الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
المرفوع والموقوف والمقطوع، يقول -رحمه الله تعالى-:
و مَا أُضِيفَ للنَّبِي المَرْفُوعُ *** وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ
« الشَّـرْحُ » :
كل ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف هو المرفوع، يسمونه المرفوع، وما أضيف للتابعي فمن دونه يسمونه مقطوع، بينهما مرتبة وهي الموقوف، الموقوف : ما يضاف إلى الصحابي هو الموقوف، فما يقال فيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو فعل رسول الله، أو فعل بحضرته وأقر، كل هذا مرفوع، وما يضاف إلى الصحابي هو الموقوف، وما يضاف إلى التابعي فمن دونه هو المقطوع، والمقطوع غير المنقطع، فالمقطوع نسبة، وإن كان بسند متصل هذا المقطوع، نسبة بحيث ينسب إلى التابعي، قال الحسن: كذا، أو فعل كذا، أو ابن سيرين، أو سعيد بن المسيب أو غيرهم من التابعين، يقال: هذا خبر مقطوع، وإن كان إسناده متصلاًَ، والمرفوع: ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان إسناده منقطعاً، وكذلك ما يضاف إلى الصحابي يقال له: موقوف، سواء كان إسناده متصلاًَ أو منقطعاً، كل هذا يقال له: مرفوع وموقوف ومقطوع.
وَ المُسْنَدُ المُتَّصِلُ الإِسْنَادِ مِنْ *** رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَ لَمْ يَبِنْ
« الشَّـرْحُ » :
المسند : اسم مفعول من الإسناد، ويطلق بإزاء الإسناد والسند، ويطلق ويراد به الكتاب الذي رتبت أحاديثه على أسماء الصحابة كمسند أحمد، ويطلق على الكتاب الذي يروى بالأسانيد، ولو كان ترتيبه على الأبواب، كما في تسمية صحيح البخاري (الجامع الصحيح المسند) لأن أحاديثه مسندة، ويطلق ويراد به المرفوع، ويطلق ويراد به المتصل الإسناد، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً كله مسند، ويطلق ويراد به المرفوع المتصل الإسناد، المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد متصل، ولذا يقول :
" وَ المُسْنَدُ المُتَّصِلُ الإِسْنَادِ مِنْ *** رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَ لَمْ يَبِنْ " ولم يبن، أي لم ينقطع، إذا عرفنا أنه متصل الإسناد، اتصل إسناده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو متصل الإسناد، ومرفوع في آن واحد، فجمع بين الأمرين، فمنهم من يقول: المسند ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل، ومنهم من يقول: ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو بإزاء المرفوع، ولو كان بسند منقطع، ومنهم من يقول: ما اتصل إسناده سواء أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من دونه، فالخلاف قائم بين أهل العلم، لكن أحياناً يطلق فيما يقابل الموقوف، فيقال: أسنده فلان، ووقفه فلان، وحينئذ يكون المراد به المرفوع؛ لأنه مقابل بالموقوف، وحيناً يقال: أسنده فلان، وأرسله فلان، فالمراد بالإسناد هنا اتصال السند " مِنْ رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى -عليه الصلاة والسلام- وَ لَمْ يَبِنْ " يعني لم ينقطع.
و مَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ *** إِسْنادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ
" و مَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ " بسمع، خص الاتصال بما يسمعه كل راوٍ ممن فوقه، لكن هل طرق التحمل خاصة بالسماع ؟ لا، هناك طرق للتحمل غير السماع، نعم الأصل في الرواية السماع، الأصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحدث والصحابة يسمعون، ويتلقون عنه، هذا الأصل، لكن دل حديث ضمام بن ثعلبة أن القراءة على الشيخ تعطي اتصال، وهي التي تسمى العرض، فالسماع من لفظ الشيخ طريق معتبر بالإجماع، القراءة على الشيخ طريق معتبر للتحمل بالإجماع، المسائل المختلف فيها: الإجازة، المناولة، إلى آخر الطرق المعروفة، النبي -عليه الصلاة والسلام- كتب لأمير السرية كتاباً وناوله إياه، وقال: « لا تقرؤه حتى تبلغ كذا » استدل به أهل العلم على صحة الرواية بالمناولة، وكتب إلى الأقطار والملوك كُتب، فصححوا الرواية بالمكاتبة، على كل حال طرق التحمل لا تقتصر على السماع.
