الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فلا يخفى على أحد أهمية العلم الشرعي، وأن مداره على الكتاب والسنة.
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولوا العرفانِ
فالأمة المحمدية أمة نص وإتباع، ولا يمكن أن يؤخذ العلم إلا من هذين المصدرين، فلا مسلك لنا، ولا وسيلة لتحصيل العلم إلا عن طريق الكتاب والسنة، فطالب العلم بأمس الحاجة إلى معرفة هذين الوحيين، وما يخدمهما، وما يعين على فهمهما، القرآن العظيم كلام الله -جل وعلا- ثابت ثبوتاً قطعياً، غير قابل للزيادة والنقصان، محفوظ، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ سورة الحجر، الآية : 9 ].
وأما السنة : وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع لهذه الأمة، ولم يخالف في ذلك أحد ممن يعتد بقوله، ويعول على كلامه من أهل العلم، خالف في ذلك بعض طوائف البدع الذين لا يرون الاحتجاج بالسنة، وإنما يكتفون بالقرآن، والمراد بالسنة: ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، جميع ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، المسلم ملزم بإتباعه، والعمل به، وليست له مندوحة في أن يختار غير هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكل عمل شرعي يشترط لقبوله بعد الإخلاص لله -جل وعلا- متابعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد »، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من العناية بالسنة النبوية، لكن العناية بما ثبت منها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكيف نعرف الثابت من غيره ؟ لا بد أن نعرف القواعد والضوابط التي استنبطها أهل العلم ليتوصل بها إلى معرفة المقبول من المردود، وذلك في علم مصطلح الحديث.
فهو علمٌ بأصول وقواعد يعرف بها الصحيح من الضعيف، المقبول من المردود، مما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولسنا بصدد الكلام والإفاضة فيما ألف في هذا العلم، فالتأليف فيه قديم، يوجد أو توجد قواعد أهل العلم في كتب المتقدمين، وإن لم تدون في مصنف مستقل، توجد في سؤالات الأمة، بل وجد أصل بعض فنون هذا العلم من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالجرح والتعديل، والكلام في الرجال حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: « بئس أخو العشيرة »، وهذا أصل في الجرح، لكن على ما سيأتي في بابه، لا ينبغي أن يكون هذا الأصل مدخلاً لبعض من يتفكه بأعراض الناس، بل على الإنسان أن يحتاط لنفسه، وأن يحافظ على ما اكتسبه من حسنات، ولا يأتي يوم القيامة مفلساً، كما جاء في الحديث الصحيح، فالجرح والتعديل واجب، لكن بقدر الحاجة، فإن احتيج إلى ذلك تعين، حفظاً للدين، وصيانة للشريعة المكرمة أوجب أهل العلم الكلام في الرواة، وليعلم طالب أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد، وجاء في النصوص القطعية ما يقتضي تحريم الكذب في أعراض الناس، مع الأسف الشديد أن يوجد بعض من يتكلم حتى في أعراض خيار الأمة، من المتقدمين والمتأخرين، لم يسلم منه أحد، فهذا المسكين لا يدري أنه قد يتعب على تحصيل الحسنات، ثم يفرقها، شعر أولم يشعر، كما جاء في الحديث الصحيح: « أتدرون من المفلس؟ ،قلنا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من يأتي بأعمال» وفي بعض الروايات: « كأمثال الجبال، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيآتهم فألقيت عليه، فطرح في النار» يأتي يفني عمره، ويقضي وقته في طلب العلم، ثم بعد ذلك يأتي مفلساً يوم القيامة، هذه هي الخسارة، هذا الذي خسر نفسه يوم القيامة، وهذه هي الخسارة الحقيقية، وهذا هو الفلس الحقيقي، وإن كان الفلس أيضاً يطلق في أمور الدنيا: على من لا درهم له ولا متاع، وحقيقته أيضاً شرعية في باب الحجر والتفليس المفلس: من لا درهم له ولا متاع، أو عنده درهم ومتاع، لكن لا يفي بديونه، هذه حقيقة شرعية، لكن الحقيقة التي ينبغي أن نتنبه لها ما أشار إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: « أتدرون من المفلس؟ » وكلها حقائق شرعية، لكن تلك أهم، كما أن الغبن في أمور الدنيا أن يشتري الإنسان سلعة يُزاد في ثمنها عليه، أو يبع سلعة يُنقص من ثمنها بالنسبة لما تستحقه، هذا غبن عند أهل العلم، لا سيما إذا كان كثيراً، لكن الغبن الذي ينبغي أن يتفطن له طالب العلم ما جاء في سورة التغابن: ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [ سورة التغابن، الآية : 9 ]، وتعريف الجزأين معروف أنه يدل على الحصر عند أهل العلم، ذلك يوم التغابن الحقيقي، أما الدنيا كلها لا شيء بالنسبة لغبن الآخرة، فلنتنبه لهذا.
وأصول هذا العلم وجدت منذ القدم، فالكلام على الرجال حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، والتحري والتثبت والاحتياط للسنة، حصل من كبار صحابته -عليه الصلاة والسلام-، وحذر -عليه الصلاة والسلام- من أن يكذب عليه فقال: « من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » وجاء ما هو في الاحتياط أشد: « من حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين » أو الكاذِبَين، فعلى الإنسان أن يحتاط، وإذا كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- كبيرة، وموبقة من الموبقات فالكذب في أحاديث الناس العادي تهمة بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما سيأتي في حديث المتهم.
