو يمنعه من الإرتحال فكأنه يأكل زاده حين لم يبعث إليه شيئا ومنعه من الطلب
لكننا في العين أضيافهُ يوسعنا زورا وبهتانا
يقول نحن أضيافه في الظاهر لأنا أتيناه وليس يعطينا قرى غير الزور والبهتان والمواعيد الكاذبة
فليته خلى لنا طرقنا أعانه الله وإيانـا
أراد أعانه الله على التخلية وأعاننا على الذهاب وكتب إليه أبو الطيب في المسير إلى الرملة لتتجز مالٍ له بها وإنما أراد أن يعرف ما عند الأسود في مسيره فأجابه ل والله لا نكلفك المسير ولكنا نبعث من يقبضه لك
أتحلفُ لا تكلفني مسيرا إلى بلدٍ أحاول منه مالا
يعني حكاية قوله لا والله لا نكلفك المسير
وأنت مكلفي أنبي مكانا وأبعد شقةً وأشد حالا
أي تكلفني الإقامة عندك وذلك أنبا بي وأشد عليَّ من السفر البعيد
إذا سرنا عن الفسطاط يوما فلقني الفوارسَ والرجالا
أراد بلقني قابلني أو أرني الفوارس والرجال بان تبعثهم خلفي ليردوني إليك أي إذا سرت عنك لم تقدر على ردي إليك
لتعلم قدر ما فارقـت مـنـي وأنك رمت من ضيمي محالا
يريد أنه شجاعٌ بطل لا يقبل الضيم وإن فوارسه ورجالاته لا يقدرون على رده إليه وقال يوم عرفة وقد خرج من مصر سنة خمسين وثلثمائة
عيدٌ بأية حال عـدت يا عـيدُ بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ
كأنه قال هذا عيد أي هذا اليوم الذي أنا فيه عيد ثم أقبل يخاطبه فقال يا عيد بأية حال عدت والباء في بأية يجوز أ، تكون للتعدية فيكون المعنى أية حالٍ أعدته ويجوز أن تكون للمصاحبة فتكون بمعنى مع والمعنى مع أية حال عدت يا عيد ثم فسر الحال فقال بما مضى أم بأمر مجدد يقول للعيد هل تجدد لي حالةً سوى ما مضت أم عدت والحال على ما كانت من قبلُ
أما الأحبة فالبيداء دونهـم فليت دونك بيداً دونها بيدُ
يتأسف على بعد أحبته عنه يقول أما هم فعلى البعد مني فليتك يا عيد كنت بعيدا وكان بيني وبينك من البعد ضعف ما بيني وبين الأحبة والمعنى أنه لا يسر بعود العيد مع بعد الأحبة كما قال الآخر، من سره العيد الجديد فما لقيت به السرورا، كان السرور يتم لي، لو كان أحبابي حضورا،
لولا العلي لم تجب بي ما أجوب بها وجناء حرف ولا جرداء قـيدودُ
يريد بالوجناء الحرف الناقة الضامرة وبالجرداء الفرس القصيرة الشعر والقيدود الطويلة يقول لولا طلب العلي لم تقطع بي الفلاة ناقةٌ ولا فرس وجعلها تجوب به لأنها تسير به وهو أيضا يجوب بها الفلاة لأنه يسيرها فيها وما كناية عن الرواحل ثم فسرها بالمصراع الثاني وقال ابن فورجة ما أجوب بمعنى الذي وموضعها نصب أي لم تجب بي الفلاة التي أجوبها بها والوجناء فاعلة لم تجب وعلى هذا ما كناية عن الفلاة والهاء في بهاء ضمير قبل الذكر وهي الوجناء والجرداء والقول الأول أظهر
وكان أطيب من سيفي مضاجعةً أشباه رونقهِ الغيدُ الأمـالـيدُ
يقول لولا طلب العلي كانت الجواري الغيد اللاتي يشبهن بياض السيف في نقاء ابشارهن أطيب مضاجعةً من السيف أي إنما أضاجع السيف وأترك الجواري لطلب العلي والأملود الغصن الناعم وتشبه به الجاري الشابة
لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي شيئا تتـيمـه عـين ولا جـيدُ
يريد أن الدهر بإحداثه ونوائبه قد سل عن قلبه هوى العيون والأجياد فلا يميل إليها لأنه ترك اللهو والغزل وافضى إلى الجد والتشمير
يا ساقييَّ أخمر في كؤوسكما أم في كؤسكما هم وتسهيدُ
يقول لساقييه أخمر ما تسقيانيه أم هم وسهاد يعني لا يزيدني ما اشربه إلا الهم والسهاد لا يسلى همي وذلك لأنه بعيد عن الأحبة فهو لا يطرب على الشراب أو لان الخمر لا تؤثر فيه لمتانة عقله
أصخرة أنا ما لي لا تحركنـي هذي المدامُ ولا هذي الأغاريد
يتعجب من حاله وإن المدام والأغاني لا تطربه ولا تؤثر فيه حتى كأنه صخرة يابسة لا يؤثر فيه السماع والشراب
إذا أردت كميت اللون صافيةً وجدتها وحبيب النفس مفقودُ
قال ابن جنى حبيب النفس عنده المجد وإذا تشاغل بشرب الخمر فقد المعالي هذا كلامه وليس كما قال لأنه ليس في لفظ البيت ما ذكر والمتنبي قال وجدتها ولم يقل شربتها والمعنى يقول إذا طلبت الخمر وجدتها وإذا طلبت حبيبي لم أجده يتشوق بهذا إلى أهله وأحبته يعني أن شرب الخمر لا يطيب إلا مع الحبيب وحبيبي بعيد عني فليس يسوغ لي الشرب
ما ذا لقيت من الدنيا وأعجبها أنى بما أنا باكٍ منه محسودُ
يشكو ما لقيه من تصاريف الدهر وعجائب الدنيا ثم قال وأعجبها أني محسود بما أشكوه وأبكي منه وهو قصد كافور وخمدته يقول الشعراء يحسدونني عليه وأنا باكٍ منه
أمسيت أروح مثرٍ خازناً ويداً أنا الغني وأموالي المواعيدُ
يقول أنا مثرٍ وخازني ويدي في راحةٍ من تعب حفظ المال لأن أموالي مواعيدُ كافور وعدني أن يعطيني وهذا مال لا أحتاج إلى حفظه بيدي ولا بخازني
ني نزلت بكذابـين ضـيفـهـم عن القرى وعن الترحال محدودُ
المحدود الممنوع يريد أنهم لا يقرونه ولا يدعونه يرحل عنهم
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
يقولا هؤلاء يجودون بالمواعيد ولا يجودون بالمال ثم دعا عليهم فقال لا كانوا ولا كان جودهم وهذا من قول الطائي، ملقى الرجاء وملقى الرحل في نفر، الجود عندهم قول بلا عمل، وقوله أيضا، واقل الأشياء محصول نفعٍ، صحة القول والفعال مريضُ، وكرره أبو الطيب فقال، أوجز الأمير الذي نعماه فاجئة، بغير قولٍ ونعمى الناس أقوالُ،
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم إلا وفي يده من نتنـهـا عـودُ
يقول لا يباشر الموت بيده قبض روحهم تقززا واستقذارا لهم وهذا مثل ضربه
من كل رخو وكاء البطن منفتـقٍ لا في الرجال ولا النسوان معدودُ
يريد الخصيان الذين كانوا مع الأسود ويريد برخو وكاء البطن أنه ضراط فساء لا يوكي على ما في بطنه من الريح والمنفتق المتوسع جلده لكثرة لحمه كأنه انفتق وانشق وهو غير معدود في الرجال ولا في النساء
أكلما اغتال بعد السوء سـيدهُ أو خانه فله في مصر تمهيدُ
يقول أكلما أهلك بعد سوء سيده مهد امره في مصر وملك على الناس يعني أن الأسود قتل سيده ثم تملك على أهل مصر فقبلوه وانقاردوا له وهذا استفهام إنكار أي لا يجب أن يكون الأمر على هذا
صار الخصيُّ إمام الآبقين بها فالحر مستبعدٌ والعبد معبودُ
يريد أن كل عبد آبق إليه أمسكه عنده وأحسن إليه فهو أمام الآبقين
نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقـيدُ
يريد بالنواطير الكبار والسادة وبالثعالب العبيد والاراذل يقول السادة غفلوا عن الأراذل وقد أكلوا فوق الشبق وعاثوا في أموال الناس وجعل العناقيد مثلا للاموال
العبد ليس لحر صالـح بـأخٍ لو أنه في ثياب الحر مولودُ
يقول العبد لا يواخي الحر لما بينهما من التباعد في الأخلاق وإن ولد العبد في ملك الحر وهذا إغراء لأبن سيده يعني أن الأسود وإن أظهر له الود فليس له بمصافٍ مخلص
لا تشتر العبد إلا والعصا معهُ إن العبيد لأنجاس منـاكـيدُ
يريد سوء أخلاق العبد وأنه لا يصلح إلا على الضرب والهوان كما قال بشار، الحر يلحى والعصا للعبد، وكما قال الحكم بن عبدل، والعبدُ لا يطلب العلاء ولا، يرضيك شيئا إلا إذا رهبا، مثل الحمارِ الموقع السوء لا، يحسن مشياً إلا إذا ضربا، والمناكيد جمع المنكود وهو الذي فيه نكدٌ وقلة خير
ما كنت أحسبني أحيا إلـى زمـنٍ يسيء بي فهو كلبُ وهو محمودُ
يقال أساء به وأساء إليه قال كثير، أسيئي بنا أو أحسنى لا ملومةً، يقول ما كنت أظنني يؤخرني الأجل إلى زمانٍ يسيء إليّ فيه شر الخليقة وأنا أحتاج إلى أن أمدحه وأحمده لا يمكنني أن أظهر الشكوى
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا وأن مثل أبي البيضاء موجودُ
يقول لم أتوهم إن الكرام فقدوا حتى لايوجد منهم أحد وإن مثل هذا موجود بعد فقدهم وتكنيته بأبي البيضاء سخرية منه
وأن ذا الأسود المثقوب مشفـرهُ تطيعهُ ذي العضاريط الرعاديد
يقول ولا توهمت أن الأسود العظيم المشافر يستغوي هؤلاء اللئام الذين حوله يطيعونه ويصدرون عن رأيه وجعله مثقوب المشفر تشبيها في عظم مشافره بالبعير الذي يثقب مشفره للزمام والعضروط التابع الذي يخدم الناس بطعام بطنه والرعديد الجبان
جوعان يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدرِ مقصودُ
وصفه بالجوع على معنى أنه للؤمه وبخله لا يشبع من الطعام وذكرنا وجه أكل زاده عند قوله، لو كان ذا الآكل أزوادنا، يقول هو يمسكني عنده لكي يتجمل بقصدي إياه فيقول الناس أنه عظيم القدر إذ قصده المتنبي مادحا
إن امرأً أمةٌ حبلـى تـدبـرهُ لمستضام سخين العين مفؤودُ
جعل الأسود أمةً لعدمه آله الرجال وجعله حبلى لعظم بطنه وكذا خلقة الخصيان وهذا تعريض بابن سيده يقول الذي صار تدبيره إلى من هذه صفته فهو مضيم مصاب القلب لا عقل له
ويلمها خطةً ويلم قابلـهـا لمثلها خلق المهرية القودُ
ويلمها يقال عند التعجب من الشيء يقول ما أعجب هذه القصة وما أعجب من يقبلها وإنما خلقت الإبل للفرار من مثلها والمهرية إبل منسوبةٌ إلى مهرة قبيلة من العرب والقود الطوال جمع قوداء
وعندها لذ طعم الموت شاربهُ إن المنية عند الذل قـنـديدُ
يقول عند طاعة الخصي والصبر تحت أمره يستلذ طعم الموت من ذاقه لأن الموت أيسر من ذلك الذل والقنديد القند وقيل هو الخمر
من علم الأسود والمخصي مكرمةً أقومه البيض أم آباؤك الصـيدُ
يريد أنه لا يعرف المكرمة ما هي لأنه عبد أسود لم يرث أباءه مجدا ولا مكرمةً
أم أذنه في يد النخاسِ دامـيةً أم قدره وهو بالفلسين مردودُ
هذا وضع منه وتحقير لشأنه بأنه مملوك اشترى بثمن أن زيد عليه فلسين لم يشتر لنخسته
أولى اللئام كويفير بـمـعـذرةٍ في كل لؤمٍ وبعضُ العذرِ تنفيدُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:38 pm

يقول أولى من عذر في لؤمه كافور لخبث أصله وخسة قدره ثم قال وبعض العذر تفنيد أي عذري لفي لؤمه له وهجاء على الحقيقة ثم صرح بعذره فقال
وذاك أن الفحول البيض عاجـوةٌ عن الجميل فكيف الخصية السودُ
عرض بغيره من الملوك في هذا البيت وقال بمصر وكتب بها إلى عبد العزيز بن يوسف الخزاعيّ
جزى عربا أمست ببلبيس ربها بمسعاتها تقرر بذاك عيونها
بلبيس موضع بأعلى الشام دون مصر يقول جزى رب العرب العرب التي أمست بهذه البقعة بمسعاتها جزاء تقر عينها بذاك الجزاء والمسعاة واحدة المساعي وهي الأمور التي تسعى لها الكرام
كراكر من قيس بن عيلان ساهرا جفون ظبائها للعلي وجفونهـا
هذا تفسير العرب التي ببلبيس يقول هم جماعات من قيس لا تزال جفونهم ساهرةً لأجل العلي وجفون سيوفهم خاليةٌ لها واستعار لفظ السهر لجفون السيوف لما ذكر معها جفون العيون لتجانس القول وعنى بسهرها خلوها من النصول كما يسمى خلو جفون العين عن النوم سهرا والمّ بهذا بعض المحدثين فقال، وطالما غاب عن جفني لزورتها، وجفنِ سيفي غرارُ السيفِ والوسنِ، ولا واحد لكراكر من لفظها
وخص به عبد العزيز بن يوسفٍ فما هو إلا غيثها ومعينـهـا
وخص بذلك الجزاء هذا الرجل الذي هو أفضلهم كالماء المعين الذي لا عيش دونه فيما بينهم
فتًى زان في عيني أقصى قبيلةٍ وكم سيدٍ في حلةٍ لا يزينهـا
يقول هو زين عشيرته ورهطه وإن تباعدوا عنه في النسب وغيره من السادة لا يكون بهذه الصفة وقال يهجو وردان بن ربيعة من طيىء الذي نزل به في طريقه إلى مصر
وإن تك طيىء كانت لئامـا فألأمها ربيعةُ أو بـنـوهُ
وإن تكن طيىء كانت كراما فوردانٌ لغـيرهـم أبـوهُ
يقول إن كانوا لئاما فهو ألأمهم وإن كانوا كراما فأبو وردان لم يكن منهم
مررنا منه في حسمي بعبدٍ يمج اللؤم منخرهُ وفـوهُ
يقول مررنا في هذا المكان من وردان بعبد أنفاسه لؤم أي لا يتكلم إلا بما يدل على لؤمه
أشد بعرسهِ عني عبيدي فأتلفهم ومالي أتلفوهُ
يقول فرق بسبب امرأته عني عبيدي يعني دعاهم إلى الفجور بها فاتلفهم لأنه حملهم على الفجور وهم اتلفوا مالي لأنهم اتلفوه على امرأته
فإن شقيت بأيديهـم جـيادي لقد شقيت بمنصلي الوجوه
وذلك أن عبدا له أخذ فرسا له تحت الليل ليذهب به فانتبه أبو الطيب وضرب وجهه بسيفه وأمر الغلمان فقطعوه وقال أيضا يهجوه
لحى الله وردانا وأمـا أتـت بـه له كسب خنزيرٍ وخرطوم ثعلبِ
الخنزير يأكل العذرة وكذلك بنات وردان تأكل العذرة في الحشوش ولإنفاق الأسمين جعله كالخنزير في أكل العذرة ويريد بقوله خرطوم ثعلب أنه ناتىء الوجه فوجهه كخرطوم الثعلب وهو أنفه وفمه
فما كان منه الغـدر إلا دلالةً على أنه فيه من الأم والأبِ
أي غدره بي دلالة على أنه ورث الغدر من أمه وأبيه يعني أنهما كانا غدارين فالغدر موروث له لا عن كلالة وروى ابن جنى بالأب أي غدره بي دلالةٌ على أن أمه غدرت فيه بأبيه فجاءت به لغير رشدة
إذا كسب الإنسان من هن عرسهِ فيا لؤم إنسان ويا لؤم مكسـبِ
ينسبه إلى أنه ديوث يقود إلى امرأته ويجعل ذلك كسبا له
أهذا اللـذيا بـنـت وردان بـنـتـهُ هما الطالبان الرزق من شر مطلبِ
يقول تجاهلا وهزؤا أهذا هو الذي تنسب إليه بنت وردان هذه الحشرة الذميمة ثم قال هو وهي يطلبان الرزق من شر المطلب لأنها تطلبه من الحشوش وأماكن الخبث وهو يطلبه من هن عرسه
لقد كنت أنفي الغدر عن توس طيءٍ فلا تعذلاني رب صدقٍ مـكـذبِ
التوس والسوس الأصل يقول كنت أقول أن طيئا لا تغدر ولم تكن آباؤهم غدارين فلا تعذلاني إن قلت غدر هذا لأنه ليس من الأصل الذي يدعي ن طيىءٍ وقوله رب صدق مكذب أي رب صدق يكذبه الناس يعني كنت صادقا في نفي الغدر عن طيىء وإن كذبني الناس لأجل وردان بادعائه أنه من طيىء يريد أنه صادق ووردان ليس من طيىء ولم يعرف ابن جنى هذا فقال رجع عن نفي الغدر عنهم وليس في البيت ما يدل على رجوعه عن نفي الغدر وقال أيضا في العبد الذي أخذ سيفه وفرسه
أعددت للغادرين أسيافا أجدع منهم بهن آنافا
يعني بالغادرين عبيده الذين أرادوا أن يسرقوا خيله يقول أعددت لهم سيوفا أجدع بها أنوفهم يقال آنف وآناف وأنوف
لا يرحم الله أرؤساً لـهـمُ أطرنَ عن هامهنَّ أقحافاً
يقول لا يرحم الله رؤسهم التي أطارت السيوفُ اقحافها عن هامها
ما ينقم السيفُ غير قلتهمْ وأن تكون المئونَ آلافا
يقول لا يكره السيف إلا قلة عددهم أي يريد السيفُ أن يكونوا أكثر ليقتلهم جميعا ويريد أن تكون المئون منهم آلافا ليقتل كل غادر وكلّ عبد سوء في الدنيا وأراد إن لا تكون فحذف لا وهو يريده
يا شر لحمٍ فجعتـه بـدمٍ وزار للخامعات أجوافا
يقول للمقتولين منهم يا شر لحم أسلت دمه حتى فجعته بدمه وتركته ملقًى للضباع حتى أكلته فدخل أجوفاها والخامعات الضباع لأنها تخمع في مشيها وذلك أن في مشيها شبه عرج ولذلك قيل لها العرجاء
قد كنت أغنيت عن سؤالك بـي من زجر الطير لي ومن عافا
يقول للعبد الذي قتله كنت في غنى عن أعمال الزجر والعيافة في إقدامك عليّ وتعرضك للغدر بي وكان هذا العبد سأل عائفا عن حال المتنبي فذكر له من حاله ما زين له الغدر به وهو قوله من زجر الطير لي يعني العائف وقوله سؤالك بي أي عني
وعدت ذا النصل من تعرضهُ وخفت لما اعترضتَ إخلافا
يقول وعدت سيفي أن أضرب به من تعرض له وأحوج إلى ضربه ولما اعترضت لسيفي بالغدر بي وأخذ فرسي خفت أن تركت قتلك أخلاف ما وعدت السيف
لايذكر الخير أن ذكرت ولا تتبعك المقلتان توكـافـا
يقول لم يكن فيك خير تذكر به ولا تبكي العين عليك والتوكاف تفعال من الوكيف وهو قطران الماء
إذا امرؤ راعني بغدرتهِ أوردته الغاية التي خافا
يقول إذا راعني امرؤ بغدرته كافأته بالقتل وهو غاية ما يخافه المرء وقال أيضا
بسيطة مهلا سقيتِ القطـارا تركتِ عيونَ عبيدي حيارى
فظنوا النعام عليك النـخـيل فظنوا الصوار عليك المنارا
بسيطة موضع بقرب الكوفة لما بلغها المتنبي رأي بعض عبيده ثورا يلوح فقال هذه منارة الجامع ونظر أخر إلى نعامة فقال وهذه نخلة فضحك أبو الطيب وضحك من معه وذلك قوله
فأمسك صحبي بـأكـوراهـم وقد قصد الضحك فيهم وجارا
أي تمسكوا بالأكوار لأنهم لم يملكوا أنفسهم من فرط الضحك والضحك قد سلك فيهم القصد وسلك الجور أي أفرط بعضهم في الضحك وأقتصد بعضهم وقال لما دخل الكوفة يصف طريقه من مصر إليها ويهجو كافورا في شهر ربيع الأول سنة 351
ألا كل ماشيةِ الخيزلي فدى كل ماشيةِ الهيدبا
الخيزلي مشيةٌ فيها استرخاء من مشية النساء ومنه قول الفرزدق، قطوف الخطا تمشيء الضحى مرجحنةً، وتمشي العشى الخيزلي رخوة اليدِ، والهيدبا مشية فيها سرعة من مشية الإبل وأصله من قولهم أهدب الظليم إذا أسرع يقول فدت كل إمرأة تمشي الهيدبا يريد أنه لا يميل إلى مشية النساء وليس من أهل الغزل والعشق وإنما هو من أهل السفر يحب مشي الجمال كما قال أبو تمام، يرى بالكعاب الرود طلعة ثائرٍ، وبالعرمس الوجناء غرة آئبِ، وفدى إذا كسر جاز فيه المد والقصر وإذا فتح لم يجز إلا القصر
وكـل نـجـاةٍ بـجـاويةٍ خنوفٍ وما بي حسن المشا
النجاة الناقة السريعة والبجاوية منسوبة إلى بجاوة وهي قبيلة من بربر توصف نوقها بالسرعة حكى ابن جنى عن أبي الطيب قال يرمي الرجل منهم بالحربة فإذا وقعت في الرمية طار الجمل إليها حتى يأخذها صاحبها والخنوف من قولهم خنف البعير بيده في السير خنافا إذا أمالها إلى وحشيه والمشا جمع المشية يقول لا أحب حسن مشية النساء وما بي إلى ذلك ميل وإنما أحب كل ناقة خفيفة المشي
ولكنهن حبال الـحـيوة وكيدُ العداة وميط الأذا
يقول النوق الخفيفة حبال الحيوة بها يتوصل إلى الحيوة لأنها تخرجك من المهالك وبها تكاد الأعداء وبها يدفع الأذى والميط الدفع
ضربت بها التيه ضرب القما رِ إما لـهـذا وإمـا لـذا
يقول أوقعتها في التيه مخاطرا بنفسي كالمقامر يضرب بالقمار أما للغرم وأما للغنم كذلك نا أما أفوز فانجو وأما أهلك فاستريح والإشارة إلى الفوز والهلاك
إذا فزعت قدمتها الـجـيادُ وبيضُ السيوفِ وسمرُ القنا
يقول إذا رأت فزعاً تقدمتها الخيل والسيوف والرماح أي للدفع عنها وقدمتها بمعنى تقدمتها
فمرت بنخلٍ وفي ركبها عن العالمين وعنه غنى
نخل ماء معروف يقول مرت هذه الإبل بهذا المكان وفي ركبانها يعني نفسه وأصحابه غنًى عن هذا الماء وعن كل من في الدنيا لأنهم أكتفوا بما عندهم من الجلد والحزامة
وأمست تخيرنـا بـالـنـقـا بِ وأدى المياه ووادي القرى
النقاب موضع يتشعب منه طريقان طريقٌ إلى وادي المياه وطريق إلى وادي القرى يقول لما بلغنا هذا المكان قدرنا السير أما إلى وادي المياه وإما إلى وادي القرى فجعل هذا التقدير منهم كالتخيير من الإبل كأن الإبل خيرتهم فقالت إن شئتم سلكتم هذا الطريق وإن شئتم سلكتم الطريق الآخر وهذا على المجاز والإتساع كما قال الآخر، يشكو إليَّ جملي طولَ السرى، لم يرد حقيقة الشكوى إنما أراد أنه صار إلى حالٍ يشتكي من مثلها وسكن الياء من وادي المياه ضرورةً كما قال الآخر، ألا لا أرى وادي المياه يثيب، ومثله كثير
وقلنا لها أين أرض العراقِ فقالت ونحن بتربان هـا
قلنا للإبل أين أرض العراق لأنا كنا نريد تلك الناحية فقالت ونحن بهذه البقعة المسماة بتربان وهي من أرض العراق ها هي ذه وهذا كله مجاز كالبيت الذي قبله
وهبت بخسمي هبوب الدبو ر مستقبلاتٍ مهبَّ الصبا
هبت الإبل من الهباب وهو نشاطها في السير يريد أنه وجهها في السير من المغرب إلى المشرق لأن الدبور تهب من جانب المغرب والصبا من جانب المشرق
روامي الكفافِ وكبدِ الوهادِ وجار البويرةِ وادي الغضا
هذه كلها اسماء مواضع وأراد روامي بالنصب حالا منهن أي قواصد لهذه المواضع فأسكن الياء ضرورةً واراد أن وادي الغضا جار البويرة فهو بقربها
وجابت بسيطة جوب الردا ء بين النعام وبين المها
يريد قطعت الإبل هذا المكان كما يقطع الرداء ويريد أن بسيطة بعيدة من الأنس لاجتماع الوحوش بها
إلى عقدة الجوف حتى شفـت بماء الجراوي بعض الصدى
عقدة الجوف مكان معروف والجراوي منهل وهو الذي ذكره الشاعر في قوله، ألا لا أرى ماء الجراوي شافيا، صداي وإن روى غليل الركائب، يقول جابت بسيطة إلى عقدة الجوف حتى شفت عطشها بماء هذا المنهل
ولاح لها صور والصبـاح ولا الشغور لها والضحى
صور أسم ماء والصحيح أنه صوري ذكر ذلك أبو عمر الجرمي والشغور من أرض العراق تقول العربُ إذا وردتَ الشغورَ فقد اعرقت يريد أن هذا الماء ظهر لها مع وقع الصباح وظهر لها هذا المكان مع وقت الضحى
ومسى الجميعي دئداؤهـا وعادى الأضارع ثم الدنا
الدئداء والدأدأة أرفع من الخبب ومسى أتى مساء يقول لما كان وقت المساء بلغ سيرها الجميعي ثم أتى بالغداة الأضارع والدنا وهي أماكنُ
فيا لك ليلا على أعكـشٍ أحم البلاد خفي الصوى
يتعجب من ليل شديد الظلمة على هذا المكان حتى أسودت البلاد وخفيت الأعلام والاحم الأسود والصوى أعلام تبني في الطريق ليهتدي بها
وردنا الرهيمة في جوزهِ وباقيه أكثر مما مضى
الرهيمة بقرب الكوفة قال ابن جنى أراد بالجوز ههنا صدر الليل وإنما قال ابن جنى هذا لقوله وباقيه أكثر مما مضى وإذا كان الباقي أكثر ن الماضي كان الجوز صدر الليل وصدر الليل لا يسمى جوز الليل وقال القاضي أبو الحسن بن عبد العزيز أخطأ أبو الطيب لما قال في جوزه ثم قال وباقيه أكثر مما مضى كيف يكون باقيه أكثر وقد قال في جوزه وقال ابن فورجة هذا تجنٍّ من القاضي والهاء في جوزه لأعكش وهو مكان واسع والرهيمة ماء وسط أعكشٍ والكلام صحيح هذا كلامه والمعنى وردنا هذا الماء وسط هذا المكان وما بقي من الليل أكثر مما مضى
فلما أنخنا ركزنا الرمـا ح فوق مكارمنا والعليّ
يقول لما نزلنا الكوفة وانخنا ركابنا وركزنا الرماح كعادة من يترك السفر كانت رماحنا مركوزة فوق مكارمنا وعلانا لما فعلنا من فراق الأسود وقتال من قاتلنا في الطريق وظفرنا بمن عادانا وكل ذا ما يدل على المكارم والعلي وظهرت مكارمنا بما فعلنا وكأنا نزلنا على المكارم والعلى
وبتنا نقـبـل أسـيافـنـا ونمسحها من دماء العدى
نقبلها لأنها اخرجتنا من بين الأعداء ونجتنا من المهالك
لتعلم مصرُ ومن العـراق ومن بالعواصم أني الفتى
المعنى لتعلم أهل مصر فحذف المضاف
وأني وفيت وأنـي أبـيتُ وأني عتوتُ على من عتا
وفيت لسيف الدولة إذا رجعت إليه وأبيت ضيم كافور ولم أذل لمن عصاني
وما كل من قال قولا وفـى وما كلُّ من سيم خسفاً أبي
أي ليس كل قائل وافيا بما قال وليس كل من كلف ضيما يأبى من كلف
ومن يكن قلب كقلبي لـه يشق إلى العز قلب التوى
أي من كان قلبه في الشجاعة وصحة العزيمة كقلبي شق قلب الهلاك فخاض شدائده حتى يصل إلى العز والتوى الهلاك واستعار له قلبا لما ذكر قلب نفسه
ولا بد للقـلـب مـن آلةٍ ورأيٍ يصدعُ صم الصفا
يقول آلة القلب العقلُ والرأي وما فيه من السجايا الكريمة وقوله يصدع صم الصفا أي يشق الحجارة الصلبة وينفذ فيها
وكل طريقٍ أتاهُ الـفـتـى على قدر الرجل فيه الخطا
يقول كل أحد يخطو في الطريق الذي يأتيه على قدر رجله فمن طالت رجله اتسعت خطاه وهذا مثل يريد أن كل أحد يعمل على قدر وسعه وطاقته كما قال، على قدرِ أهل العزم يأتي العزائمُ،
ونام الخويدم عن لـيلـنـا وقد نام قبل عمى لا كرى
يقول غفل عن ليلنا الذي خرجنا فيه من عنده وكان قبل ذلك نائما غفلةً وعمى وإن لم يكن نائما كرى كما قال الآخر، وخبرني البواب أنك نائمٌ، وأنت إذا استيقظت أيضا فنائمُ،
وكان على قربنا بينـنـا مهامه من جهله والغبي
يقول وحين كنا قريبا كان بيننا بعد من جهله لن الجاهل لايزداد علما بالشيء وإن قرب منه
لقد كنت أحسب قبل الـخـص ي أن الرؤوس مقرُّ النهـي
ولما نظرت إلـى عـقـلـهِ رأيت النهي كلها في الخصي
كنت أحسب قبل رؤية كافور أن مقر العقل الدماغ فلما رأيت قلة عقله قلتُ العقل في الخصية لأنه لما خصيَ ذهب عقله
وما ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كـالـبـكـا
يتعجب مما رأى بمصر مما يضحك الناس والعقلا ثم قال لكن ذلك الضحك كالبكاء لأنه في الفضيحة ثم ذكر ما بها فقال
بها نبطيٌّ من أهلِ السوادِ يدرس أنساب أهلِ الفلا
يريد بالنبطي السوادي وهو أبو الفضل بن حنزابة وقيل أبو بكر المادرائي النسابة وإنما يتعجب لأنه ليس من العرب وهو يعلم الناس أنساب العرب
وأسود مشفرهُ نصـفـهُ يقال أنه أنت بدر الدجى
وبها أسود عظيم الشفة يثنون عليه بالكذب وهو أنهم يقولون له أنت بدر الدجى والبدر مشتمل على النور والجمال والأسود القبيح لخلقه العظيم الشفة متى يشبه البدر
وشعرٍ مدحت به الكـركـد ن بين القريضِ وبين الرقى
الكركدن يقال هو الحمار الهندي وهو بالفارسية كرك وهو طائر عظيم وروى ثعلب عن ابن الأعرابي الكركدن دابة عظيمة الخلق يقال أنها تحمل الفيل على قرنها وأراد بها الأسود فشبهه بالكركدن لعظم جثته وقلة معناه يقول شعرٌ مدحته به هو شعر من وجهٍ ورقيةٌ من وجهٍ لأني كنت أرقيه به لأخذ ماله يريد أنه كان يستخرج منه ماله بنوع رقية وحيلة
فما كان ذلك مدحـاً لـه ولكنه كان هجو الورى
يقول لم يكن لك الشعر مدحا له ولكنه في الحقيقة كان هجاء للخلق كلهم حيث أحوجني إلى مثله وقال ابن جنى أي إذا كانت طباعه تنافي طباع الناس كلهم سفالا ثم مدح فذلك هجو لهم لأن فيه إرغاما لهم ومدحا لمن ينافي طباعهم
وقد ضل قوم بأصنامهم وأما بزقِّ رياحٍ فلا
يقول الكفار قد ضلوا بأصنامهم وأحبوها فعبدوها من دون الله سفها وضلةً فأما أن يضل أحد بخلقٍ يشبه زق ريح فلم أر ذلك يعني أنه بانتفاح خلقته كزق ريح وليس فيه ما يوجب الضلال به حتى يطاع ويملك وإنما هذا تعجب ممن يطيعه وينقاد له
وتلك صموتٌ وذا نـاطـقٌ إذا حركوه فسا أو هـذى
ومن جهلت نفسـه قـدرهُ رأى غيره منه ما لا يرى
يقول من أعجب بنفسه ولم يعرف قدر نفسه أعجابا وذهابا في شأنه خفيت عليه عيوبه فاستحسن من نفسه ما يستقبحه غيره وعمي عما يراه غيره من عيوبه وقال يهجو الأسود
وأسود أما القلب منه فضيق نخيب وأما بطنه فرحيبُ
يقال للجبان نخيب ومنخوب ونخب وأصله أنه الذي أصيبت نخبة قلبه وهو سويداؤه فهو منخوب القلب أي مصاب بخالص قلبه
يموت به غيظا على الدهر أهلهُ كما مات غيظاً فاتك وشبـيبُ
يقول أهل الدهر غضاب على الدهر برفعه وتمليكه عليهم فهم يموتون غيظا على الزمان كما مات هذان
أعدت على مخصاه ثم تركتـهُ يتبعُ مني الشمس وهي تغيبُ
يريد أعدت الخصاء على مخصاه أي خصيته بالهجاء ثانيا ثم انفلت منه فلم يدركني ولم يقدر عليّ كمن يتبع الشمس وهي تغيب فلا يدركها وقد نظر في هذا إلى قول الآخر، وأصبحت من ليلى الغداة كناظرٍ، مع الصبحِ في أعجازِ نجمس مغربِ،
إذا ما عدمت الأصل والعقل والندى فما لحيوةٍ في جنـابـك طـيبُ
يقول إذا لم يكن للمرء أصل ولا عقل ولا جود لم تطب لاحد حيوة عنده أو في حيوته والمعنى أن حيوتي إنما لم تطب عند الأسود لأنه عادمٌ لهذه الأشياء ويروي في حيوتك وقال يمدح أبا شجاع فاتك الملقب باالمجنون في سنة 348
لا خيل عندك تهديهـا ولا مـالُ فليسعد النطق إن لم يسعد الحالُ
يخاطب نفسه يقول ليس عندك من الخيل والمال ما تهديه إلى الممدوح جزاء له على إحسانه إليك فليسعدك النطق أي فإمدحه وجازه بالثناء عليه إن لم تعنك الحال أي على مجازاته بالمال وهذا من قول يزيد المهلبي، إن يعجز الدهر كفى جزائكمُ، فإنني بالهوى والشكر مجتهدُ، وقول الحطيئة، وإن لم يكن مالٌ يثابُ فإنه، سيأتي ثنائي زيداً ابن مهلهلِ،
وأجز الأمير الذي نعماه فاجئةٌ بغير قولٍ ونعمى الناسِ أقوالُ
أي واجزه بالمدح والثناء عليه والشكر له فإن انعامه يأتي فجاءةً من غير تقدم سؤال وانتظار وغيره من الناس اقتصروا على القول دون الفعل وهذا من قول المهلبي، وكم لك نائلا لم أحتسبه، كما يلقى مفاجأة حبيبُ،
وربما جزت الإحسـان مـولـيه خريدةٌ من عذارى الحيِّ مكسالُ
المكسال من النساء الفاترة القليلة التصرف يقول ربما جازت بالإحسان من أولى الإحسن امرأة عاجزة من كل شيء والمعنى أن لم تعرض المكافاة فعلا فهي معرضةٌ قولا كالمكافاة من هذه المكسال يحث نفسه على الجزاء وترك التقصير فيما يمكن ثم ضرب لهذا مثلا فقال
وإن تكن محكمات الشكل تمنعني ظهور جريٍ فلي فيهن تصهالُ
ضرب لنفسه المثل في عجزه عن المكافاة بالفعل بفرسٍ أحكم شكاله فعجز عن الجري لكنه يصهل يقول إن لم يكن عندي الفعل فعندي مكافاةٌ بالقول والمعنى أن لم أقدر على المكاشفة بنصرتك على كافور فإن أمدحك إلى أوانٍ ذلك كما أن الجواد إذا شكل عن الحركة صهل شوقا إليها وكان فاتك هذا يسر خلافا للأسود وينطوي على بغضه ومعاداته وكان أبو الطيب يحبه ويميل إليه ولكن ليس يمكنه إظهار ذلك خوفا من الأسود
وما شكرت لأن المال فرحني سيان عندي إكثارٌ وإقـلال
يقول ليس شكريك عن فرح بما أهديته إليّ لأن القل والكثر عندي سواء لقلة مبالاتي بالدنيا قال ابن جنى وما رأيته أشكر لأحد منه لفاتك وكان يقول حمل إليّ ما قيمته الف دينار في وقت واحد
لكن رأيت قبيحاً أني جاد لنا وأننا بقضاء الحق بخـالُ
بخال جمع باخل يقول إنما أشكر لأني استقبح البخل بقضاء الحق والسكوت عن شكر من يجود لي بالبر والنعمة
فكنت منبتَ روضِ الحزن باكرهُ غيث بغير سباخ الأرضِ هطالُ
يقول لما وصل إليّ بره كنت كمنبتِ روض الحزن جاد عليها بالبكرة غيث هطال بارضٍ منبتة طيبة يعني أن مطر بره لم يصادف مني سبخةً وخص روض الحزن لنها أنضر لبعدها عن الغبار
غيث يبين للنظار موقعـه أن الغيوث بما تأتيه جهالُ
