السؤال:
أحسنَ الله إليكم يقول: هل يجوز أن نقول في هذا الزمن وقعَ في السلفية فتنةٌ؟
الجواب: ( للعلامة عبيد الجابري حفظه الله )
أمَّا في الهدي فلا، السلفيون الذين هُم سلفيون على السُّنة المَحضة في الهَدي ليس بينهُم شيء، في أصول الدين ليس بينهم خلاف - ولله الحمد-، وإنما قد يختلفونَ في بعض المسائل، تنطلي على بعضهم، مثلًا بعض السلفيين؛ المُنتسبُ للسلفية لا يرون الردود؛ هذا خطأ وهذا بدعة منه، وقد قدمت لكم الأدلة آنفًا، لكن إذا أصبح يوالي ويعادي في ما هو عليه فهو وقع في البدعة، انحرف من السُّنة إلى البدعة؛ كأن يستميت في الدفاع عن شخص استبانت أخطاؤه ورُدَّ عليه ردًّا علميًا لا مجال فيه؛ فهذا يدافع عنه وينافح ويجادل ويُجالد! هذا وقع في البدعة، ومن ذلكم اختلاف بعض أهل السُّنة في أمور فرعية قد تكون فقهية وقد تكون من العقيدة، هذه الفروع يعني إذا أصبح المخالف للآخر يعني يُشَنّع عليه ويُبَكّته ويوبّخه ويُعاديه نقول دخل في البدعة، وقع في البدعة انحرف لنا وجدنا أن السلف قد اختلفوا في مسائل فرعية من العقيدة، من ذلكم اختلاف أهل العلم نحن نعني أهل السنة في العرش والقلم؛ أيهما كان السابق؟ فطائفة قالت بأولية العرش، وطائفة أخرى قالت بأولية القلم، وكِلَا الفريقين له دليله، فلم يُثَرّب بعضهم على بعض أبدًا، مع أن أهل السنة مجمعون على أن الأصل أن القلم والعرش أول المخلوقات.
مثال آخر في العقيدة: اختلافهم – رضي الله عنهم ورحمهم- في هل رأى محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم- ربّه ليلة الإسراء؟ هم متفقون على الإسراء والمعراج، لكن اختلفوا في هذا؛ هل رأى ربه؟ مُتّفقون على أن الله كَلَّمه وأوحى إليه ما أوحى لكن اختلفوا هل رآه أو لا؛ فعائشة ومن أخذ بقولها – رضي الله عنهم جميعًا – يقولون لم يرَ ربه، وكانت عائشة تُشَنِّع تقول: ((مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ))، وفي لفظ قالت: ((فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ))، واستشهدت بأدلة نختصرها، ويوافق قولها قول أبي سعيد الخدري وغيره – رضي الله عنهم- عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- سئل هل رأيت ربك؟ قال: ((رأيت نورًا لو ظهرت سُبُحَات وجهه لأَحْرَقَ ما انتهى إليه بصره)) صَدَقَ – صلَّى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما-: ((إِنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ)) ومرة قال: ((مَرَّتَيْنِ))، فجمع أهل العلم بحمل النفي في حديث عائشة وما وافقه بنفي الرؤية البصرية، وجمعوا الإثبات في قول ابن عباس – رضي الله عنه- على الرؤية بالقلب، والخلاصة أنه رأى ربه بقلبه لا ببصره، فما وجدنا أحد من الطرفين يُثَرِّب على الآخر تثريبًا يوصله أن يعاديه ويوالي من كان على ما ذهب إليه، وأمثلة كثيرة جدًا.
ومن الفقهية: هل الخرور على الخرور بعد الرفع من الركوع على اليدين أو الركبتين؟ ذهبت طائفة إلى أنه على الركبتين وذهبت أخرى إلى أنه على اليدين، والكل يحترم الآخر، وذكرت لكم تارك الصلاة تهاونًا، وأن أهل العلم فيهِ على قولين: ما بين مُفَسِّقٍ، ومُكَفِّر، والكُلُّ لم يحمل على الآخر، فالمُكَفِّرة لم يصفوا المُفَسّقين له بأنهم مرجئة، مع أنه ترك الصلاة تهاونًا، متفقون على هذا الترك، وهؤلاء المُكَفِّرون لم يصفوا المُفَسِّقين بأنهم مرجئة، والمُفَسِّقون لم يَصِفُوا المُكَفِّرين بأنهم خوارج، وإنما هذا ظهر مع نابتة الحدادية. نعم.
المصدر مع الملف الصوتي
من قسم الفتاوى بموقع ميراث الأنبياء