وجدت قواعد هذا العلم منثورة في كتب الأئمة، ففي كتب الشافعي، وفي سؤالات الإمام أحمد، وفي جامع الترمذي، وفيما يسأل عنه الإمام البخاري، وفي تواريخه، وفي صحيحه قواعد منثورة لهذا العلم، وفي أيضاً العلل الكبير، وعلل الجامع للإمام الترمذي قواعد كثيرة من قواعد هذا العلم، لكن من أول من صنف في هذا العلم على سبيل الاستقلال : القاضي الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل)، المحدث الفاصل هذا من أول ما صُنف، توفي مؤلفه سنة ستين وثلاثمائة، يعني على سبيل الاستقلال، ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فألف (المعرفة)، ثم جاء بعده أبو نعيم فألف على المعرفة مستخرجاً، ثم القاضي عياض، ثم ابن الصلاح الذي جمع شتات هذا العلم في كتابه (علوم الحديث)، وعكف الناس على هذا الكتاب، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومنتصر، دار الناس في فلكه، فاختصروه، ونظموه، وشرحوه، فاكتفوا به عما تقدم؛ لأنه جمع شتات هذا العلم، ثم بعد ذلك تتابع التأليف، فألف الحافظ ابن حجر نخبته الشهيرة، وسبق أن شرحناها هنا، وهذه النخبة أيضاً حصل لها من القبول ما حصل، وما زالت تقرأ وتُدْرَس وتُدَرّس، وتشرح وتنظم، وتختصر على اختصارها إلى يومنا هذا.
قد يقول طالب العلم : كتب علوم الحديث كثيرة جداً، لا يمكن الاحاطة بها، والأمر كذلك صحيح، لكن ما الذي ينبغي أن يعتني به، ويدرسه من كتب المصطلح، هذا الكتاب الذي معنا كتاب مختصر جداً، وهي منظومة سهلة، لكن نصيحة لطلاب العلم الذي لا تسعفه الحافظة يحفظ هذه المنظومة، أربعة وثلاثين بيت سهل، لكن الذي تسعفه الحافظة، حافظته متوسطة مثلاً يحفظ نظم النخبة، في مائتي بيت وبيت، أو ستة أبيات على خلاف بين النسخ، أو منظومة الشيخ حافظ الحكمي: (اللؤلؤ المكنون) وقد أنهينا شرحها قبل ثلاثة أيام أو أربعة، وهي منظومة رائعة، ثلاثمائة وأربعين بيت، فإن كانت الحافظة أقوى فليقصر حفظه على ألفيت العراقي، على كل حال يبدأ طالب العلم بالكتب الصغيرة، المتون الميسرة في مثل هذا الكتاب، ثم النخبة، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم يتوفر جهده كله على ألفيت العراقي -رحمه الله تعالى- وشروحه، بعد ذلك يكون هذا العلم على ما قرره المتأخرون، وأما قواعد المتقدمين التي ينادي بها بعض الغيورين ممن عرف بالحرص والحرقة على السنة النبوية، وهي دعوة -إن شاء الله- إنها نابعة من قلب طيب، ومن إخلاص صادق، لكن مثل هذا الكلام لا يوجه إلى المبتدئين؛ لأنه إذا وجه مثل هذا الكلام للمبتدئين صار تضييعاً لهم؛ لأن المبتدئ لا يستطيع أن يتعامل مع أحكام المتقدمين، حتى يتأهل لذلك، كما يطالب الطالب المبتدئ بالاجتهاد في الأحكام الشرع، مثل هذا يضيعه، فعلى طالب العلم أن يتربى على قواعد المتأخرين، ثم بعد أن يتأهل لذلك، ويكثر النظر في أحكام الأئمة، ويخرج الأحاديث، ويدرس أسانيدها، ويكثر من ذلك، إذا صارت لديه الأهلية لمحاكات المتقدمين في أحكامهم هذا فرضه؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، ولا يضن بمن ينادي بنبذ قواعد المتأخرين، والاهتمام بكلام الأئمة، لا يضن بهم سوء لا أبداً، إنما باعثهم على ذلك الحرص على هذا العلم، ولا شك أن المتأخرين عالة على المتقدمين، لكن يبقى أنه كيف يتربى طالب العلم على كلام الأئمة المتقدمين؟ ومن يقلد من الأئمة المتقدمين؟ إذا عرف القواعد، وضبط وأتقن، وأكثر من دراسة تخريج الأحاديث، ودراسة الأسانيد، وتأهل للنظر في القرائن التي يرجح بها؛ لأن أحكام المتقدمين مبنية على القرائن، والقرائن ما كل يدركها، قد يفنى عمر الإنسان ما استطاع أن يحكم بالقرائن؛ لأن هذا العلم كما يقولون: إلهام، لكن إلهام مبني على صدق وإخلاص وحرص وجد واجتهاد، فالأئمة المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، أصبح لديهم ملكة، بالشم يعرفون الصحيح من الضعيف، لكن شخص لا يحفظ الأربعين كيف يحكم بالقرائن هذا؟ أو يخفى عليه حديث في بدهيات المتون المحفوظة عند صغار طلاب العلم هذا يحاكي المتقدمين؟ لا يمكن، فالدعوة التي تقال، وتطرق بين حين وأخر دعوة جيدة وصحيحة، ومقصد......، لكن لا يخاطب بها أحاد المتعلمين، إذا عرفنا أن من يقال: إنه مجدد لهذا العلم في هذا العصر قلنا : مثلاً إنه بالنسبة للرواية الشيخ الألباني -رحمه الله-، وبالنسبة للدراية والاستنباط الشيخ ابن باز، ولا نظير لهما فيما نعلم، يعني في العصر المتأخر، واهتمامهم بالسنة، ما قالوا بمحاكاة المتقدمين، ولا حاكوهم هم أيضاً، إنما حكموا من خلال القواعد المعروفة الآن، لكن إذا تعارض حكمهم مع أحكام الأئمة أعادوا النظر في أحكامها، وبهذا يتأهل الإنسان، والإنسان عليه أن يعرف قدر نفسه، فالإنسان إذا سلك الجادة وصل -بإذن الله تعالى-، لكن إذا كان يطوح يوماً في أقصى اليمين، ويوم في أقصى الشمال، ويجرب هذا القول ويجرب..