يقول موقع إحسانه مني يبين للمحسنين أنهم يخطئون مواقع الصنائع ومن نصب موقعه فمعناه أنه غيث يبين موقعه للناظرين لأنه أتى على مكان أثر فيه أحسن تأثير ثم قال مبتديا إن الغيوث بما تأتيه جهال لنها تأتي على الأرض العراة والسبخة
لا يدرك المجد إلا سيدٌ فطـنٌ لما يشق على الساداتِ فعالُ
لا وارث جهلت يمناه ما وهبت ولا كسوبٌ بغير السيف سأالُ
يقول لا يدرك المجد إلا سيد لا وارثٌ أي لم يرث أباه شيئا لأنه كان جوادا فلم يخلف مالا ويمناه جهلت ما وهبت لكثرته وليس هو سأالا كسوبا بغير السيف يعني لا يطلب حاجته إلا بالسيف
قال الزمان له قولا فأفهـمـهُ إن الزمان على الإمساك عذالُ
يقول عرفه الزمان أن المال لا يبقى ففهم ذلك عن الزمان ففرق ماله فيما يورث المجد ولم يكن هناك قول ولكنه بتصاريف الزمان
تدري القناة إذا اهتزت براحتـهِ أن الشقيَّ بها خيل وأبـطـالُ
كفاتكٍ ودخول الكاف منـقـصةٌ كالشمس قلت وما للشمس أمثالُ
يقول لا يدرك المجد إلا سيدٌ كفاتك ولم يعرف ابن جنى وجه دخول الكاف في كفاتك فقال الكاف هاهنا زائدة وإنما معناه وتقديره فاتك أي هذا الممدوح فاتك هذا كلامه وجمعي البيت مبني على هذه الكاف فكيف يمكن أن يقال أنها زائدة ألا ترى أنه قال ودخول الكاف منقصة أي أنها توهم أن له شبيها وليس كذلك لأنه يقول كالشمس ولا مثل للشمس
القائد الأسد غذتها براثـنـهُ بمثلها من عداه وهي أشبالُ
أي الذي يقود إلى الحرب رجالا هم أسود تغذوها براثن فاتك بأمثالهم من الأعداء يعني أنه يغنمهم الأبطال وجعلهم كالأشبال له حيث قام بتغذيتهم
القاتل السيف في جسم القتيل به وللسيوف كما للنـاس آجـالُ
أي لجودة ضربته يقتل المقتول وما يقتله به وهو السيف أي يكسره فجعل ذلك قتلا للسيف
تغير عنه على الغارات هيبتـهُ ومالهُ بأقاصي الأرض أهمالُ
يقول هيبته تمنع الإغارة على ماله وكأنها تغير على الغارة وماله مهمل لا راعي له باقاصي البر لا يغار عليه هيبةً منه والأهمال جمع همل والهمل جمع هامل وهو البعير الذي لا راعي له ويجوز أن يكون المعنى أن القوم يغيرون على الأموال فيحملونها إليه هيبةً لهم فكان هيبته تغير على غارة غيره ثم قال وماله أهمال لا يغار عليه والأول قول ابن جنى لأنه قال يهابه أهل الغارات أن يتعرضوا له فكان هيبته تغير على غاراتهم
له من الوحش ما اختارت أسنتهُ عير وهيق وخنـسـاءٌ وذيالُ
يقول ما اخترا من الوحش قدر على صيده والهيق الظليم والخنساء البقرة الوحشية سميت بذلك لخنس أنفها أي تأخره والذيال الثور الوحشي لأنه يجر ذنبه كالذيل
تمسى الضيوفُ مشهاةً بعقوتهِ كأن أوقاتها في الطيب آصالُ
أي يعطي أضيافه ما يشتهون إذا نزلوا بداره فتطيب أوقاتهم عنده كأنها عشيات والعشايا تطيب عند العرب لهبوب الرياح وغروب الشمس وإنقطاع الحر
لو أشتهت لحم قاريها لبـادرهـا خراذلٌ منه في الشيزي وأوصالُ
لو اشتهت أضيافه لحم المضيف لما بخل به عليهم ولأتاهم على العجلة قطع من لحمه ويقال لحم خراذل بالذال والدال جميعا أي مقطع والشيزي خشب يعمل منه الجفان ومنه قول زياد، ترى الجفان من الشيزي مكللةً، والأوصال جمع وصل وهو العضو
لا يعرف الرزء في مالٍ ولا ولدٍ إلا إذا حفز الأضياف ترحـالُ
يقول المصيبة عنده في المال والولد ارتحال الأضياف من داره أي يناله من ذلك ما ينال من يرزأ ماله وولده ومعنى حفز دفع
يروي صدى الأرض من فضلات ما شربوا محض اللقاحِ وصافي اللونِ سـلـسـالُ
الصدى العطش والوجه أن يقول فضلات بفتح الضاد ويجوز تسكينه في الشعر للضرورة والمحض الخالص من اللبن واللقاح جمع اللقحة وهي الناقة الحلوب ومعنى محض لبن اللقاح يقول يسقيهم اللبن والخمر فيكر لهم منهما حتى يروي صدى الأرض ما فضل عنهم من سؤرهم يعني ما فضل في الاقداح وقال ابن جنى إذا انصرف أضيافه أراق بقايا ما شربوه ولم يدخره لغيرهم لأنه يتلقى كل وارد عليه بقرى يستحدثه ويريد بصافي اللون الخمر
تقرى صوارمهُ الساعات عبط دمٍ كأنما الساع قـفـال ونـزالُ
العبط والعبيط الطري من الدم والساع جمع ساعة يقول كل ساعة تأتي عليه يجدد فيها ذبحا كان الساعات نزال ينزلون وقفال قفلوا من سفر يعني أنه لا يطعم أضيافه الغاب بل يجدد الذبح والنحر كل ساعة فيجري دما عبيطا وقال ابن جنى يقول هو كل ساعة يريق دما طريا من اعدائه فكأنه يقرى الساعات وكأنها قومٌ ينزلون عليه فجعل ابن جنى عبط دم من الأعداء
تجري النفوسُ حواليهِ مخلطةً منها عداةٌ وأغنـامٌ وآبـالُ
يعني بالنفوس الدماء يقول تجري عنده الدماء مختلطةً دم الأعداء ودم ذبائحه للاضياف وهذا من قول البحتري، ما أنفك منتضيا سيفي وغًى وقرًى، على الكواهلِ تدمي والعراقيبِ،
لا يحرم البعد أهل البعد نائلهُ وغيرُ عاجزةٍ عنه الأطيفالُ
يصف عموم بره ون القريب والبعيد فيه سواء حتى الطفل الذي لا يقدر على النهوض إليه والتعرض لمعروفه
أمضى الفريقين في اقرانه ظبةً والبيض هادية والسمر ضلالُ
يقول هو أمضى الجيشين سيفا إذا كانت السيوف هاديةً لأنها تمضي قدما على استواء والأرماح ضلال لأنها تذهب يمينا وشمالا ف يالطعن وهو الطعن الشزر
يريك مخبره أضعاف منظـرهِ بين الرجال وفيها الماء والآلُ
يقول إذا أختبرته رأيته يربي اضعاف على ما أراك منظره ثم قال وفي الرجال الماء والآل يعني الذي يشبه الرجال بصورته وليس عنده ما عندهم من المعاني كالآل يشبه الماء وليس ماء
وقد يلقبه المجـنـون حـاسـدهُ إذا اختلطن وبعض العقل عقالُ
يقول إذا اختلطت الرماح والسيوف عند الحرب لقبه حاسده مجنونا والعقل في ذلك الوقت عقال لأنه يمنع من الأقدام والعقال داء يأخذ الدواب في الرجلين وهذا الممدوح كان يلقب بالمجنون فهو يقول إنما يلقبه بهذا اللقب حاسده حسدا له على فرط شجاعته التي تشبه الجنون وقد نظر في لفظ البيت إلى قول أبي تمام، وإن يبن حيطانا عليه فإنما، أولئك عقالاته لا معاقله، وإلى قول الكلابي في معناه، ألا أيها المغتاب عرضي يعيبني، يسميني المجنون في الجد واللعب، أنا الرجل المجنون والرجل الذي، به يتقي يوم الوغى عرة الحرب،
يرمي بها الجيش لا بدٌّ له ولها من شقهِ ولو أن الجيش أجبالُ
يقول يرمي بخيله الجيش ولا بد لهما من شق ذلك الجيش ولو كانوا أجبالا في القوة والثبات
إذا العدى نشبت فيهم مخالبهُ لم يجتمع لهم حلمٌ ورئبالُ
هذا كأنه عذر للذي يلقبه بالمجنون من اعدائه لأنهم يرونه كالأسد في الشجاعة والأسد لا يوصف بالحلم كذلك هذا الرجل يبعد عنه الحلم إذا قاتل الأعداء
يروعهم منه دهر صرفه أبـدا مجاهر وصروف الدهر تغتالُ
أي يروع الأعداء من هذا الممدوح دهر يجاهر الناس بحوادثه وصروف الزمان تأتي اغتيالا لا مجاهرة جعل الممدوح كالدهر تعظيما لشأنه
أناله الشرف الأعلى تقدمـهُ فما الذي بتوقي ما أتى نالوا
تقدمه في الحرب اعطاه أعلى الشرف فما الذي نال اعداؤه باحجامهم وتوقيهم ما يأتيه من المخاوف والأهوال
إذا الملوك تحلت كان حليته مهندٌ وأصم الكعب عسالُ
يقول إذا تزينت الملوك بالتاج والسوارين تزين هو بالسيف والرمح الشديد المهتز
أبو شجاع أبو الشجعان قاطبةً هولٌ نمتهُ من الهيجاء أهوالُ
يقول هو أبو شجاع كنيةً وهو أبو الشجعان كلهم حقيقةً لنهم كلهم دونه وهو سيدهم وهو هول عند الحرب في أعين الأعداء ونمته غذته وربته أهوال الحرب لأنه نشأ فيها فصارت له كالغذاء
تملك الحمد حتى ما لمفتـخـرٍ في الحمد حاء ولا ميم ولا دالُ
أي الحمد كله له بأسره وليس لغيره منه جزء يعني أنه المحمود في أفعاله وأقواله وليس يحمد دونه أحد
عليه منه سرابيل مضاعـفةٌ وقد كفاه من الماذي سربالُ
الماذي الدرع اللينة يقول يكفيه في الحرب سربال واحد من الدرع وعليه من الحمد سرابيل كثيرة أي أنه يتوقى الذم بأكثر مما يتوقى الحربَ
وكيف أستر ما أوليت من حسنٍ وقد غمرت نوالا أيها النـالُ
النال الرجل الكثير النوال وهذا كما يقال كبش صاف أي كثير الصوف ويوم طان أي كثير الطين يقول لا أقدر أن استر إنعامك وإحسانك وقد غرقتني فيهما أي هو أشهر من أن يستتر
لطفت رأيك في بري وتكرمتي أن الكريم على العلياء يحتال
يقول توصلت إلى إكرامي بالبر والصلة بلطف وتدبير ورأى وكذلك الكريم يحتال ليحصل لنفسه العلو وذلك أن فاتكا كان يراسل أبا الطيب ولا يجاهر ببره وإكرامه خوفا من الأسود فاتفق التقاؤهما في سفر وبره وأحسن إليه
حتى غدوت وللأخبار تجوال وللكواكب في كفيك آمالُ
يقول غدوت والأخبار تجول في الآفاق بحسن ذكرك والثناء عليها ولكل احد أمل في كفيك حتى للكواكب
وقد أطال ثنائي طول لابسهِ إن الثناء على التنبال تنبالُ
التنبال القصير وجمعه تنابل وتنابلة يقول مدح الشريف يشرف الشعر ومدح اللئيم يؤدي إلى لؤم الشعر والمعنى أن شعري قد شرف بشرف هذا الممدوح
إن كنت تكبر أن تختال في بشرٍ فإن قدرك في الأقدار يختالُ
يقول إن كنت تتعظم عن الاختيال فيما بين الناس فإن قدرك يختال في أقدار الناس لأنك أعظم قدرا من كل أحد
كأن نفسك لا ترضاك صاحبهـا إلا وأنت على المفضال مفضالُ
المفضال الكثير الفضل ويريد بالنفس الهمة والمناقب الشريفة التي فيه يقول لا ترضي نفسك بك صاحبا لها إلا إذا زدت فضلا على من هو كثير الفضل
ولا تعدك صوانا لمهجتـهـا إلا وأنت لها في الروع بذالُ
لولا المشقة ساد الناس كلهـمُ ألجود يفقر والإقدام قـتـالُ
أي لولا أن في السيادة مشقة لصار الناس كلهم سادةً ثم ذكر مشقتها فقال من جاد افتقر ومن أقدم في الحرب قتل ولا سيادة دون الجود والشجاعة وهذا من قول منصور النمري، الجود أخشن مسًّا يا بني مطرٍ، من أن تبزكموه كفُّ مستلبٍ، ما أعلم الناس أن الجود مكسبةٌ، للمجد لكنه يأتي على النشبِ،
وإنما يبلغ الإنسان طـاقـتـهُ ما كل ماشيةٍ بالرحلِ شملالُ
يقول كلٌّ يجري في السيادة على قدر طاقته وليس كل من مشى كان شملالا وهي الناقة الخفيفة المشي
إنا لفي زمنٍ ترك القبـيح بـه من أكثر الناس إحسانٌ وأجمالُ
يقول من لم يعاملك بالقبيح في هذا الزمن فقد أحسن إليك لكثرة من يعاملك بالقبيح وهذا المعنى أراد أبو نواس في قوله، وصرنا نرى أن المتارك محسن، وإن خليلا لا يضر وصول،
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجتهُ ما قاته وفضول العيش أشغالُ
أي إذا ذكر الإنسان بعد موته كان ذلك حيوةً ثانية له وما يحتاج إليه في دنياه قدر القوت وما فضل من القوت فهو شغل كما قال سالم بن وابصة، غنى النفس ما يكفيك من سد حاجةٍ، وإن زاد شيئا عاد ذاك الغني فقرا وتوفي أبو شجاع فاتك بمصر ليلة الأحد لأحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة 350 فقال يرثيه
الحزن يقلق والتجمل يردعُ والدمع بينهما عصي طيعُ
يقول الحزن لأجل المصيبة يقلقني وتكلف الصبر يمنعني عن التهالك والجزع والدمع بين الحالين عاصٍ للتجمل مطيع للقلق
يتنازعان دموع عين مسهـدٍ لهذا يجيء بها ولهذا يرجعُ
عني بالمسهد نفسه يقول الحزن والصبر يتنازعان دموع عيني تم ذكر التنازع فقال الحزن يجيء بها أي يجريها والصبر يردها
النوم بعد أبي شجاعٍ نـافـرٌ والليل معي والكواكب طلع
يقول النوم بعده لا يألف العين أي لا تنام العيون بعده حزنا عليه والليل يطول فلا ينقضي كأنه قد أعيا عن المشي فانقطع والكواكب كأنها طالعة لا تقدر أن تقطع الفلك فتغرب يريد طول الليل لاستيلاء الحزن والهم على قلبه
إني لأجبن عن فارقِ أحبتـي وتحس نفسي بالحمامِ فأشجعُ
جبن عنه احسن من جبن منه يقول أنا جبان عند فراق الأحباب أخافه خوف الجبناء وأشجع عند الموت فلا أخافه أن الفراق أعظم خطبا عنده من الموت كما قال الطائي، جليدٌ على عتب الخطوب إذا عرت ولست على عتب الأخلاء بالجلدِ،
ويزيدني غضبٌ الأعادي قسوةً ويلم بي عتب الصديق فأجزعُ
يريد أنه لا يعتب اعداءه ولا يلين لهم بل يزداد عليهم قسوة إذا غضبوا ويجزع عند عتب الصديق فلا يطيق احتماله كما قال أشجع، يعطي زمام الطوعِ إخوانه، ويلتوي بالملك القادرِ،
تصفو الحيوة لجاهلٍ أو غافلٍ عما مضى فيها وما يتوقعُ
يقول الحيوة إنما تصفو للجاهل الغافل عما مضى من حيوته وما يتوقع في العواقب من انقضائها
ولمن يغالط في الحقائق نفسـهُ ويسومها طلب المحال فتطمع
يعني بالحقائق ما لا شك فيه للعاقل وهي أن الدنيا دار مخاوف واخطار والإنسان فيها على خطر عظيم وإن الحيوة غير باقية فمن غالط في هذا نفسه ومناها السلامة والبقاء صفا له العيش في الوقت حين ألقى عن نفسه الفكرة في العواقب وكلف نفسه طلب المحال من البقاء في السلامة مع نيل المراد فطمعت في ذلك ثم دل على أنه لا بقاء فيها لأحد
أين الذي الهرمان من بنـيانـه ما قومهُ ما يومُهُ ما المصرعُ
الهرمان بناءان بمصر ارتفاع كل واحدٍ منهما في السماء أربعمائة ذراع في عرض مثلها لا يدري من بناهما وكيف بنيا يقال بناهما عمرو بن المشلل ويقال أن أحدهما قبر شداد بن عاد والثاني قبر أرم ذات العماد يقول أين من بناهما وأين قومه ومتى كان يوم موته وكيف كان مصرعه ينبه بهذا على أن الفناء حتم وأن لا سبيل إلى البقاء
تتخلف الآثار عن أصحابها حينا ويدركها الفناء فتتبعُ
يقول الآثار تبقى بعد أصحابها زمانا من الدهر ثم تفنى وتتبع أصحابها في الفناء
لم يرض قلب أبي شجاع مبلغٌ قبل الممات ولم يسعه موضعُ
يريد علو همته وإنه ما كان يرضى بمبلغ يبلغه في العلى حتى يطلب منه ما فوقه ولم يسعه موضع لكثرة جيشه أو لأنه لا يرضى ذلك المكان
كنا نظن دياره ممـلـوؤةً ذهبا فمات وكل دارٍ بلقعُ
يقول كنا نظنه صاحب ذخائر من الأموال فلما مات لم يخلف ملا لأنه كان جوادا ثم ذكر ما خلفه فقال
وإذا المكارمُ والصوارمُ والقنا وبنات أعوج كل شيء يجمعُ
يقول إنما يجمع في حياته المكارم والأسلحة والخيل لا الذهب والفضة وأعوج فحلٌ معروفٌ من فحول العرب إليه تنسب الخيل الأعوجية وإنما سمي أعوج لأن ليلا وقعت فيه غارة على أصحاب هذا الفحل وكان مهرا ولضنهم به حملوه في وعاء على الإبل حين هربوا من الغارة فأعوج ظهره وبقي فيه العوج فلقب بالأعوج وقال الأصمعي سئل ابن الهلالية فارسُ أعوج عن أعوج فقال ضللت في بعض مفاوز تميمٍ فرأيت قطاةً تطير فقلت في نفسي والله ما تريد إلا الماء فاتبعتها ولم أزل أغض من عنان اعوج حتى وردت والقطاة وهذا البيت من قول حاتم، متى ما يجيء يوماً إلى المال وأرثي، الأبيات وقول عروة بن الورد، وذي أملٍ يرجو تراثي، الأبيات ومن قول امرأةٍ، مضى وورثناه دريس مفاضةٍ، وكلها في الحماسة وقد قال مروان بن أبي حفصة في معنِ بن زائدة يرثيه، ولم يكن كنزه ذهبا ولكن، حديد الهند والحلق المذالا،
المجد أخسر والمكارم صـفـقةً من أن يعيش لها الكريم الأروعُ
يقول صفقة المكارم والمجد أخسر وحظها انقص من أن يعيش لها هذا المرثي يعني أن المكارم كانت تحيا به فلنحسرانها كانت ميتةً
والناس أنزل في زمانك منزلا من أن تعايشهم وقدرك أرفعُ
يقول الناس في زمانك أكل قدرا من أن تكون فيما بينهم فتخالطهم وتعاشرهم وقدرك أجل من أن تعايش أهل هذا الزمان
برد حشاي إن استطعت بلفظةٍ فلقد تضر إذا تشاء وتنفـعُ
يقول كلمني بكلمة وأسمعني منك لفظةً إن قدرت عليها لتسكن ما في قلبي من حرارة الوجد فلقد كنت في حياتك تضر إذا تشاء أعداءك وتنفع أولياءك أي فانفعني بكلامك
ما كان منك إلى خليلٍ قبلهـا ما يستراب به ولا ما يوجعُ
يقول لم يكن منك إلى خليلٍ قبل المنية ما يريبه منك أو يوجعه وذلك أشد لتوجعه عليك إذ لم تربه في حياتك
ولقد أراك وما تلم مـلـمةٌ إلا نفاها عنك قلبٌ أصمعُ
الأصمع الحاد الذكي يقال ثريدة مصمعة إذا كان وسطها ناتيا والصومعة فوعلة منه لأنه بناء ناتٍ على مكان مرتفع يقول كنت أراك في حال حيوتك وما تنزل بكل نازلةٌ إلا دفعها عنك قلبٌ ذكي
ويدٌ كأن نوالها وقـتـالـهـا فرضٌ يحق عليك وهو تبرعُ
يقول ونفاها عنك يد معطية للاولياء قتالة للاعداء كان النوال والقتال وأجبان عليها وهما تبرع لا وجوبٌ وهو من قول الطائي، ترى ماله نصب المعالي وأوجبت، عليه زكوة الجودِ ما ليس وواجبا،
يا من يبدلُ كل وقتٍ حـلةً أني رضيت بحلةٍ لا تنزعُ
هذا على الحكاية لما كان يفعله في حال حيوته كقول الآخر، جاريةٌ في رمضان الماضي، تقطع الحديث بالإيماض، حكى حالها في الوقت والمعنى أنه كان يلبس كل يوم لباسا آخر وقد لبس الآن ثوبا لا يخلعه يعني الكفن
ما زلت تخلعها على من شاءها حتى لبست اليوم ما لا تخلـعُ
ما زلت تدفع كل أمـرٍ فـادحٍ حتى أتى الأمرُ الذي لا يدفعُ
هذا من قول يحيى بن زياد الحارثي، دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت، تريدك لم نسطعْ لها عنك مدفعا،
فظللت تنظر لا رماحك شرعٌ فيما عراك ولا سيوفكَ قطعُ
عراك أصابك ونزل بك يقول لم تعمل رماحك وسيوفك في دفع ما نزل بك يعني الموت لنه لا مدفع له
بأبي الوحيدُ وجيشهُ متكـاثـرٌ يبكي ومن شر السلاحِ الأدمعُ
يقول فدى بأبي الوحيد المنفرد بما أصابه على كثرة ما له من الجيش يعني أن المنية سلبته وحده فلم تغنِ عنه كثرة جيشه يبكي لما نزل به من الأمر ولا يندفع بالبكاء شيء والدمع من شر الأسلحة
ومنيت إليك يد سواء عنـدهـا البازُ الأشهبُ والغرابُ الأبقعُ
يعني يد المنية وهي قابضة للصغير والكبير والشريف والوضيع فالبازي مثل للشريف والغراب مثل للوضيع ويروي الباز الأشهب مقطوع الألف لأنه أول المصراع الثاني فكأنه أخذ في بيت ثان كما قال، لتسمعن وشيكاً في دياركم، الله أكبر يا فارت عثمانا، وقال الآخر، حتى أتين فتًى تأبط خائفا، السيف فهو أخو لقاء أروع،
من للمحافلِ والجحافلِ والسـريَ فقدت بفقدك نيرا لا يطـلـعُ
ومن اتخذت على الضيوف خليفةً ضاعوا ومثلك لا يكاد يضـيعُ
قبحاً لوجهك يا زمـان فـإنـهُ وجهُ له من كل قبحٍ بـرقـعُ
يقول قبح الله وجهك يا زمان فإن وجهك وجه اجتمعت فيه القبائح فكأنه اتخذ القبائح برقعا والقبح مصدر قبحته أقبحه قبحا والقبح ضد الحسن
أيموت مثل أبي شجاعٍ فـاتـكٍ ويعيش حاسدهُ الخصيُّ الأوكعُ
هذا استفهام تعجب حين مات هو في جوده وفضله وعاش حاسده يعني كافورا والأوكع الجافي الصلب من قولهم سقاء وكيع إذا اشتد وصلب
أيد مقطعة حـوالـي رأسـه وقفا يصيح بها ألا من يصفع
يقول الأيدي التي حول الخصى هي مقطعة لأن قفاه يصبح ألا من يصفع فلو لم تكن تلك الأيدي مقطعة لصفعوه والمعنى أنه لسقوطه يدعو إلى إذلاله ولكن ليس عنده من فيه خير يهجو من حوله من أصحابه لتأخرهم عن الإيقاع به
أبقيت أكذب كـاذب أبـقـيتـه وأخذت أصدق من يقول ويسمع
يقول للزمان أبقيت أكذب الكاذبين الذين أبقيتهم أي هو أكذب من بقي من الكاذبين يعني الخصي وأخذت أصدق القائلين والسامعين يعني أصدق الناس وهو المرثي
وتركت أنتن ريحة مذمـومة وسلبت أطيب ريحة تتضوع
فليوم قر لكل وحش نـافـر دمه وكان كأنه يتـطـلـع
يقول قرت دماء الوحوش وكانت كأنها تتطلع للخروج من أبدانها خوفا منه وجزعا يعني أنه كان صاحب طرد وصيد
وتصاحت ثمر السياط وخيله وأوت إليها سوقها والأذرع
يعني بثمر السياط العقد التي تكون في عذباتها يقول رقع بموته الصلح بين الخيل والسياط لأنه أبدا كان يضربها بسياطه لركض في قصد عدو أو طرد وهي في شدة عدوها كأن سوقها وهي جمع ساق وأذرعها ليست منها لأنها كانت ترميها عن أنفسها والآن لما ترك ركضها صارت أيديها وأرجلها كأنها عادت إليها
وعفا الطراد فلا سنان راعف فوق القناة ولا حسام يلمـع
يريد بالطراد مطاردة الفرسان في الحرب يقول ذهب ذلك واندرس بموته والراعف الذي يسيل منه دم كالرعاف من الأنف
ولى وكل مخالم ومـنـادم بعد اللزوم مشيع ومودع
من كان فيه لكل قوم ملجأ ولسيفه في كل قوم مرتع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:39 pm

من فاعل ولى يقول ولى وذهب من كان ملجأ أوليائه وكان لسيفه مرتع في كل قوم من أعدائه
إن حل في فرس ففيها ربـهـا كسرى تذل له الرقاب وتخضع
أو حل في روم ففيها قـيصـر أو حل في عرب ففيها تـبـع
يعني أنه كان عظيما أينما كان حتى لو كان في العجم لكان ملكهم وكذلك في كل قوم
لا قلبت أيدي الفوارس بعـده رمحا ولا حملت جوادا أربع
أي أنهم لا يحسنون الركض ولا الطعان إحسانه فلا حملوا رمحا يقوله على طريق الدعاء ولا حملت الخيل قوائمها وقال وقد دخل عليه بالكوفة صديق له وبيده تفاحة من ند عليها اسم فاتك فناوله إياها فقرأه فقال
يذكرني فاتكا حـمـلـه وشيء من الند فيه اسمه
ولست بناس ولكـنـنـي يجدد لي ريحه شـمـه
وأي فتى سلبتني المـنـو ن لم تدر ما حملت أمه
ولا ما تضم إلى صدرهـا ولو علمت هالها ضمه
أي لو علمت والدته التي كانت تضمه إلى صدرها في صغره إنه شجاع قتال فاتك لفزعت منه ولهالها ضم ذلك الولد إلى نفسها
بمصر ملوك لهم ما له ولكنهم ما لهم همـه
هذا من قول أشجع السلمي، وليس بأوسعهم في الغنى، ولكن معروفة أوسع، وأصله من قول الآخر، ولم يك أكثر الفتيان مالا، ولكن كان أرحبهم ذراعا،
فأجود من جودهم بخله وأحمد من حمدهم ذمه
أي إذا بخل كان أجود منهم وإذا ذم كان أحمد منهم
وأشرف من عيشهم موته وأنفع من وجدهم عدمه
أي إنه ميت أشرف منهم وهم أحياء وهو عادم أنفع منهم وهم واجدون لأنه كان يجود بما يجد وهو يبخلون مع الوجد وهو الغني
وإن منيتـه عـنـده لكالخمر سقيه كرمه
يعني منه كانت تنبت المنية في الناس ثم عادت عليه فاهلكته فكانت كالخمر التي أصلها الكرم ومنه خرجت ثم عادت فسقيها الكرم وردت إليه
فذاك الذي عبـه مـاؤه وذاك الذي ذاقه طعمه
قال أبن جنى يعنيأن الزمان أتى من موته بما فيه نقص العادة وذلك أن الماء مشروب لا شارب والطعم مذوق مع كونه مذوقا وقال أبن فورجة عند أبي الفتح أن الضمير في عبه ضمير فاتك وكذلك الهاء في ذاقه على ما ذكر في تفسيره وليس كذلك فإنه قد قال في البيت الذي قبله أن الموت الذي أصابه هو بمنزلة الخمر سقيها الكرم أي كانت المنية مما يسقيه الناس فصار بسقيه شاربا له ثم قال فذلك الذي عبه يعني الخمر هو ماء الكرم فعبه وذاك الذي ذاقه هو الموت وهو طعم نفسه الذي كان يموت به الخلق انتهى كلامه وهو على ما قاله لكنه لم يبينه بيانا شافيا والمعنى أن هذا مثل وهو أن الكرم إذا سقى الخمر فشربه فقد شرب ماء نفسه والذي ذاقه من طعم الخمر هو طعم الكرم كذلك موت فاتك لما أهلكه فشرب شراب الموت وذاق طعمه فكأنه شرب شراب نفسه وذاق طعم نفسه
ومن ضاقت الأرض عن نفسه حري أن يضيق بها جسمـه
يقول من ضاقت الأرض عن همته لخليق أن يضيق جسمه بهمته فلا يسعها وإذا لم يسعها ولم يطق احتمالها هلك فيها لعظم ما يطلبه كما قال الآخر، على النفوس جنايات من الهمم وقال أبو الطيب بعد خروجه من مدينة السلام يذكر مسيره من مصر ويرثي فاتكا وانشأها يوم الثلثاء لتسع خلون من شعبان سنة 352
حتام نحن نساري النجم في الظلم وما سراه على خف ولا قـدم
يقول حتى متى نسرى مع النجوم في ظلم الليل وليست تسري هي على خف ولا قدم يعني أن النجوم لا يصيبها الكلال من السري كما يصيب الإبل والإنسان
ولا يحس بأجفان يحس بهـا فقد الرقاد غريب بات لم ينم
يم يؤثر في النجوم عدم النوم كما يؤثر في بعيد عن أهله بات يسري ساهرا يعني نفسه
تسود الشمس منا بيض أوجهنا ولا تسود بيض العذر واللمم
يقول الشمس تغير ألواننا في وجوهنا البيض بالسواد ولا تؤثر مثل ذلك التأثير في شعورنا البيض وهذا من قول الطائي، ترى قسماتنا تسود فيها، وما أخلاقنا فيها بسود،
وكان حالهما في الحكم واحدة لو احتكمنا من الدنيا إلى حكم
الحكم بمعنى الحاكم يقول لو احتكمنا إلى حاكم من الدنيا لحكم بأن ما يسود الوجه يسود الشعر ولكن الله قضى بأن الشمس تسود الوجه ولا تسود الشعر
وتنرك الماء لا ينفك مـن سـفـر ما سار في الغيم منه سار في الأدم
يقول نجعل الماء لا يزال مسافرا إما في الغيم وإما في مزاودنا من الأدم لأنا نغترفه من السحاب فنوعيه في الأداوي
لا أبغض العيس لكني وقـيت بـهـا قلبي من الحزن أو جسمي من السقم
يقول ليست الإبل ببغيضة إلى أي ليس إتعابي إياها في السفر بغضا لها مني لكني أسافر عليها لأقي قلبي من الحزن أو جسمي من السقم وذلك أن السقم إذا غير الهواء والماء وسافر صح جسمه وكذلك المحزون يتنسم بروح الهواء أو يصير إلى مكان يسر فيه بالإكرام
طردت من مصر أيديها بأرجلها حتى مرقن بنا من جوش والعلم
قال أبن جنى جوش والعلم مكانان يقول حثثتها على السير واعجلتها حتى كأن الرجل طاردة لليد كما قال بعض العرب، كأن يديها حين جد نجاؤها، طريدان والرجلان طالبتا وتر، وذلك أن اليد أمام الرجل كالمطرود يكون أما الطارد شبه خروجها من هذين المكانين بخروج الهم من الرمية لسرعة سيرها لذلك قال مرقن وسكن الياء من أيديها ضرورة
تبرى لهن نعام الدو مـسـرجة تعارض الجدل المرخاة باللجم
تبرى تعارض يقال برى له وانبرى له إذا عارضه ومنه قول أبي النجم، يبرى لها من أيمن وأشمل، أي يعارضها من جانبيها ويريد بنعام الدو الخيل جعلها كالنعام في سرعة عدوها وظهر بقوله مسرجة إنها الخيل يقول تنبري الخيل للعيس وتعارض أزمتها بلجمها واعنتها أي تباريها في السير وقال أبن جنى يقول الخيل لعلو أعناقها وإشرافها تباري أعناق الإبل فيكون اللجم في أعناقها كالجدل وهي الأزمة في أعناق الإبل
في غلمة أخطروا ارواحهم ورضوا بما لقين رضى الأيسار بالـزلـم
يقول سريت من مصر في غلمة حملوا ارواحهم على الخطر لبعد المسافة وصعوبة الطريق ورضوا بما يستقبلهم من ملك أو هلك كما يرضى المقامرون بما تخرج لهم القداح والأيسار المقامرون واحدهم يسر والزلم السهم
تبدو لنا كلما ألقوا عمائمهم عمائم خلقت سودا بلا لثم
يقول كلما ألقوا عمائمهم من رؤسهم ظهرت من شعورهم على رؤسهم عمائم سود ليست لها لثم وذلك أن العرب تجعل العمائم بعضها لثما على الوجوه وبعضها على الرأس يقول فشعورهم على رؤسهم كالعمائم وليس منها شيء على وجوههم يعني أنهم مرد ولم يتصل شعر العوارض والوجوه بشعر رؤسهم ألا ترى أنه قال
بيض العوارض طعانون من لحقوا من الفوارس شلالون للـنـعـم
يريد أنم مرد صعاليك قتالون للفوارس طرادون للنعم يغيرون عليها أينما وجدوها
قد بلغوا بقناهم فوق طاقتـه وليس يبلغ ما فيهم من الهمم
أي قد استفرغوا وسع القنا طعنا ولم يبلغ القنا مع ذلك غاية هممهم
في الجاهلية ألا أن أنـفـسـهـم من طيبهن به في الأشهر الحرم
يقول هم أبدا في القتال والغارة كفعل أهل الجاهلية إلا أن أنفسهم طابت بالقتال وسكنت إليهم وكأنهم في الأشهر الحرم أمنا وسكونا وكان أهل الجاهلية يأمنون في الأشهر الحرم لأن القتال يترك فيها
ناشوا الرماح وكانت غير ناطقة فعلموها صياح الطير في البهم
يقول تناولوا الرماح وكانت جمادا لا تنطق فاسمعوا الناس صريرها في طعان الشجعان وصارت كأنها طير تصيح وهذا من قول الآخر، تصيح الردينيات فينا وفيهم، صياح بنات الماء أصبحن جوعا، ومثله قول بعض العرب، رزق تصايحن في المنون كما، هاج دجاج المدينة السحر،
تخدي الركاب بنا بيضا مشافرهـا خضرا فراسنها في الرغل والينم
تسير الإبل بنا وهي بيض المشافر باللغام وقال أبن جنى لأنها لا تترك ترعى لشدة السير خضر الفراسن لأنها تسير في هذين النبتين والفرسن لحم خف البعير
مكعومة بسياط القوم نـضـربـهـا عن منبت العشب نبغي منبت الكرم
يقول السياط تمنعها المرعى فكأنها قد شدت أفواهها وهو من قول ذي الرمة، يهماء خابطها بالخوف مكعوم، أي لا يتكلم فيها خوفا فكان الخوف قد كعم فمه والبيت من قول الأسدي، إليك أمير المؤمنين رحلتها، من الطلح تبغى منبت الزرجون،
وأين منبته من بعد مـنـبـتـه أبي شجاع قريع العرب والعجم
يقول أين منبت الكرم بعد موت هذا الرجل الذي كان منبت الكرم وكان سيد العرب والعجم
لا فاتك آخر في مصر نقصده ولا له خلف في الناس كلهم
يقول ليس لنا رجل آخر في وجوده فنقصده لأنه لم يخلف بعده مثله
من لا تشابهه الأحياء فـي شـيم أمسى تشابهه الأموات في الرمم
أي من لم يكن له شبيه من الأحياء في شيمه وأخلاقه صار الأموات يشابهونه في العظام البالية أي مات فاشبه الأموات واشتبهوه
عدمته وكأني سرت أطلبـه فما تريدني الدنيا على العدم
أي لكثرة أسفاري وترددي في الدنيا كأني أطلب له نظيرا ولا أحصل إلا على العدم
مازلت أضحك إبلي كلما نظرت إلى من اختضبت أخفافها بدم
يقول مازلت اسافر عليها إلى من لا يستحق القصد إليه فلو كانت الإبل مما يضحك لضحكت إذا نظرت إلى من قصدته استخفافا به وفي الكلام محذوف به يتم المعنى إلى من أختضبت أخفافها بدم في قصده أو في المسير إليه
أسيرها بين أصنام أشاهدها ولا أشاهد فيها عفة الصنم
يقال أسار دابته إذا سيرها ومن روى أسيرها أراد أسير عليها فحذف حرف الصلة وعنى بالأصنام قوما يطاعون ويعظمون وهم كالجماد والموت لا اهتزاز فيهم للكرم ولا أريحية للجود ثم فضل الصنم عليهم فقال ليست لهم عفة الصنم لأن الصنم وإن لم ينفع فهو غير موصوف بالفضائح والقبائح وهؤلاء لا يعفون عن محرم ولا عن قبيح
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي المجد للسيف ليس المجد للقلم
أي حتى عدت إلى وطني وقد علمت أن المجد يدرك بالسيف لا بالقلم لأن العالم غير معظم ولا مهيب هيبة صاحب السيف ولا يدرك من أمور المجد والشرف ما يدركه ولهذا قيل لا مجد أسرع من مجد السيف