وقوله: " و مَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ " يعني بكل طريق من طرق التحمل المعتبرة، " إِسْنادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ " المتصل: ما يتصل إسناده بحيث يكون كل راوٍ من رواته تحمله ممن فوقه بطريق معتبر، وهذا أشمل، فكل ما لم يتوافر فيه هذا الوصف فهو المنقطع، كل ما توافر فيه هذا الوصف فهو المتصل، سواء كان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو إلى الصحابي، فيكون الأول: متصل مرفوع، والثاني: متصل موقوف، لكن إذا اتصل الإسناد إلى التابعي، عرفنا أن ما يضاف إلى التابعي يسمى إيش؟ مقطوع، إذا اتصل الإسناد إلى التابعي هل نقول: متصل مقطوع؟
طالب:.......
الشَّيْخ الخُضَيْر : لماذا؟ قلنا: متصل مرفوع؛ لأنه اتصل الإسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقلنا: متصل موقوف؛ لأنه اتصل إسناده إلى عمر، إلى أبي بكر، إلى عثمان، إلى أبي هريرة إلى غيرهم من الصحابة، متصل موقوف، لكن اتصل الإسناد إلى سعيد بن المسيب، اتصل الإسناد إلى الحسن البصري، اتصل الإسناد إلى ابن سيرين، هل نقول: متصل مقطوع؟ هو اتصل إلى التابعي، وما يضاف إلى التابعي يقال له: مقطوع، وش المانع ما نقول متصل مقطوع؟ مثل ما قلنا: متصل مرفوع ومتصل موقوف، نقول: متصل مقطوع؟
طالب:.......
الشَّيْخ الخُضَيْر : لا، لا، هو مقطوع، يسمونه مقطوع، مو اتفقنا أن ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمى مرفوع-عليه الصلاة والسلام-، وما يضاف إلى الصحابي يقال: موقوف، وما يضاف إلى التابعي يقال له: مقطوع، أنت الآن بنفسك تروي عن شيخك فلان عن شيخك فلان إلى الشيخ في الطبقة الرابعة مثلاً، ما هو بإسنادك متصل إلى هذا الشيخ؟ إحنا نروي مثلاً بإسنادنا إلى الحسن البصري، وما يضاف إلى الحسن البصري يقال له: مقطوع، نعم، ألا نقول: إننا نروي بسند متصل مقطوع؟ ورآك؟
طالب:.......
الشَّيْخ الخُضَيْر : لا، لا، هذي نسبة، وهذي نسبة، محنا قسمنا الأخبار إلى ثلاثة أقسام: مرفوع، موقوف، مقطوع، دعنا من المنقطع غير، ما نقول: متصل منقطع هذا تنافر، نعم، هذا تناقض ما هو بتنافر فقط، هذا تناقض لو قلنا: متصل منقطع، هذا إيش؟ تناقض، لكن إذا قلنا: متصل مرفوع، متصل موقوف، متصل مقطوع، هذي مجرد نسبة، يمكن وإلا ما يمكن؟ الآن كل واحد تلقاه عمن فوقه بطريق السماع، كل واحد سمعه بأذنه إلى الحسن البصري ما هو متصل؟ ما يضاف إلى الحسن البصري إيش نسميه؟ مقطوع، انتهينا من هذا، فهل نقول: متصل مقطوع وإلا ما نقول؟ نعم، يعني مثل ما نقول: موقوف على الصحابي مقطوع هذا، غير منقطع مقطوع غير منقطع، وهذا قررناه في أبيات مضت.