، هذا يضيع، ويضيع عمره ما حصل شيء، هذا التصنيف لأهل العلم على الطرق المعروفة، وتقسيم الطلاب إلى مبتدئين ومتوسطين ومنتهيين وكذا، ويؤلفون على قدر عقول هؤلاء وعقول هؤلاء وعقول..، يعني هذا ما هو بعبث، هذا جرب من مئات السنين، ووجد من أنفع الأمور، إلى طبقة شيوخنا الآن المبرزين في العلم والعمل ولله الحمد وهم على هذه الجادة، وهم على هذه الجادة، وهي جادة مثمرة، وأنتجت فحول، قد يقول قائل: إن هذه الطرق، وهذه التقسيمات لا توجد عند سلف الأمة، سلف الأمة عندهم من الأذهان الصافية غير المشوشة، نعم وسلامة الفطرة، ومعرفة اللغة، ومعاصرة النصوص على وجهها ما يؤهلهم للاستنباط مباشرة، لكن شخص لا يعرف العام من الخاص، ولا المطلق من المقيد، ولا الناسخ من المنسوخ، كيف يتعامل مع النصوص مثل هذا ؟ لا يستطيع أن يتعامل حتى إذا تأهل؛ لأن العلم ينمو في ذهن الإنسان مثل ما ينمو جسمه، مثل نمو النبات، ما تقول: والله هذا -ما شاء الله- شاب كامل القريحة، تجاوز بهذه المراحل، أعطوه كتب المتقدمين، ما يمكن، ولو كان كامل القريحة، ولو كان من أذكى الناس وأنبلهم، لا بد أن يتدرج؛ لأن العلم سلم يصعد إليه، حتى تصل إلى السقف، وليس معنى هذا السقف الاحاطة بالعلوم كلها، لن يحلم أحد بهذا؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ سورة الإسراء، الآية : 85 ] الأئمة الكبار الذين وصفوا بأنهم بحور العلم لن يخرجوا عن قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ قصة موسى والخضر أكبر شاهد على هذا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ حديث الجساسة من تميم الداري، واكتسب الشرعية هذا الحديث من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يقال كما يقول بعضهم : إن العلم الشرعي مزيج من حضارات وثقافات وما أدري إيش؟ هذا الكلام تضليل هذا، يستدلون بمثل هذه القضايا، حديث الجساسة لو لم يكتسب الإقرار من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما التفتنا إليه قلنا: خرافة، لكن لما أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: على العين والرأس، اكتسب القطعية.
حديث عبد الله بن زيد في الأذان رؤيا، لكن هل الرؤيا والأحلام يقرر بها شرع ؟ لا أبداً، لكن اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- نوع من أنواع سنته -عليه الصلاة والسلام-، يأتي من يكتب في الصحف مثل هذا الكلام، ويقول: إن الشريعة والدين مأخوذ من مزيج من حضارات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يستفيد من حضارات الأخرى، « وكدت أن أنهى عن الغيلة، فإذا فارس والروم يستعملونها ولا يؤثر عليهم » يقول: أبداً النبي -عليه الصلاة والسلام- استفاد هذا الحكم من فارس والروم، نقول: ليس بصحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث لجميع من على وجه الأرض، بعث للناس كلهم، والأحكام عامه، تشمل العرب وتشمل العجم، وتشمل فارس والروم والمشرق والمغرب، فكون هذا الأمر يؤثر على بيئة من الناس أو فئة من الناس، أو أهل مجتمع، لا يعطي حكم عام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى لأنه يضر، لكن يضر من ؟ يضر في هذه البيئة التي عاش فيها؛ لوجود مؤثرات أخرى مع هذا، فلما عرف أنه لا يؤثر على بقية الناس إذاً لا ينهى عن مثل هذا، يبقى أن من يضره شيء يمتنع منه، بعض الناس يضره التمر نقول: لا تأكل التمر يا أخي، وليس معنى هذا أن التمر حرام، بعض الناس يضره اللبن نقول: يا أخي لا تشرب لبن، وليس معنى هذا أن اللبن حرام، بعض الناس يتضرر بالغيلة، والغيلة : إرضاع الطفل مع الحمل، مع حمل أمه، هذه الغيلة، العرب أو الحجاز على وجه الخصوص يتضررون لما يواكب ذلك من جو مثلاً، فلا يحسن أن يصدر حكم عام لمن بعث إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في المشرق والمغرب، وأكثر الناس ما يتضرر؛ لأن الحكم للغالب، فبعض الناس يكتب في الصحف، ويحط من بعض النصوص، ويتكلم في بعض النصوص بناء على فهمه هو، نقول: لا يا أخي، لا بد من مراجع أهل العلم في مثل هذه الأمور، أنت أشكل عليك شيء، نعم أشكل عليك شيء أسأل يا أخي، نقول: الديانة مزيج من حضارات ما هو بصحيح أبداً، بل العكس، النبي -عليه الصلاة والسلام- حرم التشبه بالآخرين، باليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، هل معنى هذا أنه مزيج ؟ أبداً، أمة مستقلة، معتزة بدينها، موجودة وجوداً مؤهلاً لها لأن تكون خير أمة أخرجت للناس.