أكتب بنا أبدا بعد الكتاب به فإنما نحن للأسياف كالخدم
هذا من حكاية قول القلم أي قالت لي الأقلام أخرج على الناس بالسيف واقتلهم ثم اكتب بنا الفتوح وما تقول من الشعر فيهم فإن القلم كالخادم للسيف وهذا من قول البحتري، تعنو له وزراء الملك خاضعة، وعادة السيف أن يستخدم القلما، وجعل الضرب بالسيف كالكتاب به وهو مصدر كالكتابة
أسمعتني ودوائي ما أشرت به فإن غفلت فدائي قلة الفهم
هذا جواب للأقلام يقول لما أسمعتني قولك ودوائي إشارتك علي بالصواب فإن تركت إشارتك ولم أفهمها صار ذلك دائي ثم أكد ما أشارت به عليه الأقلام من استعمال السيف فقال
من اقتضى بسوى الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هل بلـم
يقول من طلب حاجته بغير السيف أجاب سائله عن قوله هل أدركت حاجتك لم أدرك قال القاضي أبو الحسن أبن عبد العزيز كان الواجب أن يقول عن هل بلا لأن الطالب بغير السيف يقول هل تتبرع لي بهذا المال فيقول المؤول لا فأقام لم مقام لا لأنهما حرفان للنفي وهذا ظلم منه للمتنبي وقلة فهم من القاضي ول أراد ذلك الذي ظنه لقال أجيب عن كل سؤال بهل بلا لأنه المقتضي فيجاب وليس هو المجيب والذي أراد أبو الطيب أن الناس سألونه هل أدركت هل وصلت إلى بغيتك فيجيب ويقول في الجواب لم أدرك ولم أبلغ لم أظفر ولم أصل
توهم القوم أن العجز قـربـنـا وفي التقرب ما يدعو إلى التهم
يقول القوم الذين قصدناهم بالمديح توهموا أن العجز عن طلب الرزق قربنا ثم قال وقد يدعو إلى التهمة التقرب لأنك إذا تقربت إلى إنسان توهمك عاجزا محتاجا إليه
ولم تزل قلة الإنصاف قـاطـعة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
ترك الإنصاف داعية للقطيعة بين الناس وإن كانوا أقارب وهذا من قول الآخر، إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته، على طرف الهجران إن كان يعقل،
فلا زيارة إلا أن تـزورهـم أيد نشأن مع المصقولة الخذم
يقول إذا لم ينصفونا فلا أزورهم إلا بالسيوف القواطع
من كل قاضية بالموت شفرته ما بين منتقم منه ومنتـقـم
من كل سيف تقضي شفرته بالموت بين الفريقين الظالم والمظلوم
صنا قوائمها عنهم وما وقـعـت مواقع اللؤم في الأيدي ولا الكزم
يقول صنا قوائم السيوف فما وقعت إلا في أيدينا التي لا لؤم فيها ولا كزم وهو قصر اليد يعني أنهم لا يحسنون العمل بالسيف ونحن أربابها نشأت أيدينا معها والمعنى أنهم لم يسلبونا سيوفنا فتقع في أيديهم التي هي مواقع اللؤم والقصر عن بلوغ الحاجة
هون على بصر ما شق منظره فإنما يقظات العين كالحـلـم
ما شق منظره أي ما صعبت رؤيته مما كرهته ومن روى منظره بالفتح فلأن المرأى يشق البصر ويفتحه باقتضائه النظر إليه والكناية على هذا للبصر وفي الرواية الأولى الكناية لما ومعنى شق من قولهم يشق علي هذا الأمر يقول هون على العين ما شق عليها النظر إليه مما تراه من المكاره وهب أنك تراه في الحلم لأن ما تراه في اليقظة شبيه بما تراه في المنام لأنهما يبقيان قليلا ثم يزولان ألا ترى إلى قول أبي تمام، ثم انقضت تلك السنون وأهلها، فكأنها وكأنهم أحلام، ولم يعرف أبن جنى شيئا من هذا فقال يقال شق بصر الميت شقوقا الفعل للبصر قال ومعنى البيت هون على بصرك شقوقه ومقاساة النزع وهذا كلام كما تراه في الفساد والبعد عن الصواب
ولا تشك إلى خلق فـتـشـتـمـه شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
يقول لا تشك إلى أحد ما ينزل بك من ضر وشدة فتشتمه بشكواك والشكوى إلى الناس يكون كشكوى المجروح إلى الطير التي ترقب أن يموت فتأكله
وكن على حذر للناس تستره ولا يغرك منهم ثغر مبتسم
يقول احذر الناس واستر حذرك منهم ولا تغتر بابتسامتهم إليك فإن خدعهم في صدورهم
غاض الوفاء فما تـلـقـاه عـدة وأعوز الصدق في الأخبار والقسم
سبحان خالق نفسي كيف لـذتـهـا فيما النفوس تـراه غـاية الألـم
يتعجب من أن الله تعالى جعل لذته في ورود المهالك وقطع المفاوز وذلك غاية ألم النفوس
الدهر يعجب من حلمي نـوائبـه وصبر جسمي على أحداثه الحطم
الحطم جمع حطوم وبفتح الطاء جمع الحطمة
وقت يضيع وعمر ليت مدتـه في غير أمته من سالف الأمم
يقول لي وقت يضيع في مخالطة أهل الدهر ومصاحبتهم لأنهم سفل أنذال يضيع الوقت بصحبتهم وليت مدة عمري كانت في أمة أخرى من الأمم السالفة وهذا شكاية من أهل الدهر
أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم
يقول أبناء الزمان من الأمم السالفة كانوا في حدثان الدهر وجدته فسرهم وأتاهم ما يفرحون به ونحن أتينا الزمان وقد صار خرفا فلم نجد عنده ما يسرنا وقد أخذ أبو الفتح البستي هذا المعنى وجنس اللفظ فقال، لا غزو إن لم نجد في الدهر مخترفا، فقد أتيناه بعد الشيب والخرف، والمتنبي نظر في بيته إلى قول من قال، ونحن في عدم إذ دهرنا جذع، فالآن أمسى وقد أودى به الخرف وقال يهجو ضبة بن يزيد العيني وصرح بشتمه في هذه القصيدة لأنه لم يكن له فهم يعرف به التعريض وكان المتنبي إذا قرئت عليه هذه القصيدة ينكر إنشاده وأنا أيضا والله أكره كتابتها وتفسيرها ولست أرويها إنما أحكيها على ما هي عليه واستغفر الله تعالى من خط ما لا يزلف لديه فقال في جمادى الآخرة سنة353
ما أنصـف الـقـوم ضبه وأمه الطرطبة
رمـوا بـرأس أبـيه وناكوا الأم غلـبـه
هذا الوزن من الشعر يسمة المجتث وهو مستفعلن فاعلاتن ثم يجوز في زحافه مفاعلن فعلاتن والطرطبة القصيرة الضخمة وقيل هي المسترخية الثديين وكان من قصة هذا الرجل أن قوما من أهل العراق قتلوا أباه يزيد ونكحوا امرأته أم ضبة وكان ضبة غدارا بكل من نزل به واجتاز به أبو الطيب فامتنع من بحصن له واقبل يجاهر شتمه وشتم من معه وأرادوا أن يجيبوه بمثل ألفاظه القبيحة وسألوا ذلك أبا الطيب فتكلفه لهم على كراهة والمعنى يقول لم ينصفوه إذ فعلوا بأبيه وأمه ما فعلوا وروى أبن جنى وباكوا بالباء من بوك الحمار الأتان قال لأنه جعلهم كالحمير في غشيانهم بفحش والغلبة المغالبة ومنه قول الراعي، أخذوا المخاض من القلاص غلبة، كرها وتكتب للأمير أفيلا،
فلا بمن مات فخـر ولا بمن نيك رغبه
وإنما قلت مـا قـل ت رحمة لا ومحبة
يقول لا فخر له بأبيه ولا يرغب بأمه أيضا عما فعل بها من قولهم أنا أرغب عن هذا وإنما قلت ما انصفوه رحمة لك بما فعل لا محبة
وحيلة لـك حـتـى عذرت لو كنت تيبه
أي احتيالا لك حتى تعذر فيما أصابك لو كنت تشعر وتيبه من قولهم ما وبهت له أي ما باليته وما شعرت به على لغة من يقول ييجل وييجع وروى الخوارزمي تنبه أي تستيقظ
وما عليك من القت ل إنما هي ضربه
وما عليك من الـغ در إنما هي سبه
وما عليك من العـا ر أن أمك قحبـه
هذا استهزاء به واستجهال له يقول لا يلزمك من قتل أبيك عار إنما ذلك ضربة وقعت بأبيك فمات منها والغدر سبة تسب به فما عليك منه ولا عار عليك من فجور أمك والقحبة من القحاب وهي السعال وذلك أن الرجل يسعل بها فتجيب
وما يشق علـى الـك لب أن يكون ابن كلبهْ
ما ضرها من أتـاهـا وإنما ضر صلـبـهْ
ولم ينكـهـا ولـكـنْ عجانُها نـاكَ زُبَّـهْ
العجان ما بين القبل والدبر يريد أنها مهزولة تصيب بعجانها متاعَ من أتاها فتصكه
يلـوم ضـبة قـــومٌ ولا يلومون قـلـبـهْ
وقلـبـه يتـشـهـى ويلزم الجسم ذنـبـهْ
لو أبصر الجذع فعـلاً أحب في الجذع صلبهْ
فعلا كنايةٌ عن الأير وروى ابن جنى شيئا وأراد الكناية أيضا أي لحبه ذلك يحب أن يكون مصلوبا في ذلك الجذع
يا أطيب الناس نفساً وألين الناس ركبهْ
يريد أنه سمح القياد يلين لمن راوده وقد انملست ركبته لكثرة البروك عليها
وأخبث الـنـاس أصـلا في أخبثِ الأرضِ تربهْ
وأرخص الـنـاس أمـا تبيع الـفـا بـحـبـهْ
كل الفـعـول سـهـامٌ لمريمٍ وهي جـعـبـهْ
وما على من بـه الـدا ء من لقـاء الأطـبـهْ
ولـيس بـين هـلـوكٍ وحرةٍ غيرُ خـطـبـهْ
يعني أن الذين يأتونه كالآطبة له ومن به داء فعالجه بدوائه لم يعب به يهون عليه ما يسبه به من الأمر القبيح استجهالا له وكذلك قوله وليس بين هلوك البيت أي الفاجرة كالحرة المخطوبة إلى أهلها لا فرق بينهما إلا الاستحلال بالخطبة
يا قاتلاً كل ضيفٍ غناهُ ضيحٌ وعلبهْ
الضيح اللبن الممزوج بالماء والعلبة اناء من جلود يشرب فيه اللبن قال ابن جنى يقول إذا نزل بك ضيف ضعيف قتلته وأخذت ما معه فكيف تفعل بالإغنياء قال ابن فورجة ليس في البيت ما يدل على أنه يأخذ ما معه ولو كان المراد أخذ ما معه لسلبه دون أن يقتله والمعنى أنه بخيل يقتل الضيف القليل المؤنة لئلا يحتاج إلى قراه وهذا على ما قاله ابن فورجة لأنه يصفه بالغدر يريد أنه يقتل ضيفا شعبه قليل ضيحٍ في علبة لئلا يحتاج إلى سقيه ذلك القدر
وخوف كـل رفـيقٍ أباتك الليل جنـبـه
كذا خلقت ومـن ذا ال ذي يغـالـبُ ربـهْ
ومـن يبـالـي بـذم إذا تعود كـسـبـهْ
أما ترى الخيل في النخ ل سربةً بعد سربـهْ
على نسائك تـجـلـو أيورها منذ سنـبـهْ
وهن حولك ينـظـر نَ والأحيراح رطبهْ
وكل غرمولِ بـغـلٍ يرين يحسدن قنـبـهْ
فسـل فـؤادك يا ض ب أين خلف عجبـهْ
السربة الجماعة من الخيل والسنبة القطعة من الزمان والقنب وعاء القضيب يقول لضبة سل قلبك أين ترك ما كان فيه من العجب والأعجاب يعني حين أنجحر عنه وعن أصحابه وتحصن وهم يواجهونه بالشتم والقبيح من القول
وإن يخنك فعمـري لطالما خان صحبهْ
يقول أن خانك العجب فكثيرٌ من المعجبين بأنفسهم لم يبق معهم العجب واذلهم الزمان وروى ابن جنى وإن يجبك من الإجابة وكان أيضا خطأ في الرواية فإن العجب واحد والصحب جماعة أي كل يجب أن يقول على روايته لطالما كان صاحبه
وكيف ترغبُ فيه وقد تبينت رعبهْ
ما كنت إلا ذبابـا نفتك عنه مذبهْ
أي كيف تريد العجب وقد علمت شؤمه وكنت كالذباب نفتك المذبة عن العجب وقال ابن جنى أي بقيت بلا قلب قال ابن فورجة ظن إن الهاء راجعة إلى القلب وذلك باطل والهاء راجعة إلى العجب
وكنت تنـخـر تـيهـا فصرت تضرط رهبهْ
يعني حين لجأ منهم إلى الحن هرباً منه ومن اصحابه
وإن بعدنـا قـلـيلا حملت رمحا وحربه
وقلت ليت بـكـفـي عنانَ جرداء شطبهْ
أي إذا رحلنا عنك عاودك العجب وحملت السلاح لقولهم كلُّ مجرٍ في الخلاء يسرّ
إن أوحشتك المعالي فإنها دار غربـهْ
أو آنستكَ المخـازي فإنها لك نسـبـهْ
وإن عرفت مرادي تكشفت عنك كربهْ
قال ابن جنى يقول أنت مع ما أوضحته من هجائك غير عارف به لجهلك فإذا عرفت أنه هجاء زالت عنك كربةٌ لمعرفتك إياه وهذا كلام من لم يعرف معنى البيت وليس المراد ما ذكر ولكنه يقول مرادي أن أذكر ما فيك من البخل والغدر بالضيف فإن عرفت مرادي سررت بما قلته لأنه لا يقصدك آخر بعد ما بينت من صفاتك بسؤالٍ ولا طلبِ قرى
وإن جهلت مرادي فإنه بك أشبـهْ
وقال يمدح دلار بن كشكروز وكان قد أتى الكوفة لقتال الخارجي الذي نجم بها من بني كلاب وانصرف الخارجي قبل وصول دلار إلى الكوفة
كدعواك كل يدعى صحة الـعـقـلِ ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهلِ
يقول للعاذلة كل واحد يدعى صحة عقله كدعواك يعني أنك بلومك إياي تدعين أنك أصح عقلا مني وليس يعلم أحد جهل نفسه لأنه لو علم جهل نفسه لم يكن جاهلا
لهنـك أولـى لائمٍ بـمـلامةٍ وأحوج ممن تعذلين إلى العذل
لهنك فيه قولان قال سيبويه أصله لله إنك وقال أبوزيل لإنك فأبدلت الهمزة هاء لئلا يجتمع حرفان للتوكيد اللام وإن بينهما في هذا كلام واحتجاج ذكرته في الأعراب يقول أنت أولى بالملامة وأنت أحوج إلى العذل مني لان من أحببته لا يلام على حبه
تقولين ما في الناس مثلك عاشـقٌ جدي مثل من أحببته تجدي مثلي
نصب مثلك على الحال من عاشق لأن وصف النكرة إذا قدم عليها نصب على الحال منها يقول لها إن وجدت لمحبوبي مثلا في الحسن وجدت لي مثلا في العشق يعني كما أنه بغير مثل كذلك أنا
محب كنى بالبيض عن مرهفـاتـهِ وبالحسن في أجسامهن عن الصقلِ
يقول أنا محب إذا ذكرت البيض أردت بها السيوف وإذا ذكرت حسنها كنيت به عن صقل السيوف
وبالسمر عن سمر القنا غير أنني جناها أحبائي وأطرافها رُسلي
أي وأكنى أيضا بالسمر عن الرماح السمر ويعني بجناها ما يجتني منها من المعالي التي يرتقي إليها بالعوالي يقول فالمعالي هي احبائي ورسلي التي تتردد بيني وبينها الأسنة يريد أني أخطب المعالي بالرماح
عدمت فؤادا لم تبت فيه فضـلةٌ لغير الثنايا الغر والحدق النجلِ
دعا على قلبٍ يميل إلى الحسان بالعدم يقول لا كان لي قلبٌ لا فضل فيه لغير حب ثنايا الحسان واحداقهن
فما حرمت حسناء بالهجرِ غبـطةً ولا بلغتها من شكا الهجر بالوصلِ
يقول المرأة الحسناء إذا هجرت لم تحرم المهجور غبطةً لأنها لو واصلته ما بلغته الغبطة أيضا ومن شكا الهجر هو العاشق وهو مفعولٌ ثان لبلغت أي وإن وصلته لم تبلغه غبطةً
ذرينـي أنـل مـا لا ينـال مـن الـعـلـي فصعبُ العليَ في الصعبِ والسهلِ في السهلِ
يقول للعاذلة دعيني من لومك أنل من العلي ما لم ينل قبلي فإن العلي الصعبة وهي التي لم يبلغها أحد في الأمر الصعب الذي لم يركبه أحد وما سهل وجوده سهل الوصول إليه
تريدين لقيان المعالـي رخـيصةً ولا بد دون الشهد من إبرِ النحلِ
قرىء على المتنبي لقيان بضم اللام وكذلك أملاه وهو خطأ والصواب كسره ذكر سيبويه وقال هو مثل العرفان والغشيان والريمان والحرمان والوجدان والإتيان ونحو ذلك ذكره الفراء في كتاب المصادر يقول للعاذلة تريدين أن أملك المعاليَ رخيصةً ومن اجتنى الشهد قاسى لسع النحل ولا يبلغ حلاوة العسل إلا بمقاساة مرارة اللسع وهذا كما قال العتابي، وإن جسيمات الأمور مشوبةٌ، بمستودعاتٍ في بطونِ الأساودِ،
حذرت علينا الموت والخيل تدعى ولم تعلمي على أي عاقبةٍ تجلى
يقول تخافين الموت علينا عند التقاء الخيول ولم تعلمي أن الدبرة تكون علينا أو عليهم ومعنى تجلى تنكشف يقال أجلت المعركة عن كذا قتيلا
ولست غبينا لو شريت منيتـي بإكرامِ دلارِ بن كشكروزٍّ لي
دلار وكشكروز أسمان عجميان من أسماء الديلم وهما الشجاع والمسعود بالعربية يقول لم أغبن بأن حصلتُ لنفسي أكرام الممدوح لو بمنيتي
تمر الأنابيب الخواطرُ بيننـا ونذكرُ إقبالَ الأميرِ فتحلولي
يقول الرماح الخاطرة بيننا وبين أعدائنا تصير مرا علينا يريد أن الحرب شديد الحرارة فإذا ذكرنا إقبال الأمير صارت حلوا لنا لأنا نظفر على الأعداء بدولته وإقباله وعند بعض الناس لا يجوز هذه الواو في هذه القافية وقال خطأ أن يجمع بين تجلى وتحلولي في القافية وليس كذلك لأن الواو والياء إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما جرتا مجرى الصحيح مثل القول والمين وكذلك إذا انفتحتا وسكن ما قبلهما مثل أسود وأبيض وهذا مثل قول الكسعي، يا ربٍّ وفقني لنحتِ قوسي، فإنها من أربي لنفسي، وانفع بقوسي ولدي وعرسي، وقد قال البحتري، إن سير الخليط حين استقلا، ثم قال في هذه القصيدة، كنت من بين البرايا به أحق وأولى، وقال ابن جنى هذه قافية فيها فساد وذلك أن الواو في تحلولي ردفٌ لأنها ساكنة قبل حرف الرويّ وليس في هذه القصيدة قافية مردفة غير هذه وهذا عيبٌ عندهم إلا أنه جاء في الشعر القديم، إذا كنت في حاجةٍ مرسلاً، فأرسل حكيما ولا توصهِ، وإن باب أمرٍ عليك التوى، فشاور لبيباً ولا تعصهِ،
ولو كنتُ أدري أنها سبـبٌ لـه لزادَ سروري بالزيادةِ في القتلِ
ولو كنت أعلم أن الحادثة والفتنة سببٌ لمجيئه إلينا لزاد سروري بزيادة الفتنة
فلا عدمت أرض العراقينِ فـتـنةً دعتك إليها كاشف الخوف والمحلِ
يقول لا خلت أرض العراق من فتنةٍ تكون سببا لورودك وداعيةً إياك كاشفا لما فيها من الخوف والجدب
ظللنا إذا انبى الحديدُ نـصـولـنـا نجردُ ذكرا منك أمضى من النصلِ
يقول إذا لم تنفذ نصولنا على أسلحة الأعداء ذكرناك فنفذت عليهم بدولتك وكان ذكرك أمضى من النصل وأنبى أي جعله نابيا
ونرمي نواصيها من أسمك في الوغى بأنفذ من نشابنـا ومـن الـنـبـلِ
فإن تكُ من بعدِ القـتـالِ أتـيتـنـا فقد هزم الأعداء ذكرك من قـبـلِ
جعل قبلا نكرةً فأعربها وكسرها كما قال الآخر، وساغَ لي الشرابُ وكنتُ قبلا، أكاد أغصُّ بالماء الحميمِ،
وما زلت أطوي الأرض قبل اجتماعنا على حاجةٍ بين السنابكِ والسـبـلِ
يقول ما زلت أضمر زيارتك وقصدك قبل هذا الإجتماع وكان ذلك حاجةً لا تحصل إلا بقطع المسافة فهي حاجة بين سنابك الخيل والسبل
ولو لم تسر سرنا إليك بـأنـفـسٍ غرائبَ يؤثرن الجيادَ على الأهل
يقول لو لم تسر إلينا لسرنا إليك بأنفسٍ هي غريبة بين الناس بما فيها من الأخلاق التي لا توجد في غيرها ثم ذكر من صفاتها أنها تؤثر السفر على الحضر والتعب على الدعة تحصيلا للذكر والشرف
وخيلٍ إذا مرت بوحشٍ وروضةٍ أبت رعيها إلا ومرجلنا يغلي
أي وبخيل سابقة طاردة للوحوش لا ترعى الرياض قبل صيد وحشها فإذا مررنا بروضة صدنا بها الوحش ونصبنا المرجل ثم رعت خيلنا والمعنى أن الكلال لم يصبها فيمنعها عن صيد الوحش بعد قطع المرحلة وهذا من قول امرىء القيس، إذا ما ركبنا قال ولدانُ أهلنا، تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطبِ،
ولكن رأيت القصدَ في الفضل شركة فكان لك الفضلان بالقصدِ والفضلِ
يقول رأيت أن بقصدنا شركةً في الفضل فحصل لك فضلان فضل تتفرد به دون الناس وفضلٌ كسبته بقصدنا
وليس الذي يتبع الـوبـل رائداً كمن جاءه في دارهِ رائدُ الوبلِ
يتبع اصله يتتبع فأكسن التاء الأولى وادغمها في الثانية ومثله أطير وأثاقل ورائد الوبل مقدمته يقول ليس من يطلب الوبل كمن مطر وهو في داره يريد أنهم بسبب اتيانه إليهم صاروا كالممطور ببلدته لا يتعنى بالريادة وطلب الموضع الممطور والمعنى ليس من يقصد الخير كمن يأتيه الخير عفوا بلا قصد ولا تعب
وما أن ممن يدعي الشوق قلبـهُ ويحتج في ترك الزيارة بالشغلِ
يقول لست كمن يدعي الشوق ثم لا يزور ويحتج بالعائق عن الزيارة يعني أن المدعي للشوق إذا كان بهذه الصفة كان كاذبا في دعواه لأن من عالج الشوق زار ولم يستبعد الدار
أرادت كـلابٌ أن تـفـوز بـدولةٍ لمن تركت رعى الشويهات والإبلِ
يقول طلبوا الإمارة وهم رعاة الإبل والغنم فغذا طلبوا الإمارة فمن لها يعني أنهم ليسوا بأهلٍ لما طلبوه
أبى ربها أن يترك الوحش وحدهـا وأن يؤمن الضبَّ الخبيثَ من الأكلِ
يقول أبى الله أن يعطيهم الإمارة ويأمن الوحش من الصيد والضب من الأكل أي أنهم أهل البوادي وشأنهم طلب الوحوش وصيد الضباب الخبيثة المطعم ويأبى الله لهم إلا هذا
وقاد لها دلار كـل طـمـرةٍ تنيف بخديها سحوقٌ من النخلِ
يقول قاد لقتال كلاب كل فرس وثابة طويلة العنق كأنما ترفع خدها من طول عنقها نخلةٌ سحوق وهي الطويلة وهذا من قول الآخر، وهاديها كأن جذع سحوق،
وكل جوادٍ تلطـم الأرض كـفـهُ بأغنى عن النعل الحديد من النعلِ
وكل فرس جواد يضرب الأرض بحافر مستغنٍ عن النعل بصلابة خلقته كما يستغني النعل عن النعل وسمى حافره الكف استعارةً من الإنسان كما يستعار للإنسان الحافر أيضا من الفرس في قول من قال، فما رقد الولدان حتى رأيته، على البكر يرميه بساقٍ وحافرِ،
فولت تريغ الغيث والغيث خلفـت وتطلب ما قد كان في اليد بالرجلِ
تريغ تطلب قال ابن جنى أي لو ظفرت بالكوفة وما قصدت له لوصلت إلى تناول الغيث باليد عن قريب قال أبو الفضل العروضي فيما أملاه عليّ هذا تفسير من لم يخطر البيت بباله لأنه ظاهر على المتدبر إنما يقول قد كانوا في أمن ونعمة وشبه ما كانوا فيه بالغيث فاستزادوا طلب الملك وجاؤوا محاربين فهزموا فلما تولوا هاربين قصدوا بأرجلهم ما كان في أيديهم من مواطنهم ونعمتهم فذلك قوله وتطلب ما قد كان في اليد بالرجل وقال ابن فورجة يعني أنها كانت في غيث من إقطاع السلطان وإنعامه فلما عصوا وحاربوا ثم انهزموا وولوا هاربين يطلبون مأمنا وحصنا وقد خلفت أمنا كان حاصلا لها وتطلب بأرجلها ما كان في أيديها أي تطلب بهربها وأغذاذها على أرجلها ما كان حاصلا في أيديها
تحاذر هزل المال وهي ذلـيلةٌ وأشهد أن الذل شرٌّ من الهزلِ
يقول يحاذرون الهزل على نعمهم وهم قد ذلوا بالقتل والهزيمة وما لحقهم من الذل شرُّ مما يحاذرون على أموالهم من الهزال
وأهدت إلينا غير قـاصـدةٍ بـه كريم السجايا يسبق القول بالفعلِ
أي لما كانوا سببا في إتيان هذا الممدوح جعلهم مهدين إياه إليهم وإن لم يقصدوا ذلك وعني بالكريم السجايا الممدوح
تتبع آثار الرزايا بجوده تتبع آثار الآسنة بالفتلِ
يعني أنه جبر أحوال الناس وأصلح ما لحقهم من الرزايا والخسران بسبب غارة بني كلاب وأسى جرحهم كما يؤسى جرح الأسنة بالفتائل
شفى كل شاكٍ سـيفـهُ ونـوالـهُ من الداء حتى الثاكلات من الثكلِ
يقول أدرك ثار الناس وشفاهم من الحقد بسيفه حتى شفى الوالدات اللاتي قتل اولادهن من ثكلهن
عفيف تروق الشمس صورة وجههِ ولو نزلت شوقا لحادَ إلى الظـلِ
يقول الشمس تستحسن صورة وجهه فلو نزلت إليه الشمس شوقا إليه المال عنها وعف يريد أنه عفيف عن كل أنثى حتى عن الشمس لو نزلت إليه لحقت معنى العفة
شجاع كأن الحرب عاشقة لـه إذا زارها فدته بالخيل والرجل
يقول هو شجاع وكان الحرب تعشقه وتحبه فإذا أتى الحرب استبقته وأفنت من سواه من الفرسان والرجال فكأنها جعلتهم فداء له وهذا بدائع أبي الطيب ومما لم يسبق إليه
وريان لا تصدي إلى الخمر نفسه وعطشانُ لا تروي يداه من البذل
يريد أنه لا يشرب الخمر كأنه مرتو منها لا يعطش إليها ولا يفتر عن البذل فكأنه عطشانُ لا يروى من الخبر عن يداه خبر عنه فإذا لم يرو جوده من البذل لم يرو هو
وتمليك دلار وتعظيم قدره دليل بوحدانية الله والعدلِ
يقول ملكه وعظم قدره يشهد بوحدانية الله تعالى ورأفته بخلقه حين ملك عليهم من هو عفيف محسن إلى الخلق
وما دام دلار يهـز حـسـامَـهُ فلا ناب في الدنيا لليثٍ ولا شبلِ
قال ابن جنى أي لا تعمل انياب الأسد ما يعمل سيفه في كفه فكأنها ليست موجودة وليس المعنى ما ذكره إنما يقول ما دام قائم سيفه في كفه لم يتسلط أسد على فريسة لأنه يصده بسيفه عن أن يعدو على الناس
ومـا دام دلار يقـلـب كـفـــهُ فلا خلق من دعوى المكارمِ في حلِّ
وما دام هو يحرك يده في البذل لم يحل لأحد دعوى المكارم لأنه لا يجود احد جوده
فتى لا يرجى أن تتـم طـهـارةٌ لمن لم يطهر راحتيه من البخـل
فلا قطع الرحمنُ أصلا أتـى بـه فإني رأيت الطيب الطيب الأصلِ
وقال يمدح أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميدي وورد عليه بأرجان
بادٍ هواك صبرت أم لم تـصـبـرا وبكاك عن لم يجر دمعك أو جرى
أراد تصبرن بالنون الخفيفة فوقف عليها بالألف نحو، ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا، ومثله كثير يقول يظهر حبك للناس صبرت عليه أو لم تصبر لأنه لا يطيق أحد كتمان الحب ويظهر بكاؤك جرى دمعك أو لم يجر فإن قيل كيف يظهر البكاء إذا لم يجر الدمع قيل عني ما يبدو في صوته من نغمة الحزن والزفير والشهيق والتهيؤ للبكاء ويجوز أن يكون البكاء عطفا على الضمير في صبرت كأنه يقول صبرت وصبر بكاؤك فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى دمعك وحكى ابن فورجة أن أبا الطيب قيل له خالفت في هذا البيت بين سبك المصراعين فوضعت في المصراع الأول ايجابا بعده نفيٌ وفي الثاني نفيا بعده ايجاب فقال لئن كنت خالفت بينهما من حيث اللفظ فقد وفقت بينهما من حيث المعنى وذلك أن من صبر لم يجر دمعه ومن لم يصبر حرى دمعه يعني أنه أراد صبرت فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى
كم غر صبرك وابتسامك صاحباً لما رآك وفي الحشا ما لا يرى
يخاطب نفسه يقول ابتسامك الظاهر يغر الناظر إليك لأنه يرى ضحكا ظاهرا ولا يرى ما في الباطن من الاحتراق والوجد
أمر الفؤاد لسانه وجـفـونـه فكتمنه وكفى بجسمك مخبرا
القؤاد في الجدس بمنزلة الملك فلهذا جعله آمرا للسان والجفن يول أمر القلب اللسان بالكتمان والجفن بإمساك الدمع فأطعنه في الكتمان غير أن جسمك بالنحول دل على ما في قلب وهذا من قول الآخر، خبري خذيه عن الضني وعن الأسى، ليس اللسان وإن تلفت بمخبرِ، والهاء في كتمنه عائد على ما لا يرى
تعس المهارى غير مهريٍّ غدا بمصورٍ لبس الحرير مصورا
دعا بالتعس على ركائب الأظعان غير واحد منها غدا بحبيب كأ،ه في حسنه صورة وعليه ثوب منقش بالصور
نافستُ فيه صورةً في سترهِ لو كنتها لخفيت حتى يظهرا
يقول حسدت لأجل الحبيب المصور صورةً في ستر هودجه لقربها منه ولو كنت تلك الصورى لخفيت حتى يظهر ذلك الإنسان لرأي العين وذلك أنّ كل أحد يحب أن يراه ودونه ستر يقول لو كنت ذلك الستر لأنكشفت حتى يظهر فأراه ويزول الحجاب وذكر بعض الناس بهذا تفسيرا متكلفا فقال المعنى أنه يقول لو كنت ذلك الستر لكنت سترا من عدم فكان يظهر المصور يصف قلته ونحوله
لا تتربِ الأيدي المقيمة فوقـهُ كسرى مقامَ الحاجبين وقيصرا
لا تترب أي لا تفتقر يقال ترب إذا افتقر وصار إلى التراب فقرا وكسرى لقب ملوك العجم يقوله الكوفيون بكسر الكاف والبصريون بفتح الكاف وكانت صورة هذين على الستر كأنهما أقيما مقام الحاجبين يحجبان هذا المصور ودعا للايدي التي نسجت ذلك الستر وصورت الملكين عليه بأن لا تترب
يقيان في أحد الهوادج مـقـلةً رحلت وكان له فؤادي محجرا
يقول كلاهما يدفعان ويصرفان السوء من الغبار وحر الهواء وحر الشمس عن مقلة في أحد الهوادج يعني هودج الحبيب وكنى عنه بالمقلة لعزته وجعل فؤاده محجرا لتلك المقلة والمعنى أنها كانت ضياء قلبي بمنزلة عين القلب فلما ارتحلت عني عمي قلبي والتبس عليّ أمري وفقدت ذهني كمقلةٍ ذهبت وبقي المحجر
قد كنت أحذر بينهم من قبـلـهِ لو كان ينفع حائنا أن يحـذرا
ولو استطعت إذا اغتدت روادهمْ لمنعتُ كل سحابةٍ أن تقطـرا
يقول لما بعثوا الرواد لطلب الكلاء والماء لو قدرت لمنعت السحاب أني مطر لئلا يجدوا ماء وكلاء يرتحلون إليهما للانتجاع
فإذا السحاب أخو غرابِ فراقهمْ جعل الصياح ببينهم أن يمطروا
هذا كلام فيه حذف لا يتم المعنى دون تقديره كأنه قال لمنعت كل سحابة أن تمطر لأني تأملت الحال فإذا السحاب الذي هو أخو الغراب في التفريق بعدم عنا جعل السحاب أخا الغراب لأنه سبب الافتراق عند الانتجاع وتتبع تساقط الغيث في الربيع كعادة أهل العير السيارة ولما جعله أخا الغراب جعل المطر كصياح الغراب كما أن صياح الغراب سبب للافتراق على زعمهم كذلك سقوط الغيث من السحاب سبب للارتحال في تتبع الغيث والسحاب في قوله فإذا السحاب مبتدأ وأخو غراب فراقهم نعت له والخبر في قوله جعل الصياح
وإذا الجمائل ما يخدن بنفنفٍ إلا شققن عليه ثوبا أخضرا
الجمائل جمع جمالة وهي الجمال الكثيرة وروى ابن جنى الحمائل بالحاء جمع حمولة وهي الإبل يخمل عليها والنفنف الأرض الواسعة يقول إذا سارت الركاب في أرض وهي مخضرة بالكلاء بدت عليها آثار سيرها فكأنها شقت ثوبا أخضر والمعنى أنهم فارقونا أيام الربيع عند خضرة النبات
يحملن مثل الروض إلا أنها أسبى مهاةً للقلوب وجوذرا
يقول هذه الركاب تحمل من الهوادج ومراكب النساء التي زينت بالأنماط مثل الروض في تلون أزهارها إلا أن ما تحمله الركاب من مهاها وجؤذرها أسبى لقلوب الرجل من مها الرياض وجآذرها وروى ابن جنى إلا أنه كنايةً عن المثل والناس يروون أنها لان مثل الروض روٌ
فبلحظها نكرت قناتي راحتـي ضعفاً وأنكر خاتماي الخنصرا
بلحظها أي بنظري إليها أضاف المصدر إلى المفعول يقول بسبب نظري إليها صرت ضاويا مهزولا حتى أنكرت قناتي يدي وخاتمي خنصري ضعفا وقلة لحم
أعطى الزمان فما قبلت عطاءه وأراد لي فأردت أن أتخـيرا
يقول لم أقبل عطاء الزمان ترفعا وبعد همة أي أردت عطاءك دون عطاء الزمان وأراد الزمان لي أن أقصد سواك فأردت اختيارك والمعنى أن الزمان أراد أن يسترقني بإحسانه فأبيت ذلك واخترتك على الزمان فأنك إذا ملكتني ملكتُ الزمان بما فيه
أرجان أيتهـا الـجـيادُ فـإنـهُ عزمي الذي يذرُ الوشيج مكسرا
هو أرجان مشددة الراء اسم بلد بفارس إلا أنه خفف لأنه اسم عجمي يقول لخيله اقصدي هذه البلدة فأني عزمت على قصدها بعزم قوي يكسر الرماح بقوته والمعنى أن الرماح لا تعوقني عن هذه العزيمة
لو كنت أفعل ما اشتهيت فعالـهُ ما شق كوكبك العجاج الأكدرا
يقول لخيله لو فعلت ما تريدين ما ركضتك في الغبار المظلم يعني أن الخيل تريد الجمام والراحة وهو يتبعها في الأسفار وكوكب الخيل جماعتها المجتمعة
أمي أبا الفضلِ المبر أليتي لأيممن أجل بحرٍ جوهرا
أي أقصدي هذا الممدوح الذي يبر قسمي إذا أقسمت أن اقصد أجل البحار جوهرا أي إذا قصدته برت يميني
أفتى برؤيته الأنام وحـاش لـي من أن أكون مقصرا أو مقصرا
يقول افتاني الناس كلهم في إبرار هذه اليمين برؤيته وقصده وأعوذ بالله أن أقصر في إبرار هذا القسم أو أقصر عنه فإني إذا فعلت ذلك كنت شاقا لعصا الإجماع لن الإجماع على أن قسمي لا تبر إلا برؤيته يقال قصر عن الشيء إذا تركه عجزا وأقصر عنه إذا تركه قادرا عليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:40 pm

صغت السوار لأي كفٍّ بشرتْ بابنِ العميد واي عبدٍ كـبـرا