" و مَا أُضِيفَ للنَّبِي المَرْفُوعُ *** وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ "
لكن إذا رويناه بسند متصل إلى التابعي ماذا نقول؟ متصل مقطوع مثل ما نقول: متصل مرفوع ومتصل موقوف؛ لأنه مجرد نسبة، طيب بعضهم يقول: لا ما نقول، لماذا ما نقول؟ يقول: فيه تنافر لفظي، ما هو بتناقض لا ما في تناقض، ما قلنا: متصل منقطع، لا هذا تناقض، لكن متصل مقطوع يقول: تنافر لفظي، ولم يروا أن يدخل المقطوع يعني في المتصل لمجرد التنافر اللفظي وإلا ما في تناقض كلامنا صحيح، ماشي ما فيه تناقض، لكن إذا انفكت الجهة، ولو جئنا بلفظين متنافرين إيش المانع؟ إذا قلت: جاء زيد الطويل القصير يصح وإلا ما يصح؟ طويل عمره، عمره مائة سنة، وقصير قامته، يصح وإلا ما يصح؟ يصح وإلا لا؟ لانفكاك الجهة، ﴿ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ ﴾ [ سورة الحج، الآية : 4 ] تبي تقول: هذا تنافر بعد، نعم، انفكت الجهة فصح اللفظان المتضادان لانفكاك الجهة، فهنا انفكت الجهة يصح الإطلاق، لكن يقول بعضهم: إن هذا تنافر، متصل مقطوع هذا وش معنى الكلام هذا؟ لكن مع انفكاك الجهة يصح الإطلاق، ولا فيه أدنى إشكال، مثل ما تقول: جاء زيد الطويل القصير، وش المانع؟ نعم، لكن كل ما قربت المسألة من اتحاد الجهة، لو يدخل شخص طوله مترين تقول: جاء زيد الطويل القصير، عمره مائة طويل، لكن قامته طويلة، تبي تقول: قصير من أي جهة؟ أنت عندك في ذهنك شيء، عمره طويل مائة سنة، من حيث السنين طويل، لكن من حيث البركة قصير، هذا في الحقيقة تنافر، لماذا؟ لأن المشاهد لهذا الرجل ما يخطر بباله ما تريد، لكن إذا دخل مثلاً طوله متر وعمره مائة، أنت بتقول: طويل قصير السامع أول ما يشاهد الشخص بيفهم كلامك، نعم الجهة قد تكون منفكة في الظاهر فيصح الإطلاق، منفكة عندك في الباطن ما يعرفه إلا أنت، نعم، لا يعرفه إلا أنت، تقول: جاء زيد، أو رأيت أسداً، وهو من أجبن الناس، تقول: رأيت أسداً، نعم إذا كان شجاعاًً الناس بيوافقونك على أنه أسد، لكن أنت لك ملحظ تقول: رأيت أسد، من أي جهة وهو من أجبن الناس؟ من أي جهة؟ أبخر، ينبعث منه رائحة كريهة، هذا فيه بعد، بعد بحيث ما يقبله السامع، أنت لا تجيب كلام ما يقبله الناس، نعم، تنتقد إذا أتيت بكلام لا يقبله الناس في الظاهر، لكن إذا أتيت بكلام مقبول فالاصطلاحات والاستعمالات الشرعية واللغوية والعرفية كلها موجودة ﴿ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ ﴾ يقولك بعد تنافر، لكن هذا ليس بتنافر؛ لأن الجهة منفكة.