نعود إلى تقرير ما نحن بصدده، فهذا العلم لا شك أنه في غاية الأهمية لطالب العلم، يتدرج فيه الطالب كغيره من العلوم، يقرأ هذه المنظومة، ويقرأ شرحها، إن كانت حافظته ضعيفة جداً يحفظها، وينظر فيما عداها من مطولات هذا الفن، إذا كانت حافظته أقوى يحفظ نظم النخبة، أو (اللؤلؤ المكنون) لحافظ الحكمي -رحمه الله-، إن كانت حافظته أقوى وأقوى فليقصر همته على الألفية، ولا أنصح بحفظ أكثر من نظم في فن واحد؛ لأن بعض المتون يشوش بعضها على بعض، فإذا أراد الطالب أن يستشهد ببيت من الألفية طلع عليه كلام البيقوني، يشعر أو لا يشعر، إذا أراد أن يقرر كلام هذا طلع عليه كلام الصنعاني؛ لأنها متقاربة تنظم نظم علم واحد، تنظم في علم واحد، نعم، فإذا أراد هذا..، تشوش بعضها على بعض، ولا يستطيع أن يميز النظم، النظم غالب، يغلب على الإنسان، ويخرج من غير أن يقصد، ويشوش..، فيحفظ همته على متن واحد، وهو على حسب ما يؤنس من نفسه، ويعرف منها، إن كانت حافظته قوية فاليقصر همته على ألفية العراقي، وكل الصيد في جوف الفرا، أما هذه المنظومة في أربع وثلاثين بيت، يعني هي مجرد تذكرة لطالب العلم، وهي معتمدة على الشرح، إذا شرحت بأسلوب مناسب، يعني وأفيض في شرحها، بحيث تغطي حاجة الطالب لا بأس، لكن الغالب أن مثل هذا المتن ما يعطى المدة الكافية ليبسط في شرحه، أربع وثلاثين بيت يعطى ثلاث أيام، علشان يشرح شرحاً يناسب، يناسب المبتدئين، يمكن أن يشرح هذا في سنة، على طريقة البسط، وكل إنسان يؤنس من نفسه أنه يستطيع أن يشرح مثلاً العلوم التي يبثها لألفية العراقي يبثها هنا؛ لأن الأبواب هي هي ما تغيرت، ونشرح هذا المتن بأسلوب -إن شاء الله- يكون مناسب، وبطريقة بحيث ننهي هذا المتن خلال ثلاثة أيام، ومن أراد شروح كتب أخرى فهي موجودة في التسجيلات، شرحنا أكثر كتب المصطلح، أخر ما شرحنا (اللؤلؤ المكنون) أنهيناه قبل ثلاثة أيام، في شرح متوسط أيضاً، سم.
الطالب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العَلَّامَةُ البَيْقُوْنِيُّ -رحمه الله تعالى- وغفر له، وجمعنا فيه ووالدينا وشيخنا في الفردوس الأعلى، إنه جواد كريم :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبْدَأُ بِالْحَمْدِ مُصَلِّيًا عَلَىٰ *** مُحَمَّـدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ
وَ ذِي مِنَ أَقْسَامِ الْحَدِيْثِ عِدَّهْ *** وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ
أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ *** إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ
يَرْويـهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثلِهِ *** مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَ نَقْلِهِ
وَالحَسَنُ المَعْرُوفُ طُرْقًا وَغَدَتْ *** رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحيحِ اشْتَهَرَتْ
وَكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الحُسْنِ قَصُرْ *** فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوَ أَقْسَامًا كُثُرْ
و مَا أُضِيفَ للنَّبِي المَرْفُوعُ *** وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ
وَ المُسْنَدُ المُتَّصِلُ الإِسْنَادِ مِنْ *** رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَ لَمْ يَبِنْ
و مَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ *** إِسْنادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ
« الشَّـرْحُ » :
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
أَبْدَأُ بِالْحَمْدِ مُصَلِّيًا عَلَىٰ *** مُحَمَّـدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ "
ابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم -رحمة الله تعالى عليه- بالبسملة،
أولاً : الناظم لا يوجد له ترجمة، وقد أختلف في اسمه، هل هو طــه أو عمر؟ ولا يعرف على وجه التأكيد إلا البيقوني؛ لإشارته إلى هذه النسبة في أخرها، أما اسمه فمختلف فيه، ولا يعرف عن حياته شيء يذكر، وهذا يسلكه بعض العلماء لإخفاء نفسه، مبالغة في الإخلاص لله تعالى، فالبيقوني وابن آجروم لا يعرف لهم كبير ترجمة، القحطاني الذي نونيته صارت بها الركبان لا يعرف له ترجمة، فيهمنا العلم الذي بين أيدينا، وأجره ثابت -إن شاء الله تعالى- لصاحبه، ولو لم يعرف، يكفيه أن يقال: قال -رحمه الله تعالى- يكفيه، والله المستعان، والآن بعض طلاب العلم قدمه اليمنى على العتبة الأولى من أبواب العلم، وتجد الترجمة المطولة منشورة على أعلى المستويات، في الإنترنت والمواقع وغيرها، والله المستعان، هذا حاصل، ووجد ما هو أشد من ذلك، نسأل الله -جل وعلا- العفو والمسامحة، على الإنسان أن يتواضع، وأن يهضم نفسه بقدر المستطاع، والحساب عند الله -جل وعلا-، لن يضيع شيء، يعني لا يتصور الإنسان أنه بيضيع له شيء، وكل ما أخفى الإنسان عمله كان أقرب إلى الإخلاص؛ لأن الإخفاء والبعد عن أنظار الناس هو لا شك أنه يعين النفس على الإخلاص؛ لأن الذكر بين الناس وإن كان كما جاء في الحديث الصحيح : « عاجل بشرى المؤمن » لكن له أثر، ولذا جاء النهي عن مدح الإنسان في وجهه، مدح الإنسان في وجهه لا شك أنه يعرضه لخدش الإخلاص، وقد يزول عنده بالكلية في بعض الأحوال والظروف، وعلى الإنسان أن يلاحظ مثل هذه الأمور، إذا تيسر أن يعمل عملاً لا يطلع عليه أحد فهذا أقرب بلا شك، ولذا شرعت النوافل في البيوت « أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة » شرع إخفاء النوافل كلها، لكن إذا كان الإنسان بحيث إذا رئي يقتدي به، وأمن على نفسه من أن يزل قدمه في باب الإخلاص يظهر للناس، ولذا جاء في الحديث الصحيح : « من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة » فإذا كان غلب على ظنه أنه لا يتأثر بإظهار العمل، وقصد من ذلك إقتداء الناس به، فهذا له وجه، لكن ليحذر كل الحذر أن يتأثر بالمدح والذم، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فعمد إلى حب المدح والثناء فذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه، ولا يضر ذمه إلا الله -جل وعلا- "، ونحن ومن على شاكلتنا من أوساط المتعلمين إذا قيل له: أن فلان الشيخ فلان ذكرك أو مدحك، أو الوزير فلان، أو الأمير فلان يمكن ما ينام تلك الليلة من الفرح، غافلاً عن الحديث « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي » الخالق هو الذي يذكرك إذا ذكرته، لا فلان ولا علان، الذي لا يستطيع أن يقدم لك شيء لم يكتبه الله لك، « وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه » أقول: هذا المؤلف الذي لا يعرف أختلف في اسمه، ومجرد التماس واحد يقول: طه، واحد يقول: عمر، مجرد ميل واسترواح؛ لأنه قد يوجد على بعض النسخ من يجتهد ويكتب، وهل هو ابن محمد، أو ابن عمر، أو ابن فتوح ؟ المقصود أن اسمه ليس بمعروف على سبيل القطع، إنما يعرف البيقوني، والمنظومة البيقونية، انتهى الإشكال، وابن آجروم، والكتاب: الآجرومية، والخلاف فيما عدا ذلك، ويكفيه أن يقال على مر العصور، قرون والأجر يكتب له: قال -رحمه الله تعالى-.