يقول أي كف أشارت إلى ابن العميد فبشرتني به فلها عندي السوار وكذلك أي عبد من عبيدي كبر عند وقوع بصره على بلده وعلى داره سرورا ببر قسمي
إن لم تغثني خيلـه ورمـاحـهُ فمتى أقود إلى الأعادي عسكرا
هذه إشارة إلى أنه يمده بالمال والعبيد فيقدر بذلك على محاربة الأعداء وعادة المتنبي طلب الولايات ممن يمدحه لا طلب الصلات
بأبي وأمي ناطق في لفظـهِ ثمن تباع به القلوب وتشترى
يقول لفظه لحلاوته ثمن للقلوب يعني أنه يملك القلوب بحالاوة لفظه فيتصرف فيها كما يريد بصفة البلاغة وإن شئت قلت أن الفاظه عزيزة تجعل القلوب أثمانا لها لم توجد بغيرها وقوله تباع وتشترى أي الناس يبيعون وهو يشتريها فيصير مالكا لها وإن شئت جعلت الشراء بيعا فيكون مكررا بلفظين معناهما واحدٌ
من لا تريه الحرب خلقاً مقبلا فيها ولا خلقٌ يراه مدبـرا
أي لا يقبل إليه أحد في الحرب تهيبا له ولا يدبر هو عن قرنِ
خنثى الفحول من الكماة بصبغهِ ما يلبسون من الحديد معصفرا
خنثى الفحول جعلهم كالمخنثين يقال خنثى يخنثى خنثاةً وهذا رواية ابن جنى وابن فورجة وروى غيرهما خنث الفحول أي انكسروا عند اعماله الضرب فيهم والأولى أجود لأنه ذكر صبغة لباسهم والثوب المعصفر المصبوغ من ثياب النساء وذوي التخنيث
يتكسب القصب الضعيف بكفـهِ شرفاً على صم الرماحِ ومفخرا
روى ابن جنى بخطه يقول قلمه أشرف من الرماح لأن كفه تباشره عند الخط فيحصل له الشرف والفخر على الرماح التي لم يباشرها بكفه
ويبين فيما مس منه بنـانـهُ تيه المدل فلو مشى لتبخترا
يقول كل شيء مسه ببنانه ظهر فيه الكبر حتى لو مشى ذلك الشيء لتبختر تشرفا بمسه إياه
أ من إذا ورد البـلاد كـتـابـهُ قبل الجيوش ثنى الجيوش تحيرا
يقول كتابه يعمل عمل الجيش فإن من ورد عليهم كتابه يتحيرون في حسن لفظه وبدائع معاني كلامه فيستعظمونه فينصرفون أو أنه يسحرهم ببيانه فينصرفون عنه حين عمل فيهم كلامه عمل السحر
أنت الوحيد إذا ارتكبـت طـريقةً ومن الرديف وقد ركبت غضنفرا
يقول أنت فرد الطريقة في كل أمر تقصده لا يقدر أحد أن يقتدي بك في طريقتك كراكب الأسد لا يقدر أحدٌ أن يكون رديفا له وعلى هذا القول الغضنفر مركوب ويجوز أن يكون حالا للممدوح يقول لا يقدر أحد أن يكون رديفا لك فإنك غضنفر
قطف الرجال القول قبل نباتهِ وقطفت أنت القول لما نورا
يقول أقوال الناس كالثمر تقطف قبل ينعها وإدراكها وقولك كالنبات المتناهي في نبته يعني أنه تام بالغ في فيه عذب الكلام والنبات إذا نور فهو غاية تمامه ومعنى قوله قبل تمام نباته فحذف المضاف ويروي وقت نباته
فهو المشيع بالمسامعِ إن مضـى وهو المضاعف حسنهُ إن كررا
يقول الأسماع تتبع قولك إذا مضى حبا له وشغفا به وإذا كرر إزداد حسنه وإنما قال هذا لأن الكلام إذا أعيد سمج وإذا تكرر تكرد وكلام الممدوح يتضاعف حسنه عند التكريم وهذا منقول من أبي نواس يزيدك وجهه حسنا، إذا ما زدته نظراً،
وإذا سكت فإن أبلغ خاطبٍ قلمٌ لك اتخذ الأصابعَ منبراً
أي أن قلمه إذا ركب أصابعه في كتابه كان أبلغ خاطب عند سكوت الممدوح
ورسائل قطع العداة سحاءها فرأوا قناً وأسنةً وسنـورا
هذا البيت كالتفسير لقوله ثنى الجيوش تحيرا يقول الأعداء إذا قطعوا سحاء كتبك ورسائلك رأوا من بلاغتك وجزالة ألفاظك ما يقتلهم غيظا وحسدا وييأسون معه من الإقتدار عليك فيقوم لذلك مقام السلاح في دفع الأعداء ومثل هذا ما يحكي أن الرشيد كتب في جواب كتاب ملك الروم قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تقرأه فأنظر إلى هذا اللفظ الوجيز كيف يملأ الأحشاء نارا، ويدع القلوب أعشارا، ويشعر النفوس حذارا، ويعقب إقدام ذوي الأقدام نكوصا وفرارا، والسنور الحديد والدروع
فدعاك حسدك الرئيس وأمسكـوا ودعاك خالقك الرئيس الأكبـرا
خلفت صفاتك في العيون كلامهُ كالخطِ يملأ مسمعي من أبصرا
يقول الصفات الشريفة التي خصك الله بها تخلف كلام الله تعالى في الدلالة على أنك أفضل الناس فصار كأنه دعاك الأكبر قولا من حيث دعاك فعلا كالخط فإن من كاتب كمن شافه وخاطب ومن علم أنك مستحق عند الله لأن تسمى الرئيس الأكبر
أرأيت همةَ ناقتي فـي نـاقةٍ نقلت يداً سرحاً وخفا مجمراً
السرح السهلة السير المجمر من صفة الخف الصلب انشد الكسائي، أنعتها إني من نعاتها، مدراةُ الأخفاف مجمراتها، ويقال أيضا مجمر أي خفيف سريع من قولهم أجمرت الناقة إذا أسرعت قال الأستاذ أبو بكر الخوارزمي في قوله خفا مجمرا أراد خفا خفيفا فلم يوافقه اللفظ ولو وافقه لكان تجنيسا ظاهرا وإذا لم يوافقه فهو تجنيسٌ معمي كقول الشماخ، وما أروي وإن كرمت علينا، بأدني من موقفةٍ حرون، أراد أن يقول بادني من أروى فلم يساعده اللفظ فعدل عن الفظ الأروى إلى صفتها وهو يديدها ومعنى البيت أنه أخبر عن علو همة ناقته حين قصدته وهو اخبار عن علو همة نفسه لأنه يحمل ناقته على السير ثم ذكر علو همتها
تركت دخان الرمث في أوطانها طلباً لقومٍ يوقدون العنـبـرا
الرمث نبت يوقد به أي تركت الأعراب ووقودهم وأتت قوما وقودهم العنبر وهذا من قول البحتري، نزلوا بأرض الزعفران وجانبوا، أرضا ترب الشيح والقيصوما،
وتكرمت ركباتها عن مبـركٍ تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا
يقول تكرمت ناقتي عن أن تبرك إلا على المسك الأذفر وهو الشديد الرائحة يردي أن العنبر بحضرة الممدوح يوقد به والمسك ممتهن عنده بحيث يبرك عليه البعير والركبات جمع ركبة وهذا جمع أريد به الإثنان كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما وكقول الشاعر، ظهراهما مثل ظهور الترسن، وهو كثير وذلك أن أول الجمع إثنان فجاز أن يعبر عنهما بلفظ الجمع لما كانا جمعا فيدل على أنه أراد بلفظ الجمع الاثنين أنه لما أخبر كما يخبر عن الأثنين بقوله تقعان
فأتتك دامية الأظل كـأنـمـا حذيت قوائمها العقيق الحمرا
الأظل باطن خف البعير وحذيت جعل لها حذاء وهو النعل يقول أتتك الناقة وقد دميت خفافها لطول السير وحزونة الطريق حتى كأنها أحتذت العقيق الأحمر كما قال الآخر، كان أيديهن بالموماة، أيدي جوارٍ بتنَ ناعماتِ، أي تخضبت بالدم خضاب هؤلاء الجواري
بدرت إليك يد الزمانِ كأنهـا وجدته مشغول اليدين مفكرا
يقول سبقت إليك العوائق وصروف الزمان فكأنها وجدت الزمان مشغولا عنها فانتهزت الفرصة في قصدك فإن الزمان موكلٌ صروفه بدفع الخيرات
من مبلغ الأعراب أني بعدهـا شاهدت رسطليس والإسكندرا
يقول من الذي يبلغ الأعراب أني بعد أن فارقتهم رأيت عالما هو في علمه وحكمته مثل أرسطاليس وملكا هو ي سعة ملكه كالأسكندر ورسطاليس أسم رومي لما أراد استعماله حذف بعضه فإن العرب تجترىء على استعمال الاعجمية فإن أمكن نقلها إلى أوزانهم نقلوها وإن لم يمكن نقلها حذفوا بعضها ومثل هذا الأسم في كثرة حروفه لا يوجد في كلام العرب
ومللت نحر عشارها فأضافـنـي من ينحر البدر النضار لمن قرى
يقول مللت في صحبة الأعراب نحو الإبل ولحومها فأضافني من يجعل قراه بدر الذهب وهذا من قول البحتري، ملك بعالية العراق قبابهُ، يقرى البدور بها ونحن ضيوفهُ، وإنما استعمل النحر في البدر لذكره نحر العشار ومعنى نحر البدر فتحها لأعطاء ما فيها من الذهب
وسمعت بطليموس دارسَ كتبهِ متملكا متبديا متـحـضـرا
بطليموس حكيم من حكماء الروم صنف كتاب في الطب والحكم وابن العميد كان أيضا حكيما عالما قد جمع بين أفعال الملوك وفصاحة البدو وظرافة الحضر يقول سمعت من ابن العميد وهو يدرك كتب نفسه في حال جمعه بين الملوكية والبدوية والحضرية وبطليموس هو ابن العميد سماه بهذا للمشابهة بينه وبين هذا الحكيم ونصب دارس كتبه على الحال وكذلك ما بعده ويجوز أن يريد أنه سمع من ابن العميد ما عفا ودرس من كتب بطليموس لأنه أحياه بذكاء فطنته وجودة قريحته ويكون التقدير سمعت دارس كتب بطليموس ولكنه قدم ذكره ثم كنى عنه ويجوز أن يكون دارس كتبه مفعولا ثانيا كما تقول سمعت زيدا هذا الحديث
ولقيت كل الفاضلين كأنـمـا رد الإله نفوسهم والأعصرا
يقول عصر وأعصرٌ وعصورٌ يقول لقيت بلقائه كل من كان له فضل علم فكأن الله تعالى أحياهم ورد زمانهم حتى لقيت كلهم والمعنى أن فيه من الفضل ما كان في جميع الفضلاء
نسقوا لنا نسق الحساب مقدما وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا
يقول جمع لنا الفضلاء في الزمان ومضوا متتابعين متقدمين عليك في الوجود فلما أتيت بعدهم كان فيك من الفضائل ما كان فيهم مثل الحساب يذكر تفاصيله أولا ثم يجمل على تلك التفاصيل فيكتب في مؤخر الحساب فذلك كذا وكذا فيجمع في الجملة ما ذكر في التفصيل كذلك أنت جمعت فيك من الفضل ما يفرق فيهم وهذا البيت ينظر إلى قول من قال، وفي الناس مما خصصتم به، تفاريق لكن لكم مجتمعْ،
يا ليت باكيةً شجاني دمـعـهـا نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
يقول الباكية التي بكت على فراقي وأحزنني بكاؤها ليتها رأتك كما رأيت فتعذرني في فراقها وركوب الأهوال والاخطار في السفر إليك
فترى الفضيلة لا ترد فـضـيلةً الشمس تشرق والسحاب كنهورا
روى ابن جنى لا ترد وقال معناه وترى الفضيلة فيك مشرقة غير مشكوك فيها كما ترى الشمس إذا أشرقت والسحاب إذا كان عظيما متكاثفا وتقديره وترى الفضيلة فضيلةً لا ترد فيكون نصب فضيلةً على الحال ثم نصب الشمس بفعلٍ مضمر يدل عليه ما قبله كأنه قال ترى هي برؤيتها فضائلك الشمس في حال إشراقها والمزن في حال تراكمها ومعنى لاترد أي هي مقبولة غير مردودة قال ابن فورجة صحف البيت ثم تمحل له تفسيرا وهو يرويه لا ترد ولا ريب أنه إذا صحف واخطأ المراد احتاج إلى تمحل وجهٍ والذي قاله أبو الطيب لا ترد فضيلة وفاعله الضمير من الفضيلة ونصب فضيلةً ثانية لأنها مفعول بها والمعنى أنها ترى الفضيلة لا ترد ضدها من الفضائل على ما عهدنا في المتضادين ثم فسر ذلك فقال يوجدك الشمس مشرقةً والسحاب كنهوراً أي في حالة واحدة يوجدك هذا الممدوح هذين المتضادين إذا كانت الشمس يسترها السحاب كنهورا فوجهه كالشمس اضآءةً ونائله كالسحاب الكنهور فيضاً وهما لا يتنافيان في وقتٍ واحد ولو كانا في الحقيقة الشمس والسحاب لستر السحابُ الشمس فتنافيا وقد كاد يوضح هذا المعنى محمد بن عليذ بن بسام على رذالة شعره بقوله، الشمس غرته والغيث راحتهُ، فهل سمعتم بغيثٍ جاء من شمس، وأوضح ابن الرومي هذا المعنى حيث يقول، يلقى مغيماً مشمساً في حالةٍ، هطل الإغامةِ نيرَ الإشماس، وقد قال أيضا في هذا المعنى، لكل جليسٍ من يديه ووجهه، مدى الدهر يومٌ غائمُ الجو شامسُ، وتبعه البحتري فقال، وأبيض وضاح إذا ما تغيمت، يداه تجلى وجهه فتقشعا، ولم يوضح أحد هذا المعنى كما أوضحه الرضى الموسوي، أمطروا الجود مضيئاً بشرهم، فرأيناهم شموساً وغماما، وذكر المتنبي هذا المعنى وقال، قمراً ترى وسحابتين بموضعٍ، من وجهه ويمينه وشمالهِ، وقال أيضا، شمنا وما حجب السماء بروقه، وحرى يجود وما مرته الريحُ،
أنا من جميع الناس أطيبُ منزلاً وأسر راحلةً وأربحُ متجـرا
يقول طاب مكاني ومنزلي بقصده وسرتني راحلتي حين أدتني إليه فاسر مبالغة من السار ويجوز أن يكون مبالغةً من المسرور والمراد بسرورها سرور راكبها وتجارتي أربح من تجارة غيري حين اشتري شعري بأوفر الأثمان
زحل على أن الكواكب قومـهُ لو كان منك لكان أكرمَ معشرا
جعل الكواكب المحيطة بزحل كالقوم له حين كان يسمى شيخ النجوم يقول زحل لو كان من عشيرتك لكان أكرم معشرا منه الآن والنجوم قومه يعني أن قوم الممدوح ورهطه أشرف من النجوم وأحضر مجلس ابن العميد مجمرة محشوة آسا ونرجساً أخفيت نارها والدخان يخرج من خلال ذلك فقال أبو الطيب
أحب امرىءٍ حبتِ الأنفسُ وأطيبُ ما شمه معطسُ
يقول أنت أحب امرىء احبته النفوس وهذا الند اطيب رائحةٍ شمها الأنف وحذف المبتدأ من الجملتين لأن المخاطبة والحال دلتا عليه وحبت غير مستعمل وإن استعمال المحبوب وإنما يستعمل ذلك شاذا
ونشر النـدى لـكـنـمـا مجامره الآس والنرجسُ
ولسنا نرى لهبـاً هـاجـهُ فهل هاجهُ عزك الأقعسُ
يقول لا نرى نارا هيجت ريح هذا الند فهل هاجته نار عزك يقال عز أقعس وعزة قعساء وهي الثابتة وقيل أنه العالي المرتفع الذي لا يوضع ظهره على الأرض كالأقعس الذي لا ينال ظهره الأرض
فإن القيام التي حولهـا لتحسدُ أقدامها الأروسُ
يقول هؤلاء القائمون عنده للخدمة تحسد ارؤسهم أقدامهم لأنهم وقفوا على أقدامهم ورؤوسهم تتمنى أنها القائمى في خدمته كما قال، خير أعضائنا الرؤوس البيت والضمير في إقدامها عائدة على الأرؤس كأنه قال لتحسد أرؤسهم أقدامها وقال يمدحه ويهنئه بالنيروز
جاء نوروزنا وأنت مرادهْ وورت بالذي أراد زنادهْ
يقال لهذا اليوم نوروز على العجمية ونيروز تقريب من التعريب ومثله من العربية تيقور وديجور وتيهور وهذا أولى بالأستعمال لأنه على أوزان كلامهم يقول جاء هذا اليوم وأنت مراده وقصده بالمجيء وقد حصل مراده إذ زارك ورآك الزناد كناية عن حصول المراد تقول العرب ورت بفلان زنادي أي أدركت به مرادي
هذه النظرة التي نالهـا مـن ك إلى مثلها من الحول زادهْ
ينثني عنك آخر اليوم مـنـه ناظرٌ أنتَ طرفـهُ ورقـادهْ
قال ابن جنى أي إذا إنصرف عنك هذا اليوم خلف طرفه عندك ورقاده فبقي بلا لحظ ولا نوم إلى أن يعود إليك قال العروضي هذا هجاء قبيحٌ للممدوح أن أخذنا بقول ابي الفتح لأنه يراه وينصرف عنه أعمى عديم النوم ومعناه أنه يقول لما رآك استفاد منه النظر والرقاد وهما اللذان يستطيبهما العين والمعنى أفدته أطيب شيء والحق ما قاله ابن جنى لأنه يذهب عنه النوم حتى يرجع إليه
نحن في أرض فارسٍ في سرورٍ ذا الصباح الذي نرى مـيلادهْ
روى ابن جنى الذي يرى بضم الياء وقال أي نحن كل يومٍ في سرورٍ لأن الصباح كل يومٍ يرى يريد إتصال سرورهم قال أبو الفضل العروضي ليس كما ذهب إليه وإما يريد أن يخص صباح نيروز بالفضل فقال ميلاد السرور إلى مثله من السنة هو هذا الصباح والرواية الصحيحة نرى بفتح النون وقال ابن فورجة يريد أبو الطيب أنا نحن في سرورٍ ميلاده في هذا الصباح يعني صباح نيروز لأن السرور يولد في صباحه لفرح الناس الشائع في النيروز
عظمته ممالك الفرس حتى كل أيام عامهِ حـسـادهْ
يجوز أن يريد بالممالك جمع ملك مثل المشايخ في جمع شيخ والمحاسن في جمع حسن كما قال في موضع آخر، أبهى الممالك البيت ويجوز أن يكون من باب حذف المضاف وهو قول أبي الفتح ويكون المعنى عظمه أهل ممالك الفرس حتى حسدته جميع الأيام لتعظيمهم إياه
ما لبسنا في الأكاليل حتى لبستها تلاعهُ ووهـادهْ
قال أبو الفتح يريد أن الصحراء قد تكامل زهرها فجعله كالاكاليل عليه قال العروضي كيف يصح ما قال وأبو الطيب يقول ما لبسنا فيه الاكاليل ولم يقل ما لبست الصحراء أو ما يشبه هذا مما يكون دليلا على ما قاله أبو الفتح ولكن كان من عادى الفرس إذا جلسوا في مجلس اللهو والشرب يوم النيروز أني تخذوا أكاليل من النبات والأزهار فيضعوها على رؤوسهم وهذا ظاهر في قول الفارسي يصف مجلس لهو، بدل خود وترك بر كيريم، أز كلٌ ومشكُ وندُّ ولاله كلاه، فقال أبو الطيب ما لبسنا الأكاليل حتى لبستها التلاع وهي ها هنا ما ارتفع من الأرض ومنه قول الراعي، كدخان مرتحلٍ بأعلى تلعةٍ، ويريد بلبس التلاع ما ظهر عليها من النبات والوهاد ضد التلاع وهي جمع وهدة وهي المنخفض من الأرض وجعل ما على الوهاد أكاليل ولا يحسن ذلك والبيت مأخوذ من قول أبي تمام، حتى تعمم صلعُ هاماتِ الربا، من نبتهِ وتأزر الأهضامُ، وهذا البيت سليمٌ لنه جعل ما على الربا بمنزلة العمامة وما على الأهضام جمع هضم وهو المطمئن من الأرض بمنزلة الإزار ووجهُ قول المتنبي أنه أراد حتى لبستها تلاعه والتحفت بها وهاده فيكون من باب علفتها تبنا ومآءً باردا ومعنى البيت أن النبات قد عم الأرض مرتفعها ومنخفضها في هذا النيروز
عند من لا يقاس كسرى أبو سا سان ملـكـاً بـه ولا أولادهْ
أبو ساسان واحدٌ من الأكاسرة ولهذا يقال لملوك العجم بنو ساسان وذكرنا أن الإختيار في كسرى فتح الكاف وينشد قول الفرزدق، إذا ما رأوه طالعا سجدوا له، كما سجدت يوما لكسرى مرازبهْ، بفتح الكاف جعل الممدوح أعظم ملكا من ملوك العجم
عربيٌّ لسانهُ فلسفيٌّ رأيه فارسيةٌ أعيادهْ
البيت مركب من ثلث جمل كلها مبتدأ وخبر وقدمت فيها الأخبار على الابتداءات والمعنى أنه يتكلم بلسان العرب ورأيه رأي الفلاسفة لأنه حكيم وأعياده فارسية كالنيروز والمهرجان

كلما قال نـائل أنـا مـنـه سرف قال آخر ذا اقتصاده
يريد أنه كلما ازداد إعطاء زاد عظما فإذا أسرف في عطاء فقال ذلك العطاء أنا منه سرف قال ما يتبعه من العطاء الزائد على الأول هذا منه قصد أي أنا أكثر منه وهذا مثل والنائل لا يقول شيئا ولكن يستدل بحاله فكأنه قائل وتلخيص المعنى إذا استكثر منه عطاء قل ذلك في جنب ما يتبعه
كيف يرتد منكبي عن سماء والنجاد الذي عليه نجاده
قال أبو الفتح يريد طول حمائل سيفه لطوله قال العروضي لم يرد في هذا البيت طول النجاد ولا قصره وإنما أراد تعظيم شأن الواهب فقال كيف يقصر عن السماء منكبي والنجاد من هبته فأين الطول والقصر في هذا وقال أبن فورجة ليس طول نجاد أبن العميد إذا أهدى سيفه للمتنبي مما يوجب أن يطيل منكبه على أن المتنبي ما تعرض لطول النجاد ولا قصره وإنما ضرب مثلا لشرف منكبه إذ ردى بنجاده يقول كيف أنكل عن مفاخره ذي فخر وكيف يقصر منكبي دون سماء ونجاده عليه وقد بلغه أفضل الشرف
قلدتني يمينه بـحـسـام أعقبت منه واحدا أجداده
يقول قلدني سيفا لا مثل له في السيوف وكان واحدا عديم النظير كمن لم يعقب أجداده مثله في جملة إخوانه وأترابه وأراد بأجداد الحسام الجبال والأحجار والمعادن التي يستخرج منها جوهر الحديد فهو يقول لم يطبع مثله فلا نظير له
كلما استل ضاحكتـه إياه تزعم الشمس أنها أراده
إياه الشمس ضوءها ومنه قول طرفه، سقته إياة الشمس إلا لثاته، وإذا فتح أوله مد ومنه قول ذي الرمة، لأياء الشمس منه تحذرا، والأراد يجوز أن يكون جمع رأد وهو الضوء يقال رأد النهار ورأد الضحى ويجوز أن يكون جمع رئد وهو الترب يقول كلما سل هذا الحسام ضاحكته إياة من الشمس تزعم الشمس أن تلك الإياة مثل ضوء هذا السيف أشار إلى أن شعاع هذا السيف يحكى شعاع الشمس وأن الشمس تقر بأن ضوءها كضوئه والكناية في أنها للإياة وإنما جمع الأرآد مع توحيد الإياة حملا على المعنى عند كل سلة مضاحكة بينه وبين إياة الشمس
مثلوه في جفنه خشية الفق د ففي مثل أثره إغماده
يقول مثلوا هذا السيف في غمده يعني جعلوا غمده على مثاله وصورته وهو أنهم غشوه فضة محرمة فاشبهت تلك الآثار هذا السيف وما عليه من آثار الفرند فهو قوله ففي مثل أثره إغماده أي أنه يغمد في جفن عليه آثار كأثره وقوله خشية الفقد الناس يقولون أراد أن هذا السيف عزيز فلعزه وخوف فقده غشوا جفنه الفضة وقال أبن جنى صونا للجفن من الفقد لئلا يأكل جفنه وقال ابن فورجة يعني أن ما نسج من الفضة على جفنه تصوير لما على متنه من الفرند فعل ذلك به إرادة أن لا تفقده العين بكونه في غمده بل يكون كأنها ناظرة إليه ولم يرد بقوله خشية الفقد ذهابه وضياعه بل أراد أنه لحسنه لا يشتهي مالكه أن يفقد منظره بإغماده فقد مثله في جفنه
منعل لا من الحفا ذهبا يح مل بحرا فرنده إزبـاده
يقول هذا الجفن جعل له نعل من الذهب وليس ذلك للحفا وهو يحمل من هذا السيف بحرا يعني كثرة مائه وفرنده زبده يعني أن الفرند لهذا السيف بمنزلة الزبد للبحر
يقسم الفارس المدجج لا يس لم من شفرتيه إلا بـداده
المدجج المغطى في السلاح والبدادان جانبا السرج يقول إذا ضرب به الفارس المقنع في سلاحه قسمه بنصفين والسرج أيضا فلا يسلم منه إلا جانبا السرج لانحرافهما عن الوسط وقوله من شفرتيه والسيف إنما يقطع بشفرة واحدة لأنه أراد بأي شفرتيه ضرب عمل هذا العمل الذي ذكره
جمع الدهر حـده ويديه وثنائي فاستجمعت آحاده
أي اجتمعت آحاد الدهر لما جمع الدهر حد هذا السيف ويدي الممدوح في الضرب وشعري في وصفه فلا سيف كهذا السيف ولا يد في الضرب به كيد الممدوح ولا ثناء كثنائي وهذه الأشياء أفراد غرائب لا نظير لها
وتقلدت شامةً في نـداهُ جلدها منفساته وعتادهْ
حكى أبو علي ابن فورجة عن أبي العلاء المعري في هذا البيت يعني أن الغمد بما عليه من الحليّ والذهب أنفسُ من السيف كأنه كان محلى بكثير من الذهب فجعل الغمد جلدا إذ جعل السيف شامةً قال أبو علي والذي عندي أنه أراد بجلده ظاهره الذي عليه الفرند لأن أنفس ما في السيف فرنده وبه يغالي سومه ويستدل على جودته وقالابن جنى يعني أنه يلوح فيما أعطاه كما تلوح الشامة في الجسد لحسنه ونفاسته وقوله جلدها منفساته وعتاده أي ما يلي هذا السيف مما تقدمه وتأخر عنه من بره كالجلد حول الشامة وقال أبو الفضل العروضي منكرا على أبي الفتح ألم يجد أبو الفتح مما يحسن في الجلد شيئا فوق الشامةِ كالعين الحسناء ولكنه أراد أن هذا السيف على حسنه وكثرة قيمته كالنقطة فيما أعطاه ألا تراه يقول جلدها منفساته أي قدر هذا السيف وهو عظيم القيمة في عطاياه كقدر الشامة في الجلد وهؤلاء الذين حكينا كلامهم كانوا أئمة عصرهم ولم يكشفوا عن معنى البيت ولا بينوه بيانا يقف عليه المتأمل ويقضي بالصواب ومعنى البيت أ،ه جعل ذلك السيف شامةً والشامةُ تكون في الجلد ولما سماه شامةً سمى ما كان معه من الهدايا التي كان السيف في جملتها جلدا والمنفسات الأشياء النفيسى والكناية في المنفسات والعتاد تعود إلى الممدوح وذلك أنه أهدى إليه شياءَ نفيسة من الخيل والثياب والأسلحة فهو يقول هذا السيف في جملتها شامةٌ في جلدٍ وذلك الجلد هو منفساتُ الممدوح وعتاده الذي كان له فاهداه إليّ وقول المعري أيضا قريبٌ من الصواب على رد الكناية في المنفسات والعتاد إلى الحسام وهو أنه يصغر السيف في قيمة غمده وما عليه من الذهب والحلي مما جعل عتادا للسيف وقول ابن فورجة هوسٌ ليس بشيء
فرستنا سوابق كـن فـيه فارقت لبده وفيها طرادهْ
أي جعلتنا فرسانا خيل سوابق كن في نداه أي كانت في جملة ما أعطانا خيلٌ سوابقُ فارقت لبده أي انتقلت إلى سرجي وفارقت سرج ابن العميد وفيها طراده قال ابن جنى أي قد صرت معه كأحد من في جملته فإذا سار إلى موضع سرت معه وطاردت بين يديه فكأنه هو المطارد عليها قال العروضي هذا كلام من لم ينتبه بعد من نوم الغفلة إنما يقول فارقت هذه الخيل لبده وفيها تأديبه وتقويمه وهذا على ما قال وما ذكره ابن جنى هوس وسوداء ملومٍ ليس في البيت منه شيء يقول أبو الطيب الخيل السوابق التي كانت في نداه وجملة ما أعطاناه فرستنا أي علمتنا الفروسية لأنها فارقت لبده حين أعطاناه وفيها ما علمه بطراده وتأديبه إياها وليس يريد بقوله فرستنا حملتنا حتى صرنا فرسانا عن الرجلة وقوله وفيها طراده يريد تأديب طراده وأدب طراده على حذف المضاف
ورجت راحةً بنا لا تراها وبلادٌ تسير فيها بـلادهْ
قال ابن جنى لما انتقلت خيله إليّ رجت أن تستريح من طول كده إياها وليست ترى ذلك من جهتي ما دمت أسير في بلاده والعمل الذي يتولاه لسعةِ بلده وامتداد الناحية التي تحت يده هذا كلامه وليس لسعة البلد وامتداد الناحية هاهنا معنى إنما يقول لا ترى هذه الخيل ما ترجوه لأنا لا نزال نغزو معه بغزواته ونطارد عليها معه إذا ركب إلى الصيد وإنما تستريح إذا فارقنا خدمته ونحن لا نفارق خدمته وبلاده
هل لعذري إلى الهمام أبي الفض لِ قبولٌ سواد عـينـي مـدادهْ
قال ابن جنى أي رضيت أن يجعل المداد الذي يكتب به قبول عذري سوادَ عيني حبا له وتقربا منه هذا كلامه وليس كما قال لأن المراد قبول العذر لا أن يكتب الممدوح ذلك والمعنى أنه يقول هل يقبل عذري وهل عنده قبولٌ لعذري ثم قال سواد عيني مداده على طريق الدعاء كأنه قال جعل الله مداده سواد عيني يعني أنه أن استمد من سواد عيني لم أبخل عليه وإنما قال هذا لأنه كاتبٌ وحاسبٌ يحتاج إلى المداد والكناية في مداده تعود إلى أبي الفضل وعلى ما قال ابن جنى تعود إلى العذر وليس بشيء
أن من شدة الحياء عليلٌ مكرماتُ المعلهِ عوادهْ
يقول أنا لغلبة الحياء عليّ كالعليل وبرُّ الذي أعلني وهداياه تأتيني كل يوم كأنها عوادق تعودني وإنما استحيا لأن ابن العميد عارضه في بيتٍ من شعره أو ناظره في شيء منه ولهذا جعله معلا له وقد شرح أبو الطيب هذه القصة فيما بعد هذا البيت فقال
ما كفاني تقصير ما قلتُ فيه عن علاهُ حتى ثناهُ انتقادهْ
يقول لم يكفني تقصير قولي عن علاه وعجزي عن وصفه حتى صار انتقاده شعري ثانيا لتقصيري وهذا هو الموجب للحياء وهو التقصير والانتقاد
إنني أصيد الـبـزاة ولـك نَّ أجل النجومِ لا أصطادهْ
يقول أنا في الشعراء كالبازي الأصيد في البزاة ولكن النجم الأعلى من يقدر على بلوغه يريد زحل وهو أجل النجوم جعله مثلا للممدوح ولم يعرف ابن جنى هذا لأنه قال لو استوى له أن يقول ولكن أعلى النجوم لكان أليق والمعنى أني وإن كنت حاذقا في الشعر فإن كلامي لا يبلغ أن أصف ابن العميد وأمدحه
رب ما لا يعبر اللفظ عنـه والذي يضمرُ الفؤادْ اعتقادهْ
أي ربَّ شيء من مدحك لا يبلغه لفظي بالعبارة عنه وما يضمره قلبي هو اعتقاده فيك وفي استحقاقك ذلك المدح وهذا اعتذارٌ عن قصوره في وصفه ومدحه
ما تعودت أن أرى كأبي الفض ل وهذا الذي أتاه اعـتـيادهْ
يقول لم أتعود أن أمدح مثله فإن قصرت عن كنهِ وصفه كنت معذورا لأن عادتي لم تجرِ بمدح مثله والذي أتاه من الشعراء اعتياده لأنه أبدا يمدح فهو أعلم الناس بالشعر وهذا يدل على تحرز أبي الطيب منه وتواضعه له ولم يتواضع لأحد في شعره ما تواضع له ويجوز أن يكون قوله وهذا الذي أتاه أي هذا الذي فعله من النقد عادته لعلمه بالشعر وقال ابن جنى وهذا الذي أتاه من الكرم عادة له لم يتخلق لي به وليس بشيء لأنه ليس في وصف كرمه إنما يعتذر من تقصيره
إن في الموجِ للغريقِ لعذرا واضحا أن يفوته تعـدادهْ
يقول إن فاتني عد بعض أوصافك حتى لم آتِ على جميعها كان عذري واضحا فإني غرقت فيها لكثرة صفات مدحك فالغريق في البحر إن فاته عد الأمواج كان عذره واضحا والمعنى أن فكري غرق في فضائلك فلم أجد سبيلا إلى وصفها حق الوصف
للندى الغلب أنه فاض والـش عر عمادي وابن العميد عمادهْ
يقول الغلبة لعطائه فإنه غلبني لأنه إلى ابن العميد يستند وأنا أستند إلى الشعر وليس يمكنني أن أكاثر عطاءه بشعري
نال ظني الأمور إلا كريماً ليس لي نطقهُ ولا في آدهْ
الظن ههنا معناه العلم ويروي طبي بالطاء وهو بمعنى العلم أيضا يقول أنا عالم بالأمور قد أحطت بها علما غير أني قاصر عن مدح كريم ليس لي فصاحته في الكلام ولا قوته في علم الشعر
ظالمُ الجودِ كلما حل ركـبٌ سيم أن يحملَ البحار مزادهْ
الظلم من صفة الجود ولكنه أجراه على الممدوح وصفا كما يقال هو حسن الغلام يوصف بما هو وصفٌ لسببه ومعنى ظلم جوده ما ذكره في البيت فقال كلما قصده ركبٌ كلفهم من حمل نداه ما لا يطيقونه وهو أن يكلفهم حمل البحر في المزاد وهذا ظلم لأنه ليس مما يمكن وكني عن الركب كما يكنى عن لواحد لأنه على لفظ الواحد
غمرتني فوائدٌ شاء فيهـا أن يكون الكلام مما أفادهْ
يقول غلبتني من جهته فوائد كان من جملتها حسن القول أي تعلمت منه حسن القول وصحة الكلام في جملة ما استفدت منه يريد أنه نبهه بانتقاده شعره على ما كان غافلا عنه
ما سمعنا بمن أحب العطـايا فاشتهى أن يكون فيها فؤادهْ
يقول لم نسمع قبله بجوادٍ يحب الإعطاء ويتمنى أن يكون قلبه من جملة ما يعطي يعني أن ما أفاده من العمل هو من نتيجة عقله وقلبه وبنات فكره وعبر عن العلم بالفؤاد لأن محله الفؤاد كما قال الله تعالى أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أي عقل فسمي العقل قلبا ولم يعرف ابن جنى هذا فقال الكلام الحسن الذي عنده إذا افاده إنسانا فقد وهب له عقلا ولبا وفؤادا وهذا إنما يحسن لو قال فاشتهي أن يكون فيها فؤاد منكراً وإذ أضافه إلى الممدوح فليس يجوز ما قال
خلق الله أفصح الناس طرا في مكانٍ أعرابهُ أكرادهْ
يعني بافضل الناس وأفصحهم الممدوح والصحيح رواية من روى أفصح الناس والمعنى أن الفصاحة للعرب ولأهل البدو وافصح الناس في مكانٍ بدل الأعراب به أكرادٌ يعني أهل فارس ولم يعرف ابن جنى هذا وروى أفضل الناس
وأحق الغيوث نفسا بـحـمـدٍ في زمانٍ كل النفوس جرادهْ
أي وخلق أحق الغيوث بالحمد يعني الممدوح جعله غيثا وجعل الناس كلهم لاحتياجهم إليه جرادا فإن الجراد حياته في الغيث والكلأ وهذا قول ابن جنى وأحسن من هذا واصح أنه جعل الممدوح غيثا لعموم صلاحه وجعل الناس كلهم كالجراد لشيوع فسادهم ولأنهم سبب الفساد يدل على صحة هذا قوله
مثل ما أحدث النبوة في الع الم والبعث حين شاع فسادهْ
يقول لما شاع الفساد في العالم بالناس الذين جعلهم كالجراد خلق ابن العميد ليستدرك به ذلك الفساد كما أنه لما عم الكفر والشرك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وهذا من قول الفرزدق، بعثت لأهل الدين عدلا ورحمةً، وبرءاً لآثار الجروح الكوالم، كما بعث الله النبي محمداً، على فترةٍ والناس مثل البهائمِ،
زانت الليل غرة القمر الطا لعِ فيه لم يشنها سـوادهْ