قال -رحمه الله-:
و مَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ *** إِسْنادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ
مسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أمَا وَ اللهِ أَنْبَانِي الفَتَى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِمَا *** أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
عزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَة *** مَشْهُورُ مَروِيْ فَوْقَ مَا ثَلاَثَة
معَنْعَنٌ كَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ *** وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ
وَ كُلُّ ما قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ *** وَ ضِدُّهُ ذَاكَ الَّذِي قَدْ نَزَلاَ
وَمَا أَضَفْتَهُ إِلَى الأَصْحَابِ مِنْ *** قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ مَوْقُوفٌ زُكِنْ
وَمُرْسَلٌ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ سَقَطْ *** وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ
وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَالِ *** إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصَالِ
وَالمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ *** وَمَـا أَتَى مُدَلَّـساً نَوْعَانِ
الأوَّلُ الإسْقُاطُ للشَّـيْخِ وَأَنْ *** يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوقَهُ بِعَنْ وَأَنْ
وَالثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لٰكِنْ يَصِفْ *** أوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ يَِنْعَـرفْ
وَمَا يُخالِفْ ثِقَةٌ بِهِ المَلاَ *** فَالشَّاذُ وَالمَقْلُوبُ قِسْمانِ تَلاَ
إِبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْـمُ *** وَقَلْـُب إِسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِسْـمُ
« الشَّـرْحُ » :
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أنواع من أنواع علوم الحديث، وترتيبه لهذه الأنواع يحتاج إلى شيء من إعادة النظر، لكنها منظومة مختصرة، يمكن الإحاطة بأولها وآخرها وأثنائها في آن واحد، ليست من المطولات التي تحتاج في ترتيبها إلى شيء من التعب والعناء، يعني إذا حفظها الطالب يتصورها وإلا فالمسلسل من الكماليات بالنسبة لعلوم الحديث، قدمه على كثير من الأنواع المهمة، قدمه على أنواع الضعيف الأتي ذكرها، وهي أهم منه؛ لأن التسلسل كمالي وليس بضروري ولا حاجي في الصانعة الحديثية فقدمه هنا، فالترتيب لم يسلك فيه المؤلف طريقاً معيناً، لكن مثل ما قلنا: هذه منظومة مختصرة بإمكان يتصورها الطالب في آن واحد، يعرف ما قدم وما أخر، ويكون لديه معرفة وتصور عن العلم، تصور ولو كان ناقص، لكن يكون عنده تصور؛ لأن على كل طالب علم أن يتصور من جميع العلوم تصوراً ما، يعني يُعنى بجميع العلوم فيحفظ في كل علم متن صغير، ثم بعد ذلك ما يتجه إليه، ويوجه همته إليه يتوسع فيه، ويقبح بطالب العلم أن يخفى عليه شيء مما يحتاجه علم الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الوحيين، على كل حال هذه المنظومة منظومة مباركة على كل اختصارها، وتعطي طالب العلم تصور، ولو من وجه، لهذا العلم، يقول :
" مسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أمَا وَ اللهِ أَنْبَانِي الفَتَى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِما *** أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا "
التسلسل: هو التتابع، ومعروف حكم التسلسل درستموه في التوحيد، يسمونه تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، نعم، بحيث لا ينتهي، وأهل العلم يقولون: إن النية لا تحتاج إلى نية، لماذا؟ لأنه يلزم عليه التسلسل، فالنية هذه إذا احتاجت إلى نية، فالنية التي قبلها تحتاج إلى نية، ثم التي قبلها تحتاج إلى نية، التسلسل في الماضي ممنوع عند أهل العلم، لكن التسلسل في المستقبل، نعم، خلود أهل الجنة والنار، بقاء الجنة والنار، يعني في المستقبل جائز عند أهل العلم، ولذا يجيزون تسلسل الشكر، يعني كونه يتجدد لك نعمة تشكر الله عليها، هذا الشكر الذي شكرته الله –جل وعلا- نعمة تحتاج إلى شكر اشكر، الشكر الثاني نعمة يحتاج إلى شكر اشكر، يعني ما في ما يمنع أن يستمر الإنسان شاكراً لله -جل وعلا-؛ لأنه تسلسل في المستقبل، وأيضاً هو عبادة، والنية وإن كانت عبادة إلا أنها تسلسلها في الماضي، وهو ممنوع عند أهل العلم.