المؤلف -رحمه الله تعالى- بدأ بالبسملة، ثم ثنى بالحمدلة إقتداء بالقرآن الكريم، افتتح بالبسملة والحمدلة، وجاء في الحديث : « كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع » وفي رواية: « بالحمد لله رب العالمين » وفي رواية: « بذكر الله » وحكم بعضهم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، وحسن بعضهم لفظ: « الحمد » فقط، كابن الصلاح والنووي، وبعض العلماء حسنوا لفظ: « الحمد »، وعلى كل حال يكفينا الإقتداء بالقرآن الكريم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في مخاطباته ومراسلاته يبدأ بالبسملة، وفي خطبه يبدأ بالحمدلة.
وأما الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد جاء الأمر بها ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب، الآية : 56 ] والحمد يعرفه بعضهم أو كثير ممن عرف الحمد قال: إنه الثناء على الله -جل وعلا- بما يستحقه من محامد، وابن القيم -رحمه الله تعالى- فرق بين الحمد والثناء، وأن الحمد ذكر الباري -جل وعلا- بأوصافه الجميلة، ونعمه العظيمة، والثناء تكرار المحامد، واستدل بحديث: « قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين » ثم قال: « فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى عليّ عبدي » فالثناء غير الحمد، وهذا ما قاله ابن القيم في الوابل الصيب، فليرجع إليه، الصلاة جاء الأمر بها في قوله -جلا وعلا-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
ولا يتم الامتثال، امتثال الأمر في الآية حتى يصلي ويسلم، أما الاقتصار على الصلاة فقط دون السلام، أو السلام دون الصلاة فقط، فلا يتم الامتثال بذلك، المؤلف يقول:
"مُصَلِّيًا عَلَىٰ *** مُحَمَّـدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ "، ما سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يتم امتثال الأمر، بل صرح النووي في مقدمة شرح مسلم بكراهة إفراد الصلاة دون السلام؛ لأن مسلم -رحمه الله تعالى- أفرد الصلاة دون السلام، فصرح النووي بكراهة ذلك، وابن حجر خص الكراهية بمن كان ديدنه ذلك، يصلي باستمرار ولا يسلم، أو يسلم باستمرار ولا يصلي، أما من كان يجمع بينهما تارة، ويفرد الصلاة تارة، ويفرد السلام تارة فلا تتناوله الكراهة، الكراهة تختص بمن ديدنه ذلك، وعلى كل حال امتثال الأمر لا يتم إلا بالجمع بينهما، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في الحث على الصلاة عليه نصوص كثيرة جداً، حتى أوجب بعض العلماء الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كل ما ذكر، أما وجوبها في التشهد الأخير كونها ركن..........، معروف عند جمع من أهل العلم، وما عدا ذلك فعامة أهل العلم على الاستحباب، ولا شك أن الأصل في الأمر الوجوب، لكن قد يرد ما يصرف هذا الأمر، ولذا جمهور أهل العلم على الاستحباب، ولا شك أن من يسمع ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يصلي عليه محروم، فمن صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ممن له حق على الإنسان أن يلحقه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعطفه عليه الآل، لما لهم من حق، فهم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيعطفون عليه، وممن له حق أيضاً على المسلمين من وصلهم الدين بواسطتهم، وحملوه إلى الناس بأمانة وإتقان وصدق وإخلاص وهم الصحابة الكرام، الذين نشروا الدين وحملوه إلى أقطار المعمورة، فلهم علينا من الحق أن نصلي عليهم ونسلم تبعاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال: صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، ولا يفرد الآل، ولا يفرد الصحب؛ لأنه مطلوب منه أن يصلي على الآل؛ لأنهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحب أيضاً لهم حق عظيم على الأمة فيصلى عليهم، تبعاً له -عليه الصلاة والسلام-، أما إفراد الآل فهو شعار لبعض المبتدعة، وإفراد الصحب أيضاً شعار لقوم آخرين، وأهل السنة يتوسطون، ويمتثلون جميع الأوامر، المقصود أن المؤلف -رحمه الله تعالى- بدأ بالبسملة، ثم ثنى بالحمدلة، ثم صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو سلم لكن أكمل.
" خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ " لا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- سيد ولد آدم، وهو أفضل الأنبياء، وهو إمامهم وخاتمهم، من ختم الله به الرسالات، ورسالته -عليه الصلاة والسلام- إلى الخلق أجمعين، إلى الجن والإنس، رسالته عامة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الناس أجمعين، " خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ " فهو خيرهم وأفضلهم على الإطلاق، وقد جاء النهي عن التفضيل بين الأنبياء، وجاء نهيه -عليه الصلاة والسلام- أن يُفضل على يونس أو على موسى، ولذا يمتنع كثير من العلماء عن التفضيل، لكن التفضيل جاء به النص القطعي ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : 253 ]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سيد ولد آدم، وله من الخصائص ما يجعله أشرف الخلق، وخير نبي أرسلا، والنهي عن التفضيل « لا تفضلوا بين الأنبياء »، و« لا تفضلوني على يونس » إذا أقتضى هذا التفضيل تنقص المفضول؛ لأن سبب الورود، ورود النهي جاء بهذا الصدد، فيما تشاجر مسلم مع يهودي فقال اليهودي: والذي فضل موسى على البشر، وقال المسلم: والذي فضل محمد على البشر، حصلت الخصومة فالمسلم ضرب اليهودي، في مثل هذه الخصومات لا يسلم الإنسان من تنقص الطرف الآخر، وحينئذٍ ينهى عن التفضيل، أما في غير هذه الظروف فقوله -جل وعلا-: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ يقتضي أنهم درجات، وألو العزم منهم الخمسة أفضل من غيرهم، وكل نبي من الأنبياء له مزية على غيره تقتضي تفضيله من هذه الحيثية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خير الأنبياء وأفضلهم على الإطلاق، ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
"وَ ذِي مِنَ أَقْسَامِ الْحَدِيْثِ عِدَّهْ *** وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ"
بعد البسملة والحمدلة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يشرع في الخطب وفي الكتب أن يقول الخطيب أو الكاتب: أما بعد، وجاءت بها النصوص، ثبتت في أكثر من ثلاثين حديثاً، أما بعد.......، لكن هذا نظم مختصر جداً، يمكن يعوز أن يأتي بكل المطلوب، وإلا الإتيان بها سنة، ولا يتم أيضاً امتثال بالسنة حتى نقول: أما بعد، وأما الاستعاضة بـ(أما) عن (أما) بالواو بعض الناس يقول: وبعد، هذا لا يتم به الامتثال، وإن قال بعض المتأخرين: إن الواو قائمة مقام (أما)، ما الذي يمنع من النطق بالفظ النبوي، أما بعد.
و" ذِي" الأصل أن يقول: "أما بعد فذي"، وذي : إشارة إلى هذه المنظومة، أو إلى هذه الأبيات اللاحقة، إشارة إلى ما في الذهن، الأصل أن الإشارة تكون على ما في الأعيان، تشير إلى شيء موجود، هذا أو هذه، هذا الأصل في الإشارة، لكن لما كان ما في الذهن كل الموجود في الأعيان حكماً، يعني شيء مقدور عليه، يشار إليه، هذا إذا كانت هذه المقدمة كتبت قبل المنظومة، كثير من الناس يؤخر الكلام في المقدمة حتى ينتهي الكتاب، ثم يكتب له مقدمة، فإذا أشار أشار إلى شيء موجود في الأعيان، أما بعد: فهذا، كتاب جاهز، يمكن أن يشار إليه، أما إذا كان هذا البيت قبل نظم ما بعده فالإشارة إلى ما في الذهن، والإشارة إلى ما في الذهن المقطوع به، يعني ما تقدر تقول: أما بعد: فهذا كتاب يحتوي على عشرين مجلداً، ثلاثين مجلداً، يمكن تموت قبل ما تكمل، فلا تشير إلى مثل هذا، لكن أشياء مقدور عليها يغلب على الظن أنك تفي بها، هذه رسالة لطيفة يمكن تكتبها، نعم، فيغلب على الظن حصولها فتشير إليها، أما شيء لا يغلب على الظن حصوله، أما بعد: فهذا تفسير عظيم يحيط بجميع ما كتب في التفاسير، يمكن يصل مائة مجلد، تستطيع أن تشير إليه وأنت لا تدري وش ورآك؟ يحتاج إلى سنين طويلة، عشرين، ثلاثين سنة، ما تدري وش ورآك؟ فما تشير، لكن أشياء يسيرة ثلاثين بيت أو شبهها، يمكن أن تشير إليها، باعتبار أنها في حكم الموجود، ولذا قال: "وَ ذِي" يعني هذه المنظومة، وهذه الأبيات من أقسام الحديث عدة، يعني تشتمل على شيء من أقسام الحديث، من أقسام الحديث يعني وأنواعه: الصحيح، الحسن، الضعيف، أنواع الضعيف الكثيرة التي..، أيضاً الأقسام المساندة للأقسام الثلاثة الكبرى الكلية التي يأتي تعدادها، والحديث عنها -إن شاء الله تعالى-.
"عِدَّهْ "يعني عديدة، يعني كثيرة أو معددة، نعم، " وَكُلُّ وَاحِدٍ" يعني من هذه الأقسام " أَتَى وَحَدَّهْ" يعني سيأتي، "أتى وحده" أتى: يعني سيأتي، وعبر بالماضي عن المضارع هذا إذا قلنا: إن المقدمة كتبت قبل الأبيات، عبر عنها لتحقق الوقوع، يعني في حكم الموجد حكماً، كأنه زور هذه الأبيات في ذهنه ثم سطرها على الورق، "وكل واحد أتى" وإذا قطع بمجيء الشيء، نعم، يعبر عنه بالماضي، كما في قوله -جلا وعلا-: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ سورة النّحل، الآية : 1 ] وسيأتي، لكن لتحقق وقوعه يعبر عنه بالماضي، " أَتَى وَحَدَّهْ" الحد هو التعريف، ويأتي كل واحد وحده، وهذا مما تختلف به هذه المنظومة عن منظومة لا تقل عنها، إن لم تكن أشهر منها، وهي منظومة ابن الفرح (غرامي صحيح)، هذه منظومة طارت بها الركبان، وشرحت عشرات الشروح، وهي ما فيها إلا الأسماء، تعداد، وهذه أولى منها، نعم تلك من الناحية الأدبية، الذوق الأدبي على ما يقولون أقوى، نعم، لكن هذه من حيث اقتران الاسم بالتعريف أفضل، نعم، نظم النخبة يقرن الاسم والتعريف والمثال والتقسيم، ألفية العراقي تأتي بهذا كله وتضيف إليه خلاف العلماء في المسائل الاصطلاحية، خلاف العلماء، هذا يأتي باسم الموضوع وحتى، التعريف، لكن لا يذكر أمثلة، ولا يذكر خلاف، ولا يذكر شيء؛ لأنها مختصرة جداً، أما نظم النخبة يذكر مثال، ويشير إلى بعض ما يحتاج إليه من قواعد وضوابط تعين على فهم النوع، وأما ألفية العراقي فيأتي بكل شيء يحتاجه طالب العلم، فلذا من حفظها أتقن هذا الفن، لاسيما إذا طبق بالأمثلة العملية، واقترن عنده النظري بالعملي، ولاحظ مواقع الاستعمال، استعمال الأمة لهذه الاصطلاحات، مثل هذا ينبل ويبرز في هذا الفن -إن شاء الله تعالى-، " وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ" والحد كما هو معروف التعريف، " أَوَّلُهَا " أول هذه العدة، وأول هذه الأنواع " الصَّحِيحُ " لذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن *** إلى صحيح وضعيف وحسن
فالأول المتصل الإسنادِ *** بنقل عدل ضابط الفؤادِ
عن مثله من غير ما شـذوذِ *** وعلة قادحة فتـوذي
هنا يقول: " أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ " هذا الاسم، العنوان، وتعريفه، " وَهْوَ مَا اتَّصَلْ *** إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ".
" يَرْويـهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثلِهِ *** مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَ نَقْلِهِ "
هذا تعريف الحديث الصحيح، هذا كل ما عنده بالنسبة للصحيح؛ لأنها في غاية الاختصار، اقتصر على الاسم، والتعريف، " وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ" التعريف، " أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ " فعيل، صيغة مبالغة، من الصحة، ضد السقم، وهو ما اتصل إسناده بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله عمن فوقه، بطريق معتبر من طرق التحمل، ما تصل إسناده بأن يكون كل راوٍ من رواته الأتي وصفهم من العدول الضابطين، كل راوٍ من هؤلاء الرواة تحمل الخبر عمن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل الثمانية، التي تأتي الإشارة إليها -إن شاء الله تعالى-، التي هي: السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الإعلام، الوصية، الوجادة، أما بالنسبة للسماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ لا خلاف في اعتمادهما طرق من طرق التحمل، لم يخالف فيهما أحد، الإجازة محل خلاف بين أهل العلم، واستقر العمل على الرواية بها عند أهل العلم، المكاتبة أيضاً طريق معتبر من طرق الرواية، ووجدت بين الصحابة فيما بينهم، وبينهم وبين التابعين ومن بعدهم إلى شيوخ الأئمة، فرووا بها، واعتبروها طريقاً معتبراً، المناولة أيضاً إذا اقترنت بالإجازة فهي معتبرة، وإذا خلت عنها فالخلاف فيها قوي، والأصح باطلة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وإن خلت عن أذن المناولة *** قيل: تصح والأصح باطلة
الإعلام بأن هذا مرويه أيضاً الرواية بها ضعيفة، وإن وجد الخلاف، وكذلك الوصية، إذا أوصى بكتبه، مروياته لأحد لا يجوز أن يروي بمجرد الوصية إلا على قول شاذ، والوجادة: أن يجد بخط شيخه الذي لا يشك فيه، يجد فيه مرويه، يرويه بطريق الوجادة، يقول: وجدت بخط فلان هذا معروف، وفي المسند أحاديث كثيرة يقول عبد الله بن أحمد : "وجدت بخط أبي"، فهي طريق معتبر إذا لم يشك في الخط.
" أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ *** إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ" عرفنا كيف يتصل الإسناد، أما إذا انقطع الإسناد سواء كان من أوله أو من أخره، نعم، أو من أثنائه بواحد أو أكثر، سواء كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، على ما سيأتي تفصيله في أنواع الانقطاع الظاهر والخفي، فلا يكون الخبر صحيحاً، فقوله: " مَا اتَّصَلْ إِسْنَادُهُ " يخرج ما انقطع إسناده، على أي وجه كان الانقطاع، "وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ" يعني لم يكن مشتمل على شذوذ، والشاذ الذي استقر عليه الأمر: ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ** فيه الملا فالشافعي حققه
ومنهم من يطلق الشذوذ على مجرد التفرد، سواءً كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، ومهم من يقول: الشاذ تفرد من لا يحتمل تفرده، على خلاف في ذلك مبسوط في كتب ومواضع أخرى.
" أَوْ يُعَلْ" يعني لم يشتمل الخبر على علة، والعلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، " يَرْويـهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثلِهِ " العدل عند أهل العلم يقولون: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، هذا العدل عند أهل العلم، بمعنى أنه لا يترك واجب، ولا يرتكب محرم؛ لأن التقوى فعل الواجبات، وترك المحرمات، والمروءة آداب نفسانية، تحمل مراعاتها التخلق بأجمل الأخلاق، وعدم الخروج على الأعراف، هذه هي المروءة، ليس من المروءة أن يخرج الإنسان حاسر عن رأسه بين أناس يغطون رؤوسهم، ليس من المروءة أن يأكل في الأسواق بين أناس يعيبون ذلك، نعم، فالمروءة ليست من الأمور المحرمة الظاهرة، وإنما هي ملاحظة الغير، وعدم الاشتهار بشيء يختلف فيه الإنسان عن غيره، نعم، وأما ارتكاب المحرمات وترك الواجبات هذا داخل في التقوى، " يَرْويـهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ " ضابط نعم، الضابط: الحازم الحافظ الذي يحفظ الخبر، ويأديه، يحفظه ويحافظ عليه بحزم من حيث يتحمل إلى أن يؤدي؛ لأن للرواية طرفين، الرواية لها طرفان: طرف يسمى التحمل، وطرف يسمى الأداء، فالتحمل : أخذ الأحاديث عن الشيوخ، حفظ، تسمع من الشيوخ، أو تقرأ على الشيوخ هذا تحمل، والأداء تؤدي إلى التلاميذ، نعم، في حال التحمل لا يشترط شيء، إنما يشترط التمييز، يعني تفهم وتحفظ فقط، لا يشترط أن يكون بالغاً، ولا يشترط أن يكون عدلاً، ولا يشترط أن يكون مسلماً أيضاً حال التحمل؛ لأن العبرة في حال الأداء، كون الإنسان يحفظ شيء في حال الصغر، في حال الفسق، في حال الكفر هذا لا يعنينا كونه يحفظ، متى نحتاج إلى الشروط؟ إذا أراد أن يؤدي، هل تنطبق عليه الشروط أو لا تنطبق؟ نأخذ عن هذا أو لا نأخذ؟ هنا لا بد من توافر الشروط، أما تحمل الفاسق، تحمل الصغير، تحمل الكافر مقبول إذا أدى بعد انطباق الشروط عليه، محمود بن الربيع عقل المجة التي مجها –النبي عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلو، وهو ابن خمس سنين، تقول: ما نقبل روايته لأنه صغير ما هو مكلف؟ نعم لا نقبل أداءه لهذا الخبر إلا بعد أن تنطبق على الشروط، ﴿ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [ سورة الحجرات، الآية : 6 ] وفي قراءة : ﴿ فتثبتوا ﴾ أما في حال الأداء فلا نشترط شيء، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في حال كفره يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور فتحمل على الوجه المطلوب، لكن لو أدى حال كفره نقبل وإلا ما نقبل؟ ما نقبل؛ لأن العدالة شرط، أدى بعد إسلامه فقبلنا، وخرج الخبر في الصحيحين.