لما ذكر عمومَ الفساد في الناس والزمان ذكر أن ذلك الفساد لا يتعدى إليه وأنه سبب لأصلاحه كالقمر يطلع فيجلو سواد الليل ولا يشينه ذلك السواد
كثر الفكر كيف نهدي كما أه دت إلى ربها الرئيسٍ عبادهْ
والذي عندنا من المال والخي لِ فمنه هبـاتـهُ وقـيادهْ
يقول أكثرت الفكر فيك كيف أهدي إليك شيئا كما يهدي العبيد إلى ربها وكل ما كان عندنا من المال والخيل فمن عندك وهبته وقدته إليّ وهذا من قول ابن الرومي، منك يا جنة النعيم الهدايا، أفنهدي إليك ما منك يهدى،
فبعثنا بأربعين مهـاراً كل مهرٍ ميدانه إنشادهْ
المهار جمع مهر يقال مهر ومهار وأمهار والكثير مهار يعني أربعين بيتا من الشعر ميدانُ كلِّ بيت إنشاده إي إذا أنشد عرف قدره كما أن المهر إذا أجري في الميدان عرف جريه
عدد عشته يرى الجسم فيه أربا لا يراهُ فيمـا يزادهُ
أي الأربعين عدد عشته دعاء له بأن يعيش هذا العدد من السنين على ما عاشه وكان ابن العميد قد جاوز السبعين وناهز الثمانين في هذا الوقت والمعنى زاد الله في عمرك هذا العدد ثم قال والجسم لا يرى من أرب العيش فيما زاد على الأربعين ما كان يراه فيما دونه أي فلهذا اخترت هذا العدد فجعلت القصيدة أربعين بيتا
فارتبطها فإن قلبا نماهـا مربط تسبق الجياد جيادهْ
لما عبر عن الأبيات بالمهار عبر عن حفظها وإمساكها بالارتباط ليتجانس الكلام وقوله أن قلبا نماها يعني قلب نفسه يقول إن قلبا أنشأ هذه الأبيات وصنعها جياده تسبق جياد كل مربط وعني بالجياد الأبيات أيضا وورد على أبي الطيب كتاب أبي الفتح بن العميد يذكر سروره وشوقه إليه فقال إرتجالا
بكتب الأنام كـتـاب وردْ فدت يد كاتبـهِ كـل يدْ
يعبر عما لـه عـنـدنـا ويذكر من شوقهِ ما نجدْ
أي ذلك الكتاب يعبر عن شوقٍ نجدهُ إليه أي إنا نشتاق إليه كما يشتاق هو إلينا ويذكر من شوقه إلينا ما نجده من الشوق إليه وروى ابن جنى لنا عنده
فأخرق رائيه ما رأى وأبرق ناقده ما انتقدْ
يقال خرق الظبي إذا فزع وتحير وكذلك خرق الرجل وأخرقه وبرق إذا تحير فشخص بصره وأبرقه غيره يقول الذي رأى هذا الكتاب حيره من رآه من حسن الخط والذي انتقد لفظه أبرقه ما انتقده من حسنه
إذا سمع الناس ألـفـاظـه خلقن له في القلوب الحسدْ
أي ألفاظه تحدث له الحسد في القلوب فتحسده قلوبُ السامعين على حسن لفظه
فقلت وقد فرس الناطقـين كذا يفعل الأسدُ ابن الأسدْ
جعل أحرازه خصل الفصاحة دون غيره من الناس كالفرس أي أنه وصل من الاستيلاء عليهم إلى مثل ما يصل إليه الأسد إذا فرس فريسته ولما وصفه بالفرس جعله أسدا في باقي البيت لأن الفرس من أفعال الأسد ولو خرس المتنبي ولم يصف كتاب أبي الفتح بن العميد بما وصف لكان خيرا له وكأنه لم يسمع قط وصف كلامس وأي موضعٍ للأخراق والأبراق والفرس في وصف الألفاظ والكتب هلا احتذى على مثل قول البحتري في قوله يصف كلام ابن الزيات، في نظام من البلاغة ما شك امرؤ أنه نظام فريد، وكلام كأنه الزهر الضاحك في رونق الربيع الجديد، مشرق في جوانب السمع ما يخلفه عوده على المستعيدِ، ومعانٍ لو فصلتها القوافي، هجنت شعر جرولٍ ولبيد، حزن مستعمل الكلام اختياراً، وتجنبن ظلمة التعقيد، أو هلا ربع على ظلعه فلم يكن معورا تبدو مقاتلهُ
وقال أيضا يودع ابن العميد عند مسيره إلى بلد فارس سنة 354
نسيت وما أنسى عتاباً على الصد ولا خفراً زادت به حمرةُ الخد
يقول نسيت كل شيء ولا أنسى ما جرى بيني وبينه من العتاب على الصدود ولا أنسى الذي غشيه عند العتاب من الحياء الذي ازدادت به حمرة وجهه وهم كثيرا ما يذكرون ما جرى بينهم وبين الحبيب عند التوديع كما قال الآخر، ولست بناسٍ قولها يوم ودعت، وقد رحلت أجمالنا وهي وقف، أأنت على العهد الذي كان بيننا، فلسنا وحق الله عن ذاك نصدف، فقلت لها حفظي لعهدك متلفي، ولولا حفاظ العهد ما كنت أتلف، ومثله كثير ومن روى نسيت بضم النون كان معناه نسيني الحبيب ولا أنسى ما جرى بيني وبينه من العتاب ونتائجه
ولا ليلة قصرتـهـا بـقـصـورةٍ أطالت يدي في جيدها صحبة العقدِ
المرأة القصيرة والقصور المحبوسة في خدرها الممنوعة من التصرف من القصر وهو الحبس وقد بين كثير تفسير القصيرة في قوله، وأنتِ التي حببتِ كل قصيرةٍ، إليَّ وما تدري بذاك القصائرُ، عنيت قصيراتِ الحجالِ ولم أرد، قصار الخطا شر النساء البحاترُ، يقول لا أنسى ليلةً قصرت عليّ لطيب صحبتي مع هذه القصيرة ومعانقتي إياها حتى طالت صحبة اليد للعقد في جيدها
ومن لي بيومٍ مثل يوم كرهتـهُ قربت به عند الوداعِ من البعدِ
يقول من يكفل لي بأن يكون لي يومٌ كيوم الوداع الذي كرهته وإنما تمنى مثل ذلك اليوم لأنه قرب بعد بعده للتوديع وهم أبدا يتمنون مثل يوم التوديع لأن المودع يحظى بالنظر والتسليم كما قال آخر، من يكن يكره الوداع فإني، أشتهيه لعلةِ التسليم، إن فيه اغتناقةً لوداعٍ، وانتظار اعتناقةٍ لقدومِ، ويكأن قبلةٌ وغيبةث شهر، هي أجدى من امتناع مقيم، وقال أبو الطيب، ما زلت أحذر من وداعك جاهدا، البيت
وأن لا يخص الفقد شيئا فـإنـنـي فقدت ولم أفقد دموعي ولا وجدي
يقول ومن لي بأن لايكون الفقد مخصوصا فإنني فقدت الحبيب ولم أفقد البكاء ولا الوجد بتمنى أن يكون الفقد عموما لا خصوصا حتى إذا فقد الحبيب فقد الدموع والوجد أيضا
تمن يلد المستـهـام بـمـثـلـهِ وإن كان لا يغنى فتيلا ولا يجدي
يقول ما ذكرته هو تمن لا حقيقة له غير أن المستهام يلتذ بالتمني وإن كان ذلك لا ينفعه ولا يغني عنه شيئا كما قال الآخر، منى إن تكن حقًّا تكن أحسن المنى، وإلا فقدْ عشنا بها زمناً رغدا، وقال البحتري، تمنيت ليلى بعد فوتٍ وإنما، تمنيتُ منها خطةً لا أنالها، وقال آخر، وأعلم أن وصلك ليس يرجى، ولكن لا أقل من التمني، ويلذ بمعنى يلتذّ ويقال لذّ لي كذا أي طاب ولذذت كذا الذه لذا ولذاذةً التذذته التذه وهو لذ ولذيذ وملتذ والفتيل ما يكون في شق النواة يضرب مثلا للشيء الحقير
وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ولكنه غيظ الأسير على الـقـدِّ
يقول ولي غيظ على الأيام يلتهب في الحشا التهاب النار ولكنه غيظ على ما لا يبالي بغيظي لأن الأيام لا تعينني ولا ترجع إلى مرادي وهو كغيظ الأسير على ما شد به من القدّ
فإما تـرينـي لا أقـيمُ بـبـلـدةٍ فآفةُ غمدي في دلوقي وفي حدي
الدلوق سرعة أنسلال السيف وخروجه من الغمد يقال سيف دالق ودلقِ قال ابن جنى يقول إن الذي ترينه من شحوبي وتغيري إنما هو لمواصلتي السير والتطواف في البلاد لبعد همتي وتنائي مطلبي كالسيف الحاد إذا أكثر سله وأغماده أكل جفنه وليس مما ذكره شيء في البيت كل ذلك مما هجس له في خاطره فتكلم به وليس يكون الدلوق بمعنى السل والإخراج ولا للشحوب والتغير وبعد الهمة ذكر في البيت ولكنه يقول إن رأيتني منزعجا لا أقيم فإن ذلك لمضائي كالسيف الذي حدة حده تخرجه من غمده ونحو هذا قال ابن فورجة قال يعتذر من قلة مقامه في البلدان يقول وهذا من فعلي سببه أني كالسيف الحاد آكل جفني وأدلق منه
يحل القنا يوم الطعان بعقـوتـي فأحرمهُ عرضي وأطعمه جلدي
يقول إذا كان يوم الطعان أطعمت الرماح جلدي وجعلته وقايةً لعرضي يريد أنه إذا اصيب جلده بالطعن كان أهون عليه من أن يعاب عرضه بالهدرب وهذا من قول جهم بن شبل الكلابي، أخو الحرب أما جلدهُ فمجرحٌ، كليمٌ وأما عرضه فسليمُ،
تبدل أيامي وعيشـي ومـنـزلـي نجائبُ لا يفكرن في النحس والسعدِ
يقول هذه النوق النجائب يمضين بين مصمماتٍ لا يلتفتن إلى نحس وسعد فلي بسيرها كل يوم منزل وعيش مبدل غير الذي كان بالأمس وكذلك المسافر له كل يوم منزل وأصحاب
وأوجه فتيانٍ حياءً تـلـثـمـوا عليهن لا خوفا من الحر والبردِ
يريد بالفتيان غلمانه والحياء مما يوصف به الكرام يقول لشدة حيائهم ستروا وجوههم باللثام لا من الحر والبرد والمعنى وتبدل أيامي أوجه الفتيان أي أنا أبدا اسير على هذه الإبل في هؤلاء الغلمان
وليس حياء الوجه في الذئب شيمةً ولكنه من شيمة الأسـد الـوردْ
هذا مدح للحياء يقول الذئب الموصوف بالمعايب والخبث ليس الحياء من شيمته وإنما يوصف بالقحة فيقال أوقح ن ذئب ولكن الحياء من شيم الأسد وذلك أنه في طبعه كرما وحياء فيقال إن من واجهه واحد النظر في وجهه استحيا منه الأسد أن يفترسه والمعنى أن حياءهم ليس بمزرٍ بهم كما أنه لا يعيب الأسد حياؤه يصفهم بشدة الأقدام مع فرع الحياء
إذا لم تجزهـم دار قـومٍ مـودةٌ أجاز القنا والخوفُ خير من الودِّ
قال ابن جنى يقول خافوا من عدو اعتصموا منه بالقنا قال ابن فورجة أين ذكر خوفهم العدو وأين لفظ الاعتصام وإنما يقول إذا لم يمكنهم أن يجتازوا على ديار بالمودة حاربوا فيها وجازوها هذا كلامه وهو على ما قال والمعنى أنهم إذا بلغوا في أسفارهم منازل قوم لم يكن بينهم وبين سكانها مودة اجازتهم رماحهم فلم يخافوا أهل تلك الناحية ثم قال وأن تخاف خير من أن تحب لأن من أطاعك خوفا منك فهو ابلغ طاعة ممن يطيعك بالمودة كما تقول العرب رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم
يحيدون عن هزل الملوك إلى الذي توفر من بين الملوك على الجـد
يقول هؤلاء الفتيان يجتنبون عن الهازل من الملوك يعني الذي يشتغل باللهو من الطراد وشرب الخمور ويأتون من توفر على الجد وترك الهزل يعني ابن العميد
ومن يصحب اسم ابن العميد محمد يسر بين أنياب الأساود والأسـاد
أي من أجرى ذكره على لسانه أمكنه السير بين أنياب الحيات والأسود لبركة اسمه
يمر من السم الوحي بعـاجـز ويعبر من أفواههن على درد
الوحي السريع والدرد جمع أدرد وهو الذي ذهبت أسنانه يعني أن السم السريع القتل لا يعمل فيمن يذكر اسمه ولا أنياب الأسود حتى كأنها درد
كفانا الربيع العيس من بـركـاتـه فجاءته لم تسمع حداء سوى الرعد
يقول كفانا حداء العيس لأن الرعد قام لها مقام صوت الحادي فصار كأنه يحدو الإبل وهذا من بركة الممدوح
إذا ما استجبن الماء يعرض نفسه كرعن بسبت في إناء من الورد
روى ابن جنى إذا ما استحين الماء فرواه كرعن بسبت وفسر أن الإبل استحيت الماء لكثرة عرض نفسه عليها ثم قال والسبت مشافرها للينها ونقائها قال يقول إذا مرت هذه الإبل بالمياه التي غادرتها السيول فلكثرتها صارت كأنها تعرض أنفسها على الإبل فتشرب منها كأنها مستحيية منها لكثرة عرضها نفوسها عليها وإن كان لا عرض هناك ولا استحياء في الحقيقة ولكنه جرى مثلا وكرعن شربن واصله من ادخال أكارع الشاربة في الماء للشرب وجعل الموضع المتضمن للماء لكثرة الزهر فيه كأنه إناء من ورد هذا كلامه ومعنى البيت على روايته وتفسيره أنه يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه وأنه أينما ذهب رأى الماء فكأنه يعرض نفسه على الإبل والإبل تستحي من ود الماء إذا كثر عرضه نفسه عليها فتكرع فيه بمشافر كأنها السبت والأرض قد انبتت الأزهار والأنوار فكأنها إناء لذلك الماء من الورد قال أبو الفضل العروضي ما أصنع برجل ادعى أنه قرأ هذا الديوان على المتنبي ثم يروي هذه الرواية ويفسر هذا التفسير وقد صحت روايتنا عن جماعة منهم محمد بن العباس الخوارزمي وأبو محمد بن أبي القاسم الحرضي وأبو الحسن الرخجي وأبو بكر الشعراني وعدة يطول ذكرهم رووا، إذا ما استجبن الماء يعرض نفسه، كرعن بشيب أن تترشف الإبل الماء وحكاية صوت مافرها عند شرب الماء شيب شيب ومنه قول ذي الرمة، تداعين باسم الشيب البيت هذا كلامه وليس ما قاله ابن جنى ببعيد عن الصواب والكرع في الماء بالسبت أحسن لأن مشفر الإبل يشبه في صحته ولينه بالسبت وهو جلود تدبغ بالقرظ ومنه قول طرفة، وخد كقرطاس الشآمي ومشفر، كسبت اليماني قده لم يحرد، يقول فتكرع فيه بمشافرها التي هي كالسبت وشيب صحيح في حكاية صوت المشافر عند الشرب ولكن لا يقال كرعت الإبل في الماء بشيب إذا شربته والسبت هاهنا أولى
كأنا أرادت شكرنا الأرض عنده فلم يخلنا جو هبطناه من رفد
أراد بالجو المتسع من الأرض والرفد العطاء يقول كل موضع نزلناه في طريقنا إليه أصبنا به ماء وكلأ وكأن الأرض أرادت أن نشكرها عنده تقربا إليه
لنا مذهب العباد في ترك غيره وإتيانه نبغي الرغائب بالزهد
يقول لنا في ترك غيره من الملوك وإتيانه مذهب الزهاد الذين يزهدون في الدنيا لينالوا أكثر مما تركوا وأبقى في الآخرة كذلك نحن إنما تركناهم وأتيناهم وأتيناه لعلمنا إنا نصيب منه أكثر مما نصيب من سواه فنحن نطلب الرغائب بزهدنا في غيره
رجونا الذي يرجون في كل جنة بأرجان حتى ما يئسنا من الخلد
أي رجونا عنده من النعم ما يرجو العباد في الجنة أي أنه محقق رجاء من يرجوه فلثقتنا برجائنا نرجوا ببلده ما يرجوه العباد في الدنان حتى ما يئسنا من الخلود وإنما قال هذا لانه جعل بلدته أرجان كالجنة والجنة موعودٌ فيها الخلود ولما كانت بلدته كالجنة رجونا فيها الخلود
تعرض للزوار أعـنـاقُ خـيلـهِ تعرض وحشٍ خائفاتٍ من الطردِ
يعني أ، خيله تهاب زواره لأنه يهبُها لهم فهي كوحش خافت طردا من الصائد تتعرض لهم على خوفٍ ونفارٍ
وتلقى نواصيها المنايا مـشـيحةً ورود قطاً صمٍّ تشايحن في وردِ
يقول وتلقى المنايا خيله مجدةً مسرعةً كما ترد القطا الماء إذا أسرعت في الورود وجعلها صما كيلا تسمع شيئا تتشاغل به عن الطيران فيكون أسرع لها ومنه قول ذي الرمة، ردي ردي ورد قطاةٍ صمآ، كدريةٍ أعجبها وردُ الما، والمشيحة المجدة ومنه قول القائل، وإقدامي على الغمراتِ نفسي، وضربي هامةَ البطلِ المشيحِ،
وتنسبُ أفعالُ السيوفِ نفوسهـا إليه وينسبن السيوفُ إلى الهندِ
يقول ابن جنى وذلك أن أفعال السيوف أشرف من السيوف فأفعال السيوف تتشبه بأفعاله في مضائه وحدته وينسبن السيوفُ إلى الهند ألا ترى أنه يقال سيف هندي وسيف يمانٍ وفعل السيف أشرف منه كذلك أنت أشرف من الهند قال ابن فورجة قد غلط حتى لا أدري أي أطراف كلامه أقرب إلى المحال ولم يجرِ ذكر للتشبيه وإنما يقول إنها تنسب أفعالها إيه أي تقول هذه الضربة العظيمة من فعله لا من فعلنا وهذا كقوله، إذا ضربت بالسيف في الحرب كفه، البيت والمعنى أنها نسبت الفعل إلى كفه ونسبت السيوف إلى الهند وهذا معنى لطيف يقول أن ضربة السيف العظيمة تنسب نفسها إليه لأنها حصلت بقوته وتنسب السيف أيضا إلى الهند لأنها دلت على جودة عمله فالضربة قد دلت على قوة الضارب ودلت على جودة السيف وليس في هذا أ،ه أشرف من الهند وكل ما قاله أبو الفتح في تفسير هذا البيت هذر محالٌ انتهى كلامه وقد أحسن في هذا التفسير غير أنه لم يبين كيفية هذا النسب والمعنى أن الضربة بجودتها تدل على أنها حصلت بكف الممدوح فالدلالة هي نسبة نفسها إليه ودلت أيضا على أنها حصلت بسيف هنديّ أي قد اجتمع فيها قوة اليد وجودة النصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:41 pm

إذا الشرفاء البيض متوا بقـتـوهِ أتى نسبٌ أعلى من الأب والجدِّ
الشرفاء جمع شريف والبيض السادة الكرام ومتوا تقربا يقال فلان يمت إلى فلان بحرمة وقرابة والقتو الخدمة يقال قتا يقتو قتوا ومقتًى وينسب إليه فيقال مقتوى والجماعة مقتويون ويجوز حذف التشديد فيقال مقتوون ومنه قول عمرو، متى كنا لأمك مقتوينا، وهذا كقوله تعالى على بعض الأعجمين يقول إذا تقرب الكرام إليه بخدمته حصل لهم نسبٌ أعلى من نسب الأب والجد أي صاروا بخدمته أعز منهم بأبيهم وأمهم
فتًى فاتتِ العدوى من الناسٍ عينهُ فما أرمدت أجفانهُ كثرةُ الرمدِ
أي سبقت عينه العدوى فلم يعدها الرمد وهذا مثلٌ يقول لم يتعد إلى عينه عمى الناس عن دقائق الكرم يقول الناس عميٌ وأنت فيما بينهم بصيرٌ فلا يعديك عماهم يريد أن عيوب الناس لم يتعد إليه وقد بين هذا فقال
وخالقهم خـلـقـا ومـوضـعـا فقد جل أن يعدي بشيء وأن يعدي
أي هو أجل من أن يعدي بشيء مما في الناس وأن يعدي هو أيضاً لأن الناس لا يغلبون مرتبة من الفضل فلا يقدرون على أخذ أخلاقه فهو إذاً لا يعدي أحد ما فيه من الأخلاق والشريعة ولذلك خالفهم فيها.
يغير ألوان الليالي على الـعـدى بمنشورةٍ الراياتِ منصورةِ الجندِ
يغير على أعدائه الوان الليالي وهي مظلمةٌ فيصيرها مشرقةً ببريق سلاح عساكره التي هي منشورة الرايات منصورة الجند
إذا أرتقبوا صبحاً رأوا قبل ضـوئهِ كتائب لا يردي الصباحُ كما تردى
الرديان ضرب من العدو والمعنى أن عساكره يأتون أعداءهم قبل الصبح ويسرعون إليهم إسراعا لايسرعه الصبح
ومبثوثةً لاتتقـي بـطـلـيعةٍ ولايحتمي منها بغورٍ ولا نجدِ
ورأوا كتائب متفرقةً في كل ناحية لا يمكنهم أن يتقوها بالطلائع ولا أن يحترزوا منها بمنخفضٍ من الأرض أو عالٍ منها
يغصن إذا ما عدن في متفـاقـدٍ من الكثر غانٍ بالعبيدِ عن الحشدِ
روى ابن جنى يغضن أي يدخلن من غاض الماء في الأرض هذا تفسيره والأولى على هذه الرواية أن يفسر يغضن بالنقصان فيقال ينقصن وغاض الماء معناه نقص وإن لم يكن نقصانه بالدخول في الأرض وروى غيره يغصن من الغوص وهو الدخول في الشيء والمتفاقد الذي يفقده بعضه بعضا لكثرتهم والتفافهم كما قال الآخر، بجمعٍ تضل البلق في حجراته، وغانٍ بمعنى مستغنٍ والحشد الجمع يقول سراياه إذا عادت إلى معظم جيشه الذي يفقد فيه الشيء فلا يوجد والمستغني بعبيد الممدوح عن أن يجمع الرجال الغرباء إليه نقصت وقلت كثرتها أي بالقياس إلى المعظم والإضافة إليه يريد أن هذا الجيش الكثير كلهم عبيد الممدوح ليس أوباشا اخلاطا
حثت كل أرضٍ تربةً في غباره فهن عليه كالطرائق في البردِ
يقول جيشه لبعد من يسافر ويغزو يمر بأمكنةٍ مختلفٍ ترابها فيثير نقع كل مكان فتختلف الوان غباره حتى تصير تلك الالوان كطرائق البرد منها أسود ومنها أحمر ومنها أبيض ومنها أصفر
فإن يكن المهدي من بان هـديهُ فهذا وإلا فالهدي ذا فما المهدي
يقول إن كان المهدي في الناس من ظهر سمته وصلاحه وهذاه فهذا الذي نراه هو المهدي الموعود يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وإن لم يكن هذا هو الموعود فما نراه نحن من طريقته وسيرته هدًى كله فما معنى المهدي بعد هذا
يعللنا هذا الزمان بذا الـوعـد ويخدع عما في يديه من النقدِ
يقول الزمان يعدنا خروج المهدي فيعللنا بوعدٍ طويلٍ ويخدعنا عما عنده من النقد بالوعد يعني أن الممدوح هو المهدي نقدا حاضرا وما ينتظر خروجه وعدٌ وتعليلٌ وخداعٌ ثم أكد هذا الكلام فقال
هل الخير شيء ليس بالخيرِ غائبٌ أم الرشد شيء غائبٌ ليس بالرشدِ
يقول لا ينبغي أن يعتقد في الخير والرشد الحاضرين أنهما ليسا بخير ولا رشدٍ كذلك لا ينبغي لك أن يقال ليس ابن العميد المهديَّ والمهدي غيره وهذا استفهام معناه الإنكار
أأحـزم ذي لـبٍّ وأكـرم ذي يدٍ وأشجع ذي قلبٍ وأرحمَ ذي كبدِ
أراد يا أحزم لبٍّ وحقه أن يقول ذوي اللب إلا أنه أجرى قوله مجرى من أي يا أحزم من له لبٌّ ومن لفظه لفظ الواحد
وأحسن معتمٍّ جـلـوسـاً وركـبةً على المنبرِ العالي أو الفرسِ النهدِ
أراد وأحسن معتم جلوسا على المنبر وركبةً على الفرس النهد وهو العالي قال ابن جنى شبه إرتفاع مجلسه بالمنبر لا أنه كان ذا منبر خطيبا في الحقيقة قال ابن فورجة ظن أبو الفتح أن الخطبة عيبٌ بالممدوح وإزراءق به وما ضر ابن العميد أن يدعى له المتنبي أنه يصعد المنبر فيخطب قومه كما يفعل الخليفة والإمامِ
تفضلت الأيامُ بالجمعِ بـينـنـا فلما حمدنا لم تدمنا على الحمدِ
يقول لما حمدنا الأيام بالإجتماع معك لم تدم لنا ذلك الحمد لأنها أحوجت إلى الرحيل والإنصراف عنك
جعلن وداعي واحداً لـثـلاثةٍ جمالك والعلمِ المبرحِ والمجد
العلم المبرح التام العزيز وقال أبو الفتح هو الذي يكشف عن الحقائق من قولهم برح الخفاء أي أنكشف الأمر هذا قوله ولم يصف أحدٌ العلم بالتبريح غير أبي الطيب إنما يقال وجد مبرح ويستعمل فيما يشتد على الإنسان والمعنى أنه يودع بوداع الممدوح هذه الأشياء
وقد كنتُ أدركتُ المنى غير أنني يعيرني أهلي بإدراكها وحـدي
أي أدركت من الغنى ونيل المراد من الدنيا ما كنت أتمناه وإذا أنفردت به دون أهلي ولم أرجع إليهم عيروني بالإنفراد بذلك
وكل شريكٍ في السرور بمصبحي أرى بعدهُ من لا يرى مثله بعدي
روى ابن جنى بمصبحي وهو بمعنى الإصباح يقول كل من شاركني في السرور بمصبحي عنده إذا اعتدت إليه من أهلي وغيرهم ورأى ما أوتيته أرى بعده منك يا ابن العبيد إنسانا لا يرى هو مثله بعد مفارقتي إياه لأنه لا نظير لك في الدنيا
فجد لي بقلبٍ أن رحلتُ فإنـنـي أخلف قلبي عند من فضلهُ عندي
يريد أنه يرتحل عنه ويخلف قلبه عنده لحبه إياه بكثرة إنعامه عليه
ولو فارقت جسمي إليك حـيوتـهُ لقلتُ أصابت غير مذمومةِ العهدِ
يقول لو أن نفسي فارقت حيوتها وآثرتك على الحيوة لم أنسبها إلى سوء العهد قال يمدح أبا شجاع عضد الدولة فانخسرو
أوهِ بديلٌ من قولتي واهـا لمن نأت والبديلُ ذكراها
أوه كلمة التوجع قال، فأوهِ لذكراها إذا ما ذكرتها، ومن بعد أرضٍ بيننا وسماء، وواها كلمةُ التعجب والاستطابة ومن قول أبي النجم، واهاً لريا ثم واهاً واها، يقول كنت أتعجب من طيب وصالها فصرت أتوجع الآن لفراقها وصار التأوه بدلا من التعجب وقوله لمن نأت أي لأجلها صار هذا بديلا من ذلك وقوله والبديل ذكراها يقول ذكرى إياها صار بدلا لي منها بعد أن فارقتني ويجوز أن يكون المعنى أن هذا البدل الذي هو التوجع ذكرى لها أي كلما ذكرتها توجعت وقلت أوهِ
أوه من لا أرى محاسنهـا وأصل واها وأوهِ مرآها
يقول أتوجع لفقد النظر إلى محاسنها ولو لم أرها ما كنت أتعجب منها ولا كنت أتوجع لها أي إنما أتاني هذان بسبب رؤيتها
شاميةٌ طالما خلوت بـهـا تبصرُ في ناظري محياها
هذا يحتمل معنيين أحدهما أنه يريد فرط قربها منه حتى أنها منه بحيث ترى وجهها في ناظره وهذا عبارةٌ عن غاية القرب والآخر أنه أراد حبها إياه فهي تنظر إلى وجهه وتدنو منه لحبه حتى ترى وجهها في ناظره
فقبلت ناظري تغالطني وإنما قبلت به فاهـا
يقول قبلت مرآة عيني وغالطتني بذلك التقبيل لأنها أرتني أنها تقبلني وهي كانت تقبل فاها لأنها كانت ترى فمها في ناظري
فليتهـا لا تـزال آويةً وليتهُ لا يزال مأواها
يقول ليت ناظري مأواها أبدا وليتها لا تزال تأوى إلى ناظري وهذا يحتمل وجيهن أحدهما أنه تمنى القرب الذي ذكر والآخر أنه يرضى بأن يكون بصره مأواها من حبه إياها يقول لو أوت إلى ناظري فاتخذته مأوًى لها كان ذلك مناي وروى ابن جنى آويةُ ثم احتج للتذكير واحتال والرواية على التأنيث
كل جريحٍ ترجى سلامتهُ إلا فؤادا دهته عيناهـا
دهته اصابته يقول من أصابته بعينها فتيمته لم ترج سلامته
تبل خدي كلما ابتسمت من مطرٍ برقهُ ثناياها
قال ابن جنى دل بهذا على أنها كانت مكبةً عليه وعلى غاية القرب منه قال ابن فورجة أيظنها وقعت عليه تبكي حتى سال دمعها عليه ومعنى البيت أن دموعي كالمطر تبل خدي أي كلما ابتسمت بكيت فكان دمعي مطرٌ برقه بريق ثناياها إذ كان بكائي في حال ابتسامها كقوله أيضا، ظلت أبي وتبسمُ وكقول غيره، أبكي ويضحك من بكاي ولن ترى، عجبا كحاضر ضحكه وبكائي، ونحو هذا قول الخوارزمي، عذيري من ضحكٍ غدا سبب البكا، ومن جنةٍ قد أوقعت في جهنمِ،
ما نفضت في يدي غدائرها جعلتهُ في المدام أفواهـا
أفواه الطيب أخلاطه واحدها فهو يريد أن غدائرها لكثرة ما استعملت فيها الطيب ينتفض منها الطيب يقول ما نفضته غدائرها في يدي طيبت به المدام
في بلد تضرب الحجال به على حسان لسن أشباها
يقول هي في بلد الحسان المحبوسات في الحجال كثيرة بذلك البلد ولسن أشباها لهذه لأنها تفضلهن في الحسن والجمال ويجوز أن يكون المعنى أن كل واحدة منهن منفردة من الحسن بما لا يشاركها فيه غيرها فلا يشبه بعضهن بعضا
لقيننا والحمول سـائرة وهن در فذبن أمواها
يقول هؤلاء الحسان لقيننا وقد سارت الركاب وهن لرقتهن وضيائهن در فصرن سرابا لما بعدن عنا وقال ابن جنى أي أجرين دموعا أسفا علينا وقال غيره سرن في البوادي سائرة ويجوز أن يكون المعنى غبن عنا فإن الدر جامد والذوب يسيله
كل مهاة كأن مقلتها تقول إياكم وإياها
كل امرأة مهاة في الحسن وكأن مقلتها تقول للناظرين إليها احذروا أن تصيدكم وتسبيكم والمعنى أنها مهاة صائدة لا مصيدة
فيهن من تقطر السيوف دما إذا لسان المحب سماهـا
يقول فيهن من هي منيعة لا يقدر العاشق على أن يذكرها ولو ذكرها لقطرت السيوف دما لكثرة من يمنعها بسيف
أحب حمصا إلى خناصرة وكل نفس تحب محياها
يقول أحب ما بين هذين المكانين فكل تحب مكان حيوتها وحيث نشأت به
حيث التقى خدها وتفاح لب نان وثغري على حمياها
أي حيث اجتمعت لي هذه الطيبات خد الحبيب وتفاح الشأم وشرب المدام على هذين
وصفت فيها مصـيف بـادية شتوت بالصحصحان مشتاها
يقول أقمت بها صيفا كصيف البدويين وأقمت بالصحصحان شتاء كشتاء أهل البادية أي على رسم أهل البدو في الصيد وما ذكر بعده
إن أعشبت روضة رعيناها أو ذكرت حلة غزوناها
هذا البيت تفسير للذي قبله يقول إذا أعشبت مكان رعينا ذلك المكان كعادة أهل البادية في تتبع مساقط الغيث وإذا ذكر لنا قوم حلوا بمكان غزوناهم وأغرنا عليهم والحلة أسم لأبيات وجماعة نزلوا بمكان حي حلال وهي جمع حلة
أو عرضت عانة مقـزعة صدنا بأخرى الجياد أولاها
العانة القطيع من الحمر والمقزعة المفرقة التي كالقزع وهي قطع السحاب يقول إذا ظهر لنا قطيع من حمر الوحش صدنا بآخر خيلنا أولاها يريد أن خيلهم سريعة تلحق آخرها أول القطيع والمقزعة رواية ابن جنى وقال ابن فورجة الذي رواه الناس مفزعة بالفاء يعني إنها قد فزعت فهو أخف لها وأشد على قابضها
أو عبرت هجمة بنا تركـت تكوس بين الشروب عقراها
الهجمة من الإبل ما بين السبعين إلى ما دونها والكوس المشي على ثلث قوائم يقول إذا مر بنا قطيع من الإبل عرقبناها للنحر فتركناها تمشي بين الشاربين معرقبة
والخيل مطرودة وطـاردة تجر طولي القنا وقصراها
يعني أنها في مطاردة الفرسان بعضها مطرود وبعضها طارد وفي لعبهم بالرماح تجر الطويلة منها والقصيرة والطولى تأنيث الأطول والقصرى تأنيث الأقصر
يعجبها قتلها الكـمـاة ولا ينظرها الدهر بعد قتلاها
أخبر عن الخيل وأضاف القتل إليها وهو يريد أصحابها والمعنى يعجب فرسان الخيل قتلهم الكماة ولا يلبثون أن يقتلوا بعدهم لكثرة المغاورة وفشو الحرب وطلب الثار قال ابن فورجة يقول لو كان قتل الأعداء بعده بقاء لكان من النعم المغبوطة لكن الدهر لا ينظر القاتل بعد القتيل وأجاز ابن جنى أن يكون المعنى على الأخبار عن الخيل على معنى يعجب خيلنا قتل الكماة قال والخيل تعرف كثيرا من أغراض صاحبها لأنها مؤدبة معلمة فجاز أن توصف بهذا وقوله ولا ينظرها الدهر بعد قتلاها قال لأنه إذا قتل الفارس عقرت الخيل بعده وهذا ليس بشيء لأنه يريد بقتلاها من قتلته وقتله أصحابها فهو يريد خيل القاتلين لا خيل المقتولين والمعنى أن أصحابها يميتونها بالتعب ويهلكونها بكثرة الركض بعد الذين قتلوهم فلا بقاء لها بعدهم
وقد رأيت الملوك قـاطـبةً وسرت حتى رأيت مولاها
ومن مناياهـم بـراحـتـه يأمرها فيهم وينـهـاهـا
يقول رأيت الملوك كلهم بأجمعهم وسرت في الأرض وسافرت حتى رأيت أعظمهم الذي يحيى من شاء منهم ويميت من شاء ومناياهم بكفه يصرفها فيهم كيف شاء
أبا شجاع بفارسٍ عضد ال دولة فناخسرو شهنشاها
أسامياً لم تزده مـعـرفةً وإنما لذةً ذكـرنـاهـا
نصب أساميا بفعل مضمر كأنه قال ذكرت أساميا يعني ما ذكر قبل هذا البيت قال ابن جنى وهذا كلام النحويين في أحد ضربي الوصف تناوله منثورا فنظمه وذلك أنهم يقولون إنما يذكر الوصف للاسم أما للايضاح كي يتميز عن غيره أو للاطناب والثناء كولك زيدٌ الظريف تخصيص له من غيره وتمييز وقولنا بسم الله الرحمن الرحيم ثناء واطناب ولم نذكره للتمييز كذلك قوله أساميا قال إنما ذكرته استلذاذا للثناء عليه لا لأميزه بها عن غيره
تقود مستحسن الكلام لـنـا كما تقود السحاب عظماها
يقول هذه الأسامي محمولة على المعاني فهي ترجمتها تقود إذا ذكرت ما وضعت له فيحسن الكلام بها ويجوز أن يريد بقودها مستحسن الكلام أنها سبقت إلى الذكر فهي مقدمة معانٍ أذكرها بعد وأصفه بها كما يقود معظم السحاب الباقي
هو النفيس الذي مواهـبـهُ أنفس أمواله وأسـنـاهـا
لو فطنت خيلـه لـنـائلـهِ لم يرضها أن تراه يرضاها
لو علمت خيله جوده لم ترض بأن يرضاها الممدوح لأنه إذا رضيها وهبها لزائريه فتفارق مربطه
لا تجد الخمر في مكارمهِ إذا انتشى خلةً تلافاهـا
يقول هو قبل الشرب متكرم بالبذل والعطاء فلا يزيد تكرمه بشرب الخمر وليست في مكارمه خلة تتلافاها الخمر وأول هذا المعنى لعنترة حيث يقول، وإذا صحوت فما أقصر عن ندى، وكما علمت شمائلي وتكرمي، وقريب من هذا قول زهير، أخو ثقةٍ لا تهلك الخمر ماله، ولكنهُ قد يهلك المال نائلهْ، وقول أبي نواس، فتًى لا تلوك الخمر شحمة مالهِ، ولكن أيادٍ عودٌ وبوادي، وقول البحتري، تكرمت من قبل الكؤوس عليهم، فما اسطعن أن يحدثن فيك تكرما، وألم الصابي بقول المتنبي فقال في بعض محاوراته ولقد آتاه الله في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوغه في عنفوان الشباب محامد الإستكمال فلا تجد الكهولة خلة تتلافاها بتطاول المدى وثلمةً تسدها بمزايا الحنكة.
