بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، ففي الأيام الماضية كان غالب شعوب العالم ولاسيما كثرة كاثرة من المسلمين أجسامهم في أوطانهم وقلوبهم في دولة البرازيل يتابعون فيها ما يجري على أرضها من مباريات لما أسموه بطولة كأس العالم لكرة القدم لمعرفة من يفوز بهذه المباريات ومن يهزم؛ وكلهم في الحقيقة مهزومون، والأنكى في ذلك أنه في ليلة السبت آخر ليلة من شعبان هذا العام أعلن عن تأهل منتخب الجزائر فحصل للجزائريين ابتهاج وأفراح بهذا النصر المزعوم حتى إنه حصل من بعضهم في المدينة ممن وصلوا إليها للزيارة إظهار هذا الابتهاج من رجال ونساء بأصوات مرتفعة، وإذا كان هذا ممن جاءوا للعبادة فكيف بغيرهم؟! وقد أخبرني بعض الذين شاهدوا تجمعاً من بعضهم قريباً من ساحات المسجد النبوي لإظهار هذا الابتهاج، ولا يفوتني عند ذكر هذا الفرح من بعض الجزائريين بالفوز بهذه الألعاب أن أنوِّه بجدٍ في الجزائريين؛ وذلك لكثرة الحريصين على طلب العلم والتفقه في الدين بحضورهم دروس العلم وكثرة السائلين عن أمور الدين، والطلاب الذين يحضرون دروسي بالمسجد النبوي من الجزائر أكثر من أي بلد آخر بعد السعوديين.
وإن مما يؤسف له افتتان كثير من دول وشعوب العالم العربي والإسلامي بألعاب كرة القدم، وكثرة المشجعين والمتابعين لهذه الألعاب، ومن لم يتابعها في الحضور إلى أماكن إقامتها فإنه يتابعها عن طريق الإذاعات المرئية والقنوات الفضائية.
وإن مما يؤسف له أيضاً وجود برامج في الإذاعة السعودية لمدة ساعة كاملة كلها حديث عن الأندية الرياضية وتقييم لألعابها بأصواتِ شيبٍ وشبابٍ، وكذا تخصيص مساحات من الصحف السعودية لذكر أخبار هذه الألعاب، وأيضاً اختتام نشرات الأخبار في الإذاعة بذكر أخبار الرياضة والرياضيين، ومما يؤسف له أيضاً مشاركة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإرسال كابتن رياضي بصحبة بعض رجال الهيئة الذين كلفوا بزيارة بعض المدارس الثانوية والتنويه بهذا الإرسال من رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، وما ذاك إلا لإدخال السرور على الطلاب برؤية هذا الكابتن الرياضي، وقد ذكرت كلام هذا الرئيس في كلمة: «كاتبو صحيفة الجزيرة وكاتباتها يحاورون الرئيس الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» نشرت في 15/8/1433هـ.
ومما يؤسف له أيضاً أن المفتونين برياضة كرة القدم صار في اصطلاحهم التعبير بهذه العبارة «الكرة في ملعب فلان» ومن أمثلة ذلك أن الكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ أصلح الله حاله وفعاله قال عن رأيٍ لأحد المتكلفين في قيادة المرأة السيارة أعجبه وتمنى تحقيقه من خادم الحرمين، قال: «فالكرة الآن في ملعب صاحب القرار» يعني: خادم الحرمين، وقد ذكرت ذلك في كلمة: «تحريم قيادة المرأة السيارة وبيان خطرها وضررها على بلاد الحرمين» نشرت في 5/7/1432هـ.
ومجيء ذكر اللهو واللعب في الكتاب والسنة غالبيته العظمى على سبيل الذم، وقد قال الله عز وجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ» رواه البخاري (6412)، ومن المعلوم أن المفتونين في ألعاب كرة القدم نصيبهم من هذا الحديث الغبن وليس الربح لقتلهم أوقاتهم فيما يضر ولا ينفع عند الله، وسوء استعمالهم لصحتهم وعافيتهم.
والفوز الحقيقي الذي يجب أن يحرص عليه كل مسلم يحصل بتقوى الله والاستقامة على أمره، وهو الذي اشتملت على الحث عليه والترغيب فيه آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}، وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}، وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}.
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين والثبات على الحق، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.