أجمع جمهور أئمة الأثر *** والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطاً معدلاً *** أي يقضاً ولم يكن مغفلاً
يحفظ إن حدث حفظاً يحوي *** كتابه إن كان منه يروي
لا بد أن يكون ضابطاً يضبط ما سمع، ولو كان عدل من أوثق الناس من خيار الناس بالصدق والعدالة، لكن إذا سمع شيء نسيه ما يقبل خبره، هذا ليس بضابط، ولو كان من أضبط الناس وأحفظهم، لكن يرتكب المحرمات، هذا لا يؤمن، إذاً لا يقبل خبره.
" يَرْويـهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثلِهِ " بأن يكون جميع طبقات السند يتصفون بهذين الوصفين: العدالة والضبط، ومجموع العدالة والضبط ينتج منهما وصف لا بد منه في الرواية هو الثقة، الثقة: هو عبارة عن اجتماع عدالة وضبط، فلا بد أن يتوافر هذان الشرطان في جميع طبقات السند من أوله إلى أخره عن مثله مع اتصال السند "مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَ نَقْلِهِ" معتمد عن مثله، راوٍ مثله في الأوصاف السابقة، وهو أيضاً يكون ممن يعتمد عليه في الرواية "مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ" ضابط، حافظ، حازم، حافظ، "وَ نَقْلِهِ" مأمون على السنة، وإذا توافر الشرطان: العدالة والضبط صار الراوي معتمد في ضبطه ونقله، والأمثلة على الحديث الصحيح كثيرة جداً، فالصحيحان وغيرهما فيهما الأحاديث الصحيحة، فمظنة الحديث الصحيح في الصحيحين.
أول من صنف في الصحيحِ *** محمد وخص بالترجيحِ
ومسلم بعد وبعض الغرب مع *** أبي علي فضلوا ذا لو نفع
"ولم يعماه" يعني ما عم جميع الصحيح، ولذا الدعوى إلى الاقتصار بالصحيح مع القرآن دعوى غير مقبولة، هناك من يقول: يكفينا الصحيحان، القرآن والصحيحان، وكل دعوى تجد من يتبعها، هناك جماعة يسمون جماعة الاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وألف في ذلك: (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن والصحيحين) لكن هذه دعوى غير صحيحة؛ لأننا بهذا نعطل أكبر قدر من السنة، فصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير الصحيحين أكثر مما في الصحيحين، ولذا يقول الحافظ العراقي :
ولم يعماه ولكن قلما *** عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
فات الصحيحين قليل، "ورد" هذا الكلام ليس بصحيح بل كثير، "ورد لكن قال يحيى البرُ -النووي-، ولكن قال يحيى البر *** لم يفت الخمسة إلا النزرُ"، الخمسة: يعني من الصحيح، الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، هذه دواوين الإسلام الخمسة، قبل أن يضاف السادس، لم يفت الخمسة إلا النزر، يعني النزر القليل من الصحيح، "وفيه ما فيه" وهذا أيضاً كناية عن ضعفه؛ لأنه أيضاً يصفو لنا من مسند أحمد -رحمه الله تعالى- صحيح كثير، لا يوجد في الخمسة، يصفو من صحيح ابن حبان صحيح كثير، لا يوجد في الخمسة، يصفو من صحيح ابن خزيمة كذلك، من مستدرك الحاكم، من سنن البيهقي، من غيرها من الكتب يصفو صحيح كثير في غير الخمسة، "وفيه ما فيه" كناية عن ضعفه، "لقول الجعفي أحفظ منه -يعني من الصحيح- عُشْر ألفِ ألفِ" يعني يحفظ مائة ألف حديث البخاري -رحمه الله تعالى-، لكن قد يقول قائل: وين هاالمائة ألف؟ حديث صحيحة مائة ألف وين؟ أجاب الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بقوله:
وعله أراد بالتكــــرار *** لها وموقوف وفي البخاري
أربعة الآلف والمكررُ *** منها ثلاثة ألوف ذكـروا
المقصود أن الأحاديث الصحيحة كثيرة جداً، وفيها ما يشغل عمر المسلم تعلماً وتعليماً وعملاً، وما يغنيه عن تتبع الأخبار التي لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فضلاً عن الأخبار التي تضاف إلى غيره، فضلاً عن الوسائل التي تلقن الناس اليوم، وفتنوا بها من وسائل إعلام مقروءة ومرئية ومسموعة، الناس انصرفوا عن العلم الصحيح الأصيل إلى هذه الأمور التي تشغلهم، وتشوش أفكارهم، ولا تفيدهم لا في دينهم، ولا في دنياهم، وعلينا أن نعنى بالأحاديث الصحيحة، ولتكن عنايتنا بصحيح البخاري أكثر من غيره؛ لأنه ديوان الإسلام بعد القرآن، وفيه من العلم ما لا يستغني عنه أحد، نعم طالب العلم المبتدئ يربى على المتون الصغيرة، يحفظ الأربعين، يحفظ العمدة، يحفظ البلوغ أو المحرر، لكن بعد ذلك لا يقف، يعتني بالكتب الكبار المسندة الأصلية في الباب، ولتكن عنايته الأولى بصحيح البخاري، حتى إذا أتقنه ينظر فيما عداه كصحيح مسلم والسنن وغيرها،