تصاحب الراح أريحيتـه فتسقط الراح دون أدناها
الأريحية النشاط للكرم والجود يقول إذا اجتمعت الراح مع نشاطه للجود فأدنى أريحيته تجلب من السخاء ما لا تجلبه الراح أراد أن فعل أريحيته فوق فعل الراح فلا تطيق الراح أن تسامي أريحيته فإذا سامتها سقطت دونها
تسر طرباتـه كـرائنـه ثم تزيل السرور عقباها
أي إذا طرب عند الشرب سر طربه جواريه المغنية ثم عاقبة طربه تزيل سرورهن وذلك أنه يهبهن المال ثم لا تزال به أريحية الجود حتى تهب الجواري أيضا ويزول ملكه عنهن وذلك زوال سرورهن والكرينة الجارية المغنية وجمعها الكرائن
بكل موهوبة مولـوية قاطعة زيرها ومثناها
يزيل سرورهن بكل جارية قد وهبها وهي تولول حزنا على فراقه وتقطع أوتار العود غضبا لزوال ملكه عنها
تعوم عوم القـذاة فـي زبـد من جود كف الأمير يغشاها
هذه الموهوبة في جملة ما يهب كالقذاة في بحر مزبد يعلوها ويغلبها سائر ما وهب كما يعلو القذاة الزبد وتعوم فيه وروى ابن جنى زبد وهو الكثير الزبد لكثرة مائه جعل هذه الجارية في جملة ما يهب كالقذاة في بحر مزبد
دان له شرقها ومعربها ونفسه تستقل دنياهـا
يعني شرق الدنيا ومغربها يقول إطاعة أهل الشرق والغرب ونفسه تستقل جميع الدنيا وكذا كان يقول عضد الدولة سيفان في غمد محال يعني أن الدنيا يكفي فيها ملك واحد وكان يقصد أن يستولي على جميع الأرض
تشرق تيجانه بغـرتـه إشراق ألفاظه بمعناها
يقول إذا وضع التاج على رأسه أشرق تاجه بإشراق وجهه كما تشرق ألفاظه بمعانيها
تجمعت في فؤاده هـمـم ملء فؤاد الزمان إحداها
استعار للزمان فؤادا لما ذكر فؤاد الممدوح والزمان أوسع شيء يقول إحدى هممه تملأ الزمان فإذا امتلأ الزمان بإحداها لم يظهر باقي هممه إلا أن يقع اتفاق كما ذكر في قوله
فإن أتى حظهـا بـأزمـنة أوسع من ذا الزمان أبداها
يوق إن أتى بخت هممه بزمان أوسع مما ترى أبدى تلك الهمم وهذا كقوله، ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك،
وصارت الفيلقان واحدة تعثر أحياؤها بموتاها
قال أبو الفتح أي شن الغارة في جميع الأرض فخلط الجيش بالجيش حتى تصير لاختلاطهما كالجيش الواحد قال أبو علي ليس أبو الطيب في ذكر الغارة وشنها وإنما يقول قبله بيتين في قلبه همم إحداها أعظم من فؤاد الزمان فهو لا يبديها لأنه لا يجد زمانا يسعها فإن قضى لها وجاء حظها وبختها بأزمنة أوسع من هذا الزمان حينئذ أظهر تلك الهمم واجتمع أهل هذا الزمان وأهل تلك الأزمنة فصارا شيئا واحدا وضاقت الأرض بهم حتى عثر حيها بميتها للزحمة وكثرة الناس ومثل هذا في ذكر الزحمة قوله أيضا، سبقنا إلى الدنيا البيت وأنث الفيلق على إرادة الكتيبة والجماعة
ودارت النيرات في فلك تسجد أقماره لأبهاهـا
لم يأت ابن جنى ولا ابن فورجة في هذا البيت بشيء يفهم أو يتحصل والمعنى أنه يريد بالنيرات والأقمار ملوك الدنيا إذا عادوا واجتمعوا في زمان واحد كما ذكر فيما قبل وأراد بأبهاها عضد الدولة ومعنى سجود الأقمار خضوع الملوك له فحينئذ يبدي هممه
الفارس المتقي السلاح به ال مثني عليه الوغا وخيلاهـا
يقول هو الفارس الذي يتقي جيشه به سلاح الأعداء أي يقدمونه إليهم كما يروى في الحديث عن علي بن أبي طالب رضه قال كنا إذا احمر الباس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا إلى العدو
لو أنكرت من حـيائهـا يده في الحرب آثارها عرفناها
يقول لو أن يده أنكرت جراحاتها لعرفنا إنها من آثار يده لأن غيره لا يقدر على مثلها وهذا إخبار عن اليد والمراد به صاحب اليد لا توصف بالإنكار ولا الحياء
وكيف تخفى التي زيادتـهـا وناقع الموت بعض سيماها
المراد بالزيادة هاهنا السوط وهو مأخوذ من قول المرار، ولم يلقوا وسائد غير أيدٍ، زيادتهن سوط أو جديل، يقول كيف تخفى اليد التي سوطها يقتل به فكيف سيفها والناقع الثابت ويقال سم ناقع إذا كان ثابتا في نفس شاربه حتى يقتله والمعنى كيف تخفي آثار يدٍ سوطها والموت به من علاماتها يعني أنه من ضربه بسوطه قتله
الواسع العذر أن يتيه على ال دنيا وأبنائهـا ومـاتـاهـا
يقول لو تاه على الدنيا وتكبر على أهلها لكان له العذر لبيان مزيته عليه ولكنه لم يفعل ذلك كما قال الآخر، وما تزدهينا الكبرياء عليهم، إذا كلمونا أن نكلمهم نزرا،
لو كفر العاملون نعمتـه لما عدت نفسه سجاياها
يقول لو لمتشكر نعمته وقوبل إنعامه بالكفران لم يدع الجود ولا تركت نفسه سجيته لأنه مطبوع عليها وليس يعطي للشكر حتى إذا لم يشكر قطع العطاء كما قال بشار، ليس يعطيك للرجاء ولا الخوف، ولكن يلذ طعم العطاء،
كالشمس لا تبتغي بما صنعت منعفةً عندهم ولا جـاهـا
ضرب له المثل بالشمس فإن أكثر منافع الدنيا منها تحصل ثم هي لا تبتغي بصنعها منفعة عند الناس ولا جاها وذلك أنها مسخرة لتلك المنافع كذلك هو مطبوع على الجود والكرم
ولِّ السلاطين من تولاها والجأ إليه تكن حدياها
حديا الشيء ما يكون متحديا له معارضا مباريا يقول هو حديا الناس أي معارضٌ لهم ومنه قول عمرو، حديا الناس كلهم جميعا، مقارعةً بينهم عن بنينا، يقول كل أمر الملوك إلى من يتولاهم أي لا تخدمهم ودعهم ومن يتولاهم ويخدمهم ويواليهم والجأ إلى الممدوح تكن مثل السلاطين والملوك وهذا مأخوذ من قول بعض الواعظين يا عبد الله صانع وجها واحدا تقبل عليك الوجوه كلها وروى حذياها بالذال على تصغير قولهم هو حذاء فلان إذا كان بإزائه والمعنى تكن بإزآء السلاطين أي مثلهم
ولا تغرنك الإمارة فـي غير أمير وإن بها باها
يقول لا تعتقد الإمارة في غير وإن كان يباهي بها
فإنما الملك رب مملكةٍ قد فغم الخافقين رياها
يقال قد فغمته الرائحة إذا ملأت خياشيمه يعني أن ذكر مملكته قد ملأ الدنيا شرقا وغربا فهو الملك على الحقيقة
مبتسمٌ والوجوه عـابـسةٌ سلمُ العدى عنده كهيجاها
يعني أنه لا يبالي بعدوه احتقارا له وثقةً بقوته وشجاعته فإذا كان الوجوه عابسةً لشدة الحال وضيقِ الأمر كان هو مبتسما والحرب والصلح من الأعداء عنده سواء
الناس كالعابدين آلـهةً وعبدهُ كالموحد اللاها
يعني بعبده نفسه يقول خدمتي مقصورةٌ عليه فإنا في خدمته كمن يعبد الله لا يشرك به ولا يرجو غيره ومن خدم سواه لم تنفعه تلك الخدمة كالذين يعبدون الهةً من دون الله تعالى وقال يمدحه ويذكر في طريقه إليه شعبَ بوانَ
مغاني الشعب طيباً في المغاني بمنزلة الربيع من الـزمـان
يريد شعب بوان وهو موضعٌ كثير الشجر والمياه يعدّ من جنان الدنيا كنهر الأبلة وسعد سمرقند وغوطة دمشق يقول منازل هذا المكان في المنازل كالربيع في الأزمنة يعني أنها تفضل سائر الأمكنة طيبا كما يفضل الربيع سائر الأزمنة
ولكن الفتى العربيَّ فـيهـا غريبُ الوجهِ واليدِ واللسانِ
يعني بالفتى العربي نفسه يقول أني بها غريب الوجه لا أعرف وغريب اليد لأن سلاحي الرمح ويدي تستعمل الرمح وأسلحة أهلها الرايات والمزاريق فهم يستعملون هذه الأسلحة وغريب اللسان لأن لغتي العربية وهم عجم لا يفصحون ويجوز أن يريد بغربة الوجه أنه أسمر اللون وغالب الوان العرب السمرة وأهل الشعب شقر الوجوه وغريب اليد لأنه يكتب بالعربية وهم يكتبون بالفارسية
ملاعب جنةٍ لو سار فيها سليمانٌ لسار بترجمان
جعل الشعب لطيبه وطرب أهله ملاعب وجعل أهله جنةً لشجاعتهم في الحرب والعرب إذا بالغت في مدح شيء نسبته إلى الجن كقول الشاعر، بخيلٍ عليها جنةٌ عبقريةٌ، وأخبر أن لغتهم بعيدة عن الإفهام حتى لو أن سليمان أتاهم لاحتاج إلى من يترجم له عن لغتهم مع عمله باللغات وفهمه قول الحكل
طبت فرساننا والخـيل حـتـى خشيت وإن كرمن من الحرانِ
يقال طباه يطبيه ويطبوه طيبا وطبوا وأطباه إذا دعاه ومنه قول كثير، له نعل لا يطبى الكلب ريحها، والحران في الدواب أن تقف ولا تبرح المكان يقول هذه المغاني استمالت فلوبنا وقلوب خيلنا بخصبها وطيبها حتى خشيت عليها الحران وإن تقف بها فلا تبرح عنها ميلا إليها وإن كانت خيلنا كريمةً لا يعتريها هذا الداء
غدونا تنفض الأغصان فيها على أعرافها مثل الجمانِ
الجمان خرز من فضة يشبه اللآلىء يريد أنه إذا سار في شجر هذا المكان وقع من خلل الأغصان على أعراف خيله مثل الجمان من ضوء الشمس فكأن الأغصان تنفضه على أعرافها
فسرت وقد حجبن الشمس عني وجبن من الضياء بما كفاني
يريد أنه كان يسير في ظل الأغصان وإنها تحجب عنه حر الشمس وتلقى عليه من الضياء ما يكفيه
وألقى الشرق منها في ثيابي دنانيرا تفر من البـنـانِ
قال أحمد بن يحيى الشرق الشمس يقال طلع الشرق ولا غاب الشرق شبه ما يتساقط عليه من ضوء الشمس بدنانير لا يمكن مسها باليد
لها ثمرٌ تشير إليك منها بأشربةٍ وقفن بلا أواني
يريد أن ثمارها رقيقة القشر فهي تشير إلى الناظر بأشربةٍ واقفةٍ بلا إناء لان ماءها يرى من وراء قشرها وهذا منقول من قول أبي تمام، يخفى الزجاجة لونها فكأنها، في الكف قائمةٌ بغير إناء
وأمواه تصل بها حـصـاهـا صليلَ الحلي في أيدي الغواني
بها أي بتلك الأمواه يعني بجريتها وروى ابن جنى لها أي لأجلها يعني لأجل جريتها
ولو كانت دمشق ثنى عناني لبيق الثرد صيني الجفانِ
يقول لو كانت هذه المغاني الطيبة دمشق لثنى عناني إليه رجلٌ ثريده ملبق وجفانُه صينية يعني لاضافني هناك رجل ذو مروة يحسن إلى الضيفان لأنها من بلاد العرب وشعب بوان من بلاد العجم وحمل ابن جنى قوله لبيق الثرد على الممدوح قال يقول لو كانت هذه المغاني كغوطة دمشق لرغبت عنها وملت إلى الممدوح وليس الأمر على ما قال فإن البيت ليس بمخلص ولم يذكر الممدوح بعد والمعنى أنه يبين فضل دمشق وأهلها وأحسانهم إلى الضيفان وخص دمشق من سائر البلاد لأن شعب بوان مضاهٍ لغوطى دمشق في الطيب وكثرة النبات والأشجار ويقول شيء لبيق ولبق والثرد جمع ثريد وروى ابن جنى بفتح الثاء على المصدر وقال يريد به الثريد
يلنجوجي ما رفعت لضيفٍ به النيران ندى الدخـانِ
يريد أنهم يوقدون النار للأضياف باليلنجوج وهو العود الذي يتبخر به ودخانها ندىٌّ يشم منه رائحة الند أي هو يلنجوجي الذي ترفع به النار كما قال صيني الجفانِ
تحل به على قلبٍ شـجـاعٍ وترحلُ منه عن قلبٍ جبانِ
قال أبو الفتح يقول يسر بأضيافه فتقوى نفسه بالسرور فإذا رحلوا عنه اغتم قال أبو عليّ بن فورجة كأنه يظن انهما قلبا عضد الدولة ولو أراد ما قال لقال تحل به على قلبٍ مسرورٍ وترحل منه عن قلبٍ مغمومٍ فإما الشجاعة والجبن فلهما معنىً غير ما ذهب إليه وإنما يريد أنك إذا حللت به كنت ضيفا له وفي ذمامه فإنت شجاعُ القلب لا تبالي بأحد وتفارقه ولا ذمام لك فأنت جبان تخشى منا لقيك ومثله له، ون نفوسا أممتك منيعةٌ، البيت فالقلبان في البيت قلبا من يحل به ويرحل عنه هذا كلامه ويجوز أن يكون القلبان للمضيف على غير ما ذكره ابن جنى يقول تحل به أنت أيها الرجل على قلب شجاع جرى على الأطعام والقرى غير بخيل لأن البخل جبن وهو خوف الفقر وترحل منه عن قلبٍ جبانٍ خائفٍ فراقك وراتحالك وظاهر اللفظ يدل على أن القلبين للمضيف لأنه قال تحل به على قلبٍ وترحل عن قلبٍ فإذا جعلت القلبين للضيف فقد عدلت عن ظاهر اللفظ وحكى لنا أبو الفضل العروضي عن الاستاذ أبي بكر الخوارزمي أنه كان يقول يحل به الضيف وهو واثق بكرمه وإنزاله ويرحل عنه وهو يخاف أن لا يجد مثله قال وليس لجبن المضيف هاهنا معنًى فإنه لم يقل مغموم والجبن غير الغم
منازل لم يزل منها خيالٌ يشيعني إلى النوبندجان
نوبندجان بلدٌ بفارس يريد أنه يرى دمشق في النوم فهو بفارس وخيال منازل دمشق يتبعه والمعنى أنه يحبها ويكثر ذكرها ويحلم بها ويجوز أن يريد خيال حبيبٍ له بدمشق ونواحيها يأتيه في منامه
إذا غنى الحمامُ الورق فيها أجابته أغانـي الـقـيانِ
يريد طيبها واجتماع أصوات القيان والحمام بها فإذا غنت الحمام أجابتها القيان بغنائها
ومن بالشعب أحوج من حمامٍ إذا غنى وناحَ إلى البـيان
يقول أهل الشعب أحوج إلى البيان من حمامها في غنائها ونوحها لأنه لا بيان لهم ولا فصاحة فلا يفهم العربي كلامهم وأخبر عن الحمام بالغناء والنوح لأن العرب تشبه صوت الحمام مرة بالغناء لنه يطرب ومرة بالنوح لأنه يشجي ونوحها وغناؤها مذكوران في أشعارهم
وقد يتقارب الوصفانِ جدا وموصوفاهما متابعدان
يقول العجمة تجمع الحمام وأهل الشعب والموصوف بها مختلف لأن الإنسان غير الحمام فأهل الشعب بعدوا بالإنسانية عن الحمام ووصفهما في الإستعجام متقاربٌ
يقول بشعب بوانٍ حصانـي أعن هذا يسارُ إلى الطعانِ
أي فرسي يقول لي بهذا المكان منكرا عليّ السير منه إلى الحرب أعن هذا المكان يسار إلى المطاعنة ومعنى الإستفهام هاهنا الإنكار
أبوكم آدمٌ سن المعاصي وعلمكم مفارقةَ الجنانِ
يقول السنة في الإرتحال عن الأماكن الطيبة وفي معصية الله تعالى سنها لكم أبوكم آدم حين عصى فأخرج من الجنة وإنما ذكر هذا لكي يتخلص إلى ذكر الممدوح فيقول هذا المكان وإن طاب فإني لم أعرج به لما كان سبيلي إليه كما قال أيضا، لا أقمنا على مكانٍ وإن طاب البيت
فقلت إذا رأيت أبا شـجـاعٍ سلوت عن العباد وذا المكانِ
فإن الناس والـدنـيا طـريقٌ إلى من ما له في الخلق ثاني
يعني أنهم كلهم يتركون في القصد إليه وكذلك جميع الدنيا
لقد علمت نفسي القول فيهم كتعليم الطراد بلا سنـانِ
يقول علمت نفسي القول في الناس بالشعر في مدائحهم كما يتعلم الطعان أولا بغير سنان ليصير المتعلم ماهرا بالطعان والسنان كذلك أنا تعلمت الشعر في مدح الناس لأتدرج إلى مدحه وخدمته ويروي له علمت أي لأجله وهو أظهر في المعنى
بعضد الدولة امتنعت وعزت وليس لغير ذي عضدٍ يدانِ
يقول الدولة امتنعت بعضدها وعزت ولا يد لمن لا عضد له ولا يدفع عن نفسه من لا يد له والمعنى أنه للدولة يد وعضد به تدفع عن نفسها
ولا قبض على البيض المواضي ولاحظ من السمـر الـلـدانِ
يقول من لا يدان له لم يقبض على السيوف ولم يطعن بالرماح لأنه لا يتأتى ذلك منه والمعنى أن غيره لا يقوم مقامه في الدفع عن الدولة لأنه عضدها ومن لا عضد له لا يد له ومن لا يد له لم يضارب ولم يطاعن وقوله ولاحظ من السمر أراد ولاحظ من الطعان بها ويروي بالطاء غير معجمة وهو خفض الرماح للطعن
دعته بمفزع الأعضاء منها ليوم الحرب بكرٍ أو عوانِ
وروى ابن جنى بموضع الأعضاء وقال أي دعته السيوف بمقابضها والرماح بأعقابها لأنها مواضع الأعضاء منها وحيث يمسك الضارب والطاعن قال ويحتمل أن يريد دعته الدولة بمواضع الأعضاء من السيوف والرماح أي اجتذبته واستمالته قال ابن فورجة هذا مسخ للشعر لا شرح ولا قال الشاعر إلا بمفزع الأعضاء يعني دعته الدولة عضدا والعضد مفزع الأعضاء كأنه شرح قوله بعضد الدولة امتنعت وعزت انتهى كلامه وهو على ما قال يريد أن الدولة سمته عضدها وهي مفزع الأعضاء لأن الأعضاء عند الحرب تفزع إلى العضد والعضد هي الدافعة عنها المحامية لسائر الأعضاء وقوله بكر هو صفة لموصوف محذوف كأنه قال ليوم حربس حربِ بكر أو عوان
فما يسمى كفناخسر مسمٍ ولا يكنى كفناخسر كاني
أسمى وسمى بمعنًى أراد أنه لا نظير له فما يدعى أحد باسمٍ ولا بكنيةٍ هو مثله وأراد بالمسمى والكاني الداعي بالأسم والكنية
ولا تحصى فضائلهُ بـظـنٍّ ولا الإخبارِ عنه ولا العيانِ
يريد أن الظن على سعته وكذلك الأخبار لا يحيطان بوصفه وكان حقه أن يقول عنها لكنه علقه به لأقامة الوزن أراد ولا الإخبار عنه بها
أروض الناس من تربٍ وخوفٍ وأرضُ أبي شجاع من أمانِ
أروض في جمع أرض قياسٌ لا سماعُ ونص سيبويه على أن العرب لا تجمع الأرض جمع تكسير قال واستغنوا عن تكسيرها بأرضات وأرضين على أن أبا زيد قد حكى في جمع أرض أروض وأراد بالناس هاهنا الملوك يقول أرض الملوك مخلوقة من التراب والخوف جميعا لأن الخوف ملازم لها وغير مفارقها فكأنها خلقت منه كما خلقت من التراب كقوله تعالى خلق الإنسان من عجلٍ لما كان في أكثر أحواله عجلا صار كأنه مخلوق من عجلة وأرض الممدوح كأنها مخلوقة من الأمان للزوم الأمن لها والمعنى أن أحدا لا يعيث في نواحي مملكته هيبةً له وخوفا منه
يذم على اللصوص لكل تجرٍ ويضمن للصوارمِ كل جاني
تجر جمع تاجر مثل شرب جمع شارب لكن المتنبي أجرى التجر مجرى الواحد ذهابا إلى أنه واحد التجار يقول يجير التاجرين على اللصوص أي يحفظهم منهم فلا يخافون اللصوص ويضمن لسيوفه كل من جنى جنايةً أي يقتله
إذا طلبت ودائعهـم ثـقـاتٍ دفعنَ إلى المحاني والرعانِ
يقول ودائع التجار محفوظة في محاني الأودية ورعان الجبال فكأنها عند ثقاتٍ أمناء أي إذا تركوها هناك أمنوا ولم يخافوا
فباتت فوقهن بلا صحـابٍ تصيح بمن يمر أما تراتي
يقول باتت بضائع التجار فوق المحاني والرعان ظاهرةً للناظرين وكأنها تقول لمن مر بها أما تراني يعني لا حرز دونها إنما يحفظها هيبتهُ
رقاه كل أبيض مشرفيٍّ لكلٍّ أصمَّ صلٍّ أفعوانِ
الصل ضرب من الحيات والأفعوان الذكر منها جعل اللصوص كالأفاعي وجعل سيوفه رقًى لتلك الأفاعي فكما أن الحية تدفع بالرقية كذلك هو يدفع اللصوص بسيوفه
وما يرقي لهـاهُ مـن نـداهُ ولا المال الكريم من الهوانِ
حمى أطراف فارس شمريٌّ يحض على التباقي بالتفاني
قال ابن جنى شمري منسوب إلى شمر وهو موضع قال والمعنى أنه يقول لأصحابه افنوا أنفسكم ليبقى ذكركم قال العروضي هذا التفسير في هذا الموضع ظاهر الإستحالة ولكنه يقول حمى فارس يقتل الخراب واللصوص فاعتبر غيرهم فلم يؤذوا الناس ولم يستحقوا القتل فبقوا يعني أنه إذا صل أهل الفساد كان في ذلك زجر لغيرهم فيصير ذلك حثا لهم على اغتنام التباقي وهو من قوله تعالى ولكم من القصاص حيوةٌ والشمري الكثير التشمر والإنكماش ولم يكن عضد الدولة من مكان يقال له شمر ولا سمعنا به ولا مدح له في أن يكون من شمر أو غيره وأراد بالتباقي والتفاني البقاء والفناء والذي ذكره ابن جنى غير بعيد يجوز أن يكون المعنى على ما قال لأن ما بعد البيت يدل على ذلك وهو قوله
بضربٍ هاج أطرابَ المـنـايا سوى ضرب المثالث والمثاني
يقول حمى أطراف فارس بضربٍ يطرب المنايا فيحركها لكثرة من يقتلهم وذلك الضرب سوى ضرب اوتار العود يريد أنه يضرب بالسيوف ولا يميل إلى ضرب العود
كأن دم الجماجم في العناصي كسا البلدان ريش الحيقطانِ
العناصي جمع عنصوة وهي الشعر في نواحي الرأي ومنه قول أبي النجم، أن يمس رأسي أشمط العناصي، والحيقطان ذكر الدراج وريشه ألونُ أي من كثرة من قتلهم من الناس وتفرقت شعورهم المتلطخة بدمائهم كان البلاد كساها بريش الدراج ذلك الدم في تلك الشعور
فلو طرحت قلوب العشق فيها لما خافت من الحدق الحسانِ
أراد قلوب أهل العشق والمعنى أن الأمن قد عم بلاد فارس حتى لو كانت قلوب العشاق فيها لما خافت سهام احداق الحسان
ولم أر قبله شبلي هزبـرٍ كشبليه ولا مهري رهانِ
يريد بالشبلين ولديه وجعلهما كشبلي أسد في الشجاعة ومهري رهان في المسابقة إلى غاية الكرم
أشد تنازعا لكريم أصـلٍ وأشبه منظراً بأبٍ هجانِ
يقول لم أر قبلهما ولدين أشد تجاذبا لأصل كريم يعني أن كل واحد منهما يجاذب صاحبه كرم الأصل فيريد أن يكون أكرم من صاحبه بأن يكون حظه أوفر من كرم أصله ولم أر ولدين أشبه منهما بأبٍ كريم خالص النسب
وأكثر في مجالسهِ استماعا فلانُ دق رمحا في فلانِ
الضمير في مجالسه يعود إلى أب أي لم أر ولدين اكثر استماعا في مجالس الأب دق فلان رمحا في فلان منهما يعني لا يجري في مجلس ابيهما غير ذكر المطاعنة فهما لا يسمعان غير ذلك
وأول رأيةٍ رأيا المعالي فقد علقا بها قبل الأوانِ
رأيةٌ فعلهُ من الرأي يقول أول شيء رأياه المعالي فقد عشقاها قبل أوان العشق وروى ابن جنى وأول داية وهي الظئر والمعنى أن المعالي تولت تربيتهما فهما يميلان إليها وحبانها حب الصبي لمن رباه
وأول لفظةٍ سمـعـا وقـالا إغاثةُ صارخٍ أو فك عاني
وكنت الشمس تبهر كل عينٍ فكيف وقد بدت معها اثنتانِ
أي شمان يعني ولديه يقول كنت شمساً تغلب كل عين ببهائك وجمالك فكف الآن وقد ظهرت من ولديك شمسان أخريان
فعاشا عيشةَ القمرينِ يحيى بضوئهما ولا يتحاسـدانِ
أي كانا كالشمٍ والقمر يحيا الناسُ بضوئهما ولا يكون بينهما تحاسد واختلاف
ولا ملكا سوى ملك الأعادي ولا ورثا سوى من يقتلانِ
هذا دعاء لأبيهما بالحياة يقول لا ملكا ملكك ولا ملكا إلا ملك الأعادي ولا ورثاك إما ورثا من يقتلانه من الأعداء
وكان ابنا عدوٍّ كـاثـراه له يا أي حروفِ أنيسيانِ
إنسان خمسة أحرف وهو مكبر فإذا صغرته قلت أنيسيان فزاد عدد حروفه وصغر معناه يقول عدوك الذي له ابنان فيكاثرك بهما كان زائدين في عدده ناقصين من حسبه وفخره بان يكونا ساقطين خسيسين كياأي أنيسيان يزيدان في عدد الحروف وينقصان من معناه
دعاء كالثنـاء بـلا رياء يؤديه الجنان إلى الجنانِ
يقول هذا الذي ذكرته دعاء وهو ثناء من وجد ولا رياء في هذا الدعاء لأنه اخلاص من القلب إلى القلب يخرج من قلبي فتفهمه بقلبك وتعلم أنه اخلاص لا رياء فيه
فقد أصبحت منه فـي فـرنـد وأصبح منك في عضبٍ يماني
شبه الممدوح بسيف يمانٍ وشبه شعره بفرند ذلك السيف وذلك يدل على جودته كذلك شعري يدل على كرمك وجودك
ولولا كونكم في الناس كانوا هراء كالكلامِ بلا معاني
أي بكم صار للناس معنى يريد أن المعاني توجد فيهم وغيرهم كاللغو من الكلام الذي لا معنى له وهذا كقوله والجهر لفظ وأنت معناه وقال يمدحه ويذكر الورد
قد صدق الورد في الذي زعما أنك صيرت نـثـره ديمـا
كان قد نثر الورد والورد لم يزعم شيئاً وإنما استدل بحاله على أنه لو زعم لقال هذا وأنه نثره كما ينثر المطرُ
كأنما مازج الهـواء بـه بحر حوى مثل مائهِ عنما
كأن الهواء مازجه بذلك الورد المفرق فيه بحر من العنم يريد كثرة الورد في الهوء شبهه ببحرٍ جمع من العنم مثل مائه في الكثرة ويروي مائج
ناثره ناثر السيوف دماً وكل قولٍ يقولهُ حكما
يقول الذي نثر هذا الورد ينثر السيوف أي يفرقها في أعدائه وهي دم أي متلطخة به فكأنها دم وجعل الدم في موضع الحال كأنه قال ناثرٌ السيوف متلخطة بالدم وناثر كل ما يقوله بالحكم أي إذا قال قولا قال حكمةً ومن نصب كل قال ابن جنى نصبه لأنه عطفه على المعنى كما تقول هذا ضارب زيدٍ وعمرا ومنه قوله تعالى وجاعل الليل سكنا والشمس على معنى وجعل الشمس
والخيل قد فصل الضياع بها والنعم السابغات النقـمـا
يقال فصل العقد إذا نظم فيه أنواع الخرز فجعل كل نوع مع نوع ثم فصل بين الأنواع بذهب أو شيء آخر هذا هو الأصل في تفصيل العقود ثم يسمى نظم العقد تفصيلا فيقال عقد مفصل إذا كان منظوما ومنه قول امرء القيس، تعرض أثناء الوشاح المفصلِ، والمعنى أنه جمع هذا الأشياء بالخيل أي تمكن من جمعها بالخيل وجعل جمعها تفصيلا لأنها أنواع فجعل ذلك كتفصيل العقد والمعنى أنه ينثر الخيل أي يفرقها في الغارة ثم ذكر أنه جمع بها هذه الأشياء التي ذكرها من النعم لأوليائه والنقم لاعدائه
فليرنا الورد إن شـكـا يدهُ أحسن منه من جودها سلما
هذه رواية ابن جنى وغيره يرويه أحسن من جودها إذا سلما أي فليرنا أحسن من الورد إذا سلم من وجودها يعني أنه ينثر الدراهم والدنانير ولا تسلم من جود يده وهي أحسن من الورد
وقل له لست خير ما نثرت وإنما عوذت بك الكرمـا
أي قل للورد لست خير ما نثرت يده وإنما جعلتك عوذةً للكرم
خوفا من العين أن تصاب بها أصاب عينا بها تصاب عمى
روى ابن جنى بها يعان من قولهم عين الرجل فهو معينٌ ومعيون إذا أصابته العين يقول أعمى الله عينا يعان بها وهذه قطعة في نثر الورد غير مليحةٍ وليس المتنبي من أهل الأوصاف وهي كالقطعة التي وصف فيها كلام أبي الفتح بن العميد وقال أيضا يمدحه وقد ورد عليه الخبر بإنهزام وهسوذان الكردي
أثلث فإنا أيها الطـلـل نبكي وترزم تحتنا الإبلُ
أثلث أي كن ثالثا من قولهم ثلثت الرجلين أثلثهما إذا صرت ثالثهما والأرزام حنين الناقة يقول للطلل كن ثالثنا في البكاء على فقد الأحبة فإنا نبكي والإبل ترزم بحنين كالبكاء ومن هذا قول التهامي، بكيت فحنت ناقتي فأجابها، صهيل جوادي حين لاحت ديارها،
أولا فلا عتب على طلل إن الطلول لمثلها فعل
أو ل تبك فلا عتب عليك في ترك البكاء فإن الطلول فاعلة لمثل هذه الفعلة من ترك المساعدة على البكاء لأنه ليس من عادتها البكاء
لو كنت تنطق قلت معتذرا بي غير ما بك أيها الرجل
يقول للطلل لو كنت ذا نطق لاعتذرت في ترك البكاء بما ذكر في قوله
أبكاك أنك بعض من شغفوا لم أبك أني بعض من قتلوا
أي لقلت لي الذي بي أكثر مما بك لأنهم شغفوك حبا فأذهبوا قلبك وقتلوني بارتحالهم عني والقتيل لا يقدر على البكاء
إن الذين أقمت وارتحلوا أيامهم لديارهـم دول
هذا من كلام الطلل أيضا يقول إن الذين ارتحلوا وأقمت بعدهم أو أقمت على خطاب المتنبي ديارهم تعمر بنزولهم أيام مقامهم وتخرب بارتحالهم هذا معنى قوله أيامهم لديارهم دول
الحسن يرحل كلما رحلوا معهم وينزل حيثما نزلوا
في مقلتي رشأ تديرهمـا بدوية فتنت بها الحلـل
يقول الحسن في مقلتين مستعارتين من رشأ تديرهما امرأة بدوية صارت الحلل وهم القوم الذين حلوا معها مفتونين بها لحسنها
تشكو المطاعم طول هجرتها وصدودها ومن الذي تصل
يريد أنها قتين قليلة الطعم وذلك يحمد في النساء فالمطاعم وهي الأطعمة تشكو أنها هجرتها ثم قال ومن تواصله هذه أي أن هجرت الطعام فإنها لا تواصل أحدا والهجر من عادتها
ما أسأرت في القعب من لبن تركته وهو المسك والعسل
الذي أبقته من شرابها في القدح من اللبن تركته مسكا وعسلا يريد عذوبة ريقها وطيب نكهتها وإن سورها كالمسك والعسل وما مبتدأ وتركته الخبر كما تقول زيد ضربه عمرو
قالت ألا تصحو فقلت لها أعلمتني أن الهوى ثملُ
أي قالت لي عاذلةً على العشق ألا تصحو من بطالتك فقلت لها أخبرتني في فحوى كلامك حين أمرتني بالصحو أن الهوى سكر لأن الصحو لا يكون من غير السكر وهذا إشارة إلى أنه كان غافلا عن حال نفسه لشدة هيمانه وإنها نبهته على أنه سكران من الهوى
لو أن فناخسر صبـحـكـم وبرزت وحدك عاقهُ الغزلُ
صبحكم أتاكم صباحا للغارة قال ابن جنى ما أحسن ما كنى عن الإنهزام بقوله عاقه الغزل قال ابن فورجة لو كانت هذه إحدى السعالي لما هزمت أحدا فكيف عضد الدولة وما وجه الهزيمة عمن توصف بالحسن وقال فيها بدوية فتنت بها الحلل وإنما هذا وصف لعضد الدولة بالرغبة عن النساء والتوفر على الجد ثم لما بالغ في الوصف هذا وأراد الخلوص من الغزل إلى المدح أتى بالغاية في ذكر حسنها حتى لو أن عضد الدولة مع جده وتوفره على تدبير الملك تعرضت له هذه المرأة لقدحت في قلبه غزلا عاقه عن الرجوع عنها ألا تراه يقول بعده ما كنت فاعلةً وضيفكم البيت فكيف يضاف المنهزم وإنما غلط لما سمع قوله وتفرقت عنكم كتائبه وإنما تتفرق حينئذٍ عنهم لتوفرها على الغزل واللهو ولذة الظفر بالحبيب
وتفرقت عنكم كـتـائبـهُ إن الملاح خوادعٌ قتـلُ
ما كنت فاعلةً وضيفـكـمُ ملكُ الملوكِ وشأنك البخلُ
يقول ما كنت تفعلين وقد أتاكم ملك الملوك ضيفا وأنت بخيلة يعني بالطعام والقرى والبخل والجبن من خير أخلاق النساء وهما من شر أخلاق الرجال
أتمنعين قرًى فتفتضحـي أم تبذلين له الذي يسـلُ
بل لا يحل بحيث حل بـه بخلٌ ولا خوفٌ ولا وجلُ
ملكٌ إذا ما الرمحُ أدركـهُ طنبٌ ذكرناه فيعـتـدلُ
الطنب الأعوجاج أي لاستقامته واعتداله في الأمور إذا ذكر اسمه اعتدل الرمح المعوجُّ
إن لم يكن من قبلهُ عجزوا عما يسوس به فقد غفلوا
أي الملوك الذين كانوا قبله أن لم يكونوا عاجزين عما يسوس به الناس من العدل والإنصاف وكف الظالم فقد غفلوا عن ذلك حين لم يسيروا سيرته
حتى أتى الدنيا ابن بجدتها فشكا إليه السهل والجبلُ
يقال فلان ابن بحدةِ هذا الأمر إذا كان عالما به يقول حتى ملك الدنيا عضد الدولة وهو عالم بها وبضبط أمورها وسياسة أهلها فشكا إليه سهل الدنيا وجبلها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:43 pm

شكوى العليلِ إلى الكفيل له ألا تمر بجسمهِ العـلـلُ
أي كما يشكو العليل إلى الطبيب الذي يضمن له أن يشفيه من كل داءٍ وعلة حتى لا تعاوده علة والمعنى أن الدنيا بما كان فيها من الإضطراب والفساد كأنها كانت شاكيةً إلى عضد الدولة وهو بقصده تسكين الفتنة وحسن السياسة كأنه ضامنُ أن لا يعاود الدنيا ما شكته وأصل هذا من قول الآخيلية، إذا هبط الحجاجُ أرضا مريضةً،
قالت فلا كذبت شجاعتهُ أقدمْ فنفسكَ ما لها أجلُ
أي قالت له شجاعته أقدم وقوله فلا كذبت دعاء اعترض به بين الفعل والفاعل أي لا كانت كاذبةً فيما قالت والمعنى أن شجاعته زينت له الأقدام وصورت له أن أحداً لا يقدم عليه فهو باقٍ بوقاية شجاعته
فهو النهايةُ إن جرى مـثـلُ أو قيل يوم وغًى من البطلُ
يقول هو النهاية في الشجاعة عند ضرب المثل وعند الدعاء إلى البراز
عدد الوفود العـامـدين لـه دون السلاح الشكلُ والعقلُ
يقول الوفود الذين يأتونه لا يأتونه بسلاحٍ لأنه لا مطمع فيه بالسلاح ولكن عددهم التي يحتاجون إليها شكل الخيل وعقل الإبل وهي جمع شكال وعقال