التسلسل: هو التتابع، " قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى " التسلسل: يتفق الرواة على وصف قولي أو فعلي، ومن التسلسل ما يكون فيه التسلسل بصيغ الأداء مثلاً، أو بأسماء الرواة، أو بأفعالهم وأوصافهم، فمثلاًَ إذا كان جميع الرواة محمد، اسمهم محمد، هذا مسلسل بالمحمدين، كنيتهم كلهم أبو عبد الله هذا مسلسل بالكنى، كل واحد من الرواة قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، مسلسل بالتحديث بصيغة الأداء، ولو قال كل واحد من رواته: سمعت فلانأَ يقول، سمعت فلاناً يقول، هذا مسلسل بالسماع، ولو قال كل واحد من رواته: عن فلان قال: عن فلان عن فلان، نعم، لصار مسلسلاً بالعنعنة، هذا التسلسل في صيغ الأداء، وهو التتابع على لفظ واحد، التسلسل فيما يتعلق بالرواة بأسمائهم، بأوصافهم، بمذاهبهم مثلاً، فلان بن فلان، بقبائلهم التميمي الحنبلي، قال: عن فلان التميمي، قال: عن فلان.. وهكذا هذا التسلسل، من كلامهم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: « إني أحبك، فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » معاذ قال لمن روى عنه: « إني أحبك، فلا تدع أن تقول.. » إلى آخره، تسلسل، ومن أشهر المسلسلات المسلسل بالأولية، الذي مازال التسلسل فيه إلى يومنا هذا، حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرني فلان وهو أول حديث سمعته منه، إلى يومنا هذا وهو يتسلسل بالأولية، بدأ تسلسله من عند سفيان بن عيينة، والتسلسل لا شك أن أهل العلم يعتنون به؛ لأنه يشتمل على شيء من مزيد الضبط والإتقان، يعني كون الآن الرواية بالإجازة ماشية، يجيزك الشيخ بأن تروي جمع مروياته، لكن قبل ذلك يحدثك بحديث المسلسل بالأولية، يعني تخصيص هذا الحديث بالتسلسل بالأولية والتنصيص عليه يدل على مزيد ضبط وإتقان لهذا الحديث، أيضاً كون الإنسان يتصف بوصف كأن يتبسم، أو يقبض على لحيته، وصف فعلي،....... كل واحد من الرواة يقبض لحيته ويقول: آمنت بالقدر، كما جاء في الحديث، أو يتبسم، أو كان يحدث وهو جالس ثم قام، ولذا ذكر من الأمثلة، يقول:
" مسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أمَا وَ اللهِ أَنْبَانِي الفَتَى"
لو كان قال كل واحد من رواته: أنبأني الفتى، قال: أنبأني الفتى فلان قال: أخبرني الفتى فلان إلى آخره، هذا تسلسل بوصف قولي، " كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِما " التحديث من قيام أو من جلوس، أو كل واحد من رواته يحدث وهو مضطجع مثلاً هذا وصف فعلي، " أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا " هذا التسلسل يدل على مزيد من الضبط من الرواة.
من المسلسلات، بل من أقواها ما يدل على الاتصال، اتصال السند، كالمسلسل بالتصريح بالتحديث أو السماع هذي من أقواها؛ لأن السند الذي لم يصرح فيه بالسماع أو التحديث، الخلاف في السند المعنعن على ما سيأتي معروف، التسلسل بوصف يتصف به جميع الرواة بنسبة ينتسب فيها جميع الرواة، وقل أن يسلم التسلسل من أوله إلى آخره، قل أن يسلم بإسناد نظيف، يوجد التسلسل من أول الإسناد إلى آخره، اللهم إلا إن كان حديث معاذ، الذي بدأ من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديث أبي هريرة في قبض اللحية، هذا بدأ من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن التسلسل في الغالب يكون ممن بعده، فعلى سبيل المثال حديث المسلسل بالأولية : « الراحمون يرحمهم الرحمن » هذا بدأ من سفيان بن عيينة، هو أول حديث حدث به سفيان، ثم الراوي عنه يقول: أول حديث حدث به وهكذا إلى يومنا هذا، ومازال التسلسل باقي بحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن » وقد ألف في المسلسلات كتب، لكن جل ما يستمر فيه التسلسل لا يسلم من ضعف، ومثل ما قلنا: إن هذا المبحث مبحث كمالي؛ لأن العبرة في الرواية على نظافة الأسانيد بثقة الرواة، وتمام الاتصال، وهذا مبحث كمالي، يبحثه أهل العلم بحيث لو كان الإسناد نظيف دل على أنه حُفظ وضُبط؛ لأن كل واحد -يمت إلى هذا الحديث- من الرواة بسبب قولي أو فعلي، فيدل على أنهم يحفظونه ويضبطونه،