فلشكلهم في خيلهِ عملُ ولعقلهم في بختهِ شغلُ
أي أنه يعطيهم الجياد حتى يشكلوها بشكلهم والجمال حتى يعقلوها بعقلهم
تمسي على أيدي مواهبهِ هي أو بقيتها أو البدلُ
يقول تملك مواهبه ما له من الخيل والنعم فهي تمسي على أيدي مواهبه أي تلى أمرها وتتصرف فيها أو بقيتها يعني ما فضل منها من قوم آخرين أو بدلها من العين والورق يريد أن جميع ماله في تصرف مواهبه
يشتاق من يدهِ إلى سبلٍ شوقا إليه ينبتُ الأسلُ
السبل المطر ويريد به العطاء هاهنا يقول الناس يشتاقون إلى عطاء يده والرماح تنبت شوقا إلى أن تباشر يده أي ليطعن بها ويستعملها في الحرب وتقدير اللفظ ينبت الأسلُ شوقا إليه إي الممدوح ولكنه قدم وأخر والبيت مختل النظم
سبل تطول المكرماتُ بـه والمجدُ لا الحوذانُ والنفلُ
لما سمى عطاءه سبلا قال هو سبل ينبت المكرمات والمجد لا النبات وأجناسه مما ذكر
وإلى حصى أرضٍ أقامَ بها بالناسِ من تقبيلـهِ يلـلُ
اليلل قصر الأسنان يقال رجل أيل وأكس وهو ضد الأروق ومنه قول لبيد، يكلح الأروق منهم والأيل، يقول ويشتاق إلى حصى أرض أقام بها ولكثرة ما قبل الناس تلك الحصى حدث بهم اليلل وقصرت اسنانهم واخطأ ابن جنى في تفسير اليلل وفي معنى البيت وإذا رجعت إلى كتابه وقفت على خطأٍ فيهما
إن لم تخالطهُ ضواحكهـمْ فلمن تصان وتذخر القبلُ
يقول إن لم تخالط الأسنان حصى أرضه عند التقبيل فلمن تصان القبل يعني أنها تستحق التقبيل
في وجهه من نور خالقهِ قدرٌ هي الآيات والرسلُ
يقول على وجهه نورٌ من الله تعالى ذلك النور قدر من الله يعني أنه يدل على قدرته وتلك القدر تقوم مقام الآيات والرسل بما فيها من الإعجاز وظهور الصنع
وإذا الخميس أبى السجود له سجدت له فيه القنا الذبلُ
أي إذا عصاه جيشٌ فلم يخضعوا له خفض رماحه لطعنهم بها وذلك سجود القنا
وإذا القلوب أبت حكومتـه رضيت بحكم سيوفه القللُ
وإذا لم تقبل القلوب ما يحكم به ضرب رؤوس اولائك الذين يأبون حكمه فكأنها رضيت بحكم سيوفه
أرضيت وهسوذان ما حكمت أم تستزيد لأمك الـهـبـلُ
يعني ما صنعت سيوفهُ والهبل الثكل
وردت بلادك غير مغمدةٍ وكأنها بين القنا شعـلُ
شبه السيوف المصلتة بشعل النار
والقومُ في أعيانهم خزرٌ والخيلُ في أعيانها قبلُ
الخرز ضيق العين والقبل في الخيل أن تقبل إحدى عينيه على الأخرى وإنما تفعل ذلك الخيل لعزة أنفسها ومنه قول الخنساء، ولما أن رأيت الخيل قبلا، قال ابن جنى يقول القوم ترك وخيلهم عزيزة الأنفس أي أتوك عليها قال ابن فورجة كيف خص الترك بالذكر ولم يذكر سائر اجناس العسكر سيما وأكثرهم ديلمٌ والممدوح ديلمي وذهب عليه أن الغضبان يتخازر وقد سمع من ذكر خزر الغضبان ما لا يحصى كقوله، خزرٌ عيونهم إلى أعدائهم، وقول آخر، وفلأنظرن إلى الجمال وأهلها، وإلى مثابرها بطرفٍ أخزرِ،
فأتوك ليس بمن أتوا قبلُ بهم وليس بمن نأوا خللُ
يقول أتاك قومه وليس لك بهم طاقة وليس بالقوم الذين بعدوا عنهم وانفصلوا من جملتهم خللٌ بخروجهم من بينهم يريد كثرة عسكر عضد الدولة
لم يدرِ من بالـريِّ أنـهـمُ فصلوا ولا يدري إذا قفلوا
أي لكثرة جيوشه بالري لم يعلموا خروج هؤلاء ولا رجوعهم إليه حين رجعوا
فأتيت معتـزمـاً ولا أسـدٌ ومضيت منهزما ولا وعلُ
يقول أقبلت إلى الحرب ولا أسد يقدم اقدامك ومضيت منهزما ولا وعل ينهزم إنهزامك فحذف الخبرين للعلم بهما
تعطى سلاحهمُ وراحهمُ ما لم يكن لتنالهُ المقلُ
يقول تعطي سلاحهم أرواح عسكرك وأكفهم الأموال والأثاث والكراع والسلب التي لا تنالها الأعين لكثرتها قال ابن جنى قوله وراحهم جفاء في اللفظ على المخاطب ونيل منه قال ابن فورجة أي جفاء في هذا رحم الله من عرفنا ذلك على أن بعضهم قال أراد صفعهم أياه باكفهم وبوده وطوبى له لو رضوا بذلك منه ويقال نال منه أي شتمه
أسخى الملوك بنقل مملكةٍ من كاد عنه الرأس ينتقلُ
يقول أجود الملوك بترك مملكته ونقلها إلى من يغصبها منه من خاف انتقال الرأس عنه والمعنى أنك خفت أن يقطع رأسك فسخوت بمملكتك لئلا ينتقل الرأس عنك قال ابن جنى لو قال بترك مملكة كان أوجه إلا أنه اخترا النقل لقوله آخرا ينتقل
لولا الجهالة ما دفلت إلى قوم غرقت وإنما تفلوا
يقول لولا جهلك لما غزوت قوما تنهزم عنهم بأدنى حرب منهم فرب لهذا مثلا بالغرق والتفل والمعنى أنهم لكثرتهم لو بزقوا عليك لغرقوك ويقال دلف إليه إذا دنى منه
لا أقبلوا سرا ولاظفـروا غدراً ولا نصرتهم الغيلُ
يعني أن جيشه لا يأتون أحدا في خفيةٍ ليظفروا غدوا وليغتالوا عدوهم وأنهم لا يحتاجون في قتل اعدائهم وقهرهم إلى الغدر والإغتيال
لا تلق أفرس منك تعرفهُ إلا إذا ما ضاقت الحيلُ
يقول العقل أن لا تعارض من هو أقوى منك إلا إذا اضطررت إلى ذلك والمعنى أنه يلومه في اختياره الحرب في ابتداء الأمر وهو يعلم أنهم أقوى منه
لا يستحي أحـدٌ يقـال لـه نضلوك آل بويه أو فضلوا
يقال استحى يستحي بمعنى استحيا يستحيي ونضلوك غلبوك في النضال يقال تناضل الرجلان فنضل أحدهما صاحبه إذا غلبه وكان أكثر إصابةً منه وأتى بعلامة الجمع في نضلوك والفعل مقدم على الفاعل على لغة من يقول أكلوني البراغيث يقول من كان مغلوبا بآل بويه لا يستحيي من ذلك لانهم يغلبون كل أحد
قدروا عفوا وعدوا وفوا سئلوا أغنوا علوا أعلوا ولوا عدلوا
يقول لما قدروا عفوا فهم يعفون عن قدرةٍ ولما وعدوا وفوا بذلك الذي وعدوا ولما سئلوا أغنوا من سألهم ولما علوا اعلوا أولياؤهم ولما ولوا الناس عدلوا فيما بينهم
فوق السماء وفوق ما طلبوا فمتى أرادوا غايةً نزلـوا
يقول هم فوق كل درجة ورتبة وفوق كل طلبة وحاجة وإ ذا أرادوا غايةَ أمرٍ نزلوا إليها من علو يعني ما كان غايةً عند الناس وإلا فهم وراء كل غاية
قطعت مكارمهمْ صوارمهمْ فإذا تعذر كاذبٌ قبـلـوا
تعذر بمعنى تكلف العذر ومنه قول امرء القيس، ويوما على ظهرِ الكثيبِ تعذرت، يقول كرمهم غلب غضبهم وكفهم عن استعمال السيوف وإذا اعتذر إليهم كاذب قبلوا عذره تكرما
لايشهرون على مخالفهم سيفا يقوم مقامهُ العذلُ
يقول إذا انكف المخالف بالعذل لم يستعملوا معه السيف يعني لا يعجلون إلى الحرب إنما يقدمون الوعيد واللوم يصفهم بالحلم
فأبو عليٍّ من بهِ قهـروا وأبو شجاعٍ من بهِ كملوا
أبو عليّ هو ركن الدولة أبو عضد الدولة أي به قهروا الملوك
حلفت لذا بركات غـرةِ ذا في المهد أن لا فاتهم أملُ
يقول لما ولد عضد الدولة علم أبوه أن الآمال انحازت إليهم وحصلت لهم فكأن وجهه وهو في المهد كفيل لهم بجميع الآمال وروى ابن جنى بركات نعمةِ ذا والمعنى أن بركات النعمة بأبي شجاع حلفت لأبي عليّ أن الآمال لا يفوته شيء منها ويجوز أن يريد بالنعمة نعمة أبيه أبي عليّ أي ما يملكه من العدة والعتاد تكفل لأبي شجاعٍ بإدراك الآمال ويروي نغمة ذا والمعنى أن أباه عرف بنغمته لما ولد أنه يدرك به الآمال كلها وقال يعزى أبا شجاع عضد الدولة بعمته
آخر ما الملك معزى به هذا الذي أثر في قلبهِ
هذا على لفظ الخبر ومعناه الدعاء أي كان هذا آخر ما يعزى به الملك وكان قافية الخطوب حتى لا يكون مصابا بعد هذا
لا جزعاً بل أنـفـا شـابـهُ أن يقدر الدهر على غصبهِ
أي لم يؤثر المصابُ في قلبه جزعا منه ولكن أخذته الحمية والآنفة حين قدر الزمان على اغتصابه وتطرقه حماه واستباحه حريمه
لو درت الدنيا بما عنـده لاستحيت الأيام من عتبهِ
أي لو كانت الدنيا عالمةً بما عنده من الفضل والنفاسة لأخذها الحياء من عتبه عليها ولكفت عنه إذاها
لعلها تحسـب أن الـذي ليس لديه ليس من حزنهِ
هذه المتوفاة توفيت على البعد منه يقول فلعل الأيام ظنت أنها لما لم تكن عنده لم تكن من عشيرته وقومه فلذلك أخذتها
وأن مـن بـغـدادُ دارٌ لـه ليس مقيما في ذرى عضبهِ
يقول لعل الأيام ظنت أنها لما كانت ببغداد ولم تكن بحضرته لم تكن في كنف سيفه وممن يحميه سيفه فلذلك تعرضت لها
وأن جد الـمـرء أوطـانـهُ من ليس منها ليس من صلبهِ
يقول ولعلها ظنت أنها لما لم تكن مستوطنةً معه في بلده لم تكن من صلب جده فلهذا اجترأت عليها ومعنى قوله وإن جد المرء أوطانه أي ظنت أن أقاربه الذين يساكنونه في الوطن هم عشائره وإن البعيد عنه وطنا ولا يكون من عشيرته ويروي وإن حد المرء بالحاء على معنى أن حريمه وطنه فمن لم يكن مستوطنا معه لم يكن في حريمه وعلى هذا الضمير في صلبه عائد على المرء
أخاف أن تفطن أعـداؤه فيجفلوا خوفاً إلى قربهِ
يقول أخاف أن يعلم اعداؤه هذا وهو أن الأيام لا ترزأ من تحرم بجواره وقربه فيسرعوا إلى حضرته خوفا من الأيام وطلبا للسلامة بحصولهم في ذمته واشتمالهم بعزه
لا بد للإنسان من ضـجـعةٍ لا تقلب المضجع عن جنبهِ
يقول لا بد للإنسان من اضطجاع في القبر لا يقلبه ذلك الاضطجاع عن جنبه يعني يبقى كما اضطجع ولو قال لن بدل لا كان احسن لان لن تدل على التأبيد
ينسى بها ما كان من عجبه وما أذاق الموتُ من كربهِ
يقول يترك بتلك الضجعة اعجابه بنفسه وبما إذاقه الموت من كربه يعني أنه إذا ذاق كرب الموت وأضجع في القبر نسي العجب والإعجاب وما معطوف على الضمير في بها ويجوز أن يكون عطفا على ما كان فيك في محل النصب وذلك إن من مات واضجع في قبره نسي ما مر به من شدائد الموت وكربه
نحن بنو الموتى فما بالنـا نعافُ ما لا بد من شربهِ
يقول نحن أبناء للأموات ولا بد لنا منه أي فكما مات من تقدمنا من آبائنا فكذلك نحن على أثرهم وهذا من قول أبي النواس، ألا يا أبن الذين فنوا وبادوا، أما والله ما بادوا لتبقى، وأصله قول متمم بن نويرة، فعددت آبائي إلى عرق الثرى، فدعوتهم فعلمت أن لم يسمعوا، ولقد علمت ولا محالة أنني، للحادثات فهل تراني أجزع، وهذا كما روى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمرو بن عبيدة يعزيه عن أبيه أما بعد فإنا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا أمواتا آباء وأبناء أموات فالعجب لميت يكتب يعزيه عن ميت والسلام
تبخل أيدينـا بـأرواحـنـا على زمان هن من كسبه
يقول تمسكنا بأرواحنا بخلا بها على الزمان والأرواح مما كسبه الزمان فقد فسر هذا فيما بعد فقال
فهذه الأرواح من جـوه وهذه الأجساد من تربه
إنما قال هذا لأن الإنسان مركب من جوهر لطيف وهو الروح وجوهر كثيف وهو البدن فجعل اللطيف من الهواء والكثيف من التراب
لو فكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه
يقول لو تفكر العاشق لعلم أن منتهى حسن المعشوق إلى الزوال فلم يعشقه ولم يملك المعشوق قلبه
لم ير قرن الشمس في شرقه فكشت الأنفس في غربـه
هذا مثل ومعناه أنه لابد لكل حادث من الفناء كالشمس من رآها طالعة عرفها غاربة كذلك الحوادث منتهاها إلى الزوال لأن الحدوث سبب الهلاك
يموت راعي الضأن في جهله موتة جالينوس في طـبـه
يعني أن الموت حتم على كل أحد جاهلا كان أو عالما فالراعي الجاهل يموت كما يموت الطبيب الحاذق
وربما زاد علـى عـمـره وزاد في الأمن على سربه
وربما يزيد عمر راعي الضأن على عمر جالينوس الطبيب وكان آمن سربا منه أي نفسا وولدا ومن روى سربه بفتح السين فالسرب المال الراعي ولا معنى له ههنا
وغاية المفرط في سلمـه كغاية المفرط في حربه
أي الذي افرط في السلم والمودة كالذي افرط في الحرب والمعاداة لأن كلا منهما إلى نفاد وفناء
فلا قضى حاجته طالب فؤاده يخفق من رعبه
أي إذا الهلاك متيقنا فلم يخاف الإنسان من الموت ويجزع رعبا منه ولهذا دعا عليه فقال لا أدرك حاجته من خاف من الموت ويجوز أن يكون الهاء في رعبه للفؤاد
أستغفر الله لشخص مضى كان نداه منتهى ذنـبـه
يقول كان غاية ذنبه إسرافه في العطاء والإسراف اقتراف وورد النص في النهي عن الإسراف
وكان من جدد إحسانه كأنه أسرف في سبه
يقول من جدد ذكر إحسانه كان عنده كالمسرف في سبه لأنه كان يكره أن تحصى فواضله
يريد من حب العلى عيشه ولا يريد العيش من حبه
أي إنما كان يهوى البقاء لكسب العلى لا لحب الحيوة
يحسـبـه دافـنـه وحـده ومجده في القبر من صحبه
الذي يدفنه يظن أنه يدفن شخصا واحدا وقد دفن معه المجد والعفاف والبر والمجد أحد من صحبه ودفن معه
ويظهر التذكير في ذكره ويستر التأنيث في حجبه
أي كانت ذكرا من طريق المعنى لأنها كانت تفعل فعل الرجال من الصنائع الجميلة وإيثار المعروف فيغلب المعنى في ذكرها على الظاهر ويذكر بلفظ التذكير لفظ التأنيث
أخت أبي خير أمير دعا فقال جيش للقنا لبـه
أي هي أخت عضد الدولة وهو خير أمير دعا إلى نفسه فقال الجيش للرماح أجيبيه يعني أنهم أجابوه بعدتهم لما دعاهم ويجوز أن يكون المعنى دعا جيش فقال عضد الدولة للقنا لب الجيش يعني أنه يجيب الصارخ ويغيث المستغيث
يا عضد الدولة من ركنها أبوه والقلب أبو لـبـه
يفضله على أبيه ويضرب لهما المثل بالقلب والعقل جعل اللب مثلا له والقلب مثلا لأبيه واللب أشرف من القلب كذلك هو أشرف من أبيه
ومن بنـوه زين آبـائه كأنها النور على قضبه
جعل ابناء عضد الدولة زينا لآبائه واعرض عن ذكره ذهابا إلى استغنائه بمزية علائه عن أ، يتزين بأبنائه والمعنى أنهم يزينون أباك كما يزين النور القضيب
فخرا لدهر أنت من أهلـه ومنجب أصبحت من عقبه
أي جعل الله فخرا لدهر من أهل ذلك الدهر يعني أن الدهر يفتخر بكونه من أهله وأبوه الذي ولده نجيبا يفتخر به والمنجب الذي يلد النجيب وعقب الرجل أولاده الذين يأتون بعده
إن الأسى القرن فلا تحيه وسيفك الصبر فلا تنبه
يعني الحزن كالقرن المغالب لك فلا تحيه بإعانته على نفسك وصبرك الذي تغالب به الأسى بمنزلة السيف فلا تجعله نابيا كليلا
ما كان عندي أن بدر الدجى يوحشه المفقود من شهبهِ
جعله كالبدر وأهله وعشائر كالنجوم حول البدر أي يجب أن لا يغتم لفقد احدهم والشهب جمع شهاب وهو الكوكب
حاشاك أن تضعف عن حمل ما تحمل السائر فـي كـتـبـهِ
أراد بالسائر الفيج الذي يسير بالكتاب يقول يجب أن لا تضعف عن تحمل ما يحمله الفيج مكتوبا إليك في الكتاب أي إذا كان الفيج يطيق حمل ذكر وفاتها فأنت يجب أن تكون أشد اطاقةً له وهذا في الحقيقة مغالطة وإنما اراد تسكينه فتوصل إليه من كل وجه
وقد حملت الثقل من قبلهِ فأغنتِ الشدةُ عن سحبهِ
يقول قد حملت الأمر الثقيل قبل هذا الحادث فأغنتك قوتك عن جر ذلك الثقل وذلك أن حامل الثقل إذا عجز عن حمله جره على الأرض كما قال عتاب بن ورقاء، وجره إذ كل عن محملهِ، ونفسه من حتفهِ على شفا، والمعنى أنك حمول صبور على تحمل الشدائد فلا تجزع عن حمل هذه الرزيئة
يدخل صبر المرء في مدحهِ ويدخل الإشفاق في ثلبـهِ
الإشفاق الخوف والجزع يحسن عنده الصبر ليرغب فيه ويقبح الجزع ليحذره والثلب العيب
مثلك يثني الحزن عن صوبهِ ويسترد الدمع عن غربـهِ
الصوب القصد والصوب النزول والغرب مجرى الدمع يقول أنت تقدر على صرف الحزن وغلبته بالنصر إذا قصدك وترد الدمع إلى قراره عن مجراه فتخلي مجراه عنه بأن تسترده عن المجرى
أيما لإبقاء على فضلهِ أيما لتسليمٍ إلى ربهِ
أيما معناه أما أنشد ثعلب، يا ليتما أمناً شالت نعامتها، أيما إلى جنةٍ أيما إلى نارٍ، يقول يفعل ما ذكرت أما ليبقى على فضله فلا يهلك بالجزع وأما لتسليم الأمر إلى الله فإن له القضاء بما شاء في عباده
ولم أقل مثلك أعنـى بـه سواك يا فرداً بلاد مشبهِ
يقول لم أعنِ بقولي مثلك يثني الحزن غيرك لأنك الفرد الذي لا مثل له ولكن المثل يذكر في الكلام صلة ولا يراد به النظير كقوله عز وجل ليس كمثله شيء وهو كثير وقد تقدم لها نظائر والمعنى أني أردت نفسك لا غيرك وقال أيضا يمدحه ويذكر هزيمة وهسوذان
أزائر يا خـيالُ أم عـائدْ أم عند مولاك أنني راقدْ
يقول للخيال اتيتني زائرا أم عائدا أي أني مريض ن الحب فأنا حقيق منك بالعيادة أم ظن مولاك أي صاحبك الذي أرسلك إليّ أني راقد
ليس كما ظن غشيةٌ لحقتْ فجئتني في خلالها قاصد
يقول ليس الأمر على ما ظن من القود بل لحقتني غشية وهي همدة لا رقدة فجئتني في خلال تلك الغشية والمراد أنه لم ينم وإنما يزور الخيال النائم وكان من حقه أن يقول قاصدا لأنه حال ضمير الفاعل في جئتني إلا أن مثل هذا يجوز في الوقف لضرورة الشعر كما قال، وآخذُ من كلِّ حيٍّ عصمْ،
عد وأعدها فحبذا تـلـفٌ ألصق ثديي بثديها الناهدْ
يقول للخيال عد وأعد الغشية التي لقحتني وإن كان فيها تلفي فحبذا تلف كان سببا لقربك ومعانقتك وكان ن حقه أن يقول للغشية عودي وأعيدي الخيال لأن الغشية كانت سبب زيارة الخيال لا الخيال سبب لحاق الغشية ولكنه قلب الكلام في غير موضع القلب
وجدت فيه بما يشـح بـه من الشتيت المؤشر الباردْ
وجدت أيها الخيال في ذلك التلف بما يبخل به مولاك من تقبيل الثغر المتفرق الذي فيه أشر وتحزيز يريد أنه قبل الطيف وارتشف ريقه
إذا خيالاته أطفن بـنـا أضحكهُ أنني لها حامدْ
يقول إذا طافت خيالات الحبيب بين وحمدت زيارتها أضحك الحبيب ذلك الحمد لأن الخيال في الحقيقة ليس بشيء ألا تراه قال
وقال إن كان قد قضى أرباً منا فما بال شوقـهِ زائدْ
وقال الحبيب أن إدرك حاجته منا بزيارة الخيال فلم زاد شوقه إلينا
لا أجحد الفضل ربما فعلت ما لم يكن فاعلا ولا واعدْ
يقول وعلى هذا لا أجحد الخيالات لأنها فعلت من الزيارة ما لم يفعل الحبيب ولم يعده
ما تعرف العين فرق بينهما كل خيالٌ وصاله نـافـدْ
قال ابن جنى أي لا فرق بينهما وبين طيفها وكلاهما خيالٌ لأن كل شيء إلى نفاد وفناء ما خلا الله عز وجل قال ابن فورجة هذه موعظة وتذكر ولم يقل أبو الطيب كل شيء نافد ما خلا الله تعالى وإما يقول هذه المرأة لو واصلت لم تدم الوصال كما أن خيالها إذا واصل كان ذلك لحظةً فأما قوله كل خيال فهو الذي غلط ابن جنى وكلفه إيراد ما أورد وإنما عني بكل كلا منهما يعني من المذكورين وليس من العموم ويمنع من ذلك أنه في تشبيبٍ وغزل وأقبح الغزل ما وعض فيه وذكر بالموت في أثنائه وهذا كقولك خرج زيد وعمرو وكل راكب والكل يستعمل في الإثنين كما يستعمل في الجماعة ولما قال ما تعرف العين فرق بينهما علم أنه يشير بالكل إليهما لا إلى جماعة غيرهما
يا طفلة الكف عبلة الساعدْ على البعير المقلدِ الواخدْ
يخاطب الحبيبة والطفلة الناعمة الرخصة والعبلة الساعد الممتلئة وأراد بالمقلد أن بعيرها زين بالقلائد من العهون والواخد المسرع وروى ابن جنى غيلة الساعد الممتلئة الساعد
زيدي أذى مهجتي أزدك هوى فأجهل الناس عاشقٌ حاقـدْ
يقول لها أذاك مستحلى لأن المحبوب يستحلي منه كل شيء ولهذا قال أزدك هوى أي أنك متى زدتني أذى زدتك هوًى لن العاشق لا يحقد على محبوبه فإن حقد عليه شيئا كان ذلك منه جهلا
حكيت يا ليل فرعها الواردْ فاحك نواها لجفني الساهدْ
الوارد من الشعر الويل المسترل يقول لليل أشهبت شعرها في السواد فأشبه بعدها عني أي أبعد عني بُعدها
طال بكائي على تذكرهـا وطلت حتى كلاكما واحدْ
يقول طال البكاء لأجلها وطلت أيها الليل حتى كلاكما واحد في الطول وروى ابن جنى تذكره
ما بال هذي النجوم حائرةً كأنها العميُ ما لها قائدْ
يقول لم وقفت النجوم فلا تسري لتغيب كأنها عميان ليس لهم من يقودهم ويريد بها طول الليل وإن النجوم كأنها واقفة وهذا من قول ابن الأحنف والنجم في كبد السماء كأنه، اعمى تحير ما لديه قائدُ،
أو عصبةٌ من ملوكِ ناحيةٍ أبو شجاع عليهمِ واجـدْ
يريد أن اعداءه من الملوك حيارى رهبةً له وفرقا منه
إن هربوا أدركوا وإن وقفـوا خشوا ذهاب الطريف والتالدْ
ذكر في هذا البيت سبب تحيرهم وهو أنهم لا يجدون منه ملجأ لا بالهروب ولا بالإقامة
فهم يرجون عفو مـقـتـدرٍ مباركِ الوجهِ جائدٍ ماجـدْ
أبلج لو عاذت الحـمـام بـه ما خشيت راميا ولا صـائدْ
أو رعت الوحش وهي تذكره ما راعها حابل ولا طـاردْ
الحابل صاحب الحبالة يريد أن من لاذ به واستأمن إليه أمن حتى الطير والوحوش لو لاذت إليه واستأمنت بذكره امنت
تهدي له كل ساعةٍ خبـراً عن جحفلٍ تحت سيفهِ بائدْ
يقول لا تمضي ساعة إلا وهي تورد عليه خبرا عن عسكرٍهلك تحت سيفه يعني تتابع أخبار فتوحهِ لكثرة سراياه إلى النواحي
وموضعا في فتانِ نـاجـيةٍ يحملُ في التاج هامةَ العاقدْ
الموضع المسرع في سيره والفتان غشاء للرحل من أدم والناجية الناقة السريعة يقول وتهدي له موضعا في رحل ناقةٍ تحمل إليه رأسا في تاج من عقده على رأسه
يا عضداً ربه به العاضـدْ وسارياً يبعث القطا الهاجدْ
العاضد المعين يقال عضده إذا أعانه ويجوز أن يريد به الدولة يعني أن الدولة تعضد به الخلافة ويجوز أن يريد الله تعالى أي أنه يعضد به الإسلام وجعله ساريا بالليل لكثرة غاراته وطلبه الأعداء وإذا سرى ليلا في الفلوات بنه القطا وأثارها عن أفاحيصها كما قيل في المثل لو ترك القطا ليلا لنام
وممطر الموت والحيوةِ معاً وأنت لا بارقٌ ولا راعـدْ
يقال برقت السماء ورعدت وأبرقت وأرعدت وأبي الاصمعي أبرق وأرعد يقول أنت تمطر الموت على أعدائك بالقتل وتحيى أولياءك بالبذل والإحسان فكأنك سحابٌ للموت والحيوة غير أنه لا برق لك ولا رعد
نلت وما نلت من مضرة وه سوذان ما نال رأيه الفاسدْ
وهسوذان ملك الديلم بالطرم يضعف رأيه بأنه جنى على نفسه الشر بمحاربة ركن الدولة يقول نلت منه ما أردت ولم تنل من مضرته ما نال رأيه الفاسد وهذا من قول الأول، لن يبلغ الأعداء من جاهلٍ، وما يبلغ الجاهل من نفسه، ثم ذكر فساد رأيه فقال
يبدأ من كيده بـغـايتـهِ وإنما الحرب غايةُ الكائدْ
يقول يبدأ من الكيد بما هو من الغاية ثم فسر غاية الكيد بالحرب يعني أنه يبتدىء بما لا يصار إليه إلا في الإنتهاء أي كان سبيله أن لا يحاربكم حتى يضطر إلى ذلك
ما ذا على من أتى محاربكم فذم ما اختار لو أتى وافدْ
يقول الذي يأتيكم يحاربكم ثم يذم اختياره في عاقبة امره لأنه لا يظفر بما يريد ما ذا عليه لو وفد عليكم سائلا
بلا سلاح سوى رجـائكـم ففاز بالنصرِ وانثنى راشدْ
يقارع الدهر من يقارعكـم على مكانِ المسودِ والسائدْ
يقول من قارعكم قارعه الزمان على مقداره رئيسا كان أو مرؤوسا
وليت يومي فناء عسكرهِ ولم تكن دانيا ولا شاهدْ
أي وليت اليومين اللذين هزم فيهما وهسوذان ولم تحضر الوقعتين ولكن من هزمه جيش أبيك فكأنك هزمته وهو قوله
ولم يغب غائب خليفـتـه جيش أبيه وجده الصاعدْ
أي كانت لك خليفتان إن غبت ببدنك جيش أبيك وجدك العالي
وكل خطيةْ مـثـقـفةٍ يهزها ماردٌ على ماردْ
المارد الذي لا يطاق خبثا يقول يهز المثقفة كل رجل مارد على فرس مارد وهذا تفصيل بعد الإجمال لأن هؤلاء كانوا من جيش أبيه وقد ذكرهم
سوافكٌ ما يدعن فـاصـلةً بين طريِّ الدماء والجاسدْ
سوافك من نعت قوله وكل خطية وقوله ما يدعن فاصلة قال ابن جنى كانه قال ما يدعن بضعة أو مفصلا إلا أسلنه دماء قال ابن فورجة اين ما زعم في هذا البيت وإنما يعني أنها إذا أراقت دما فجسد أي لزق اتبعته طريا من غير فاصلة وكأنه ظن أنه عنى بالفاصلة المفصل وإنما الفاصلة حال يفصل بين امرين كما يقول ضربني فلان وأعطاني من غير فاصلة أي من غير أن فصل بينهما بحالٍ
إذا المنايا بدت فدعوتها أبدل نونا بدالهِ الحائدْ
اخبر عن المنايا وهو يريد أهلها لأن المنايا لا تقول شيئا والمعنى أن أهل الحرب يعني جيش عضد الدولة يقولون عند الحرب جعل الله الحائد منا حائنا أي من حاد منا صار هالك
إذا درى الحصن من رماه بها خر لها في أساسهِ ساجـدْ
كنى عن الخيل وإن لم يدر لها ذكر للعلم بذلك يقول إذا علم الحصن أن عضد الدولة رماه بالخيل سقط ساجدا له ولخيله يعني تسقط حيطانه هيبةً له
ما كانت الطرم في عجاجتها إلا بعيراً أضلـهُ نـاشـدْ
الطرم ناحية وهسوذان والناشد الطالب يقول خفى في عجاجة الخيل واحاط به العجاج فكأنه بعير أضله من يطلبه
تسأل أهل القلاعِ عن ملكٍ قد مستخه نعامةً شـاردْ
أي تسأل الطرم والخيل أهل القلاع عن وهسوذان وهو قد مسخ في سرعة هربه نعامةً نفورا هذا هو المعنى وقوله مسخته نعامةٌ أي صارت النعامة وهسوذان أي كان نعامةً مسخت فجعلت وهسوذان وهذه رواية الأستاذ أبي بكر قال يقول هو نعامةٌ في صورة إنسان أي غيرت صورة نعامة إلى صورة إنسان والآن تبينا أنه كان نعامةً وروى ابن جنى مسخته نعامةً قال معناه وقد مسخته خيلك نعامةً شاردا وهذا أظهر من الأولى والنعامة يقع على الذكر والأنثى كالبقرة والبطة والحمامة
تستوجشُ الأرض أن تقر به فكلها منكرٌ لـه جـاحـدْ
يقول تخاف الأرض أن تقر به حيث هو هناك فجميع الأرض منكرةٌ تجحده
فلا مشاد ولا مشيد حمى ولا مشيدٌ أغنى ولا شائدْ
المشاد البناء المطول والمشيد المعلى للبناء والحمي اسم للمكان المحمي والمشيد يجوز أن يكون المشيد المطلى بالشيد وهو الكلس وقيل هو الجص أيضا يقال شاد بناءه إذا طلاه بالجص والشائد فاعلٌ منه والمعنى لم يكن البناء ولا الباني حمى على عضد الدولة أي لم تغن عنه قلعته ولا جنده
فاغتظ بقوم وهسوذ ما خلقوا إلا لغيظ العدو والحاسـدْ
وهسوذ ترحيم وهسوذان يقول كن أبدا مغتاظا بقوم لم يخلقوا إلا غيظا للاعداء والحساد يعني قوم عضد الدولة
رأوك لما بلوك نابـتةً يأكلها قبل أهلهِ الرائدْ
يقول هؤلاء القوم رأوك في الضعف والقلة كنباتٍ يأكله الرائد قبل أن يأتي جماعة الخيل والضمير في أهله للرائد
وخل زيا لمن يحققـه ما كل دامٍ جبينه عابدْ
يقول زي الملوكية لا يليق بك فدعه لمن هو أحق به منك فليس كل ما تزيا بزي الملوك ملكا كما ليس من دمي جبينه يكون ذلك من كثرة العبادة والسجود
إن كان لم يعمد الأمير لما لقيت منه فيمنهُ عامـدْ
يقول إن لم يقصدك الأمير فإن يمنه قصدك أي فأنت قتيل إقباله إن لم تكن قتيل سلاحه
يقلقه الصبح لا يرى معهُ بشرى بفتحٍ كأنهُ فاقـدْ
قال ابن جنى أي إذا أصبح ولم يرد عليه من يبشره بفتحٍ قلقَ كأنه امرأة فقدت ولدها قال ابن فورجة لم يجد في تفسير التشبيه ومثل عضد الدولة لا يشبه بامرأة في حال من الأحوال وإنما أراد كأنه رجل فاقدٌ شيئا من الأشياء وليس إذا كانت المرأة الثكلى يقال لها فاقد يمتنع الرجل أني سمى فاقدا
والأمر لله ربَّ مجتهـدٍ ما خاب إلا لأنه جاهدْ
يقول ليس من شرط الإجتهاد نيل المراد وقد يخيب الجاهد وينال مراده القاعد والمعنى ما أهلكك إلا اجتهادك في طلب الملك بتعرضك لهؤلاء القوم فصار اجتهادك سبب خيبتك لأن الأمر لله لا للمجتهد وهذا كما يروى عن ابن المعتز في حكمه حيث قال تذل الأشياء للتقدير، حتى يصير الهلاك في التدبير،
ومتقٍ والسـهـامُ مـرسـلةٌ يحيدُ عن حابضٍ إلى صاردْ
الحابض السهم الذي يقع بين يدي الرامي لضعفه والصارد النافذ في الرمية يقول رب متق خائف على نفسه إذا رميت السهامُ يهرب من سهمٍ لا ينفذ إلى سهمٍ ينفذ فيه فيقتله
فلا يبل قاتـلٌ أعـاديهُ أقائما نال ذاك أم قاعدْ
كان حقه أن يقول لا يبال بحذف الياء الأخيرة للجزم ولكنه قاس على قولهم لا تبل بمعنى لا تبال وإنما جاز ذلك لكثرة الإستعمال ولم يكثر استعمالهم لا يبل فيجز فيه ما جاز في غيره يقول من قتل عدوه فلا مبالاة له أقتله قائما أو قاعدا يعني أن المراد قتل العدو فإن كفيته بغيرك وأنت قاعد فلا تبال به
ليت ثنائي الذي أصوغ فدى من صيغ فيه فإنه خالـدْ
يقول هذا الشعر الذي أصوغه في الثناء عليه يخلد ويبقى أبدا فليته فدى الممدوح حتى لا يهلك ويبقى أبدا
لويته دملجاً على عضدٍ لدولةٍ ركنها له والدْ
يقول زينته بهذا الشعر كما يزين العضد بالدملج وهو عضد لدولةٍ ركن تلك الدولة والدٌ له وسمّي شعره دملجا لذكر العضد وقال يمدح عضد الدولة ويذكر تصيده بموضع يعرف بدشت الأرزن
ما أجدر الأيام واللـيال بأن تقول ما له وما لي
يقول الأيام جديرة بأن تتظلم مني وتقول ما للمتنبي وما لي أي لأني كلفتها من همتي ما ليس في وسعها وكان من حقه أن يقول وما لنا لأنه ذكر الأيام والليالي وهما جمعان لكنه ذهب بالجمعين إلى الدهر كأنه قال ما أجدر الدهر
لا أن يكون هكذا مقـالـي فتًى بنيرانِ الحروبِ صالي
اراد لا أن يكون هكذا مقالي لها بأن اتظلم منها فحذف لها للعلم به والاختصار كام تقول ما أجدر زيدا بأن يقوم إليك لا أن تقوم تريد إليه فتحذفه ثم أخبر عن نفسه فقال فتى أي أنا فتى أصلي بنار الحرب أي أقاسي شدائدها
منها شرابي وبها اغتسالـي لا تخطر الفحشاء لي يببالي
يريد من ماء الحرب أشرب وبمائها اغتسل يعني مخالطته إياها وانغماسه فيها ويريد بالفحشاء الزنا يقول لا تخطر ببالي هذه الفعلة القبيحة ولا أحدث بها نفسي
لو جذب الزراد من أذيالـي مخيراً لي صنعتي سربالِ
ما سمته زرداً سوى سروالِ وكيف لا وإنمـا إدلالـي
يقول لو أخبرني الزراد فكنى بجذب الذيل عن الأخبار لأنه ربما يجذب ثوب الإنسان إذا أريد إخباره بشيء أي لو خيرني بين صنعتي سربال أي درع من السابغة والبدن لم اختر احدهما وإنما اختار السروال يشير إلى أن سيفه درعه وهو يحمي به بدنه وإنما حاجته أن يحصن عورته وهذه طريقة المتنبي يترفع عن معاشرة النساء كبرا وتعففا ثم قال كيف لا أرغب عن ضنعتي الدرع وأنا متحصن بالممدوح والسروال عند بعضهم واحد والسراويل جمعٌ وأما سيبويه فقد قال هما شيء واحد اعجمي عربَ إلا أن السراويل أشبه الجمع الذي لا ينصرف فلم يصرف والإدلال الفخر والتيه يقال فلان مدل بكذا
بفارس المجروح والشمالِ أبي شجاعٍ قاتلِ الأبطالِ
المجروح والشمال أسمان لفرسين كانا لعضد الدولة
ساقي كؤوس الموت والـجـريال لما أصاب القفص أمس الخالي
الجريال ههنا الخمر يريد أنه يسقي اعداءه كؤوس الموت واولياءه كؤوس الخمر والقفص جيل من الناس يقول لما أفناهم فصيرهم في الهلاك كامس الدابر
وقتل الكرد عن القـتـالِ حتى اتقت بالفرٍّ والإجفالِ
قتلهم ذللهم ومنه قول امرىء القيس، في أعشار قلبٍ مقتلِ، أي مذلل ويقال أيضا شراب مقتل إذا سكنت سورته بالماء والمعنى منعهم عن ان يقاتلوا حتى اتقوا بالفرار منه والاسراع بين يديه هربا
فهـالـك وطـائع وجـالِ فاقتنص الفرسانَ بالعوالي
أراد فمنهم هالك ومنهم من اطاعه فنجا ومنهم من خرج عن داره خوفا منه وصاد فرسان الأعداء بالرماح
والعتق المحدثة الـصـقـالِ سار لصيد الوحشِ في الجبالِ
يريد السيوف القديمة الصنعة الجديدة الصقل يقول لما فعل هذا وفرغ منه قصد الطرد الذي هو باب من الهزل واللعب وسار جواب قولهلما أصاب يقول سار للصيد وهو يطأ الدم إينما ذهب لكثرة ما قتل
وفي رقاق الأرض والرمالِ على دماء الإنسِ والأوصالِ
رقاق الأرض جمع رقيق اللينة والأوصال الأعضاء
منفردَ المهرِ عن الرعـالِ من عظمِ الهمةِ لا الملالِ
الرعال جمع رعلة وهي القطعة من الخيل يقول سار منفردا عن جيشه لا يريد أن يسايره أحد وإنما كان يفعله لعظم همته لا للملالة عنهم
وشدة الضن لا الاستبـدال لم يتحركن سوى انسلالِ
أي وضنا بنفسه عن صحبتهم يفعل ذلك لا أنه يريد أن يستبدل بهم غيرهم وإذا وقفت الخيل بين يديه لم تتحرك هيبةً له والإنسلال مصدر قولك انسل أي خرج من بين أصحابه في خفية ومثله التسلل ومنه قوله تعالى يتسللون منكم لواذاً
فهن يضربن على التصهالِ كل عليلٍ فوقها مختـالِ
يقول والخيل تضرب على الصهل تأديبا لها وفوقها كل رجلٍ عليل في سكونه وتصاغره هيبةً لعضد الدولة وهو في نفسه وهمته مختال
يمسك فاه خشـية الـسـعـالِ من مطلعِ الشمس إلى الزوالِ
يقول وليس يسعل هيبةً وقد طال مقامه من الغداة إلى الزال يصف عسكره بالوقار اجلالا له
فلم يئل ما طـار غـير آلِ وما عدا فانغل في الأدغالِ
يقول لم ينج من الطير ما طار ولم يقصر من طيرانه فكيف ينجو من قصر ولم ينج أيضا ما عدا من الوحش فدخل واستتر بالأدغال وهي الأشجار الملتفة
وما احتمى بالماء والدحالِ من الحرامِ اللحمِ والحلالِ
يقول لم ينج أيضا ما تحصن بالماء وشوق الأودية مما يحل أكله ومما لا يحل والحدل كالهوة في الأرض
إن النفـوس عـدد الآجـالِ سقياً لدشت الأرزنِ الطوالِ
يقول النفوس معدة للآجال حتى تأخذها وتذهب بها ثم دعا لدشت الأرزن بالسقيا والطوال مبالغةٌ من الطويل
بين المروج الفيح والأغيالِ مجاور الخنزيرِ للريبالِ
الفيح جمع فيحاء وهو الواسعة من الأرض والأغيال جمع غيل وهو الأجمة يقول هذا الدشت بين المروج والآجام وفيه كل نوع من الصيد والحيوان فخنزيره مجاور للاسود ومجاور بالرفع خبر ابتداء محذوف كأنه قال هو مجاور وبالكسر نعت وبالنصب حالٌ
داني الخنانيص من الأشبـالِ مشترف الدبٍّ على الغزالِ
يقول أولاد الخنازير فيه قريبة من أولاد الأسد والدب فيه مشرف على الغزال لأن الدب جبلي والغزال سهلي والمشترف بمعنى المشرف يقال أشرف واشترف ومنه قول جرير، من كل مشترفٍ وإن بعد المدى، يريد من كل فرس مشرف مرتفع
مجتمع الأضداد والأشكال
يقول الأضداد والأشكال موجودة في هذا المكان كالثعالب والأرانب والظباء هذه اشكال بعضها لبعض وهي أضداد للسباع المفترسة والسباع أشكال
كأن فــنـــاخـــســـر ذا الإفـــضـــال خاف عليها عوز الكمالِفجاءها بالفيل والفيالِ
يقول كان الممدوح خاف على هذه البقعة أن لا تكون كاملةً فجاءها بما لم يكن فيها وهو الفيل ليكمل أمرها باجتماع الحيوانات فيها
فقيدت الأيل في الـحـبـالِ طوع وهوق الخيل والرجالِ
الأيل جمعه أيايل وهي الشاةُ الجبلية والأيل بضم الهمزة جمع لبنٍ آيلٍ أي خاثر يقول صيدت الأيائل بالحبال والأوهاق حتى صارت طوعا لها تقاربها
تسير سير النعم الأرسال معتمةً بيبس الأجـذالِ
يقول تسير الأيائل في الحبال كما تسير الإبل لينة السير بعد أن صيدت وكانت شديدة العدو قبل ذلك وجعلها وهي ذات قرون كبارٍ ملتفةٍ كأنها قد اعتمت بأعواد يابسة والإرسال جمع الرسل وهو القطيع من الإبل والأجذال جمع جذل وهو الشجرة
ولدن تحت أثقل الأحمالِ قد منعتهن من التفالي
قال ابن جنى يعني بأثقل الأحمال الجبال قال ابن فورجة إلا يكفي من الحمل الثقيل القرون ذوات الشعب التي تقطع فيحمل الواحد منها حمارٌ أو رجل فأثقل الأحمالِ على قول ابن فورجة القرون وقول ابن جنى اظهر لأنها ولدت ولا قرون لها ومن البعيد أن يراد قرون أبويها ثم ذكر أن القرون قد منعتها من أن تفلي الرأس لأنها معوجة
لا تشرك الأجسام في الهزالِ إذا تلفتن إلـى الأظـلالِ
أرينهن أشـنـع الأمـثـالِ كأنما خـلـقـن لـلإذلالِ
يقول القرون لا تشارك الجسم في الهزال وإذا التفتن إلى أظلال قرونهن أرينهن اقبح الصور وكأنما خلقت القرون للإذلال لأنها تذل من نسب إليها وهو أن الجاهل يقال له قرنان وهو قوله
زيادةً فـــي ســـبة الـــجـــــهـــــــالِ والعضو ليس نافعاً في حالِلسائر الجسم من الخبالِ
يريد بالعضو القرن ولا يسمى القرن عضوا وليس القرن من جملة الأعضاء ولعله أطلق عليه هذا الأسم لمجاورته العضو يقول إذا كان في الجسم فساد فإن عظم القرن لا ينفع والخبال الفساد يقول هذا عضو لا ينفع باقي الجسم من الفساد
وأوفت الفدرُ من الأوعال مرتدياتٍ بقسيٍّ الضالِ
أوفت اشرفت من فوق الجبال والفدر المسنة من الأوعال واحده فادر وفدور ومنه قول الراعي، وكأنما انتطحت على اثباجها، فدر تشابه قد تممن وعولا، وجعلها وهن ذوات قرون كأنها قد أرتدت بالقسي والضال السدر البري وربما تعمل منه القسي شبه انعطاف قرونها بقسي الضال
نواخس الأطراف للأكفال يكدن ينفذن من الآطالِ
يقول أطراف هذه القرون تنخس اعجازها أي تصيبها وتضربها وتكاد لطولها تنفذ من خواصرها
لها لحى سـودٌ بـلا سـبـالِ يصلحن للإضحاك لا الإجلالِ
يقول لها شعور قد تدلت من اعناقها كأنها لحى لا تتصل بالسبال لأن الأعناق اختصت بها وتلك اللحى إنما تصلح لان تضحك لا لأن تبجل وتعظم
كل أثيثٍ نبتهـا مـتـفـالِ لم تغذ بالمسك ولا الغوالي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
أبو محمد الأزهري
Admin
avatar


عدد المساهمات : 160
تاريخ التسجيل : 17/12/2011
العمر : 40

شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ديوان المتنبي   شرح ديوان المتنبي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 12, 2014 12:44 pm

ترضى من الأدهان بالأبوال ومن ذكي الطيب بالدمالِ
أثبت كثير النبات والمتفال المنتنة الريح من التفل وهو النتن والدمال السرجين
لو سرحت في عارضي محتالِ لعدها من شبكـات الـمـالِ
يقول هذه اللحى لو سرحت فكانت في عارضي ذي حيلة لكانت له شبكة للمال لأن ذا اللحية الطويلة يعظم ويضن به الخير ويؤتمن وإذا كان محتالا خان الأمانة وفاز بها وتسريح الشعر تخليص بعضه من بعض
بين قــضـــاة الـــســـوء والأطـــفـــال شبيهةُ الإدبار بالإقبالِلا تؤثر الوجهَ على القذالِ
يقول تكون شبكة للمال بين قضاة السوء والأطفال لأن القاضي السوء يجر إلى نفسه مال الطفل بطول لحيته ثم قال إذا استدبرت هذه اللحى رأيتها كما تستقبلها وهي عريضة تعم الوجه والقذال
فاختلفت في وابلـي نـبـالِ من أسفلِ الطودِ ومن معالِ
يقول رشقت هذه الإيائل بالنبال من أعلى الجبل وأسفله فهي تجيء وتذهب منها في نبال كالمطر يأتيها من كل جانبٍ
قد أودعتها عتل الرجـالِ في كل كبدٍ كبديْ نصالِ
العتل القسي الفاسية واحدتها عتلة والرجال جمع راجل يقول قسي الرجل قد أودعت اكبادها كبد النصل وهو ما بين العبرين
فهن يهوين من الـقـلالِ مقلوبة الأظلافِ الإرقالِ
يقول فهن يسقطن من أعالي الجبال منحدرةً على ظهورها فاظلافها صارت مقلوبةً وإرقالها كان على أظلافها فصار على ظهرها والأرقال ضرب من العدو ويقال أرقلت الناقة إذا سارت على السرعة
يرقلن في الجو على المحالِ في طرقٍ سريعةِ الإيصالِ
المحال فقار الظهر واحدتها محلة يقول هي تعدو في الجور نازلةً على ظهرها في طرقٍ تسرع إيصالها إلى الأرض
ينمن فيها نيمة المكـسـالِ على القفي أعجل العجالِ
يقول ينمن في تلك الطرق كما ينام الكسلان لما كانت على اقفائها جعلهن كالنائم المستلقي ولكنهن في ذلك اعجل العجال لسرعة هويهن وروى ابن جنى الكسال جمع الكسلان وعجال جمع عجل وعجلان
لا يتشكين من الـكـلالِ ولا يحاذرن من الضلالِ
أي لا يصيبهن كلال في تلك الطرق ولا يحذرن ضلالا لأنها تؤديها إلى الأرض بغير شك
فكان عنها سبب الترحال تشويق إكثارٍ إلى إقلالِ
يقول لما شوقه إكثاره من الصيد إلى الإقلال منه صار ذلك التشويق سبب ارتحاله عن الوحوش يريد أنه مل الإصطياد لكثرة ما صاد فصار ذلك سبب ارتحاله عنها وتقدير كلامه فكان تشويق إكثار إلى إقلال سبب الترحال عنها
فوحش نجدٍ منه في بلبـالِ يخفن في سلمى وفي قبالِ
سلمى أحد جبلي طيء وقبال جبل عالٍ بقرب دومة الجندل كذا قال ابن جنى ورواه القاضي أبو الحسن فيال قال وهو جبل في أرض بني عامر يقول وحش نجد في حزن من خوف عضد الدولة فهن يخفن في جبالها
نوافر الضباب والأروالِ والخاضبات الربد والريالِ
نوافر حال من الوحش والورل شيء شبه الضب والخاضبات الربد النعام لأنها ربد الألوان فإذا أكلت الربيع انخضبت سوقها فيسمى الظليم خاضبا ومنه قول أبي داود، لها ساقا ظليماٍ خاضبٍ، فوجىء بالرعبِ والرئالُ فراخُ النعام واحدها رأل يقول نفرت وحوش سائر النواحي خوفا منه
والظبي والخـنـسـاء الـذيال يسمعن من أخبـاره الأزوالِ
ما يبعث الخرس على السؤالِ
الخنساء المها لخنس انفها والذيال الطويل الذنب والأزوال جمع زول وهو الظريف العجب من كل شيء يقول الوحوش تسمع من أعاجيب أخبار عضد الدولة ما يبعث الخرس على السؤال عنها مع عجزهم عن السؤال
فحولها والعوذ والمتالي تود لو يتحفها بـوالِ
الحول جمع حائل وهو ضد الحامل والعوذ الحديثات النتائج جمع عائذ والمتالي جمع المتلية وهي الناقة التي يتلوها ولدها يقول أنواع الوحوش تود لو بعث إليها من يلي عليها فيذللها وروى ابن جنى فحولها على جمع الفحل
يركبها بالخطم والرحـالِ يؤمنها من هذه الأهوالِ
يقول ذلك الوالي يركب الوحش ويزمها حتى تنقاد في الأزمة والرحال وتصير آمنة من هول الطرد وما يصيبها من خوف الصيد
ويخمس العشب ولا تبالي وماء كل مسبلٍ هطالِ
ويأخذ ذلك الوالي خمس ما ترعاه الوحش من العشب وخمس ما السحاب وترضى بذلك ولا تبالي
يا أقدر السفـار والـقـفـال لو شئت صدت الأسد بالثعالي
يريد بالسفار المسافرين وهم السفر وواحد في القياس سافر مثل صاحب وصحب إلا أنه لم ينطق بسافر والقفال جمع قافل وهو الراجع من سفره كأنه قال يا أقدر الناس جميعا ذاهبا كنت أم راجعا والثعالي يريد الثعالب كما قال الآخر، لها أشارير من لحمٍ تثمرهُ، من الثعالي ووحرٌ من أرانيها، أبدل الباء من كلا الأسمين ياءً لما احتاج إلى تسكينها للشعر أبدلها ياء ليمكنه تسكينها يقول لو شئت غلبت الضعيف على القوي حتى تصيد الأسود بالثعالب
أو شئت غرقت العدى بالآلِ ولو جعلت موضعَ الإلالِ
لآلئا قتلـتَ بـالـلآلـي
الآل السراب وهو شبه الماء يقول لو شئت غرقت اعداءك بما ليس ماء ولو طعنتهم باللآلي بدل الآلال وهي الحراب قامت اللآلي في اهلاكهم مقام الحراب لأنك مظفر منصور
لم يبق إلا طرد السعالي في الظلم الغائبة الهلالِ
يقول لم يبق إلا أن تصيد الغيلان في المهامه والسعالي جمع سعلاة وهي الول والظلم الليالي التي في آخر الشهر لايطلع فيها القمر والمعنى أنك ملكت الوحوش والأنس كففت شر كل ذي غائلة فلم يبق إلا أن تخلى المفاوز من السعالي حتى لا تؤذي السائرين في الليالي المظلمة
على ظهور الإبل الأبالِ فقد بلغت غاية الآمالِ
الأبال جمع آبل وهو الذي قد اجتزأ بالرطب عن الماء ومنه قول لبيد، وإذا حركت غرزي أجمرت، أو قرا بي عدو جونٍ قد أبل، وإنما خص الإبل لأن الخيل لا تعمل في المفاوز وجعلها مكتفية عن الماء بالرطب لئلا تحتاج إلى الماء
فلم تدع منها سوى المحالِ في لا مكانٍ عند لا منالِ
يقول بلغت غاية آمالك في طلب أعدائك وملكت كل شيء يوصف بالوجود ويدرك مكانه ولم تدع إلا المعدوم الذي لا يوصف بالمكان والوجود
يا عضد الدولة والمعـالـي النسب الحلي وأنت الحالي
بالأب لا الشنف ولا الخلخال حلياً تجلى منك بالجمـالِ
يقول نسبك حلي عليك يزينك وأنت الحالي بأبيك أي صاحب الحلي لا بما تتزين به النساء من حليهن وذلك الحلي الذي هو نسبك تزين منك بالجمال والمعنى أن أباك يزينك وأنت جماله تزينه أيضا
ورب قـبـحٍ وحـلـى ثـقـالِ أحسن منها الحسن في المعطالِ
يقول رب قبيح يتحلى بحلي ثقال كان حسن المعطال أحسن منها يعني أن الحلي لا تنفع مع القبح والمعطال التي لا حلى عليها والمعنى أن غيرك ممن ليس له جوهر لا ينفعه النسبُ الشريف كالقبيح إذا تحلى ثم اكد هذا الكلام فقال
فخر الفتى بالنفس والأفعالِ من قبله بالعمِ والأخـوالِ
يقول إنما يفخر الفتى بشرف نفسه وحسن أفعال من قبل ان يفتخر بعمه وخاله والكناية في من قبله يعود إلى الفخر وقال يودع عضد الدولة وهي آخر ما قاله وتطير على نفسه في مواضع منها
فدى لك من يقصر عن مداكا فلا ملـكٌ إذا إلا فـداكـا
يقال فدى لك مفتوح مقصور وفداؤك مكسور ممدود ويجوز قصر هذا الممدود للضرورة وقوله إلا فداكا لا يجوز فيه إلا فتح الفاء لأنه فعل ماض يقول يفديك كل من لم يبلغ غايتك وإن استجيب هذا الدعاء فداك جميع الملوك لأنه لم يبلغ ملك غايتك وكلهم دونك وأخذ الصابي هذا المعنى فقال، أيهذا الوزير لا زال يفديك من الناس كل من هو دونكي، وإذا كان ذاك اوجب قولي، أن يكونوا باسرهم يفدونك
فلو قلنا فدى لك ن يساوي دعونا بالبقاء لمن قـلاد
أي لو قلنا يفديك من يساويك وتساويه دعونا بالبقاء لأعداءك لأنهم كلهم دونك ولا يساوونك
وآمنا فداءك كل نفـسٍ وإن كانت لمملكةٍ ملاد
وآمنا عطف على قوله دعونا يقول ونأمن أن يكون فداك كل نفس وإن كان ملكا كبير الشان قواما للمملكة إذا كان يفديك من يساويك
ومن يظن نثر الحب جـوداً وينصب تحت ما نثر الشباد
ومن عطف على قوله كل نفس ويظن يفتعل من الظن اصله يظتن فقلبت التاء طاء ليوافق الظاء قبلها بالأطباق والجهر وأبدلت الطاء ظار لتدغم في التي بعدها ثم أدغمت فيها فصار يظن وهذا تعريض لسائر الملوك يشير إلى أنهم يجودون لطلب العوض كمن نثر حبا نحت شبكةٍ لم يعد ذل جودا بالحب لأنه إنما نثر لأخذ الصيد الذي هو خير من الحب
ومن بلغ التراب بـه كـراه وقد بلغت به الحال السكاكا
يقول وآمنا فداك من الصقه عماه وغفلته بالتراب وإن علت رتبته وحاله من حيث المال حنى بلغ أعلى الجو
فلو كانت قلوبهم صديقـا لقد كانت خلائقهم عداكا
يقول إن والتك قلوبهم فقد عادتك أخلاقهم لأنها مضادة لأخلاقك يريد أن الملوك وإن كانوا يوادونك فإن بينك وبينهم بونا بعيدا لأنهم لم يبلغوا كرم اخلاقك ولا شرف نفسك وقد بين هذا في قوله
لأنك مبغضٌ حسباً نحيفاً إذا أبصرت دنياه ضناكا
الضناك المرأة السمينة الممتلئة باللحم أخذ من الضنك الذي هو الضيق وذلك لضيق جلدها بكثرة لحمها يقول أنت تبغض الشرف النحيف إذا كان صاحبه مثريا كثير المال يعني إذا كان بخيلا لا يكسب بماله الشرف وما يعد من المناقب والمفاخر
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سـواكـا
يقول أروح عنك وقد سددت عليَّ طريق محبة غيرك بأن جعلت حبك ختما على قلبي حتى لا ينزل فيه غيرك
وقد حملتني شكرا طويلا ثقيلا لا أطيق به حراكا
يقول أنا مثقل الحمل بشكرك كالبعير المثقل لا يستطيع التحرك والحراك اسم يقام مقام المصدر يقال حرك تحريكا وحراكا ثم يستعمل بمعنى الحركة
أحاذر أن يشق على المطايا فلا تمشي بنا إلا سواكـا
يقول احاذر على دوابي العطب لثقل ما اصحبتني فلا تمشي بنا إلا ضعيفة يقال الدواب تتساوك سواكا إذا مشت هزلى ضعيفة ومنه قول الشاعر، إلى لاله نشكو ما نرى من جيادنا، تساوك هزلى منحهن قليلُ،
لعل الله يجـعـلـه رحـيلاً يعين على الإقامة في ذراكا
الذرا الكنف والناحية يقول أرجو من الله أن يجعل هذا الفراق سببا لاقامتي عندك بان أصلح اموري وأعود إليك أو بأن أحمل أهلي إلى حضرتك فأقيم عندك فارغ البال وهذا من قول عروة بن الورد، تقول سليمى لو أقمت بأرضنا، ولم تدر أني للمقام أطوفُ،
فلو أني استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حـتـى أراكـا
يقول لو قدرت لغمضت عيني ولم أرفع بصري إلى أحد بالنظر إليه حتى أعود إليك
وكيف الصبر عنك وقد كفاني نداك المستفيض وما كفاكا
يقول كيف اصبر عنك وقد اكتفيت بما جدت عليّ ولم يكفك ذلك أي تريد أن تعطيني فوق ما أعطيتني وأنا غير مستزيد وإذا كانت الحال هذه لم أصبر عنك وأسرع وأسرع العود إليك
أتـــــــتـــــــركــــــــــــنـــــــــــــــي وعـــــــــــــــين الـــــــــــــــشـــــــــــــــمـــــــــــــــس نـــــــــــــــعـــــــــــــــلـــــــــــــــي فتـــــــقـــــــطــــــــــــع مـــــــــــــــشـــــــــــــــيتـــــــــــــــي فـــــــــــــــيهـــــــــــــــا الـــــــــــــــشـــــــــــــــراكـــــــــــــــا
يقول إذا كنت بحضرتك كنت من الرفعة كمن انتعل عين الشمس وإذا ارتحلت عنك قطع مشيتي شراك تلك النعل فيزول عني سبب الرفعة وقوله أتتركني معناه أأتركك وهو استفهام إنكار أي لا أتركك ولكن من تركته فقد ترك فقلب الكلام كما قال الآخر، كأنما أسلمت وحشيةٌ وهقا، والوهق يسلم الوحشية ومثله كثير
أرى أسفي وما سرنا شديدا فكـــــــــــــــيف إذا غـــــــــــــــدى الـــــــــــــــســـــــــــــــير ابـــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــراكـــــــــــــــــــــــــــــــا
الأبتراك سرعى السير يقول أنا شديد الأسد ولم أسر بعد فكيف يكون أسفي إذا اسرعنا في السير وهذا من قول اشجع السلميّ، فها أنت تبكي وهم جيرةٌ، فكيف يكون إذا ودعوا، لقد صنعوا بك ما لا يحل، ولو راقبوا الله لام يصنعوا، أتطمع في العيش بعد الفراق، محالٌ لعمرك ما تطمع، ومثله قول آخر، لقد كنت أبكي خيفةً لفراقهِ، فكيف إذا بان الحبيب فودعا،
وهذا الشوق قبل البين سـيف وها أنا ما ضربت وقد أحاكا
يقول الشوق عليّ كالسيف أي يعمل عمله وقد أثر فيّ وما ضربت به بعد ويروي ومما أنا إذ ضربت
إذا التوديع أعرض قال قلبـي عليك الصمت لا صاحبت فاكا
يقول إذا ظهر التوديع قال لي قلبي أسكت ولا تتكلم بالوداع ويجوز أن يكون المعنى لا تمدح غيره ومعنى لا صاحبت فاكا أي لا نطقت
ولولا أن أكثر ما تمنى معاودةٌ لقلت ولا مناكا
أي ولولا أن أكثر ما تمنى قلبي أن يعاود حضرتك لقلت له ولا بلغت أنت أيضا مناك في الإرتحال حتى لا أفارقه ولكنه يتمنى الإرتحال للعود إلى الممدوح
وقد استشفيت من داءٍ بداءٍ وأقتل ما أعلك ما شفاكا
يقول لقلبه استشفيت من داء النزاع إلى الأهل والوطن بداء الفراق من الممدوح وما شفاك من داء النزاع هو أقتل مما اعلك أي تداويت من فراقه بما هو اقتل لك من نزعك إلى أهلك
فأستر منك نجوانا وأخـفـي هموما قد أطلت لها العراكا


يقول استر عنك يا عضد الدولة ما يجيري بيني وبين القلب ن المناجاة واخفي عنك هموم فراقك التي قد اطلت مزاحمتها ومغالبتها
إذا عاصيتها كانـت شـدادا وإن طاوعتها كانت ركاكا
أي إذا عاصيت هذه الهموم في فراق الممدوح اشتدت عليّ وإن طاوعتها في الإقامة عنده سهلت شدتها وصارت ركيكةً ويمكن أن يحمل على هموم الأهل والولد فيقول إذا عصيت هذه الهموم وأقمت عندك اشتدت عليّ وإن اطعتها في الإرتحال سهلت ولأنت
وكم دون الثوية من حزينٍ يقول له قدومي ذا بذاكا
الثوية مكان بالكوفة يقول كما دونها من إنسان حزين لفراقي إذا قدمت سر بقدومي فيقول له القدوم هذا السرور بذلك الغم الذي لقيته بغيبته كما قال الطائي، وليست فرحة الأوباتِ إلا، لموقوفٍ على ترحِ الوداعِ،
ومن عذب الرضاب إذا أنخنا يقبل رحل تروك والوراكا
تروك اسم ناقة حمله عليها عضد الدولة والوراك شيء يتخذه الراكب كالمخدة تحت وركه وجمعه وركٌ ومنه قول زهير، إلا القطوع على الأجواز والورك، يقول كما هناك من شخص عذب الرضاب إذا أنخت إليها ناقتي قبل رحلها لأنها أدنتني منه
يحرم أن يمس الطيب بعدي وقد عبق العبير به وصاكا
صاك الشيء بالشيء إذا لصق به يقول لم يمس بعدي طيبا حزنا على فراقي ومع ذلك تشمُ منه روائح الطيب حتى كان العبير قد لصق به
ويمنع ثغره من كان صب ويمنحه البشامة والأراكا
أي لا يصل إلى ثغر عاشق لعفته وتصونه ويمنح ثغره السواك المتخذ من هذين الشجرين والشامة يستاك بفرعها ومنه قول جرير، أتنسى إذ تودعنا سليمى، بفرع بشامةٍ سقي البشامُ، وكذلك الأراك وذكره كثير في الأشعار
يحدث مقلتيه النوم عـنـي فليت النوم حدث عن نداكا
يقول إذا نام رأى خيالي في النوم فليت نومه حدثه عن إحسانك إليّ ليعذرني في المقام عندك
وأن البدن لا يعـرقـن إلا وقد أنضى العذافرة اللكاكا
يعرقن يأتين العراق والعذافرة الناقة الشديدة ومنه قول العبدي، عذافرة كمطرقة القيون، واللكاكا المكتنزة اللحم يقول ليت النوم حدثه أن ركابنا لا تبلغ العراق إلا وقد اهزلها ثقل ما حملت من نداك وانضى فعل نداك
وما أرضى لمقلته بحلـمٍ إذا انتبهت توهمه ابتشاكا
أي وإن حدثه النوم فلست أرضى له بحلم يتوهمه كذاب عند الإنتباه والبشك ولابتشاك الكذب
ولا إلا بأن يصغى وأحكى فليتك لا يتيمه هـواكـا
روى ابن جنى فليته وهو على حذف الأشباع كما أنشده سيبويه، وما له من مجد تليد وذكرنا مثل هذا في قوله، تعثرت به في الأفواه السنها، يقول ولا أرضى بشيء إلا بأن يستمع إليّ واحكي له فليته لا يصير متيما بحبك إذا حكيت له إحسانك وإنعامك لأن الإحسان يستبعد الإنسان
وكم طربِ المسامعِ ليس يدري أيعجب من ثنائي أم علاكـا
يقول وكم من إنسان تطربُ مسامعه إذا سمع شعري فيك ولا يدري أيتعجب من حسن ثنائي عليك أم من علوك يعني أن كلاهما عجب
وذاك النشر عرضك كان مسكاً وهذا الشعر فهري والمداكا
النشر الرائحة الطيبة ويريد به الثناء يقول ذاك الثناء الطيب الرائحة هو عرضك كان بمنزلة المسك وكان الشعر بمنزلة الفهر وهو الحجر الذي يستحق به الطيب والمداك وهو الصلابة التي يستحق عليها الطيب وطيب المسك إنما يظهر منهما كذلك رائحة الثناء إنما تفوح بالشعر وهذا من قول ابن الرومي، وما ازداد فضل فيك بالمدح شهرةً، بلى كان مثل المسك صادف مخوضا، والمخوض الذي يحرك به الطيب وذاك لا يزيد الطيب فضلا بل يظهر رائحته كذلك هذا الشعر يظهر فضائل الممدوح للناس ولايزيده فضلا
فلا تحمدهما وأحمد هماماً إذا لم يسم حامدهُ عناكـا
يقول لا تحمد الفهر والمداك اللذين جعلتهما مثلا لشعري وأحمد نفسك فإنك تستحق الحمد بخصالك الحميدة وقوله إذا لم يسم حامده عني نفسه يقول إذا لم أسم الممدوح في شعري كنت أنت المعنيّ به
أغر له شمائلُ من أبـيهِ غداً يلقى بنوك بها أباكا
يقول أنت ورثت شمائل أبيك وكما ورثتها أباك ورثها ابناءك فهم يلقون أباك بتلك الخلائق التي ورثوها منك وحقه أن يقول أباهم لكنه قال أباك إشارةً إلى أنهم لم يبلغوا بعد رتبتك حتى يشبهوك بل يشبهون أباك
وفي الأحباب مختصٌ بوجدٍ وآخر يدعى معه اشتراكا
أي يشتبه حال الأحباب ففيهم من يكون حزينا مخصوصا بوجدٍ وقد يكون فيهم من يدعي الاشتراك في الوجد ولا يكون لدعواه حقيقةٌ وإنما يعني أنه غير مدخول المحبة بل هو صحيح الموالاة ليس كمن يدعي الأشتراك من غير حقيقةٍ
إذا اشتبهت دموعٌ في خـدودٍ تبين من بكى ممن تبـاكـا
أذمت مكرماتُ ابي شجـاعٍ لعيني من نواي على أولاكا
روى ابن جنى وابن فورجة نواي بالنون قال ابن جنى أي منعت مكرماته عيني أن تجري منها دموع كاذبةٌ وأختار البعد عنه والمقام دونه وقال ابن فورجة يريد أن مكرمات ابي شجاع تذم لعيني على أهلي الذين اقصدهم من نواي عنك أي أشتهي ابدا ملازمتك والبعد عن اولئك فيكون الذمام إذن على اهله لعينه وهم الخائفون من نوى أبي الطيب وهذا كما تقول أذم لهند على عاشقها من الوصول إليها لزومها البصرة أي لها ذمام من الوصول إليها ما دامت بالبصرة على عاشقها فعاشقها لا يصل إليها ما دامت هناك هذا الذي حكيت كلامهما ولم يظهر معنى البيت ببيانهما ومعنى أذم له على فلان إذا منعه منه واجاره عليه كما قال، هم ممن اذم لهم عليه، كريم العرقِ والنسبُ النضارُ، أي منعهم منه يقول مكرماته منعت عيني وعقدت لها عقدا على أهلي من فراق عضد الدولة ويكون على من صلة أذمت وروى من ثواي مقصور الثواء بمعنى المقام والمعنى مكرماته اذمت لعيني من المقام عليهم أي عقدت لعيني عقدا يؤمنها من النظر إلى اؤلئك يريد أنها قصرتها على عضد الدولة فلا تنظر إلى غيره وعلى يكون من صلة الثواء
فزل يا بعد عن أيدي ركابٍ لها وقع الأسنة في حشاكا
يقول للبعد تنح عن أيدي هذه المطايا فإنها تقطعك كما تقطع الأسنة الحشا
وأيا شئت يا طرقي فكوني أذاةً أو نجاةً أو هلاكـا
هذا كلام ضجر يقول لطريقه كوني كيف شئت فإني لا أبالي وإن كان الهلاك في سلوكك
فلو سرنا وفي تشرين خمسٌ رأوني قبل أن يروا السماكا
هذا كلام فيه حذف وتقديم وتأخير وتقديره فلو سرنا في تشرين وقد مضت منه خمس ليال وإذا أخل الحذف بالكلام ولم يظهر المعنى لم يجز والسماك يطلع لخمسٍ خلون من تشرين الأول وهذا مبالغة في ذكر سرعة السير والرجوع إلى أهله يقول لو أخذت في السير وأخذ السماك في الطلوع لسبقته بالطلوع عليهم وهم بالكوفة كأنه قال اسبق النجم بسرعة السير
يشرد يمن فناخسـر عـنـي قنا الأعداء والطعن الدراكا
وألبس من رضاه في طريقي سلاحاً يذعر الأبطال شاكا
يقول رضاه لي بمنزلة السلاح الذي يخوف الأبطال ويقال سلاح شاك بمعنى شائك أي ذو شوك وهذا كما يقال كبش صاف ويوم طان على حذف العين ومنه قول مرحب اليهودي، شاك السلاح بطلٌ مجربُ،
ومن أعتاض منك إذا افترقنا وكل الناس زور ما خلاكا
هذا كقول عمران ابن حطان، أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه، ما الناس بعدك يا مرداسُ بالناس، ومثله لأبي الطيب، إنما الناس حيث أنت البيت
وما أنا غير سهم في هواء يعود ولم يجد فيه امتساكا
يقول أنا في الخروج من عندك وقلة اللبث في أهلي كالسهم يرمي به الهواء فيذهب وينقلب إلى الرمي سريعا قال ابن جنى لم يقل في سرعة الأوبة وتقليل اللبث هكذا في المبالغة هذا كلامه والبيت مدخول ولم يعرف ابن جنى وجه فساده وهو أن كل سهم رمى به فهو في هواء ولا يعود إلى ما عولي منه ولم يذكر في البيت ما يدل على أنه أراد الهواء العالي
حين من إلـهـى أن يرانـي وقد فارقت دارك واصطفاها
روى ابن جنى واصطفاك بكسر الطاء قال الاصطفاء ممدود فقصره واحتج عليه باحد عشر بيتا كله مستغنى عنه لأن قصر الممدود في الشعر اشهر من أن يحتاج فيه إلى ذكر الشواهد وانكر ابن فورجة هذه الرواية ورواه مفتوح الطاء على الفعل وقال لم يستحيي من الله تعالى إذا فارق داره واخيتاره إياه أعني اختيار الممدوح للمتنبي بل لا وجه حيائه في فعله ذاك إذ ليس لك من فارقه وزهر في اختياره إياه ارتكب حوبا وإنما يستحيي من الله تعالى إذا فارق دار الممدوح والله تعالى قد اصطفاه واختاره على خلقه فكل من فارقه يجب أن يستحيي من خالقه هذا لعمري موضع حياء على مذهب الشعراء وللشعراء في تعظيم الممدوح وإظهار الرغبة فيه مذهب مشهور لا ينكر وقال أيضا لا معنى لحياء المتنبي من الله تعالى إذا فارق دار عضد الدولة واصطفاءه بل يجب أن يتقرب إلى الله تعالى بتلك المفارقة والزهد في داره وإنما يقول أنا حييٌّ من الهي أن أفارقك وقد اصطفاك الله تعالى إذ ذكر اصطفاءه له ولو لم يذكره لكان لا تخلص له من الحياء من الله تعلا بمفارقة دار عضد الدولة هذا كلامه على هذا البيت في كتابيه التجني والفتح وهو صحيح والمعنى على ما قاله والرواية الصحيحة فتح الطاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

منقوووووووووول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3ilme.yoo7.com
 
شرح ديوان المتنبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أهل القرآن. :: الأقسام العلمية :: اللغة العربية وعلومها-
انتقل الى: